أثار إعلان الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول المفاجئ ليلة الثلاثاء الماضي، بفرض الأحكام العرفية، أزمة سياسية في كوريا الجنوبية لم تشهد البلاد مثيلاً لها منذ ثمانينيات القرن الماضي.
ودفعت الأزمة المتفاقمة بين يون والمعارضة بشأن الميزانية العامة، الرئيس لاتخاذ خطوته المفاجئة، مبرراً إياها بمواجهة "قوى معادية" وتهديدات من الجارة الشمالية، غير أن محاولته انتهت بالفشل بعد ساعات، بسبب الضغوط الشعبية والسياسية، حيث سارع البرلمان الذي تهيمن عليه المعارضة، إلى عقد جلسة طارئة صوت خلالها على رفض الأحكام العرفية.
فما هي قصة كوريا الجنوبية التي تركزت عليها الأضواء في الأيام الأخيرة؟
في القرن الرابع قبل الميلاد كانت مملكة جوسون موجودة في شبه الجزيرة الكورية ومنشوريا، وفي القرن الثالث قبل الميلاد تشكلت دولة جين في جنوب شبه جزيرة كوريا.
وبين عامي 57 قبل الميلاد و 668 بعد الميلاد، تطورت ممالك غوغوريو وبايكجي وشلا في شبه الجزيرة ومنشوريا باعتبارها الممالك الثلاث في كوريا.
ثم نجحت مملكة شلا في توحيد شبه الجزيرة الكورية بين عامي 668 و935.
وبين عامي 918 و1392 توحدت كوريا مرة أخرى تحت حكم مملكة كوريو، التي اشتق منها اسم "كوريا" الحديث.
وقد خضعت مملكة كوريو بين عامي 1231 و1270 لتأثير الإمبراطورية المغولية، ثم لنفوذ سلالة يوان في الصين حتى منتصف القرن الرابع عشر.
وأسس الجنرال يي سونغ جاي سلالة جوسون التي أطاحت بسلالة كوريو وحكمت المنطقة بين عامي 1392 و1897.
وبين عامي 1418 و1450، نفذ الملك سيجونغ العظيم إصلاحات إدارية واجتماعية وعلمية واقتصادية وأنشأ الهانغول، الأبجدية الكورية.
وقد تعرضت البلاد لغزو الياباني بين عامي 1592 و1598، وانتهى الصراع بانسحاب القوات اليابانية بعد حالة من الجمود العسكري.
لكن في عام 1876 فرضت اليابان على كوريا معاهدة صُممت لإجبارها على الانفتاح على التجارة اليابانية، وأنهت المعاهدة وضع كوريا كمحمية صينية.
وبين عامي 1897 و1910 عمل الملك جوجونغ من سلالة جوسون على التحديث الجزئي والتحول إلى الغرب في الأنظمة العسكرية والاقتصادية والتعليمية، وفي عام 1910 ضمت اليابان كوريا، التي أصبحت مستعمرة يابانية.
وبعد الحرب العالمية الثانية، انتهى الاحتلال الياباني باحتلال القوات السوفيتية للمنطقة الواقعة شمال خط العرض 38، والقوات الأمريكية في الجنوب.
ومنذ تقسيم شبه الجزيرة الكورية عام 1948، تمكنت كوريا الجنوبية من أن تصبح واحدة من أكثر الدول الآسيوية ثراءً، بينما لم تتمكن كوريا الشمالية من التخلص من الفقر وتسلط النظام الشمولي.
وتأسست جمهورية كوريا (كوريا الجنوبية) في عام 1948، وحظيت بدعم أمريكا والأمم المتحدة بعد أن تعرضت لغزو عسكري من الشمال عام 1950.
ووضعت الحرب الكورية أوزارها عام 1953 دون التوصل الى اتفاق للسلام، مما يعني ان الكوريتين ما زالتا رسمياً في حالة حرب.
تبنت الجمهورية الأولى، التي تأسست في أغسطس/آب من عام 1948، نظاماً رئاسياً، وانتُخب سينغ مان ري لاحقاً كأول رئيس لها. كما تبنت كوريا الجنوبية قانون الأمن القومي، الذي حظر الجماعات التي تعارض الدولة أو تعبر عن الدعم لكوريا الشمالية.
أُعيد انتخاب ري في أغسطس/ آب من عام 1952 بينما كانت البلاد في حالة حرب، وكان هناك صراع بين ري والجمعية الوطنية التي تهيمن عليها المعارضة بسبب مشروع قانون تعديل دستوري قدمته المعارضة في محاولة للإطاحة بري من خلال استبدال النظام الرئاسي بنظام برلماني. وقد رُفض مشروع القانون، لكن النزاع استمر.
وعندما قدمت المعارضة مشروع قانون تعديل آخر لصالح النظام البرلماني، رد ري في عام 1952 بدفع مشروع قانون ينص على الانتخاب الشعبي للرئيس.
وفي وقت لاحق، في عام 1954، نجح ري في دفع الجمعية الوطنية، التي كان يهيمن عليها الحزب الحاكم آنذاك، على تمرير تعديل يعفيه من الحد الأقصى للرئاسة، والذي كانت مدته آنذاك، ولايتين.
وبموجب الدستور المعدل، ترشح ري بنجاح لولاية ثالثة في مايو/أيار 1956. وأُعيد انتخابه للمرة الرابعة، في مارس/آذار 1960، بعد فترة من التوتر والعنف، تبعها اتهامات بأن الانتخابات كانت مزورة.
وخرجت مظاهرات طلابية حاشدة بلغت ذروتها في 19 أبريل/نيسان من عام 1960 في صدام كبير لقي فيه العديد من المتظاهرين مصرعهم. واستقال ري تحت الضغط بعد ستة أيام وهرب إلى المنفى في هاواي، حيث توفي عام 1965 عن عمر يناهز 90 عاماً.
لم تستمر الجمهورية الثانية التي قامت بعد مغادرة ري، والتي اعتمدت النظام البرلماني سوى تسعة أشهر. وفي ظل الجمهورية الثانية قصيرة العمر، انتخب يون بو كرئيس صوري من قبل مجلسي الهيئة التشريعية، ونُقلت السلطة إلى مكتب رئيس الوزراء تشانغ ميون، الذي انتُخب من قبل مجلس النواب بفارق ضئيل بلغ 10 أصوات.
وقد بذلت حكومة تشانغ جهداً لبدء الإصلاحات، ولكنها فشلت في التعامل مع الوضع غير المستقر الذي خلقه التغيير السياسي العنيف.
ومع انتقال السلطة إلى مكتب رئيس الوزراء، انخرطت جميع الفصائل، المحافظة والمعتدلة، في مناورات مستمرة لكسب مجموعة من المستقلين من أجل تشكيل الأغلبية في الهيئة التشريعية.
وقبل أن يتسنى لتشانغ الوقت لإطلاق برنامج كامل للإصلاح الاقتصادي، أصيبت قيادة الحزب الديمقراطي الحاكم بالشلل بسبب الصراعات داخل صفوفها.
في 16 مايو/ آيار من عام 1961، استولى الجيش على السلطة وتولى مجلس عسكري بقيادة الجنرال بارك تشونغ هي زمام الأمور في البلاد وحل الجمعية الوطنية وفرض حظر صارم على النشاط السياسي.
ووُضعت البلاد تحت الأحكام العرفية، وتولى المجلس الأعلى لإعادة الإعمار الوطني، برئاسة بارك، زمام الأمور في الحكومة وبدأ في تنفيذ سلسلة من الإصلاحات.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1962، نشر المجلس الأعلى لإعادة الإعمار الوطني مشروع قانون لتعديل الدستور ينص على رئيس قوي ومجلس وطني ضعيف من غرفة واحدة.
ولكن سرعان ما غيّر بارك رأيه واقترح تمديد الحكم العسكري لأربع سنوات. وقد قوبل الاقتراح بمعارضة شديدة من الزعماء السياسيين المدنيين، ولكنّ نحو 160 من القادة العسكريين، معظمهم من الجنرالات، أيّدوا التمديد.
وفي أبريل/نيسان من عام 1963، أعلن بارك، تحت ضغط محلي ودولي كبير (وخاصة من الولايات المتحدة)، عن خطة لإجراء انتخابات نحو نهاية العام. وفي أواخر شهر مايو/آيار، سُمّي بارك مرشحاً رئاسياً للحزب الديمقراطي الجمهوري الذي تشكل حديثاً.
أُجريت انتخابات رئيس الجمهورية الثالثة في 15 أكتوبر/ تشرين الأول من عام 1963.
وهزم بارك بفارق ضئيل يون بو، مرشح المعارضة والرئيس الرمزي السابق، وذلك بناءً على طلب المجلس العسكري لتوفير الاستمرارية الدستورية للحكومة العسكرية.
وعندما سُمح باستئناف النشاط السياسي، قاد يون مجموعات المعارضة المتجمعة وأصبح المرشح الرئاسي لحزب الحكم المدني.
وفي مايو/ آيار 1967، انتُخب بارك لفترة ولايته الثانية، وفاز حزب جمهورية كوريا الديمقراطية بأغلبية كبيرة في الجمعية الوطنية.
وادعى أعضاء الحزب الديمقراطي الجديد المعارض، الذي كان رئيسه يون، الذي هُزم مرتين، حدوث تزوير ورفضوا لبعض الوقت الجلوس على مقاعدهم في الجمعية الوطنية.
وخلال فترة ولايته الثانية، واجه الرئيس بارك البند الدستوري الذي حد من ولاية الرئيس بفترتين متتاليتين مدة كل منها 4 سنوات.
وفي خضم الاضطرابات السياسية الواسعة النطاق التي أحدثتها مظاهرات الساسة المعارضين والطلاب، أقر أعضاء الحزب الديمقراطي التقدمي في الهيئة التشريعية تعديلاً دستورياً من شأنه أن يجعل الرئيس مؤهلاً لثلاث فترات متتالية مدة كل منها 4 سنوات.
وتمت الموافقة على التعديل من خلال استفتاء وطني في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 1969.
وفي الانتخابات الرئاسية التي عقدت في أبريل/ نيسان من عام 1971، هزم بارك منافسه كيم داي جونغ من الحزب الديمقراطي الجديد، ومع ذلك، حقق الحزب الديمقراطي الجديد مكاسب كبيرة، وخاصة في المناطق الحضرية الكبرى، وحصل على 89 مقعداً في انتخابات الجمعية الوطنية مقابل 113 مقعدًا فاز بها الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم.
في ديسمبر/ كانون الأول 1971، بعد وقت قصير من تنصيبه لفترة رئاسية ثالثة، أعلن بارك حالة الطوارئ الوطنية، وبعد 10 أشهر (أكتوبر/ تشرين الأول من عام 1972) علق الدستور وحل الهيئة التشريعية.
وفي ديسمبر/ كانون الأول 1972 صدر دستور جديد، يسمح بإعادة انتخاب الرئيس لعدد غير محدود من الفترات التي تبلغ مدة كل منها 6 سنوات، مما أدى إلى إطلاق الجمهورية الرابعة.
وفي إطار الجمهورية الرابعة تم تشكيل المؤتمر الوطني للوحدة "للسعي إلى توحيد الوطن سلميًا" برئاسة رئيس الجمهورية ويتراوح عدد أعضائه بين 2000 و 5000 عضو يتم انتخابهم مباشرة من قبل الناخبين لمدة 6 سنوات.
وكُلّف ....