نتناول في عرض الصحف اليوم مقالات تركز على الوضع في سوريا بعد سقوط حكم الأسد والتغيرات الجيوسياسية في المنطقة، من بينها مقال يرى أن "حدة العنف الطائفي بعد الإطاحة بنظام الأسد جاءت أقل من التوقعات"، ومقال آخر عن "النفوذ التركي في سوريا ومخاوف إسرائيل من توسعها"، وأخيرا مقال عن "التحديات التي تواجه الإدارة السورية الجديدة داخل النظام العربي مستقبلاً".
نبدأ جولتنا بصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية ومقال رأي كتبه باسم مروه بعنوان "العنف الطائفي في سوريا جاء أقل حدة مما كان متوقعاً منذ الإطاحة بالأسد"، ويستهل الكاتب مقاله مشيراً إلى حدوث جولات من العنف الطائفي خلال الأيام التي أعقبت الإطاحة بالأسد، إلا أنها لم تصل، بأي حال من الأحوال، إلى الحد الذي كان يُخشى منه بعد نحو 14 عاماً من الحرب الأهلية في سوريا، وفق الكاتب.
ويرى الكاتب أن الفضل الكبير في هذا الهدوء النسبي حتى الآن يعود إلى هيئة تحرير الشام التي قادت المعارضة ضد الأسد وتساعد في إعادة بناء سوريا وتوحّد فصائلها العديدة، بعد أن تعهدت بعدم التمييز ضد أي دين أو عرق، ونددت بعمليات القتل الانتقامية.
ويلفت الكاتب إلى أنه خلال الأيام التي تلت سقوط الأسد، قُتل العشرات من السوريين في أعمال عنف انتقامية، كان معظمهم من الطائفة العلوية، التي تتبعها عائلة الأسد، وفقاً لنشطاء وخبراء يراقبون الوضع السوري.
ويقول الكاتب إنه نظراً للدور الرئيسي الذي لعبه العلويون في حكومة الأسد القمعية، توقع الخبراء أن يكون العنف الطائفي مستشرياً، بيد أن هيئة تحرير الشام اجتهدت في الحد من التوترات في القرى التي شهدت أعمال عنف انتقامية.
ويسلط الكاتب الضوء على أنه في عهد الأسد، تمتع السوريون بحريات دينية وغيرها من الحريات، كما اختلط الرجال والنساء بحرية على الشواطئ والأماكن العامة الأخرى، وكانت المطاعم تُقدم مشروبات كحولية؛ كما شغلت المرأة مناصب عليا في الحكومة.
ويرى الكاتب أنه بعد أن أصبحت السلطة في أيدي هيئة تحرير الشام، يشعر العديد من السوريين والحكومات الغربية وجماعات حقوق الإنسان، بقلق من أن تتحول سوريا إلى دولة دينية، على الرغم من أن التحالف الذي تقوده هيئة تحرير الشام لم يفرض حتى الآن أي قواعد دينية صارمة، مثل إجبار النساء على ارتداء الحجاب، كما سُمح للصحفيين من جميع أنحاء العالم بالتغطية بحرّية، وعلى مدى سنوات من السيطرة في محافظة إدلب في شمال غرب سوريا، سمحت هيئة تحرير الشام للمسيحيين والدروز بممارسة شعائرهم الدينية دون تدخل، بحسب الكاتب.
ويقول الكاتب إن إحدى الأولويات القصوى لهيئة تحرير الشام وزعيمها أحمد الشرع، هو الرفع من على قائمة "الإرهاب"، الأمر الذي قد يؤدي لاحقاً إلى رفع عقوبات اقتصادية مفروضة على سوريا. ويقول مسؤولون أمريكيون إن تصريحات الشرع عموماً بشن حماية حقوق الأقليات والنساء موضع ترحيب، بيد أنهم يشككون في الوفاء بوعوده على المدى الطويل.
كما تحدث الكاتب عن تقارير أفادت مساعي الشرع نفسه إلى الحفاظ على السلام بين الفصائل السورية العديدة، لاسيما بعد أن التقى في دمشق مؤخراً بوفد من الطائفة الدرزية وأخبرهم أن هدفه هو توحيد سوريا وإنشاء مجتمع حر، بحسب وسائل إعلام سورية.
ويختتم الكاتب باسم مروه مقاله مستشهداً برؤى بعض السوريين للأحداث واعتقادهم بأن العنف الطائفي كان سيحتدم في أعقاب الإطاحة بالأسد لو كان الجيش السوري خاض معركة جادة ضد هيئة تحرير الشام وغيرها من الجماعات المسلحة المعارضة، لكن ما حدث هو اختفاء جيش الأسد بشكل أساسي واختار عدم الدفاع عن حكومته، على حد تعبير الكاتب.
ننتقل إلى صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية ومقال رأي كتبه ديفيد بن-باسات بعنوان "إسرائيل لديها جارة جديدة- تركيا تسيطر على سوريا"، ويستهل الكاتب مقاله بتصريح سابق للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قبل ستة أشهر، قال فيه: "كما دخلنا كاراباخ وليبيا، سنفعل الشيء نفسه في إسرائيل".
ويرى الكاتب أنه في ظل سقوط نظام بشار الأسد وحدود تركيا المشتركة مع سوريا، فإن تصريح أردوغان، الذي يهدد في الأساس بـ "غزو بري لإسرائيل"، يحمل دلالات مقلقة، لاسيما بعد أن أعلن أردوغان في تجمع سياسي لحزب العدالة والتنمية في تركيا قائلاً: "ليس هناك شيء لا نستطيع فعله، نحتاج فقط إلى البقاء أقوياء".
ويلفت الكاتب إلى أن "الانهيار الدرامي لنظام الأسد وانتصار المعارضة السورية، التي يحظى بعض فصائلها بدعم كبير وتوجيه من تركيا، ينبغي أن يمثل جرس إنذار لصنّاع القرار في إسرائيل"، ويرى أن سقوط الأسد نقطة تحول مهمة في الشرق الأوسط، يحمل عواقب على إسرائيل، الأمر الذي يخلق واقعاً جديداً ومعقداً، يتطلب، بحسب رأيه، تحليلاً دقيقاً للتأثير المحتمل على إسرائيل، لاسيما في ظل علاقتها المتوترة بالفعل مع تركيا.
ويعتقد الكاتب أن الفراغ الذي تركه الأسد يثير المخاوف بشأن كيانات معادية، مثل الميليشيات الموالية لإيران والجماعات الجهادية التي تتجذر على طول الحدود الشمالية لإسرائيل، كما قد تستغل تركيا هذا الفراغ في السلطة لتوسيع نفوذها، نظراً لتورطها السابق في شمال سوريا، لذا قد تتصاعد التوترات بين إسرائيل وتركيا.
وعلى النقيض من ذلك، يرى البعض أن المشهد الجيوسياسي المتطور قد يعزز العلاقات الوثيقة بين إسرائيل وتركيا، بدافع المصالح المشتركة في استقرار المنطقة، وفق الكاتب.
بيد أن الكاتب يقول إن تلك التغييرات الجيوسياسية في سوريا تأتي في وقت تنامت فيه حدة التوترات بين إسرائيل وتركيا، كما يشكّل اقتراب القوات المدعومة من تركيا من الحدود الشمالية لإسرائيل مخاطر أخرى.
ويختتم الكاتب ديفيد بن-باسات مقاله محذراً إسرائيل بضرورة أن تستعد للتحديات التي يفرضها عليها هذا المشهد المتغير.
نختتم جولتنا بصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية ومقال رأي كتبه محمد الرميحي بعنوان "سوريا والنظام العربي المقبل"، ويستهله الكاتب مشيراً إلى أنه في الفترة السابقة لم يعد النظام العربي الإقليمي قادراً على مقاومة الكثير من التحديات، واصفاً هذا النظام بأنه شبه معطل، بسبب "الزعيق" الأيديولوجي، فضلاً عن اختيار سوريا، تحت نظام الأسدين الأب والابن، الارتباط بمكوّن آخر خارج النظام العربي.
ويرى الكاتب أن سوريا مع مصر والسعودية تشكّل جميعاً قاعدة النظام العربي المشرقي. فإن استطاع هذا المحور التعاون البنّاء، يمكن أن ينضم إليه آخرون على قاعدة الندّية والخير المشترك.
ويقول الكاتب إنه في السنوات الأخيرة "نضج حكم الأسد وأصبح قابلاً للسقوط" لأسباب كثيرة يصعب حصرها؛ من قمع الداخل الذي طال تقريباً كل المكونات السورية، وسياساته الخارجية العبثية، بحسب الكاتب.
ويلفت الكاتب إلى أن الكثير من المراقبين يرحبون بالتغيير في سوريا، إلا أن هناك بعض التحوطات التي يجب الأخذ بها، منها أن مكوناً واحداً لا يستطيع أن يبحر بسوريا في خضم المتغيرات الإقليمية والدولية، كما أن سوريا في محيطها العربي هي أكثر أماناً، وأكثر قابلية للفعل على المستوى الدولي.
ويضيف الكاتب أن "التحدي أمام النظام الجديد عنوانه الرئيس ألا يقع النظام الجديد في أخطاء النظام السابق الذي أغرق سوريا في القمع والفقر والخوف والعزلة"، ويقترح الكاتب "روشتة" للخروج من هذا المأزق تتألف من أربع ركائز: أولاً، نظام سياسي يكفل الحريات لكل المواطنين والمكونات السورية، وينظم السلطات. وثانياً، نظام اقتصادي يكفل العيش الكريم بعيداً عن الشمولية والاستحواذ. وثالثاً، يحوط ذلك نظام قانوني يكفل الحقوق بميزان العدل الإنساني. ورابعاً، نظام إعلامي حر في حدود قوانين حديثة.
ويختتم الكاتب محمد الرميحي مقاله موضحاً أن الانزلاق إلى الأحادية، والاهتمام بالصغائر والشكليات التي هي مفارقة للعصر وللعقل... يدخلان النظام السوري الجديد، وهو هشّ، إلى مداخل مظلمة، ويؤلبان الآخرين عليه، ويتركانه صيداً للقوى الإقليمية المستعدة للقفز من النافذة بعد خروجها من الباب! لأن المسارات النقيضة للنقاط الأربع السابقة، هي "نوافذ" لقفز الآخرين منها على مقدرات الشعب السوري، وفق الكاتب.