دمشق- يسارع الشاب السوري محمود الأيوبي إلى إنهاء إجراءات سفره في مطار دمشق الدولي بعد تسيير الرحلات إليه، ليستقل أقرب وسيلة نقل إلى قلب العاصمة، ليلتقط أولى صوره أمام نصب السيف الدمشقي الشهير ولينشرها، معلنا لأصدقائه عودته إلى البلاد بعد غياب دام أكثر من 13 عاما بسبب ملاحقة أجهزة أمن رئيس النظام المخلوع بشار الأسد له.
الأيوبي واحد من مئات آلاف السوريين المتوقعة عودتهم إلى بلادهم قريبا، التقاه مراسل الجزيرة نت مصادفة في المطار بعد رحلة طويلة من السويد إلى دمشق مرورا بلندن والدوحة، وأكد أن التقاط هذه الصورة كان حلما بالنسبة له خلال السنوات الماضية، ولم يكن ليصدق أنه سيتحقق وبهذه الطريقة.
وقال الأيوبي -الذي أمضى أكثر من عقد متنقلا بين دول اللجوء حتى حط به الرحال في السويد قبل سنوات وحصل على جنسيتها- إن النظام المخلوع وحلفاءه "حاولوا إيهام الجميع أنهم انتصروا وأنه لا عودة لمن خرج ضده، إلا أن ظنونهم قد خابت، وها نحن اليوم نعود لنلتقط صورا تذكارية في ساحة الأمويين وأمام السيف الدمشقي، في حين أن الأسد وشبيحته باتوا لاجئين وفارين"، وفق تعبيره.
ويتهافت العائدون إلى سوريا ممن حُرموا زيارة بلدهم خلال حكم الرئيس المخلوع للوصول إلى ساحة الأمويين بدمشق لالتقاط أول صورة تذكارية من البلد، وتحديدا أمام نصب السيف الدمشقي الذي تحول مزارا لهؤلاء العائدين، وكذلك نقطة تجمّع للمحتفلين بانتصار الثورة، والذين لا تزال احتفالاتهم مستمرة بشكل يومي منذ الإطاحة ببشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ويحرص العائد على الوقوف أمام هذا المجسم الهندسي الأيقوني رافعا شارة النصر والعلم السوري الجديد ومصطحبا في بعض الأحيان صورا للرئيس المخلوع أو والده حافظ الأسد (حكم سوريا بين 1971 و2000) ليدوس عليها، وبذلك يطوي -كما فعل السوريون قبل نحو شهرين- حقبة سوداء مرت على بلادهم، وفق ما يعبرون.
ولم يكتفِ البعض بالتقاط الصور أمام النصب التذكاري الشهير، وإنما حرصوا على المخاطرة والتسلق لارتفاع يبلغ نحو 40 مترا لالتقاط صورة من أعلى النصب ورفع العلم السوري فوقه.
فما قصة هذا المجسم الذي بات مزارا للسوريين والتقاط صورة أمامه طقسا من طقوس الاحتفال بالنصر على النظام المخلوع وإعلان ولادة جديدة للعائدين إلى بلادهم بعد سنوات من اللجوء والتشتت في شتى أصقاع الأرض؟
يقول المؤرخ والباحث السوري المهتم بتاريخ دمشق عماد الأرمشي إن نصب السيف الدمشقي يعد أحد أبرز المعالم في ساحة الأمويين بدمشق ورمزا للتراث الثقافي والتاريخي لسوريا، واستمر بناؤه ما بين عامي 1958 و1960 ضمن توسعة موقع معرض دمشق الدولي القديم الذي يعتبر من أقدم المعارض الدولية بالشرق الأوسط.
ويضيف الأرمشي للجزيرة نت أن النصب التذكاري الشهير المطل على ساحة الأمويين ذو وجهين متقابلين، الواجهة الغربية تطل على الساحة نفسها، أما الواجهة الشرقية فتطل على إحدى بوابات المعرض سابقا وكانت تسمى بوابة الأمويين، وقد تم تركيب لوحات من البلاستيك الشفاف على الواجهتين، تمثل أعلام الدول المشاركة في الدورة السابعة للمعرض عام 1960، ويجرى عُرفا تغييرها كل سنة بحسب الدول المشاركة.
وبشأن قرار بنائه، يشير الأرمشي إلى أنه صدر عن قصر القبة في القاهرة وبتوقيع جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية العربية المتحدة (الإقليم الشمالي/ سوريا، والإقليم الجنوبي/ مصر) لبناء نصب تذكاري في ساحة الأمويين بدمشق على هيئة السيف الدمشقي الشهير.
ولذلك، أطلق عليه بعض أهل الشام في تلك الفترة اسم "عمود الوحدة" (نسبة للوحدة بين سوريا ومصر بين عامي 1958 و1961)، في حين سماه آخرون "عمود المعرض" أو النصب التذكاري لمعرض دمشق الدولي بحسب المخططات الرسمية لبنائه.
ويضيف الأرمشي أن التسمية الرسمية الحالية للنصب هي السيف الدمشقي، لما لهذا السيف من مكانة عند أهل دمشق وبراعة صناعته كدليل يرمز إلى قوة سوريا ومنعتها، وهو ينتصب حاملا إرثها الحضاري ومختزلا تاريخا من العراقة والأصالة والإنجازات.
لكن الأرمشي يستدرك بأنه شخصيا لا يجد فيه شبها بالسيف الدمشقي المعروف من الناحية المعمارية كون هذا السيف معقوف بشكل عام، أما هذا فشكله مختلف.
لكن هذا النصب التذكاري بكل الأحوال صار واحدا من أشهر معالم ورموز مدينة دمشق المعمارية، وكذلك كان شعارا للتلفزيون الرسمي في العقود الماضية، خاصة أنه يقع على مقربة من مقره المطل أيضا على ساحة الأمويين.
ويختم المؤرخ بأنه مع انتقال مقر معرض دمشق الدولي إلى مدينة أرض المعارض الجديدة على طريق مطار دمشق الدولي عام 2003 فقدَ هذا النصب الفكرة التي أنشئ من أجلها بوضع أعلام الدول المشاركة فيه، وبالتالي تم تجديد واجهتيه باستخدام الزجاج المعشق، واستعيض عن فكرة وضع الأعلام بالأشكال الهندسية المجردة بشكل زخرفي فني جميل، ليكون هذا النصب واحدا من أهم وأكبر واجهات الزجاج المعشق في العالم.