آخر الأخبار

"بدأت رفض علاج بعض المرضى": جدل في مصر حول قانون "المسؤولية الطبية"

شارك الخبر
مصدر الصورة

"بدأت بالفعل رفض التعامل مع أي حالة مرضية معقدة لأنني لا أضمن ردود فعل ذويها ضدي، ففي حالة حدوث مضاعفات طبية واردة لها قد يتم اتهامي بالتسبب فيها بالأساس"، هكذا تقول لي إحدى طبيبات النساء والتوليد المصريات رافضة ذكر اسمها.

توضح الطبيبة المصرية أنها اتخذت قرارها برفض استقبال بعض الحالات بعد علمها بتضمن مسودة قانون جديد للمسؤولية الطبية في مصر، موادا تجيز معاقبة الأطباء بالحبس والغرامة نتيجة الأخطاء الطبية.

وتقول الطبيبة إن مسودة القانون حتى بعد تعديلها تقدم تعريفات غير واضحة للفرق بين الخطأ الطبي والخطأ الطبي الجسيم لا تأمن معها عواقب ما قد يحدثه ذلك من ضرر لها.

خلال الشهر الماضي تصاعد الجدل بين الأطباء في مصر حول مشروع قانون المسؤولية الطبية والذي يهدف بحسب بيان لمجلس الوزراء المصري إلى التأكيد على الحقوق الأساسية لمتلقي الخدمة الطبية أيًا كان نوعها، والارتقاء بتنظيم هذه الحقوق، مع توحيد الإطار الحاكم للمسؤولية المدنية والجنائية التي يخضع لها مزاولو المهن الطبية.

وبحسب البيان، يتضمن القانون إنشاء "لجنة عليا للمسؤولية الطبية وحماية المريض" تكون تابعة لرئيس مجلس الوزراء من أجل إدارة المنظومة الصحية في الدولة من خلال آليات محددة قد يتم التوسع فيها مستقبلا بعد تقييم التجربة وقياس نتائجها.

مصدر الصورة

كيف ولماذا بدأ الجدل حول مشروع القانون؟

في 24 من ديسمبر كانون الأول من العام الماضي 2024 وافق مجلس الشيوخ المصري بشكل نهائي على (قانون المسؤولية الطبية وحماية المريض) تمهيدًا لإحالته إلى مجلس النواب (الغرفة الثانية للبرلمان) لمناقشته وإقراره.

رفضت حينها نقابة الأطباء المصرية في بيان لها بشكل قاطع أمام مجلس الشيوخ أي مواد تقنن الحبس في القضايا المهنية أو الحبس الاحتياطي، وقالت إن لجنة الصحة بمجلس الشيوخ لم تستجب لأي من مطالب النقابة العادلة المطبقة في العالم كله.

كانت المواد 27 و28 محل الجدل الأكبر بعدما ساوت بالحبس والغرامة بين من يرتكب أخطاء طبية، ومن يرتكب أخطاء طبية جسيمة، كما اعترضت النقابة على المادة 29 التي أعطت جهات التحقيق الحق في حبس الطبيب احتياطيا ومده على ذمة التحقيق

كما اعترضت النقابة على المادة رقم 18 بجواز استعانة جهات التحقيق بتقرير اللجنة الفنية التي تفصل في درجة الخطأ الطبي أو حدوثه من قبل الطبيب أو نتيجة مضاعفات، مطالبة بأن يكون تقرير اللجنة ملزما، ودعت إلى جمعية عمومية طارئة في الثالث من يناير/ كانون الثاني الجاري، لتأكيد رفضها مسودة القانون.

تعديلات استباقية وتأجيل للجمعية العمومية للأطباء

مساء الأربعاء الماضي، وقبل أقل من يومين من انعقاد الجمعية العمومية لنقابة الأطباء التي كانت مقررة الجمعة، وافقت لجنة الصحة في مجلس النواب المصري على تعديلات قالت إن نقيب الأطباء تقدم بها وضمتها إلى مشروع القانون النهائي.

شملت أبرز هذه التعديلات حذف المواد التي تضمنت فرض عقوبات بالحبس والغرامة على من يرتكب خطأ طبيا غير جسيم، والاكتفاء بالغرامة، والإبقاء على عقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات، وغرامة لا تقل عن خمسمائة ألف جنيه ولا تجاوز مليوني جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا وقعت الجريمة نتيجة خطأ طبي جسيم.

كما منحت التعديلات اللجنة الفنية التي تفصل في تقريرها في درجة خطورة الخطأ الطبي المرتكب درجة الخبير الفني لجهات التحقيق بدلا من جواز الاستعانة بتقريرها فقط قبل تعديل المادة.

وقال نقيب الأطباء الدكتور أسامة عبد الحي الأطباء في مقطع فيديو على صفحة النقابة على فيسبوك نُشر يوم الخميس، إن مجلس النواب في "تحول جوهري" استجاب للعديد من التعديلات التي طالبت بها النقابة في سابقة وصفها بالأولى من نوعها منذ 8 سنوات منذ مطالبة النقابة بقانون للمسؤولية الطبية.

وأعلن عبد الحي عن تأجيل الجمعية العمومية لمدة شهر لإعطاء الفرصة لاستمرار ما وصفها بالجهود مع مجلس النواب حتى صدور المسودة النهائية للقانون معتذرا لآلاف الأطباء الذين كانوا يعتزمون القدوم من المحافظات.

أهمل Facebook مشاركة, 1
هل تسمح بعرض المحتوى من Facebook؟

تحتوي هذه الصفحة على محتوى من موقع Facebook. موافقتكم مطلوبة قبل عرض أي مواد لأنها قد تتضمن ملفات ارتباط (كوكيز) وغيرها من الأدوات التقنية. قد تفضلون الاطلاع على سياسة ملفات الارتباط الخاصة بموقع Facebook وسياسة الخصوصية قبل الموافقة. لعرض المحتوى، اختر "موافقة وإكمال"

Accept and continue
تحذير: بي بي سي غير مسؤولة عن محتوى المواقع الخارجية

نهاية Facebook مشاركة, 1

المحتوى غير متاح

Facebook اطلع على المزيد فيبي بي سي ليست مسؤولة عن محتوى المواقع الخارجية.

قرار التأجيل لم يلقَ قبولا من الكثير من الأطباء، وحتى أعضاء مجلس النقابة، حيث تقدم خمسة من أعضاء المجلس باستقالتهم عقب هذا القرار، أبرزهم الدكتور إبراهيم الزيات الذي قال على حسابه على فيسبوك إنه "لن يشارك في قرارات يراها من وجهة نظره كارثية، ولن يشارك فيما لا يراه صوابا" معلنا ترشحه لمنصب نقيب أطباء مصر في الانتخابات المقبلة عام 2027.

أهمل Facebook مشاركة, 2
هل تسمح بعرض المحتوى من Facebook؟

تحتوي هذه الصفحة على محتوى من موقع Facebook. موافقتكم مطلوبة قبل عرض أي مواد لأنها قد تتضمن ملفات ارتباط (كوكيز) وغيرها من الأدوات التقنية. قد تفضلون الاطلاع على سياسة ملفات الارتباط الخاصة بموقع Facebook وسياسة الخصوصية قبل الموافقة. لعرض المحتوى، اختر "موافقة وإكمال"

Accept and continue
تحذير: بي بي سي غير مسؤولة عن محتوى المواقع الخارجية

نهاية Facebook مشاركة, 2

المحتوى غير متاح

Facebook اطلع على المزيد فيبي بي سي ليست مسؤولة عن محتوى المواقع الخارجية.

غضب واسع وتعديلات غير كافية

عبر العديد من الأطباء ممن تحدث إليهم بي بي سي عن غضبهم وصدمتهم من تأجيل جمعيتهم العمومية من قبل النقيب، مؤكدين أنها كانت فرصة كبيرة لإظهار اصطفافهم في وجه قانون يقولون إنه يستهدفهم، حتى بعد تعديلاته التي وصفوها بغير الكافية وغير الواضحة.

في حديث مع بي بي سي، يعبر الطبيب محمد عبد الموجود، وهو جراح عيون ومتخصص أيضا في التغذية العلاجية، من مخاوفه من إمكانية معاقبة الطبيب بالحبس الاحتياطي أو بالحبس العقابي بسبب خطأ طبي غير جسيم من خلال قانون العقوبات، رغم التعديل الأخير في قانون المسؤولية الطبية الذي قصر الحبس على حالة الخطأ الطبي الجسيم.

وبحسب مسودة قانون المسؤولية الطبية، تصدر لجنة فنية سيتم تشكيلها بموجب القانون تقريرا بخصوص الأخطاء الطبية، لكن تقارير هذه اللجنة غير ملزمة لجهات التحقيق، وهي إحدى النقاط التي يعارضها الأطباء في القانون.

يضيف عبد الموجود تقرير اللجنة الفنية يجب أن يكون ملزما لجهات التحقيق والقضاء في الفصل في درجة الخطأ الطبي، وليس مجرد التعامل معه كخبير فني.

من جهتها ترى الدكتورة ريهام فاروق أخصائية طب الأطفال بمستشفى عين شمس العام أن القانون لا يفرق بشكل واضح بين المضاعفات الناتجة عن المرض أو العلاج، والخطأ الطبي، والخطأ الطبي الجسيم من وجهة نظرها "يفتح الباب للشكاوى الكيدية والابتزاز والنيل من سمعة الطبيب ويشعره بانعدام الأمان في بيئة العمل".

مصدر الصورة

"إما الهجرة أو الطب الدفاعي"

"القانون حتى بعد التعديلات سيدفعنا إما للطب الدفاعي أو الهجرة" هكذا يقول الدكتور عمرو أبو العلا استشاري الجراحة العامة والمناظير، رغم خبرته التي وصلت إلى ٣٠ عاما.

ويضيف الطبيب في حديث مع بي بي سي، إنه لا يعارض حبس الطبيب بسبب الممارسات غير القانونية كالإجهاض غير المبرر مثلا، لكنه يرى أن صياغة القانون غير الواضحة بشأن الخطأ الطبي ستجعل الأطباء يتخوفون من إجراء التدخلات في الحالات المرضية عالية الخطورة لتجنب تعرض الطبيب لأي ضرر، كما سيدفع الكثير من شباب الأطباء للهجرة.

والطب الدفاعي أسلوب يعتمده الأطباء من أجل الدفاع عن أنفسهم من خلال تجنبهم التعامل مع المرضى المعرضين للخطر الشديد، وتجنُّب اتخاذ الإجراءات الطبية عالية المخاطر معهم خوفًا من حدوث مضاعفات أو وفاة للمريض قد تعرضهم للمساءلة القانونية.

أما أحد الأطباء الشباب فقال في حديث لبي بي سي "سيعزف معظمنا عن التخصصات الملحة مثل جراحات المخ والأعصاب والأوعية الدموية والقلب، والصدر، والعناية المركزة، والتخدير.. خلال عشر سنوات ستختفي هذه التخصصات في مصر".

ويرى الطبيب الذي رفض نشر اسمه أنه من غير المنطقي أن تبدأ الغرامة على أقل خطأ طبي مثل مشكلة في تركيب إبرة وريدية ب 100 ألف جنيه حتى مليون جنيه، ويقول "في هذه الحالة قد يتم حبسي أيضا لعدم قدرتي على السداد حتى وإن ساهم صندوق التأمين الطبي فقد لا يغطي كل الغرامة".

وأردف الطبيب أنه أصبح يطلب من المريض عمل أشعة وتحاليل، حتى لو حالته بسيطة كنوع من المستندات لتأمين نفسه كطبيب ما قد يؤخر علاج المريض لاسيما في ظل ضعف الإمكانيات في المستشفيات الحكومية.

من جهته يرى الطبيب مؤمن توحيد أخصائي العظام أن كل ما سبق سيزيد من معدلات هجرة الأطباء من مصر لاسيما في ظل تدني الرواتب.

ودائما ما يشتكي الأطباء في مصر من تدنى الرواتب، وظروف العمل السيئة خاصة في المستشفيات الحكومية، حيث يبلغ متوسط راتب الطبيب الشاب في مصر نحو 3700 جنيه مصري (أي ما يعادل 73 دولار)، بحسب تقرير لنقابة الأطباء المصرية صادر في أبريل/ نيسان 2022.

ووفق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فقد تراجع عدد الأطباء في القطاع الحكومي المصري على نحو ملحوظ، إذ انخفض العدد من حوالي 113 ألف طبيب في عام 2014 إلى 73.4 ألف طبيب في عام 2020.

في المقابل، لم تؤدِّ زيادة أعداد المقبولين في كليات الطب وإنشاء كليات جديدة إلى تخفيف الأزمة، بل ارتفعت أعداد الاستقالات، إذ بلغت حوالي 11,500 طبيب خلال المدة من 2019 حتى مارس 2022، وفق تقرير لنقابة أطباء مصر عام 2022.

وأرجعت دراسة للجامعة الأمريكية في القاهرة نُشرت في نوفمبر تشرين الثاني 2024 أبرز أسباب هجرة الأطباء من مصر إلى ضعف البنية التحتية الصحية، والرواتب المتدنية، وظروف العمل غير الملائمة.

وذكرت الدراسة أن الأطباء يهاجرون إلى دول ذات أنظمة صحية متطورة، موضحة أن 56% من الأطباء المصريين يعملون في الخارج، مع تفضيلهم الدول الأوروبية وأمريكا الشمالية لأسباب مهنية، ودول الخليج لأسباب مالية.

مصدر الصورة

"مخاوف ليست في محلها"

تواصلت بي بي سي مع الدكتور محمد الوحش وكيل لجنة الصحة بمجلس النواب المصري والذي قال إن اللجنة لبت كل طلبات نقابة الأطباء المكتوبة نصا وحرفا وعدلت بناء عليها القانون خاصة حذف مواد الحبس إلا في الخطأ الطبي الجسيم، وإلغاء الحبس الاحتياطي.

وأضاف الوحش "من يرى أن هذا ليس كافيا يريد إثارة الفتنة، ورغم ذلك فالمجلس منفتح على المزيد من التعديلات حتى التصويت على القانون".

ويرى وكيل لجنة الصحة بمجلس النواب المصري أن مخاوف الأطباء من المحاسبة بقانون العقوبات لا أساس لها، مؤكدا أن محاسبتهم ستتم وفق قانون المسؤولية الطبية فقط، معتبرا القانون في حد ذاته إنجازا لصالح الأطباء كأول فئة مهنية تحاسب بقانون خاص في مصر دون الخضوع لقانون العقوبات.

ويؤكد الوحش ل بي بي سي على عدم دستورية مطالبة الأطباء بإلزام القاضي بتقرير اللجنة الفنية التي تفصل في درجة الخطأ الطبي، موضحا أن السلطة القضائية هي الأعلى وفقا للدستور المصري ولا يجب أن يلزمها أي طرف.

ويضيف وكيل لجنة الصحة بمجلس النواب أنه كان من الضروري أن تكون الغرامة على الأخطاء الطبية كبيرة لتكون رادعة وحامية للمريض وحياته، مضيفا أن الصندوق التأميني سيتكفل بجزء كبير منها ولن تشكل خطرا بحبس الطبيب حسب قوله.

وأشار الوحش ل بي بي سي لأن القانون لأول مرة سيحمي القائمين بالخدمة الطبية والمستشفيات من أي اعتداء لفظا أو تهديدا أو إشارة بالحبس والغرامة للمعتدي.

وطالب الوحش أخيرا الأطباء بدقة قراءة القانون وأخذ رأي قانوني فيما يرون من تعديلات يمكن لهم تقديمها للنقابة لرفعها لمجلس النواب خلال أقل من شهر قبل التصويت النهائي على القانون.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك الخبر

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا اسرائيل سوريا حماس أمريكا

إقرأ أيضا