آخر الأخبار

الحرب في أوكرانيا: كيف يمكن أن تنتهي في عام 2025؟

شارك الخبر
مصدر الصورة

"يجب أن أقول إنَّ الوضع يتغير بشكل دراماتيكي"، بهذه الكلمات أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مؤتمره الصحفي السنوي في ديسمبر/كانون الأول، أنَّ هناك تحركاً على طول خط الجبهة بأكمله كل يوم، وفق تعبيره.

في شرق أوكرانيا، تتحرك آلة الحرب الروسية تدريجياً ميلاً بعد ميل عبر الحقول المفتوحة الواسعة في دونباس، وتحيط بالقرى والبلدات وتسحقها.

ويحاول بعض المدنيين الفرار قبل أن تصل إليهم الحرب، فيما ينتظر آخرون حتى تبدأ القذائف في الانفجار من حولهم قبل أن يحزموا أمتعتهم ويستقلوا القطارات والحافلات إلى مكان آمن في الغرب.

وتصاعدت مكاسب روسيا من الأراضي بوتيرة أسرع مما كانت عليه منذ أن شنت غزوها الشامل في فبراير/شباط 2022، على الرغم من سجل أوكرانيا المثير للإعجاب في شن هجمات غير متكافئة وناجحة ضد جارتها القوية.

مصدر الصورة

مع اقتراب الغزو من نهاية عامه الثالث، بتكلفة وصلت إلى مليون ضحية بين قتيل وجريح، يبدو أنَّ أوكرانيا في وضع الخسارة.

وفي واشنطن البعيدة، يستعد دونالد ترامب، المعروف بتقلباته وعدم شغفه بأوكرانيا أو زعيمها، لتولي منصب الرئاسة في البيت الأبيض.

يبدو أنَّ هذه اللحظة تشكل نقطة تحوّل، ولكن، هل يمكن أن يكون عام 2025 هو العام الذي ينتهي فيه هذا الصراع الأوروبي المدمر؟ وإذا كان الأمر كذلك، كيف يمكن أن تبدو النهاية؟

"الحديث عن المفاوضات وهم"

إنَّ وعد ترامب بإنهاء الصراع في غضون 24 ساعة من توليه منصبه هو عادة تباهٍ عظيم، لكنه يأتي من رجل فقد صبره بوضوح تجاه الحرب والتورط الأمريكي المكلف.

وقال "إنَّ أعداد الجنود الشباب القتلى الملقاة في الحقول في كل مكان كبيرة، إنًّ ما يحدث أمر جنوني".

لكنّ الإدارة الأميركية القادمة تواجه تحديين مزدوجين، وفقاً لمايكل كوفمان، الزميل البارز في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، الذي يصف الوضع في حديثٍ له في ديسمبر/كانون الأول: "أولاً، سوف يرثون حرباً تسير في مسار سلبي للغاية، من دون أن يكون عندهم قدر من الوقت لإعادة الوضع للاستقرار، ثانياً، حين يرثونها لن يجدوا نظرية واضحة للنجاح".

وقد قدّم الرئيس المنتخب بعض الإشارات خلال المقابلات الأخيرة حول الكيفية التي ينوي بها التعامل مع الحرب.

في مقابلة مع مجلة "تايم"، أعرب عن معارضته الشديدة لقرار إدارة بايدن، في نوفمبر/تشرين الثاني، بالسماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ طويلة المدى من الولايات المتحدة لضرب أهداف داخل روسيا.

وأضاف "إننا نعمل فقط على تصعيد هذه الحرب وجعلها أسوأ".

وفي الثامن من ديسمبر/كانون الأول، سألته قناة إن بي سي نيوز عمّا إذا كان ينبغي لأوكرانيا الاستعداد لتلقي مساعدات أقل، أجاب: "ربما، بالتأكيد".

مصدر الصورة

ولكن بالنسبة لأولئك الذين يخشون، كما يفعل كثيرون، أن يكون الزعيم الأميركي الجديد ميالاً إلى الانسحاب من أوكرانيا، فقد قدّم أوباما بعض التلميحات المطمئنة.

وقال أوباما: "في رأيي، لا يمكنكم التوصل إلى اتفاق إذا تخليتم عن أوكرانيا".

الحقيقة هي أن نوايا ترامب ليست واضحة على الإطلاق.

في الوقت الحالي، يرفض المسؤولون الأوكرانيون كل الحديث عن الضغوط، أو الإيحاء بأنَّ وصول ترامب يعني بالضرورة أن محادثات السلام وشيكة.

يقول ميخايلو بودولياك، مستشار رئيس مكتب الرئيس زيلينسكي: "هناك الكثير من الحديث عن المفاوضات، ولكنه وهم"، مضيفاً "لن تتم أيّ عملية تفاوض لأنّ روسيا لم تُجبر على دفع ثمن باهظ بما يكفي لهذه الحرب".

تمرين "الاستراتيجية الذكية" لزيلينسكي

على الرغم من كل شكوك كييف بشأن التفاوض بينما تواصل القوات الروسية تقدمها بلا هوادة في الشرق، فمن الواضح أن الرئيس زيلينسكي حريص على وضع نفسه في مكانة الرجل الذي يمكن لترامب أن يتعامل معه.

حيث سارع الرئيس الأوكراني إلى تهنئة ترامب على فوزه في الانتخابات ولم يهدر الكثير من الوقت في إرسال كبار المسؤولين للقاء فريق الرئيس المنتخب.

وبمساعدة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تمكن زيلينسكي من تأمين اجتماع مع ترامب حين زار الرجلان باريس لإعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام.

وقال وزير خارجيته السابق دميتري كوليبا لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي في ديسمبر/كانون الأول: "ما نراه الآن هو تمرين استراتيجي ذكي للغاية من جانب الرئيس زيلينسكي".

وأضاف أن زيلينسكي "أظهر روح البناء والاستعداد للتعامل مع الرئيس ترامب".

وفي ظل عدم وجود مؤشرات واضحة على أن الكرملين يتخذ إيماءات مماثلة، فمن الواضح أن الحكومة في كييف تحاول أن تكون في المقدمة.

وتقول أوريسيا لوتسيفيتش، رئيسة منتدى أوكرانيا في تشاتام هاوس: "نظراً لأنّ ترامب لم يوضح بالكامل كيف سيقوم بذلك، فإن الأوكرانيين يحاولون إعطاءه بعض الأفكار التي قد يقدمها على أنها خاصة به".

"إنهم يعرفون كيفية التعامل مع تلك الأنا".

خطّة النصر: النهايات المحتملة

حتى قبل الانتخابات الأميركية، كانت هناك دلائل تشير إلى أن زيلينسكي كان يبحث عن سبل لتعزيز جاذبية أوكرانيا كشريك مستقبلي لرئيس منتخب مثل ترامب، الذي يتسم غريزياً بالمعاملات التجارية ويحجم عن الاستمرار في ضمان الأمن الأوروبي الأوسع.

وفي إطار "خطة النصر" التي كشف عنها في أكتوبر/تشرين الأول، اقترح زيلينسكي أن تحل القوات الأوكرانية التي اكتسبت خبرة قتالية محل القوات الأميركية في أوروبا بعد انتهاء الحرب مع روسيا.

كما عرض إمكانية إقامة استثمارات مشتركة لاستغلال الموارد الطبيعية في أوكرانيا، بما في ذلك اليورانيوم والجرافيت والليثيوم.

وحذر زيلينسكي من أن مثل هذه الموارد الاستراتيجية "ستصب في مصلحة إما روسيا من طرف أو أوكرانيا والعالم الديمقراطي".

مصدر الصورة

ولكن يبدو أن عناصر أخرى من خطة النصر التي اقترحها الزعيم الأوكراني ــ عضوية حلف شمال الأطلسي ودعوته إلى "حزمة شاملة من الردع الاستراتيجي غير النووي" ــ قوبلت باستجابة فاترة من حلفاء كييف.

وتظل عضوية حلف شمال الأطلسي على وجه الخصوص تشكل نقطة خلاف، كما كانت الحال منذ ما قبل الغزو الروسي الشامل.

بالنسبة لكييف، هذه هي الطريقة الوحيدة لضمان بقاء البلاد في المستقبل، ضد العدو الروسي الجشع الذي عازم على إخضاع أوكرانيا.

ولكن على الرغم من إعلانه في يوليو/تموز الماضي أن أوكرانيا تسير على "مسار لا رجعة فيه نحو التكامل الأوروبي الأطلسي الكامل، بما في ذلك عضوية حلف شمال الأطلسي"، فإن التحالف منقسم، حيث لم تؤيد الولايات المتحدة وألمانيا حتى الآن توجيه دعوة.

وأشار الرئيس زيلينسكي إلى أنه إذا تم تقديم عرض العضوية إلى البلاد بأكملها، داخل حدود أوكرانيا المعترف بها دولياً، فإنه سيكون على استعداد لقبول أن ينطبق هذا العرض، في البداية، فقط على الأراضي الخاضعة لسيطرة كييف.

وقال لقناة سكاي نيوز في نوفمبر/تشرين الثاني إن هذا من شأنه أن ينهي "المرحلة الساخنة" من الحرب، ما يسمح بعملية دبلوماسية لمعالجة مسألة الحدود النهائية لأوكرانيا.

ولكنه قال إنه لم يتم تقديم مثل هذا العرض حتى الآن.

موقف كييف "المتذبذب"

إن لم يكن حلف شمال الأطلسي، فماذا إذن؟ مع احتمال عقد محادثات سلام بقيادة ترامب وخسارة أوكرانيا على أرض المعركة، فإن النقاش الدولي يدور كله حول دعم موقف كييف المهتز.

وقال أندريه يرماك، رئيس مكتب الرئيس زيلينسكي، لهيئة الإذاعة العامة الأوكرانية في 12 ديسمبر/كانون الأول: "من الأهمية بمكان أن يكون لدينا ضمانات قوية وقانونية وعملية".

وقال إن الماضي القريب لأوكرانيا ترك إرثاً مريراً مضيفاً: "لسوء الحظ، ومن واقع خبرتنا، فإن كل الضمانات التي حصلنا عليها من قبل لم تسفر عن تحقيق الأمن".


* ما هو تكتيك روسيا الذي "يجلب النصر" في أرض المعركة؟
* تحقيق لبي بي سي، يكشف كيف تتحايل شركات صينية على العقوبات لإرسال تكنولوجيا حساسة لروسيا

وفي غياب آليات ملموسة مماثلة لمفهوم الدفاع الجماعي الذي يجسده المادة الخامسة من المعاهدة التأسيسية لحلف شمال الأطلسي، يخشى المراقبون ألا يكون هناك ما يمنع وقوع هجوم روسي آخر.

وتقول أوريسيا لوتسيفيتش: "زيلينسكي يفهم أنه لا يستطيع أن يكتفي بوقف إطلاق النار بشكل صريح".

"يجب أن يكون هناك وقف لإطلاق النار، سيكون من الانتحار بالنسبة لزيلينسكي أن يقبل وقف إطلاق النار دون أن يكون لديه أي إجابة عن كيفية حماية أوكرانيا".

وفي المنتديات السياسية الأوروبية، كان الخبراء يبحثون عن السبل التي قد تساعد أوروبا في تحمل هذه المسؤولية الثقيلة.

مصدر الصورة

وقد شملت الأفكار نشر قوات حفظ السلام في أوكرانيا (وهو الاقتراح الذي طرحه ماكرون لأول مرة في فبراير/شباط الماضي)، أو إشراك القوة المشتركة بقيادة بريطانيا، والتي تجمع قوات من ثماني دول من الشمال الأوروبي ودول البلطيق، بالإضافة إلى هولندا.

ولكن كوفمان متشكك، ويقول: "إن الضمانات الأمنية التي لا تشارك فيها الولايات المتحدة كأحد الضامنين تشبه كعكة مُفرغة من المنتصف".

وهذا هو الرأي الذي يتردد صداه في كييف.

"ما هو البديل الذي يمكن أن يكون متاحاً؟ لا توجد بدائل اليوم"، كما يقول بودولياك.

ويرى أن قطع الورق، مثل مذكرة بودابست لعام 1994 (حول حدود أوكرانيا ما بعد الاتحاد السوفييتي) أو اتفاقيات مينسك لعامي 2014 و2015 (التي سعت إلى إنهاء حرب دونباس) لا قيمة لها، دون التهديد الإضافي المتمثل في الردع العسكري.

ويقول بودولياك: "يجب على روسيا أن تفهم أنه بمجرد أن تبدأ العدوان، فإنها ستتلقى كمّاً كبيراً من الضربات رداً على ذلك".

بريطانيا وبايدن ودور الغرب

وفي غياب الاتفاق على مستقبل أوكرانيا على المدى الطويل، يبذل حلفاؤها كل ما في وسعهم لتعزيز دفاعاتها.

وفي ديسمبر/كانون الأول، قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته إن "كل شيء" قيد الدراسة، بما في ذلك توريد أنظمة دفاع جوي إضافية، جزئياً لحماية البنية التحتية للطاقة المتضررة في البلاد من موجة متجددة من الهجمات الروسية المنسقة بالصواريخ والطائرات بدون طيار.

مع استمرار أوكرانيا في مواجهة نقص حاد في القوى العاملة، قال وزير الدفاع البريطاني جون هيلي إن الحكومة قد تكون مستعدة لإرسال قوات بريطانية إلى أوكرانيا للمساعدة في التدريب.

من جانبها، يبدو أن إدارة بايدن المنتهية ولايتها عازمة على تقديم أكبر قدر ممكن من المساعدات العسكرية المعتمدة من الكونجرس إلى أوكرانيا قبل مغادرة منصبها، على الرغم من أن التقارير تشير إلى أنها قد ينفد منها الوقت لإرسال كل شيء.

في 21 ديسمبر/كانون الأول، أفادت تقارير أن ترامب سيواصل تقديم المساعدات العسكرية لأوكرانيا، لكنه سيطالب أعضاء حلف شمال الأطلسي بزيادة إنفاقهم الدفاعي بشكل كبير.

كما واصل حلفاء كييف تشديد العقوبات على موسكو، على أمل أن يتمكن الاقتصاد الروسي الذي عانى من آثار الحرب، والذي أثبت قدرته على الصمود بعناد، من الانهيار أخيراً.

وقال مصدر في الكونجرس الأمريكي، طلب عدم الكشف عن هويته، "لقد كان هناك إحباط عميق لأن العقوبات لم تكسر الاقتصاد الروسي بشكل لا يمكن إصلاحه".


* بوتين: كان يجب أن أغزو أوكرانيا في مرحلة أبكر
* كيف برهنت أوكرانيا على يدها الطولى في قلب روسيا؟

بعد جولات متعددة من العقوبات (خمس عشرة منها من الاتحاد الأوروبي وحده)، أصبح المسؤولون الحكوميون حذرين في التنبؤ بتأثيرها الناجح.

ولكن المؤشرات الأخيرة أصبحت أكثر إثارة للقلق بالنسبة للكرملين، ففي ظل أسعار الفائدة عند 23 في المئة، وارتفاع التضخم إلى أكثر من 9 في المئة، وانخفاض قيمة الروبل، وتوقع تباطؤ النمو بشكل كبير في عام 2025، لم تكن الضغوط على الاقتصاد الروسي تبدو أكثر حدة من أي وقت مضى.

ويبدو بوتن شجاعاً في تصريحاته، فقد قال خلال مؤتمره الصحفي الذي عقده في نهاية العام: "إن العقوبات لها تأثير، ولكنها ليست ذات أهمية كبيرة".

وبالإضافة إلى الخسائر الفادحة التي تكبدتها روسيا في ساحة المعركة ــ يقدر المسؤولون الغربيون أن موسكو تخسر في المتوسط 1500 رجل بين قتيل وجريح كل يوم ــ فإن تكلفة هذه الحرب قد تدفع بوتن إلى طاولة المفاوضات.

ولكن كم من الأراضي سوف تخسرها أوكرانيا - وكم من الناس سوف يقتلون - بحلول الوقت الذي نصل فيه إلى تلك النقطة؟

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك الخبر

أخبار ذات صلة



إقرأ أيضا