في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
اشتهر في حياته بغرابة أطواره وقسوته، وخاصة اضطهاده للمسلمين السنة والمسيحيين واليهود، ولم تقل نهايته غرابة عن حياته ففي مثل هذا اليوم من عام 1021 خرج للنزهة والتأمل ليلاً في منطقة جبل المُقطم بالعاصمة المصرية القاهرة، ولم يعُد بعدها، إنه الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله.
اسمه المنصور بن العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله معد بن المنصور إسماعيل بن القائم بأمر الله محمد بن عبيد الله المهدي، ولقبه الحاكم بأمر الله وكنيته أبو علي، وهو الخليفة الفاطمي السادس والإمام الإسماعيلي السادس عشر، وُلد عام 985 وخلف والده العزيز في الحكم عام 996 وهو في الحادية عشر من عمره، فمن هو هذا الخليفة غريب الأطوار؟ وقبل ذلك، ما هي قصة الدولة الفاطمية التي خرج منها؟ وبعد ذلك، ما هي الطائفة الدرزية التي ظهرت في عهده؟
نشأت الأسرة الفاطمية، كسلالة سياسية ودينية سيطرت على شمال أفريقيا ثم على مناطق أخرى في الشرق الأوسط من عام 909 إلى عام 1171 وحاولت دون جدوى الإطاحة بالخلفاء العباسيين من زعامة العالم الإسلامي، وقد أخذت هذه الدولة اسمها من فاطمة، ابنة النبي محمد، التي أرجع الفاطميون نسبهم إليها.
وقبل الفاطميين كان هناك حكام آخرون في شمال أفريقيا ومصر نجحوا في جعل أنفسهم مستقلين فعلياً عن الخلفاء العباسيين في بغداد، لكنهم كانوا من السنة، وعلى استعداد للاعتراف بالسيادة الرمزية للخليفة العباسي كرئيس للمجتمع الإسلامي.
أما الفاطميون فكانوا رؤساء حركة دينية منافسة، وهي الطائفة الإسماعيلية التي تنتمي إلى الإسلام الشيعي، وقد كرسوا جهودهم للإطاحة بالنظام الديني والسياسي القائم في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وعلى النقيض من أسلافهم، رفضوا حتى الاعتراف الاسمي بالخلفاء العباسيين، باعتبارهم "مُغتصبين".
لقد كانوا هم أنفسهم، باعتبارهم أئمة إسماعيليين (زعماء روحيين)، من نسل النبي من خلال ابنته فاطمة وابن عمه علي، في نظر أتباعهم الخلفاء الشرعيين، ولم يكن هدفهم إقامة سيادة إقليمية أخرى، بل كان هدفهم إزاحة العباسيين وتأسيس خلافة جديدة في مكانهم.
وخلال القرن التاسع، انطلق الدعاة الإسماعيليون في العديد من أجزاء الإمبراطورية الإسلامية، وبشروا بعقيدة الثورة ضد النظام السني والدولة العباسية.
وبعد عدد من الانتفاضات الفاشلة، تمكن الإسماعيليون من إقامة قاعدة ثابتة في اليمن، ومن هناك أرسلوا مبعوثين إلى شمال أفريقيا، حيث حققوا أعظم نجاحاتهم، وبحلول عام 909 كانوا أقوياء بما يكفي لظهور إمامهم وإعلان نفسه خليفة، بلقب المهدي، وكان ذلك بمثابة بداية لدولة وسلالة جديدة.
وخلال النصف الأول من القرن، حكم الخلفاء الفاطميون شمال أفريقيا وصقلية فقط، حيث كان عليهم التعامل مع العديد من المشاكل، وكان معظم رعيتهم من السنة الذين يتبعون المذهب المالكي.
وكانت هناك أيضاً مشاكل سياسية مع القبائل الأمازيغية والحكام المسلمين المجاورين، فضلاً عن الحرب ضد البيزنطيين في صقلية التي ورثها الحكام الفاطميون عن أسلافهم في شمال أفريقيا.
وفي حين كانوا يتعاملون مع هذه الصعوبات، لم يغفل الفاطميون أبداً عن هدفهم النهائي، وهو التوسع شرقاً، حيث كان مركز القوة العباسية يتهاوى، وكانت الخطوة الأولى هي غزو مصر التي أرسلوا إليها عدة حملات فاشلة في البداية.
وأخيراً، في عام 969، اكتملت المرحلة الأولى من التقدم نحو الشرق في عهد الخليفة المعز، إذ غزت القوات الفاطمية وادي النيل وتقدمت عبر سيناء إلى فلسطين وجنوب سوريا، وعلى مقربة من الفسطاط، المركز الإداري القديم لمصر الإسلامية، بنى الفاطميون مدينة القاهرة، التي أصبحت عاصمة إمبراطوريتهم، وفي وسطها مسجد جديد ومدرسة دينية أطلقوا عليها الأزهر، على اسم فاطمة الزهراء، جدة الأسرة الحاكمة.
كانت الخلافة الفاطمية نظاماً إمبراطورياً وثورياً في الوقت نفسه، ففي الداخل، كان الخليفة صاحب سيادة، يحكم إمبراطورية شاسعة ويسعى إلى توسيعها بالوسائل العسكرية والسياسية، وكان قلبها مصر.
وعندما وصلت هذه الإمبراطورية إلى ذروتها كانت تشمل شمال أفريقيا، وصقلية، وبلاد الشام (سوريا وفلسطين والأردن ولبنان)، واليمن، والحجاز، مع المدينتين المقدستين مكة والمدينة، ولم يكن الخليفة إمبراطوراً فحسب، بل كان أيضاً إماماً، والرأس الروحي للإسماعيليين أينما كانوا.
لقد حقق الفاطميون العديد من النجاحات، وأبرزها غزو مصر نفسها، ولكنهم عانوا من نكسات متكررة في فلسطين وسوريا، حيث واجهوا، بالإضافة إلى الخصوم المحليين، هجمات كبرى من الخارج من جانب البيزنطيين والأتراك، ثم الصليبيين الأوروبيين.
وقد عصفت بالدولة الفاطمية في عهد الحاكم بأمر الله الخلافات بين فصائل الجيش الأمازيغ والأتراك والسودانيين والنوبيين، كما بدأت السلطة الشخصية والهيبة الدينية للخليفة في الانحدار في عصره، ويرجع ذلك جزئياً إلى سلوكه الغريب للغاية.
وأصبح خلفاؤه مجرد دمى في أيدي وزرائهم وقادتهم، وخلال فترة حكم المستنصر الطويلة (حكم من 1036 إلى 1094) أدت الصراعات بين الفصائل المختلفة إلى إدخال مصر في حلقة مفرغة من الفوضى التي تفاقمت بسبب المجاعة والطاعون المتكررين، وخسرت الدولة ولاياتها في الشرق والغرب لصالح السلالات المحلية أو الغزاة واستمرت في التدهور لنحو قرن من الزمان.
وجاءت نهاية الدولة الفاطمية في عام 1171 عندما توفي آخر خليفة فاطمي وهو الخليفة الرابع عشر العاضد لدين الله، وأصبح الوزير صلاح الدين الأيوبي الحاكم الحقيقي لمصر، وتم إلغاء الخلافة الفاطمية رسمياً، بعد ماتت بالفعل كقوة دينية وسياسية.
كتب الدكتور فرهاد دفتري دراسة عن الخليفة الحاكم في معهد الدراسات الإسماعيلية قال فيها إنه أول حاكم فاطمي يولد في مصر، وقد أُعلن ولياً للعهد في عام 993 بعد وفاة أخيه الأكبر (والوحيد) محمد.
في بداية عهد الحاكم ، كان وزيره برجوان بمثابة الزعيم الفعلي للدولة الفاطمية، ومع ذلك، بعد إزاحة الأخير في عام 1000، أمسك الحاكم بزمام السلطة بين يديه، فحد من سلطة ومدة ولاية وزرائه، الذين بلغ عددهم أكثر من 15 وزيراً خلال السنوات العشرين المتبقية من خلافته.
وتقول دائرة المعارف البريطانية إن الحاكم اعتمد في البداية على البربر في جيشه وفي سلطته، وعندما أمسك بزمام الأمور انتهج سياسة تعسفية وقاسية. فقد أمر، على سبيل المثال، بنهب مدينة الفسطاط (من أحياء القاهرة الحالية)، وقتل جميع الكلاب (التي كان نباحها يزعجه)، وحظر أنواعاً مختلفة من الخضروات مثل الملوخية لأن معاوية بن أبي سفيان كان يحبها، والجرجير لأن عائشة بنت أبي بكر، زوجة النبي محمد، كانت تحبها، كما منع أكل المحار، وحظر صيد السمك بدون قشر (القرموط) ومنع ذبح الأبقار.
كما فرض الحاكم بأمر الله قوانين صارمة مثل حظر بيع النبيذ فمنع زراعة العنب، ومنع الاحتفالات الصاخبة، وأصدر قرارات تقيد حركة النساء، إذ أصدر أوامره بألا تخرج امرأة من بيتها دون مرافقة، وأن لا تكشف وجهها في طريق، ولا خلف جنازة ولا تتبرج، كما حظر على الخبازين عجن العجين بأرجلهم.
وأمر بعدم خروج الناس للعمل أو فتح متاجرهم نهاراً، وألا ينام الناس ليلاً وجعل التجارة والحركة في الليل فقط، وقال ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية" عن الحاكم : "كان يقيم الحسبة (إقامة الدعاوى على المخالفين وعقابهم) بنفسه، فكان يتجول بنفسه في الأسواق على حمار، إذ كان لا يركب إلا حماراً، فمن وجده قد غش في معيشة الناس أمر عبداً أسود معه يقال له مسعود أن يفعل به الفاحشة العظمى جهاراً".
وقد مارس الاضطهاد الديني على المسلمين السنة وكذلك اليهود والمسيحيين، وقال الدكتور أيمن فؤاد سيد في كتابه "الدولة الفاطمية في مصر تفسير جديد": "ألزم الحاكم بأمر الله أهل الذمة بلبس الغيار، ومنعهم من دخول حمامات المسلمين، وهدم كنائسهم، وأمرهم باعتناق الإسلام أو الخروج إلى بلاد الروم، مما اضطر الكثيرين إلى اعتناق الإسلام كارهين".
وفي عام 1004 أمر الحاكم الأقباط بارتداء ملابس سوداء تميزهم عن سواهم، كما كتب على المساجد عبارات مهينة للنيل من أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة.
وفي عام 1009 صدرت أوامر مشددة تقضي بإلغاء الأعياد المسيحية ومنع الاحتفال بها في أنحاء البلاد، وصودرت أوقاف الكنائس والأديرة لحساب بيت المال، ومنع أيضاً ضرب النواقيس، كما نُزعت الصلبان من قباب الأجراس، ووصل الحال إلى أنه طلب من الأقباط أن يمحوا الوشم من أيديهم وأذرعهم.
وفي عام 1011 شاءت إرادة الحاكم أن يعلق الأقباط حول أعناقهم صلباناً من الخشب، وألزم اليهود أن يعلقوا في أعناقهم قرمية (قلادة خشبية على شكل عجل)، كما منع اليهود والمسيحيين من الدخول للحمامات العامة دون أن يعلقوا جرساً في أعناقهم لتمييزهم عن المسلمين.
وأمر أيضا بإبطال استخدام اللغة القبطية، وتعهد بقطع لسان كل من يتكلم بها في الشوارع، والأسواق، أو حتى في المنازل، فبدأ الناس في تعلم العربية، خوفاً من بطشه.
كما أمر بحرق كنيسة القيامة في القدس، ثم أعاد بناءها مرة أخرى، وأمر بنقل جثمان النبي محمد إلى مصر، وبعث رجاله إلى المدينة لنقل الرفات، لكن أهل المدينة علموا بالأمر فقتلوهم.
ويقول عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء : "كان شيطاناً مريداً جباراً عنيداً، كثير التلون، سفاكاً للدماء، خبيث النحلة، عظيم المكر، جواداً، له شأن عجيب، ونبأ غريب، كان فرعون زمانه، يخترع في كل وقت أحكاماً يلزم الرعية بها، أمر بسب الصحابة، وبكتابة ذلك على أبواب المساجد والشوارع، وأمر عماله بالسب، وبقتل الكلاب، وأبطل الفقاع والملوخية".
ومع ذلك، كان الحاكم بأمر الله متسامحاً في بعض الأحيان، فخلال المجاعات، وزع الطعام وحاول تثبيت الأسعار، كما أسس المساجد ورعى العلماء والشعراء، بحسب دائرة المعارف البريطانية.
وفي مجال التعليم والتعلم، كان من أهم مساهمات الحاكم تأسيس دار العلم في عام 1005، والتي تسمى أحياناً دار الحكمة، وقد تم فيها تدريس مجموعة واسعة من الموضوعات مثل القرآن والحديث والفلسفة وعلم الفلك، وكانت مجهزة بمكتبة ضخمة.
لقد أصبح التعليم في عهده متاحاً للعامة، وتلقى العديد من الدعاة الفاطميين جزءًا على الأقل من تدريبهم في هذه المؤسسة التعليمية الرئيسية التي خدمت الدعوة الإسماعيلية حتى سقوط الأسرة الفاطمية.
وقد جعل الحاكم تعليم الإسماعيليين والدعاة الفاطميين أولوية، وفي عهده، تم إنشاء العديد من مجالس الدراسة في القاهرة حيث أكمل أيضاً بناء المسجد الذي لا يزال يحمل اسمه.
وقد قدم الحاكم الدعم المالي والأوقاف لهذه الأنشطة التعليمية، أما "مجالس الحكمة" المخصصة للعقائد الإسماعيلية، والمخصصة حصراً للمبتدئين، فقد أصبحت في عهده أكثر تنظيماً، وكان الحاكم نفسه يحضر غالباً هذه الجلسات التي كانت تُعقد في القصر الفاطمي.
كما حافظ الحاكم على اهتمامه الشديد بتنظيم وتفعيل الدعوة الإسماعيلية الفاطمية التي كان مركزها في القاهرة، وفي عهده، تكثفت هذه الدعوة بشكل منهجي خارج الأراضي الفاطمية، وخاصة في العراق وبلاد فارس.
ففي العراق، ركز الدعاة جهودهم على عدد من الأمراء المحليين وزعماء القبائل المؤثرين الذين سعوا بدعمهم إلى استئصال النفوذ العباسي.
وكان حميد الدين الكرماني هو أبرز الدعاة الفاطميين في هذه الفترة الذين عملوا في المقاطعات الشرقية، وسرعان ما أدت أنشطة الكرماني ودعاة آخرين إلى نتائج ملموسة في العراق، ففي عام 1010 اعترف قرواس بن المقلد الحاكم الشيعي العقيلي للموصل والكوفة ومدن أخرى بسيادة الحاكم، وبالمثل أعلن علي بن الأسدي، زعيم بني أسد، ولاءه في الحلة وغيرها من المناطق الخاضعة لسيطرته.
وقد انزعج الخليفة العباسي القادر بالله (أبو العباس أحمد بن إسحاق) من هذه التطورات، فاتخذ تدابير انتقامية لوقف انتشار الإسماعيلية داخل مملكته، وفي عام1011 جمع عدداً من علماء السنة والشيعة الإثني عشريين في بلاطه وأمرهم بالإعلان في وثيقة مكتوبة أن الحاكم وأسلافه يفتقرون إلى أصل علوي فاطمي حقيقي، وأعلن عن هذا "البيان البغدادي" في خطب الجمعة في جميع المساجد، في مختلف أنحاء الدولة العباسية.
وفي عام 1017، بدأ الحاكم بأمر الله في تشجيع تعاليم بعض الدعاة الإسماعيليين، الذين قالوا بأنه تجسيد للإله، وتطورت الديانة الدرزية من تعاليم هؤلاء الرجال، بحسب دائرة المعارف البريطانية.
وقال الدكتور فرهاد دفتري في دراسته عن الحاكم بأمر الله إن عصره شهد نشوء ما أصبح يُعرف بالدين الدرزي حيث قام عدد من الدعاة الذين قدموا إلى القاهرة من بلاد فارس وآسيا الوسطى، ومن أبرزهم حمزة بن علي ومحمد الدرزي، بنشر عقائد جديدة، الأمر الذي أدى فعلياً إلى تأسيس حركة دينية جديدة، سُميت لاحقاً باسم الدرزية نسبة إلى محمد الدرزي.
وفي مثل هذا الوقت من عام 1021، خرج الحاكم في إحدى نزهاته الليلية إلى تلال المقطم خارج القاهرة دون حراسة، ولكنه لم يعد أبداً.
وتشير بعض الروايات إلى أنه اغتيل، ربما بناءً على طلب من أخته الكبرى ست الملك، في حين يعتقد البعض أنه ذهب إلى الغيبة مع حمزة بن علي وثلاثة من الدعاة البارزين الآخرين، تاركين رعاية حركة الدعوة التوحيدية لزعيم جديد، وهو المقتنى بهاء الدين.
وقد أجريت عملية بحث عبثية عن الخليفة الإمام البالغ من العمر 36 عاماً، ولم يُعثر إلا على حماره وثيابه الملطخة بالدماء، ولم يُحل لُغز اختفاء الحاكم أبداً، فيما يعتقد أتباع الطائفة الدرزية أنه "سيظهر من جديد ليقيم العدل في العالم".
وفي الواقع أن إرثه شمل مستويات عديدة، فمن الناحية السياسية عمل الحاكم على تعزيز سلطته المركزية، مما أثار استياء النخب والوزراء، وتميز حكمه بالقسوة في بعض الأحيان، واتُهم بإصدار أحكام صارمة ضد خصومه.
ومن الناحية الإدارية، أدخل الحاكم تغييرات على النظام الإداري والقضائي في الدولة الفاطمية، كما سعى إلى ضبط الأسواق وتنظيم الشؤون المالية.
وفيما يتعلق بالجانب الاجتماعي، أصدر الحاكم قوانين أثارت الجدل، مثل منع أكل الملوخية، ومنع النساء من الخروج من بيوتهن، وهو ما أثار الاستياء الشعبي في بعض الأحيان.
ومن الناحية الثقافية، كان عهده مزدهراً حيث شُيدت مكتبات ومساجد، منها جامع الحاكم بأمر الله في القاهرة، الذي لا يزال شاهداً على تلك الفترة، كما ارتبط عهده بنهضة معمارية، أبرزها توسيع مدينة القاهرة وبناء مساجد ومؤسسات تعليمية.
ومن الناحية الدينية، أسهم الحاكم في تعزيز المذهب الإسماعيلي، وظهرت الطائفة الدرزية خلال فترة حكمه، كما شهد عهده صراعاً مع بعض المذاهب السنية، مما أثر على علاقات الفاطميين مع القوى السنية في المنطقة.
ومازال إرث الحاكم بأمر الله حياً في الدراسات التاريخية والدينية، سواء من خلال التأثير الثقافي والمعماري الذي تركه أو من خلال دوره في ظهور الطائفة الدرزية، وتمثل شخصيته مزيجاً من الجوانب الدينية، والسياسية، والاجتماعية التي عكست تعقيد المرحلة الفاطمية في العالم الإسلامي.
خلف الحاكم بأمر الله ابنه الظاهر، إلا أنه كان حدثاً لم يبلغ سن الرشد، فأصبحت عمته ست المُلك الحاكمة الفعلية للدولة، واضطهدت الدروز، ما أجبرهم على الفرار إلى المناطق الجبلية النائية، وخاصة في لبنان وسوريا.
وقد كتب دان سافيري راز في بي بي سي في عام 2013 مقالاً عن هذه الطائفة قال فيه، إن الدرزية ظهرت في القرن العاشر بمصر، في عهد الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، وأصبحت طائفة الدروز من أتباعه وانشقوا عن الشيعة وفروا هرباً من الاضطهاد إلى المناطق الجبلية النائية في لبنان وسوريا، ومناطق أخرى.
ويتبنى الدروز مزيجاً من الفلسفات الإسلامية والهندوسية واليونانية ويؤمنون بتناسخ الأرواح ويؤمنون بأنبياء اليهودية والمسيحية والإسلام، بمن فيهم موسى وعيسى ومحمد.
ويوجد لدى الدروز رايتهم الخاصة، النجمة الدرزية، إذ يرمز كل لون من ألوانها الخمسة إلى أحد الأنبياء، وذلك بحسب دان سافيري راز.
ويعتقد الدروز بأن الله واحد أحد وهو المتحكم الأزلي في الكون، وأنه المنزه وفوق وصف العباد له لأن العقل البشري قاصر عن إدراك أمر عظيم كصفات الله.
ويرجع تاريخ الدروز في بلاد الشام إلى حوالي ألف عام، وكان لهم في فترة من الفترات دور أساسي في المنطقة، فقد قاتلوا تحت راية صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين عام 1187، وحازوا على ثقة الأيوبيين والزنكيين الذين عززوا وجودهم في المنطقة وتسلموا الكثير من المهام القيادية.
وتابعوا المعارك لاحقاً مع المماليك ضد التتار والمغول في معركة عين جالوت، ثم وقفوا إلى جانب العثمانيين ضد حملة محمد علي على بلاد الشام، وكبدوا المصريين خسائر كبيرة في جبل العرب جنوبي دمشق بقيادة الشيخ يحيى الحمدان الذي كان يحكم الجبل وقتذاك.
ثم ثار الدروز على السلطنة العثمانية لأن الأخيرة حاولت عدة مرات السيطرة على الجبل، وفي عام 1911 أعدم العثمانيون زعماء الجبل بعد إحكام سيطرتهم عليه، وكان على رأسهم ذوقان الأطرش ويحيى عامر.
ثم أعلن الدروز ولاءهم للشريف حسين وانضم المئات منهم إلى الجيش العربي، وكان الزعيم سلطان باشا الأطرش في مقدمة من رفع العلم العربي في الجبل ولاحقاً في دمشق.
وفي عام 1925، كان للدروز دور كبير في محاربة الاحتلال الفرنسي لسوريا، حيث رفضوا تشكيل الدولة الدرزية واشعلوا نيران ما يعرف بثورة سوريا الكبرى، وقاد الدروز الثورة الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش ضد الفرنسيين الذين سيطروا على سوريا عام 1921.
وللساسة الدروز دور بارز في الحياة السياسية في لبنان و برز ذلك خلال العقود الأخيرة، من خلال كمال جنبلاط ونجله وليد جنبلاط والأمير مجيد أرسلان.
وتدير شؤون الطائفة الدرزية في لبنان "مشيخة العقل" وهي مؤسسة قديمة جداً، ولم تكن رسمية إلى عام 1962.
وعند قيام دولة إسرائيل، بقي بعضهم في المنطقة، بينما رحل البعض الآخر إلى لبنان وسوريا.
وتقول بعض المصادر إن الدروز أبرموا اتفاقاً مع إسرائيل عام 1948، وحصلوا على امتيازات مقابل قبولهم بالخدمة الإجبارية في الجيش الإسرائيلي.
وللدروز محاكم خاصة تنفرد بها كطائفة مستقلة فيما يتعلق بالأحوال الشخصية، أما ثقافتهم فهي عربية كلغتهم.
وبحسب وزارة الخارجية الإسرائيلية، يقدر عدد الدروز في إسرائيل بحوالي 104 آلاف بينهم 18 ألف في هضبة الجولان التي احتلتها إسرائيل من سوريا عام 1967، أي ما يعادل 1.6 في المئة من نسبة سكان إسرائيل.
ويتواجد معظم الدروز في مدينة الجليل وجبل الكرمل وهم على تواصل مستمر مع أبناء طائفتهم في سوريا ولبنان.
وهناك بعض الأماكن المقدسة لدى الدروز في إسرائيل، وهي مفتوحة للزوار، وأكثرها أهمية هو مقام النبي شعيب، الذي يقال إنه حمو موسى، الذي يؤمن الدروز بأنه مؤسس الإيمان بالله الواحد.
ولهذا المقام قبّة كبيرة تشبه المساجد وفناء بُني في موقع يعرف باسم "قرون حطين"، وتطل على بحيرة الجليل، وفي هذا الموقع، دحر صلاح الدين، أول سلطان على مصر والشام، قوات الصليبيين عام 1187.