آخر الأخبار

حرب غزة: استقالات وإقالات متتالية في إسرائيل: هل تشكل تهديداً لحكومة نتنياهو؟

شارك
مصدر الصورة

بعد سلسلة من الاستقالات والإقالات التي شملت عدداً من المسؤولين الإسرائيليين على الصعيدين السياسي والعسكري، كان آخرها إقالة رئيس جهاز الأمن العام "الشاباك" رونين بار، أثيرت تساؤلات حول دلالات هذه الإقالات والاستقالات وتأثيرها على المستقبل السياسي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

فمؤخراً، أعلن نتنياهو عزمه إقالة رونين بار من رئاسة الشاباك بسبب "انعدام الثقة" بينهما، بينما وصفت صحيفة "هآرتس" تحركات نتنياهو، بأنها تهدف للسيطرة على الشاباك من خلال إقالة رئيسه، مع احتمال تعيين بديل موالٍ، ما قد يحقق له السيطرة الكاملة على الجهاز بحسب الصحيفة.

ومنذ هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، دخلت الحكومة الإسرائيلية في دوامة اتهامات متبادلة بين أعضائها والمعارضين لها بالمسؤولية عما تصفه بأنه "أسوأ هجوم في تاريخها".

ففي 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزير الدفاع يوآف غالانت من منصبه، وعَيَّنَ وزير الخارجية يسرائيل كاتس خلفاً له.

خلافات حادة

مصدر الصورة

جاءت إقالة غالانت في ظل خلافات حادة بينه وبين نتنياهو حول إدارة الصراع مع حركة حماس في قطاع غزة، خاصةً فيما يتعلق بمصير الرهائن الإسرائيليين المحتجزين هناك.

غالانت، الذي شغل منصب وزير الدفاع منذ عام 2022، أعرب عن رغبته في إنهاء العمليات البرية في غزة والتفاوض مع حماس لإعادة الرهائن، إلا أن نتنياهو عارض هذه الخطوات، مفضلاً استمرار العمليات العسكرية للحفاظ على دعم الوزراء اليمينيين في ائتلافه الحكومي.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، متهمةً إياهما بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال الصراع في غزة، وشملت الاتهامات استخدام التجويع كوسيلة حرب ضد المدنيين، ورفضت إسرائيل هذه الاتهامات، مشددةً على أنها لا تعترف باختصاص المحكمة.

بالإضافة إلى ذلك، برزت خلافات أخرى بين غالانت ونتنياهو، أبرزها قضية إعفاء اليهود الحريديم من الخدمة العسكرية، حيث أصر غالانت على ضرورة تجنيد الجميع لضمان أمن إسرائيل، كما طالب بإجراء تحقيق محلي لاستخلاص الدروس من الإخفاقات الأمنية، وهوما لم يلقَ استجابة من نتنياهو، هذه الخلافات المتعددة ساهمت في تفاقم التوترات بينهما، ما أدى في النهاية إلى إقالة غالانت من منصبه.

ولم تكن هذه المرة الأولى التي يُقال فيها غالانت من منصبه، ففي مارس/آذار 2023، أقال نتنياهو وزير الدفاع يوآف غالانت بعد أن دعا الأخير إلى تجميد خطط التعديلات القضائية المقترحة، محذرا من أن الانقسام حول هذه التعديلات يشكل خطراً على أمن إسرائيل.

وأثارت تلك الإقالة موجة واسعة من الاحتجاجات في مختلف أنحاء البلاد، حيث خرج مئات الآلاف إلى الشوارع للتعبير عن رفضهم للقرار، ليتراجع نتنياهو حينها عن إقالة غالانت.

استقالات أم إقالات؟

مصدر الصورة

وفي 21 يناير/كانون الثاني 2025، أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال هرتسي هاليفي، استقالته من منصبه، متحملاً المسؤولية عن الإخفاقات الأمنية خلال هجوم حركة حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والذي أسفر عن مقتل حوالي 1200 إسرائيلي، واحتجاز نحو 250 آخرين بحسب السلطات الإسرائيلية.

في رسالة استقالته، أقر هاليفي بأن الجيش الإسرائيلي "فشل في مهمته لحماية مواطني إسرائيل"، مؤكداً أن مسؤوليته عن هذا الفشل ستلازمه مدى الحياة.

ووفقاً لتقارير إعلامية إسرائيلية، هناك ادعاءات بأن نتنياهو ووزير الدفاع، يسرائيل كاتس مارسا ضغوطاً على رئيس الأركان هرتسي هاليفي لدفعه نحو تقديم استقالته.

وذكرت القناة 12 الإسرائيلية أن نتنياهو وكاتس سعيا للتضييق على هاليفي بهدف دفعه للاستقالة، حيث "لا يملكان الجرأة لإقالته مباشرة".

بالإضافة إلى ذلك، أشارت صحيفة هآرتس الإسرائيلية إلى أن استقالة هاليفي قد تُستغل لتعزيز أهداف الحكومة الحالية، بما في ذلك تطهير القيادة العليا في الجيش الإسرائيلي، وتكريس الرواية التي تُحمّل الجيش وحده مسؤولية الإخفاقات، مع إعفاء القيادة السياسية من المسؤولية.

هرتسي هاليفي، البالغ من العمر 57 عاماً، شغل منصب رئيس الأركان منذ يناير/كانون الثاني2023، وانضم إلى الجيش عام 1985، وتدرج في المناصب القيادية، حيث قاد وحدة المظليين "عوريف"، ثم وحدة النخبة "سايرت ماتكال"، وتولى قيادة تشكيلة الجليل المسؤولة عن الحدود مع لبنان.

وفي عام 2014، عُيّن رئيساً لشعبة الاستخبارات العسكرية، ثم قاد المنطقة الجنوبية المسؤولة عن قطاع غزة، قبل أن يصبح رئيس الأركان الثالث والعشرين للجيش الإسرائيلي.

وتُعد استقالة هاليفي خطوة نادرة في تاريخ الجيش الإسرائيلي، وجاءت في وقت حساس، تزامناً مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار مع حماس حيز التنفيذ.

قادة الجيش "يُقرون بالفشل"

مصدر الصورة

وفي يونيو/حزيران 2024، أعلن العميد آفي روزنفيلد، قائد فرقة غزة في الجيش الإسرائيلي، استقالته من منصبه، متحملاً المسؤولية عن الإخفاقات الأمنية خلال هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ففي رسالة وجهها إلى رؤساء بلديات منطقة غلاف غزة، أقر روزنفيلد بفشله في حماية سكان البلدات الحدودية مع قطاع غزة، واصفاً ذلك بأنه "فشل في مهمة حياته".

وجاءت استقالة روزنفيلد في سياق سلسلة من الاستقالات والانتقادات التي طالت القيادة العسكرية الإسرائيلية عقب هجوم أكتوبر/تشرين الأول 2023.

كما قدّم قائد وحدة الاستخبارات الإسرائيلية "8200"، العميد يوسي شاريئيل، استقالته في 12 سبتمبر /أيلول 2024، وفقاً للصحف الإسرائيلية.

وجاءت استقالة شاريئيل بعد سلسلة من "الإخفاقات التي واجهتها الوحدة"، أبرزها الفشل في تقديم تحذيرات مسبقة عن هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول بحسب صحف إسرائيلية.

وأضافت الصحف أن هذه الاستقالة جاءت في سياق سلسلة استقالات أخرى داخل شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، مما يعكس "أزمة عميقة في المنظومة الاستخباراتية الإسرائيلية".

وقد أقرّ شاريئيل بمسؤوليته عن الإخفاقات، مشيراً إلى أن الوحدة لم تتمكن من توفير المعلومات اللازمة التي كان من شأنها منع الهجوم.

وتُعد وحدة 8200 من أهم وحدات الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي، حيث تُركز على جمع وتحليل المعلومات الاستخباراتية من مصادر إلكترونية، وتشمل مهامها التنصت على الاتصالات، وتحليل البيانات، واختراق الشبكات الإلكترونية، وتُعتبر الوحدة حجر الزاوية في العمليات الاستخباراتية الإسرائيلية، حيث تعتمد عليها القيادة العسكرية والسياسية لاتخاذ قرارات استراتيجية.

ومن بين الاستقالات الأخرى، أعلن اللواء أهارون هاليفا، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، استقالته رسمياً في 22 أبريل/ نيسان 2024، بعد انتقادات واسعة لفشل الاستخبارات في التنبؤ بهجوم السابع من أكتوبر.

وفي نص استقالته، أقر هاليفا بأن شعبة الاستخبارات لم تقم بالمهمة التي أُوكلت إليها، ودعا إلى تشكيل لجنة خاصة للتحقيق في الإخفاقات التي أدت إلى هذا الهجوم.

كما أعلن اللواء يارون فنلكمان، قائد المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي، استقالته رسمياً في21 يناير/كانون الثاني 2025، بعد أقل من ساعة من إعلان رئيس الأركان هرتسي هاليفي استقالته، وأقر حينها بفشله في حماية سكان النقب الغربي، واصفًا إياهم بـ"الأبطال الأحباء".

كما أشار إلى أن قراره بالاستقالة جاء بعد مراجعة شاملة للأحداث والتحديات التي واجهها الجيش خلال الحرب التي استمرت لنحو 15 شهراً.

وفي 3 مارس/آذار 2025.، أعلن اللواء عوديد باسيوك، رئيس شعبة العمليات العسكرية في الجيش الإسرائيلي، استقالته رسمياً، إذ قال إن قراره جاء نتيجة لتحمله المسؤولية عن الإخفاقات العملياتية التي وقعت خلال الهجوم، رغم أن التحقيقات لم تُحمله مسؤولية مباشرة عن تلك الأحداث.

ووافق رئيس الأركان الجديد، إيال زامير، على طلب الاستقالة، لكنه طلب من باسيوك البقاء في منصبه حتى الصيف المقبل لضمان انتقال سلس للقيادة، نظراً للتحديات العملياتية التي يواجهها الجيش.

وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت أن استقالة باسيوك كانت متوقعة، خاصة بعد الانتقادات التي طالت أداء شعبة العمليات خلال الهجوم، حيث أُشير إلى أن باسيوك كان من بين المسؤولين الذين شاركوا في المشاورات الليلية التي سبقت الهجوم، والتي لم تسفر عن اتخاذ إجراءات وقائية فعّالة.

هل تؤثر هذه الاستقالات والإقالات على مستقبل نتنياهو؟

ويرى العديد من المحللين الإسرائيليين الاستقالات والإقالات على أنها خطوة ضرورية لاستعادة الثقة في المنظومة الأمنية "إذ تُبرز هذه الاستقالات أزمة عميقة في القيادة العسكرية الإسرائيلية، وتؤكد الحاجة إلى مراجعة شاملة للسياسات والإجراءات الأمنية".

وفي حديثه مع بي بي سي، أشار المحلل السياسي الإسرائيلي نظير مجلي، إلى أنه كان من الضروري أن تحدث الاستقالات مباشرة بعد الهجوم، نظراً لـ"الإخفاقات الأمنية والعسكرية والسياسية الواضحة"، ومع ذلك، لم يقدم أي مسؤول في الحكومة أو الجيش استقالته، حيث كان كل طرف "يحاول تجنب المسؤولية من خلال إلقاء اللوم على الآخر" بحسب مجلي.

وأوضح مجلي أن هذه المرة الأولى في إسرائيل "التي يُدفع فيها رئيس أركان الجيش إلى الاستقالة بطلب من القيادة السياسية"، مضيفاً أن الاستقالات "ستعزز موقف الحكومة الإسرائيلية بدلاً من إضعافه"، سواء في نظرها أو في نظر الجيش والأجهزة الأمنية والمخابرات، وحتى المعارضة.

ويرى مجلي أن "الاستبدال" في صفوف الجيش "لا يعتمد على الكفاءة، بل على الولاء"، حيث يسعى نتنياهو لاختيار الأشخاص الذين "يظهرون ولاءً أكبر للحكومة ويعكسون سياستها بشكل أكبر"، معتبراً أن "إسرائيل لا تغامر لحماية أمنها بل لحماية منصب نتنياهو في الحكم"، متوقعاً المزيد من الاستقالات بين المسؤولين الإسرائيليين.

ويضيف مجلي أن الحكومة الإسرائيلية لم تتوقف عن "مهاجمة" الجيش، وبناءً على ذلك جاءت الاستقالات عندما أدرك الجيش أن الحكومة مصرة على "دفعهم للاستقالة" لذلك، اختاروا الاستقالة بدلاً من أن يتم إقالتهم على حد وصفه.

لكن عند العودة إلى أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يرى المحلل السياسي عامر السبايلة أن إسرائيل مصرة على ضرورة الاعتراف بوجود "فشل أخلاقي يستدعي استقالة المسؤولين نتيجة لهذا الخلل".

ويؤيد السبايلة رأي مجلي حول تأثير هذه الإقالات والاستقالات الأخيرة على رئيس الوزراء الإسرائيلي والمؤسسة العسكرية، إذ يرى أن هذه الاستقالات "لا تشكل هزة للمؤسسة العسكرية".

فيما يتوقع مجلي أن تعود هذه الاستقالات بالفائدة على نتنياهو شخصياً، إذ يرى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي خاض "صراعاً "مع قيادة الجيش والأجهزة الأمنية منذ عام 2010-2011، بعدما رفضوا طلبه بدراسة حرب ضد إيران.

ومنذ ذلك الحين، "بدأ نتنياهو في تحريض الإعلام والمراكز اليمينية ضد الجيش، مما أدى إلى تقويض سمعة قيادته التي كانت تُعتبر مقدسة في إسرائيل" بحسب مجلي.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا