آخر الأخبار

الحكومة السودانية تقلل من خطوة قوات الدعم السريع بتشكيل حكومة موازية لها

شارك
مصدر الصورة

وقّعت قوات الدعم السريع، التي تخوض صراعًا مع الجيش السوداني منذ ما يقارب العامين، ميثاقًا سياسيًا في العاصمة الكينية نيروبي، يهدف إلى تمهيد الطريق لتشكيل حكومة موازية للحكومة التي يسيطر عليها الجيش، والتي تتخذ من مدينة بورتسودان مقرًا لها.

ومع ذلك، قللت الحكومة السودانية من أهمية هذه الخطوة، حيث وصفها وزير الإعلام والناطق الرسمي باسمها، خالد الأعيسر، بأنها مجرد "تظاهرة دعائية" لن يكون لها أي تأثير فعلي على أرض الواقع.

تأجيل متكرر

مصدر الصورة

في 17 فبراير/شباط الحالي، وُجّهت دعوات إلى الصحفيين ووسائل الإعلام الدولية في نيروبي لتغطية مراسم التوقيع على "ميثاق السودان التأسيسي"، الذي يهدف إلى تشكيل حكومة السلام والوحدة. كان من المقرر أن يُعقد الحدث في مركز كيناتا الدولي، أحد أكبر مراكز المؤتمرات الحكومية في كينيا.

امتلأت القاعة بوسائل الإعلام الدولية وسط شائعات بأن قوات الدعم السريع وحلفاءها سيعلنون عن حكومة موازية، وأن قائد القوات، الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، سيظهر لأول مرة بعد غيابه الطويل.

ومع ذلك، لم يحضر حميدتي، بل ظهر شقيقه، عبد الرحيم دقلو، الذي يقود القوات بالإنابة عنه. وكان لافتًا أيضًا حضور عبد العزيز الحلو، رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان، الذي تسيطر قواته على مناطق واسعة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق الحدودتين مع دولتي جنوب السودان واثيوبيا.

لكن، في نهاية اليوم، لم يتم التوقيع على الميثاق، وأُعلن تأجيله إلى أجل غير مسمى. وأوضح الهادي إدريس، رئيس الجبهة الثورية وأحد منظمي الحدث، أن التأجيل جاء لإتاحة الفرصة لمزيد من الوفود للمشاركة.

بينما أفادت مصادر أخرى أن عبد العزيز الحلو اشترط تضمين علمانية الدولة في الميثاق قبل الموافقة على التوقيع.

علمانية الدولة

مصدر الصورة

بعد عدة تأجيلات ومشاورات مكثفة، وقّع أكثر من 20 كيانًا سياسيًا وفصيلًا مسلحًا على الوثيقة السياسية، في قاعة أخرى، في ساعة متأخرة من مساء السبت، 22 فبراير/شباط.

تنص الوثيقة، التي اطّلعت عليها بي بي سي، على إقامة دولة علمانية ديمقراطية، وتشكيل حكومة انتقالية تهدف إلى إنهاء الحرب، وتحقيق السلام الشامل، وحماية المدنيين، وإيصال المساعدات الإنسانية.

وتُعد هذه المرة الأولى التي يُعلن فيها بوضوح عن إقامة دولة علمانية في السودان، الذي يشكل المسلمون غالبية سكانه. حتى اتفاقية السلام الشامل الموقعة عام 2005، والتي أدت إلى انفصال جنوب السودان، نصّت على أن تكون الشريعة الإسلامية المرجعية في شمال السودان، والعلمانية والمعتقدات المحلية المرجعية في الجنوب.

كما نص الميثاق، المكوّن من 16 صفحة، على خضوع الجيش الجديد منذ تأسيسه للرقابة المدنية، ومنع تدخله في السياسة أو الاقتصاد. وأكد التزامه بالعدالة والمحاسبة وإنهاء الإفلات من العقاب، إلى جانب حظر تأسيس أي حزب أو تنظيم سياسي على أساس ديني أو عرقي. كما يجرّم الميثاق كل أشكال التطرف والانقلابات العسكرية واستغلال الدين لأغراض سياسية.

يشير الميثاق أيضًا إلى "هوية سودانوية" تستند إلى التنوع التاريخي والمعاصر، وتؤسس لدولة قائمة على الحرية والعدل والمساواة. كما يدعو إلى إنشاء جهاز أمني مستقل، لا يخضع لأي ولاءات أيديولوجية أو سياسية أو حزبية.

تظاهرة دعائية

واستبعدت الحكومة السودانية أن يكون للميثاق أي تأثير يُذكر على المشهد السياسي في البلاد.

وقال خالد الأعيسر، وزير الإعلام والناطق باسم الحكومة، لبي بي سي إن ما وصفه بـ"التظاهرة الدعائية" لن يكون لها أي تأثير عملي.

وأضاف: "هذه مجرد ذريعة تستخدمها الحركات المتمردة لفرض أجندتها، لكنها لن تحقق شيئًا عند التنفيذ".

وأشار الأعيسر إلى أن قوات الدعم السريع سبق أن أعلنت تشكيل سلطة تنفيذية في إقليم الجزيرة، لكنها لم تفعل شيئًا سوى الفساد ونهب البنوك وتدمير البنية التحتية، ولم تقدم أي نموذج للعمل المدني السلمي. وأكد أن الجيش السوداني سيواصل عملياته العسكرية حتى القضاء الكامل على ما وصفه بـ"المليشيا المتمردة".

انقسام إثني ومناطقي

مصدر الصورة

من الملاحظ أن معظم القادة الذين وقعوا على الوثيقة ينحدرون من دارفور وكردفان، رغم وجود ممثلين عن أحزاب قومية، مثل اللواء برمة ناصر، رئيس حزب الأمة القومي، وإبراهيم الميرغني، القيادي بالحزب الاتحادي الأصل.

يرى مراقبون أن خطوة تشكيل حكومة موازية تعكس مدى الانقسام المجتمعي في السودان، وتعدّ نتيجة طبيعية للحرب المستمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وأوضح المحلل السياسي عبد المنعم أبو إدريس أن ميثاق نيروبي يُعد انعكاسًا لتقسيم السودان على أسس جهوية وإثنية، حتى في ظل وجود ممثلين لمناطق أخرى ضمن الموقعين.

وهناك أيضًا مخاوف من أن يؤدي تشكيل حكومة جديدة إلى سيناريو مشابه للوضع في ليبيا، حيث تتصارع حكومتان على السلطة. بل إن بعض المراقبين يرون أن السيناريو الأسوأ قد يكون تكرار تجربة انفصال جنوب السودان، مع احتمال انقسام البلاد مجددًا.

لكن المسؤولين الحكوميين يبدون واثقين من أن ذلك لن يحدث.

وأكد خالد الأعيسر أن "شروط تشكيل دولة جديدة غير متوافرة، والحكومة المركزية لا تزال تتمتع بدعم شعبي واسع، حتى داخل إقليم دارفور، حيث ترفض الأغلبية أن تنعزل منطقتهم عن السودان".

إلا أن أبو إدريس يرى أن الوضع قد يؤدي إلى تقسيم السودان إلى أكثر من دولتين، قائلًا: "إذا حدث الانقسام، فلن يكون إلى دولتين فقط، بل إلى عدة سودانات، خاصة في ظل انقسام القوى في دارفور بين مؤيدين للجيش وآخرين لقوات الدعم السريع".

لم يُحدد موعد نهائي لإعلان الحكومة الموازية حتى الآن، لكن الهادي إدريس أشار إلى أن المشاورات ستستمر بهدف تشكيلها وإعلانها من داخل السودان خلال شهر.

مع ذلك، يبدو أن هناك تحديات كبيرة تواجه هذا الإعلان، خصوصًا في ظل التقدم العسكري المستمر الذي يحرزه الجيش السوداني في مختلف جبهات القتال، مما قد يعرقل محاولات تشكيل الحكومة الجديدة من داخل البلاد.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا