في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في لحظة مفصلية من التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة وإيران، تعود مفاوضات البرنامج النووي الإيراني إلى واجهة المشهد الدولي، لكن هذه المرة وسط معادلات أكثر تعقيدًا وسيناريوهات مفتوحة على جميع الاحتمالات.
وبينما تصر واشنطن على إجراء مفاوضات مباشرة، تواصل طهران مناوراتها الدبلوماسية متمسكة بخيار الحوار غير المباشر، ما يطرح تساؤلات حقيقية بشأن مصير الدبلوماسية: هل ستنجح في تفادي المواجهة العسكرية، أم أن المنطقة تقف على أعتاب انفجار مؤجل؟
مفاوضات معقدة وسط تصعيد حذر
تشهد العلاقات الأميركية الإيرانية تصعيداً حذراً مع عودة ملف المفاوضات النووية إلى الواجهة، وسط تباين في المواقف بشأن شكل اللقاء المنتظر.
ففي حين ترغب واشنطن في مفاوضات مباشرة، تتمسك طهران بالحوار غير المباشر عبر وسطاء، أبرزهم سلطنة عُمان، التي تستعد لاستضافة جولة جديدة من المشاورات السبت المقبل.
هذا الإصرار الإيراني على الشكل غير المباشر من التفاوض، كما أوضحت هبة القدسي، مديرة مكتب صحيفة الشرق الأوسط في واشنطن، يعود إلى "الشكوك الإيرانية العميقة تجاه نوايا الولايات المتحدة ومحاولة كسب الوقت"، وهو ما تعتبره إيران وسيلة لخفض الضغط الأمريكي المستمر.
انفتاح مشروط وتخوّف متبادل
القدسي أكدت في تصريحاتها لبرنامج التاسعة على قناة "سكاي نيوز عربية" أن "هناك توجهات إيرانية تبدو منفتحة على الحوار الدبلوماسي، ولكن في الوقت ذاته، هناك تخوفات من أن يتم استغلال هذا الحوار لفرض شروط مجحفة"، مضيفة أن "طهران لا تزال تراهن على نمط المفاوضات غير المباشرة كما حدث في عهد إدارة بايدن، عبر مجموعة 5+1".
ضغوط أميركية وشروط صعبة
من الجانب الأميركي، تأتي المواقف مشوبة بالحذر والإصرار. فقد نقلت صحيفة واشنطن بوست عن مصادر أمريكية مطلعة أن فريق المبعوث الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف قد يعتذر عن السفر إلى عُمان إن لم توافق طهران على مفاوضات مباشرة.
في المقابل، لم تُخفِ إيران استعدادها لفتح أسواقها للمستثمرين الأميركيين، وهو ما وصفته القدسي بـ"رسالة موجهة إلى غرائز الرئيس ترامب التجارية أكثر من كونها تعبيراً عن مرونة سياسية حقيقية".
الورقة الاقتصادية في خدمة السياسة
وفي سياق آخر، ربطت هبة القدسي موقف طهران الاقتصادي بإستراتيجية تهدف إلى كسب التعاطف الأميركي، قائلة: "ما أعلنه الرئيس الإيراني عن الترحيب بالمستثمرين الأمريكيين ليس صدفة، بل هو محاولة لإغراء إدارة ترامب بعقد صفقة تجارية بدلاً من صفقة نووية."
ومع استمرار التلويح بالعصا والجزرة، فإن هناك مؤشرات قوية على انعدام الثقة المتبادلة، إذ ترى إدارة ترامب أن طهران تحاول شراء الوقت، فيما تخشى طهران من ضغوط قد تفكك برنامجها النووي بالكامل وتجرّدها من قوتها الإقليمية.
مطالب أميركية تتجاوز النووي
وتنقل القدسي عن مستشار الأمن القومي الأميركي مايك وولز أن المطالب الأميركية لا تقتصر فقط على البرنامج النووي، بل تشمل أيضاً "تفكيك البرنامج الصاروخي الباليستي وقطع العلاقات مع وكلاء إيران في المنطقة"، ما تعتبره إيران "محاولة لوضعها عارية من كل أدوات الردع"، بحسب وصفها.
هل يملك ويتكوف مفاتيح الحل؟
وعلى الرغم من كل ذلك، فإن مسألة إنجاح المسار الدبلوماسي لا تزال محل شك من الطرفين، خصوصاً مع مشاركة شخصية غير متخصصة مثل ويتكوف في هذه المحادثات.
وتُعقّب القدسي على ذلك بقولها: "ويتكوف ليس لديه خبرة في مجال الطاقة النووية، وهو بالأصل خبير عقارات، ما يثير تساؤلات عما إذا كانت هذه مجرد مقدمة لحوار سياسي محدود أو بداية لمسار تفاوضي فعلي."
ظل التصعيد الإسرائيلي يخيّم على المشهد
في الخلفية، يبقى التصعيد الإسرائيلي ماثلاً في المعادلة. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يتردد في إعلان أن "الخيار العسكري لا مفر منه إذا طال أمد المفاوضات"، وهو ما يفتح الباب أمام تصعيد إقليمي خطير، خصوصاً أن إيران، وفقاً لما بثّته مؤخرًا من صور ومقاطع، تلوّح بترسانتها العسكرية وبرد قاسٍ إن لزم الأمر.
ما بين انفتاح حذر من طهران وإصرار أميركي على التفاوض المباشر، تتأرجح الدبلوماسية فوق هاوية التصعيد.
وبينما ترى هبة القدسي أن "الطرفين يبعثان برسائل مزدوجة – حوارية في ظاهرها، تصعيدية في باطنها"، يبقى السؤال الكبير معلقًا: هل ما زالت الفرصة متاحة أمام الدبلوماسية؟ أم أن ما نراه ليس سوى مهلة قصيرة قبل أن تشتعل شرارة المواجهة؟