انطلقت يوم الاثنين في واشنطن أولى جلسات المحاكمة في قضية مكافحة الاحتكار التاريخية المرفوعة ضد عملاق التواصل الاجتماعي شركة ميتا.
ويزعم محامو هيئة مراقبة المنافسة وحماية المستهلك الأمريكية أن الشركة سحقت منافسيها بشكل غير قانوني من خلال شرائها إنستغرام وواتساب قبل أكثر من عقد.
وصرح دانيال ماثيسون، محامي لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية، "أن شركة ميتا ارتأت أن المنافسة ستكون صعبة للغاية ولذلك قررت أن شراء شركات منافسيها سيكون أسهل من منافستهم".
وردّت ميتا بأن الدعوى القضائية المرفوعة من لجنة التجارة الفيدرالية، التي راجعت ووافقت على عمليات الاستحواذ هذه، "مضللة".
وجادل محامي ميتا، مارك هانسن، بأن الشركة "استحوذت على إنستغرام وواتساب لتحسينهما وتطويرهما والعمل على نموهما جنبا إلى جنب مع فيسبوك".
وقد يُجبر فوز لجنة التجارة الفيدرالية الرئيس التنفيذي لشركة ميتا، مارك زوكربيرغ، على تفكيك الشركة.
وقد يشمل ذلك فصل تطبيق مشاركة الصور إنستغرام عن تطبيق خدمة الرسائل واتساب تماماً بحيث لا يكون التطبيقان في شركة واحدة ومملوكان لجهة واحدة، أو بمعنى آخر، بيع أحدهما أو كليهما.
وأوضحت لجنة التجارة الفيدرالية أن الشركة دفعت مليار دولار عند استحواذها على إنستغرام عام 2012، وهي تكلفة مبالغ فيها. وبعد عامين، اشترت واتساب مقابل 19 مليار دولار.
وتقول ريبيكا هاو ألينسوورث، أستاذة قانون مكافحة الاحتكار في كلية فاندربيلت للحقوق في مدينة ناشفيل بولاية تينيسي الأمريكية إن "حجة لجنة التجارة الفيدرالية هي أن الاستحواذ على إنستغرام كان وسيلة لتحييد هذا التهديد التنافسي المتزايد لفيسبوك".
وتضيف أن كلمات زوكربيرغ نفسه، كتلك الواردة في رسائل بريده الإلكتروني، قد تُقدم الدليل الأكثر إقناعا في المحاكمة.
وتوضح ريبيكا أن زوكربيرغ "قال: "إنه من الأفضل الشراء بدلا من المنافسة"، وهو ما يجعل قوله دليلاً حرفياً قاطعاً ضده".
وفي يوم الاثنين، أشار محامي لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية، إلى مذكرة من زوكربيرغ عام 2012 يناقش فيها أهمية "تحييد" إنستغرام. ووصف ماثيسون الرسالة بأنها "دليل قاطع".
من جهتها أكدت شركة ميتا أن عمليات الشراء حسّنت تجربة المستهلك.
وقال محاميها، مارك هانسن، الاثنين، إن "عمليات الاستحواذ التي تهدف إلى التحسين والنمو" لم تُعد إطلاقا غير قانونية، "ولا ينبغي النظر إليها على أنها غير قانونية هنا".
وتؤكد ميتا أنها تواجه منافسة من مجموعة من التطبيقات الأخرى، مثل تيك توك، وإكس، ويوتيوب، وآي ماسج.
ومن المتوقع أن يدلي كل من زوكربيرغ والرئيسة التنفيذية السابقة للشركة، شيريل ساندبيرغ، بشهادتيهما في المحاكمة، التي قد تستمر لعدة أسابيع.
رُفعت قضية لجنة التجارة الفيدرالية ضد ميتا خلال الإدارة الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لكنها تُواجه خطر التسييس خلال ولايته الثانية.
ووفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال، فقد ضغط زوكربيرغ على ترامب شخصياً للضغط على لجنة التجارة الفيدرالية لسحب القضية وإسقاطها.
وعندما طلبت بي بي سي من المتحدث باسم شركة ميتا تأكيد هذا التقرير أو نفيه، تجنب المتحدث السؤال، لكن الشركة قالت في بيان لاحق "دعاوى لجنة التجارة الفيدرالية ضد ميتا تتناقض مع الواقع".
وقال المتحدث باسم ميتا لبي بي سي "بعد أكثر من عشر سنوات من مراجعة لجنة التجارة الفيدرالية، عمليات الاستحواذ التي قمنا بها وإقرارها، فإن إجراء اللجنة في هذه القضية يبعث رسالة مفادها أنه ما من صفقة نهائية على الإطلاق في أمريكا".
وقد توترت العلاقة بين زوكربيرغ وترامب جزئياً بسبب منع ترامب من استخدام منصات ميتا للتواصل الاجتماعي بعد أحداث الشغب في مبنى الكابيتول الأمريكي في يناير/ كانون الثاني 2021، لكن منذ ذلك الحين، تحسنت العلاقة إلى حد ما.
فقد ساهمت ميتا بمليون دولار في صندوق ترامب الافتتاحي، وضمت مستشارة ترامب السابقة دينا باول ماكورميك، ورئيس بطولة فنون القتال المختلطة، دانا وايت، وهو أحد حلفاء ترامب، إلى مجلس إدارة ميتا هذا العام.
كما أعلنت الشركة أيضا في يناير/ كانون الثاني من العام الجاري أنها ستلغي تعاقدها مع مدققي الحقائق المستقلين، ووافقت على دفع 25 مليون دولار لترامب لتسوية دعوى قضائية تتعلق بتعليق حساباته بعد أعمال الشغب في مبنى الكابيتول في 6 يناير/ كانون الثاني 2021.
ولا شك في أن قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب بإقالة اثنين من مفوضي لجنة التجارة الفيدرالية الديمقراطيين، ريبيكا كيلي سلوتر وألفارو بيدويا، وهما أقلية في اللجنة المكونة من خمسة مقاعد، في مارس/ آذار، يلقي بظلاله على القضية أيضاً.
فحتى يوم الأربعاء، لم يُشغل إلا مقعدان من هذه المقاعد، كلاهما من الجمهوريين، وقد تم تثبيت جمهوري آخر، من خارج مجلس الشيوخ يوم الخميس.
ويرى كل من ريبيكا كيلي سلوتر وألفارو بيدويا - اللذين يقاضيان إدارة ترامب لإعادة تعيينهما - أن خطوة إبعادهما كانت تهدف إلى ترهيبهما.
وقالت ريبيكا لبي بي سي في مقابلة أجريت معها مؤخرا "أرسل الرئيس إشارة واضحة للغاية، ليس فقط إلينا، بل إلى رئيس اللجنة، فيرغسون والمفوضة ميليسا، هوليواك، مفادها أنه إذا فعلوا ما لا يروقه، فقد يطردهم أيضا".
وأضافت "لذا، إذا لم يرغبوا في تقديم خدمة لحلفائه السياسيين، فهم أيضا على قائمة الاستبعاد".
وأعربت كل من ريبيكا كيلي سلوتر وألفارو بيدويا عن قلقهما إزاء التقارير الأخيرة حول جهود الضغط التي يمارسها زوكربيرغ.
وقال ألفارو بيدويا لبي بي سي: "آمل ألا يكون هناك أي تدخل سياسي".
ولم ترد لجنة التجارة الفيدرالية على طلب من بي بي سي للتعليق على الموضوع.
وصرّح فيرغسون، الذي عيّنه ترامب رئيسا للجنة مؤخرا لموقع "ذا فيرج" بأنه "سيتبع الأوامر القانونية"، عندما سُئل عما سيفعله إذا أمره الرئيس بإسقاط دعوى قضائية مثل تلك المرفوعة ضد ميتا.
وأضاف فيرغسون أنه سيتفاجأ للغاية إذا حدث شيء من هذا القبيل.
وتُعد لجنة التجارة الفيدرالية جهة رقابة رئيسية لمكافحة الاحتكار. وفي السنوات الأخيرة، أعادت مئات الملايين من الدولارات لضحايا الاحتيال، بالإضافة إلى سنّ قوانين تحظر رسوم الاشتراكات غير المرغوب فيها وفخاخ الاشتراكات.
ومع بدء محاكمة ميتا، تبدو الإدارة حريصة على كبح جماح اللجنة، ضمن ما تقوم به مع العديد من الهيئات التنظيمية المستقلة.
كما نُقل عن فيرغسون مؤخراً تأكيد اعتقاده بأن الهيئات التنظيمية المستقلة "ليست جيدة للديمقراطية".
تبدأ قضية لجنة التجارة الفيدرالية ضد ميتا مع الاستعداد لقضية رئيسية أخرى لمكافحة الاحتكار - الولايات المتحدة ضد غوغل - للدخول إلى ما يُعرف بمرحلة الحلول.
وكانت وزارة العدل قد فازت بالمرحلة الأولى من تلك القضية الصيف الماضي، عندما خلص القاضي أميت ميهتا إلى أن غوغل تحتكر البحث عبر الإنترنت، بحصة سوقية تبلغ حوالي 90 في المئة.
وفي الشهر الماضي، كررت وزارة العدل تقديم طلب للمحكمة، قُدّم خلال إدارة بايدن، يطالب بتفكيك احتكار غوغل للبحث.
وقالت لورا فيليبس سوير، الأستاذة المساعدة في قانون الأعمال بجامعة جورجيا الأمريكية، إن إثبات قضية لجنة التجارة الفيدرالية ضد ميتا سيكون أصعب.
وأضافت "أعتقد أنهم يواجهون معركة شاقة بكل ماتعنيه الكلمة"، في إشارة إلى لجنة التجارة الفيدرالية.
وأردفت "أمامهم طريقٌ طويلٌ قبل أن تفكر شركة ميتا أو تقرر البيع أوالتخلي عن إنستغرام أو واتساب".
وأوضحت أستاذة قانون الأعمال أن ذلك يعود إلى الحجم الأكبر للمنافسة في مجال خدمات الشبكات الشخصية التي تعمل فيها ميتا، مقارنةً بالبحث عبر الإنترنت.