في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
جنين- لا تهدأ أصوات إطلاق النار في مخيم جنين منذ أكثر من شهر، ولا شيء في الأفق يوحي بقرب حل للأزمة بين المقاومين داخل المخيم وأجهزة الأمن التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية التي تصر على استمرار عمليتها الأمنية على المخيم.
وبحكم ذلك، يضطر قرابة 14 ألف نسمة لتحمل تبعات هذه الحملة، من نقص في المياه وانقطاع للكهرباء، وإقامة للحواجز الأمنية على مداخل المخيم. ويقول الأهالي إن حملة هوية المخيم ممنوعون من الدخول والخروج منه، وإن المصفحات التابعة لأجهزة السلطة تغلق مداخل المخيم من كل الجهات، مما يعني حتمية التفتيش والاستجواب كل مرة يحاول السكان المرور من أمامها.
ومن جهتها، تقول السلطة الفلسطينية على لسان الناطق باسم قوى أمنها أنور رجب إن "المخيم لا يتعرض للحصار كما يشاع، وإن أي شخص يمكنه دخول المخيم بدون سؤال" ويؤكد أن أفراد الأمن يوفرون الماء من خلال توزيعه على المنازل من فترة لأخرى.
كما أكد رجب أنه تم تأمين دخول طواقم الدفاع المدني وعمال شركة الكهرباء لإصلاح محولات الكهرباء أكثر من مرة، لكنه يتهم المقاومين داخل المخيم بإطلاق النار على المحلات بعد إصلاحها، وهو ما ينكره المقاومون والأهالي على حد سواء.
تقول أم صهيب، وهي واحدة ممن يشهدون التوتر الأمني في المخيم منذ أكثر من شهر "نحن نحاول تأمين الاحتياجات الاساسية كالطعام من خارج المخيم، لكن الخروج من المنزل خطر جداً، نخرج على أعين القناصة المنتشرين على أسطح البنايات العالية في كل زوايا المخيم، ونمر من جانب آليات السلطة المصفحة، وعند كل مرور يسألون عن هوياتنا، ويفتشون أجهزتنا الخلوية، الوضع صعب جداً، لا أمان أبداً، كل مرة نخرج لشراء الطعام نخشى من تعرضنا للإصابة".
وتضيف في حديثها للجزيرة نت "بينما ننتظر حلاً، تتعقد الأمور يوماً بعد يوم، أمس حاول مجموعة من الناس في القرى المجاورة إدخل أكياس الخبز لتوزيعها على الأهالي بالمخيم، لكن أجهزة أمن السلطة منعت السيارات من الدخول وصادروا كميات الخبز، ولم يصل منها شيء للعائلات هنا، الوضع كارثي جداً، نحن نواجه البرد، بدون كهرباء، ونعيش نقص المياه والطعام يوماً بعد يوم".
كما يقول الأهالي إن أفراد الأمن الموجودين بشكل يومي على مداخل المخيم يدققون في هويات الداخلين إليه، ويمنعون بعض السيارات وصهاريج المياه وحتى سيارات الأجرة من الدخول إلا بتنسيق مسبق.
وتعود أم صهيب لتقول "لا يوجد في المخيم محلات لبيع اللحوم أو الدواجن، ولا حتى مخابز، كل ذلك نضطر لشرائه من خارج المخيم تحت الرصاص والاشتباكات المستمرة" وتضيف "خروج الشباب من المنازل خطر جداً، ويعرضهم إما للإصابة أو الاعتقال، لذا أصبح تأمين الاحتياجات اليومية من مسؤولية النساء في كل عائلة، نحن نخرج من المنزل لتوفير الخبز والدواء والماء، لكن حتى خروجنا أصبح خطرا في ظل استمرار إطلاق النار".
صباح اليوم، استيقظ أهالي المخيم على أصوات انفجارات متتالية، وإطلاق كثيف للرصاص تجاه المنازل، وكانوا يتحدثون عن محاولات لتقدم عناصر السلطة الفلسطينية إلى داخل المخيم، وتصدي المقاومين لهذه المحاولات.
وكان من أبرز هذه الاشتباكات ما حدث في شارع مهيوب الذي شهد تقدما محدودا لعناصر الأمن الفلسطيني، مما أدى لإصابة عدد من المواطنين، وتقول أم صهيب إن أصوات الصراخ كانت واضحة جداً، تبعها أصوات سيارات الإسعاف التي تحاول نقل المصابين.
وتؤكد أن الرعاية الطبية بالمخيم منذ قرابة 40 يوما باتت سيئة جداً، فالعيادة التابعة لوكالة "الأونروا" مغلقة بسبب الأحداث، والمرضى يجدون صعوبة في الخروج لتلقي العلاج من خارج المخيم، إضافة لصعوبة وصول الإسعاف لعدد كبير من الأزقة، مما يستدعي عمل متطوعين من داخل المخيم لنقل الإصابات على عربات تجرها دراجات، بينما يمنع أفراد الأمن عددا منهم من العمل، ويتعرض بعضهم للاستجواب.
وتوضح أنه "يوجد الكثير من كبار السن الذين يحتاجون لعلاجات السكري والربو، وعدد من مرضى السرطان، وبعضهم يحتاج إلى أجهزة الأكسجين الموصولة بالكهرباء، وهي أصلا مقطوعة، ولا يوجد صيدليات مناوبة داخل المخيم، نحن نعاني بشكل كبير، يجب إيجاد حل بأقرب وقت".
وكان أحد قادة كتيبة جنين تحدث في بيان، أمس السبت، أن اجهزة أمن السلطة اعتقلت عدداً كبيراً من المصابين في المخيم ومن مستشفى جنين الحكومي، في رد من الكتيبة على تصريحات الناطق باسم قوى الأمن خلال مؤتمر صحفي عقده الخميس الماضي، حيث قال فيه إن السلطة اعتقلت حتى الآن 274 شخصا، وصفتهم بأنهم "خارجون على القانون".
ووسط صوت كثيف للرصاص، تحدثت ميس الغول للجزيرة نت عن صعوبة الأوضاع "لا يوجد خبز في المنزل، حاولت الخروج لتأمين ربطة خبز لكن القناص أشار لي بيده لأعود للمنزل، ننام ونستيقظ ونحن خائفون من وصول الرصاص إلينا، جميع منازل المخيم تعرضت لإطلاق النار وبشكل كثيف، جدران المنازل كلها عليها آثار الرصاص".
وتشكو المواطنة، وهي أم 5 أطفال، من قلة الإمكانات في المخيم، واضطرار الناس لترك أشغالهم مع تزايد التوتر فيه يوما بعد يوم، مما يعني زيادة عدد العاطلين عن العمل، وتقول "أنا المعيلة الوحيدة لأطفالي، كنت اشتغل خارج المخيم بأجر يومي، ومنذ بدء الحملة الأمنية لم أستطع الالتزام بالدوام اليومي، اليوم لا يمكنني دفع إيجار المنزل، ولا توفير الطعام لأطفالي، ولا تأمين غاز الطهي مثلا".
وتضيف "طفلي يحتاج لمطعوم 6 أشهر، وعيادة وكالة الغوث مغلقة، مما يعني أنه لن يتمكن من أخذه هو وكل أطفال المخيم في نفس عمره أو أصغر، نحن نعيش في أوضاع صعبة جداً ومن دون ذنب".
وتعلق على وضع المخيم بقولها "الحقيقة أن ما يحدث أكثر صعوبة من اقتحامات الاحتلال لأن هذا الجيش عدونا، لكن أن نحرم من مقومات الحياة الأساسية بسبب أبناء جلدتنا فهذا أكثر صعوبة علينا".
وكانت المتحدث قد اضطرت لترك منزلها بعد الاقتحام الأخير لقوات الاحتلال الإسرائيلي لمخيم جنين في سبتمبر/أيلول الماضي، حيث تعرض منزلها للحرق وخسرت كل ممتلكاتها فيه، وها هي اليوم تفقد عملها وتجد صعوبة في تأمين الطعام لأبنائها الخمسة بسبب حملة السلطة الأمنية.