تتوالى ردود الفعل والتعليقات العربية والإقليمية والدولية على العمليات المفاجئة والمستمرة التي تشنها قوى المعارضة المسلحة في سوريا، بقيادة هيئة تحرير الشام، على مناطق كانت خاضعة لسيطرة الحكومة السورية في محافظات حلب وإدلب وحماة.
وفي حين لا تزال الصورة غير واضحة تمامًا فيما يتعلق بخلفيات الهجوم وأهدافه ومستقبله، أثارت التطورات في سوريا ردود فعل دولية وإقليمية متسارعة.
وقد كانت مدينة حلب، التي شهدت بداية المواجهات الأخيرة، محورًا لمعركة طاحنة خلال السنوات الأولى من الصراع في سوريا الذي اندلع عام 2011، إثر مظاهرات مناهضة للرئيس بشار الأسد. وقد تعرضت الأحياء الشرقية للمدينة لاحقا لقصف مدمّر من قِبَل الجيش السوري والقوات الموالية له، قبل أن تستعيد الحكومة السورية السيطرة عليها بالكامل عام 2016.
من شن الهجوم على غرب حلب ولماذا الآن؟
من يسيطر على سوريا التي مزقتها الحرب بعد 13 عاما من الصراع؟
من هو أبو محمد الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام؟
ويأتي هجوم فصائل المعارضة المسلحة، في لحظة إقليمية ودولية حرجة، إذ تنشغل روسيا بحربها في أوكرانيا، بينما تلقت إيران وحلفاؤها، خصوصاً حزب الله، ضربات إسرائيلية موجعة في الفترة الأخيرة.
وبدأ الهجوم في شمال سوريا يوم دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله في لبنان حيز التنفيذ، بعد نزاع بدأ في تشرين الأول/أكتوبر 2023 وتحوّل الى مواجهة مفتوحة منذ أيلول/سبتمبر، على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس.
قال بشار الأسد بشار الأسد، يوم الإثنين، خلال اتصال مع نظيره الإيراني مسعود بزشكيان، إن الهجوم في شمال البلاد يمثل محاولة "لتقسيم المنطقة وتفتيت دولها وإعادة رسم الخرائط من جديد".
وأكد، وفقًا لبيان صادر عن الرئاسة السورية، أن "التصعيد لن يزيد سوريا وجيشها إلا إصرارًا على المزيد من المواجهة".
وكان الأسد قد توعّد، يوم الأحد، باستخدام "القوة" لمواجهة "الإرهاب"، مشددًا على "أهمية دعم الحلفاء والأصدقاء" في التصدي للهجوم.
وتعهد حلفاء الأسد، الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والإيراني مسعود بزشكيان، يوم الإثنين، بتقديم "دعم غير مشروط" للرئيس السوري في ظل الهجوم المباغت الذي تشنه فصائل المعارضة في شمال البلاد، بحسب ما أفاد الكرملين.
وأعرب بوتين وبزشكيان، خلال اتصال هاتفي، عن "دعم غير مشروط لإجراءات السلطات الشرعية في سوريا لاستعادة الانتظام الدستوري والسيادة الإقليمية". كما أفاد بيان الكرملين بأنهما "أكدا أهمية تنسيق الجهود... بمشاركة تركيا"، التي تتواجد عسكريًا في شمال سوريا وتقدم دعمًا لبعض الفصائل المعارضة للنظام.
وأعربت الدول الثلاث المنخرطة في النزاع السوري—روسيا، وإيران، وتركيا—عن قلقها إزاء "التطور الخطير" في سوريا.
هذا، وقد وصل وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، فجر الإثنين، إلى العاصمة التركية أنقرة، المحطة الثانية في جولته الإقليمية، بعد زيارته دمشق ولقائه بالرئيس السوري.
واعتبر عراقجي، خلال اجتماعه مع نظيره التركي هاكان فيدان، أن ما يحصل في سوريا تديره جهات أجنبية، قائلاً: "الكثير من المشاكل في المنطقة تنشأ بسبب التدخلات الخارجية. الجماعات التكفيرية في سوريا على صلة وثيقة بأمريكا والكيان الصهيوني. عودة الإرهابيين مجددًا تهدد أمن سوريا. استمرار هذا الوضع سيؤثر على جيران سوريا"، بحسب ما نقلته وكالة تسنيم الإيرانية.
وأضاف أنه من الضروري "حماية إنجازات مسار أستانا"، الذي رعته روسيا وإيران وتركيا، وهدفه وقف إطلاق النار في سوريا من خلال إنشاء مناطق منزوعة السلاح.
وقال عراقجي: "اتفقنا على عقد الاجتماع المقبل لمحادثات أستانا على مستوى وزراء الخارجية قريبًا".
يُذكر أن الاجتماع الأخير لمحادثات أستانا عُقد يومي 11 و12 تشرين الثاني/نوفمبر.
وحذّر عراقجي من أن "سوريا يجب ألا تصبح معقلاً للمجموعات الإرهابية"، في إشارة إلى الفصائل المعارضة التي شنت الهجوم ضد قوات النظام السوري.
عارض وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الذي تدعم بلاده فصائل معارضة للنظام في شمال سوريا تحت اسم تحالف "الجيش الوطني السوري"، السردية الإيرانية تجاه الهجوم الواسع الذي تشنه هيئة تحرير الشام وحلفاؤها منذ أيام ضد مناطق سيطرة الحكومة، مشدداً على أنه ليس "تدخلاً أجنبياً".
وقال فيدان في مؤتمر صحافي عقده مع نظيره الإيراني عباس عراقجي "من الخطأ في هذه المرحلة، محاولة تفسير هذه الأحداث في سوريا على أنها تدخل أجنبي".
واعتبر فيدان أن "غياب الحوار بين النظام السوري والمعارضة أوصل المشكلة إلى هذه النقطة" مضيفاً أن "التطورات الأخيرة تظهر مرة أخرى أنه يتعين على دمشق التوصل إلى تسوية مع شعبها والمعارضة الشرعية".
وأكد هاكان الأحد أن أنقرة تدعم الجهود الرامية إلى "خفض التصعيد" في سوريا في اتصال هاتفي مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، قائلاً: "لا نريد أن تتفاقم الحرب الأهلية أكثر".
واعتبر فيدان أنه "من المهم ألا تستغل التنظيمات الإرهابية" حالة "عدم الاستقرار" في المنطقة، لكنه كان يقصد في ذلك المقاتلين الأكراد، المعارضين لأنقرة، في شمال سوريا والتي تضعهم أنقرة على لائحة الإرهاب.
أكد رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، خلال اتصال هاتفي مع الرئيس السوري، "تضامن دولة الإمارات مع سوريا ودعمها في محاربة الإرهاب والتطرف"، وفقًا لوكالة أنباء الإمارات الرسمية. وأضافت الوكالة: "كما شدد على موقف دولة الإمارات الداعم لجميع الجهود والمساعي المبذولة لإيجاد حل سلمي للأزمة السورية، بما يحقق تطلعات الشعب السوري الشقيق إلى الاستقرار والتنمية، ويضمن وحدة سوريا وسيادتها على كامل أراضيها".
من جانبه، أكد وزير الخارجية والهجرة المصري، بدر عبد العاطي، يوم السبت، "موقف مصر الداعم للدولة السورية ومؤسساتها الوطنية"، مشددًا على "أهمية دورها في تحقيق الاستقرار، ومكافحة الإرهاب، وبسط سيادة الدولة واستقلال ووحدة أراضيها"، وفقًا لبيان صادر عن وزارة الخارجية المصرية. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي مع وزير الخارجية والمغتربين السوري، بسام صباغ، حيث أعرب عبد العاطي عن قلقه إزاء التطورات الأخيرة في سوريا.
وفي سياق متصل، أكد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، يوم الأحد، دعم المملكة لاستقرار سوريا ووحدة أراضيها، حسب بيان صادر عن الديوان الملكي الأردني. وأشار البيان، الذي تلقت وكالة فرانس برس نسخة منه، إلى أن الملك ناقش في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء العراق محمد شياع السوداني "التطورات الراهنة في المنطقة، لا سيما الأحداث في سوريا". وشدد على "وقوف الأردن إلى جانب الأشقاء في سوريا، ودعم وحدة أراضيها وسيادتها واستقرارها".
كما أكد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي موقف المملكة خلال اتصال هاتفي مع نظيره السوري بسام الصباغ، يوم الأحد، تناول فيه "تطورات الأوضاع في سوريا، خصوصًا في محافظتي حلب وإدلب".
وأكد الصفدي في بيان على "ضرورة تكثيف الجهود للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية ينهي جميع تداعياتها، ويعيد لسوريا أمنها واستقرارها، ويحفظ سيادتها، ويخلصها من الإرهاب".
رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، أكد خلال اتصال هاتفي مع الرئيس السوري، أن أمن سوريا واستقرارها "يرتبطان بالأمن القومي للعراق، ويؤثران على الأمن الإقليمي عمومًا، وعلى مساعي ترسيخ الاستقرار في الشرق الأوسط"، وفقًا لبيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء العراقي.
وأفادت الرئاسة السورية، من جهتها، بأن السوداني أكد للرئيس بشار الأسد استعداد العراق لتقديم كل الدعم اللازم لسوريا لمواجهة الإرهاب وكافة تنظيماته، حسب نص بيانها.
في سياق آخر، نفت وزارة الداخلية العراقية، يوم الاثنين، وجود أي تحرك لفصائل المعارضة المسلحة على الحدود السورية، ووصفت الأنباء المتداولة حول ذلك بأنها مجرد "كلام إنشائي".
وخلال مؤتمر صحفي، قال المتحدث باسم الوزارة، مقداد ميري، ردًا على سؤال بشأن ما نشرته وكالة "رويترز" عن عبور فصائل مسلحة وصفتها بـ"الموالية لإيران": إن هذه المعلومات مجرد "كلام إنشائي" يتم تداوله عبر موقع فيسبوك، مؤكدًا عدم تسجيل أي حركة على الحدود.
وكانت وكالة "رويترز" قد نقلت، عن مصدرين عسكريين سوريين، أن فصائل دخلت سوريا من العراق لدعم القوات السورية في القتال.
من جانبها، أعلنت وزارة الدفاع العراقية عن تحرك قوات عسكرية باتجاه الحدود الغربية للعراق. وقالت الوزارة في بيان إن قوات مدرعة من الجيش العراقي تحركت "لإسناد" الحدود الممتدة من مدينة القائم وصولًا إلى الحدود الأردنية.
نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤولين أمنيين قولهم إن التطورات في سوريا تخدم الأمن على الجبهة الشمالية على المدى القصير. فيما نقلت صحيفة "هآرتس" عن مسؤولين أن إسرائيل تستعد لجميع السيناريوهات، بما في ذلك سقوط الرئيس السوري بشار الأسد. كما نقلت الصحيفة أيضًا أن هناك تخوفًا لدى مسؤولين إسرائيليين من زيادة إيران لقواتها في سوريا أو من "سيطرة قوات إرهابية دولية" على الحدود.
من جهتها، ذكرت القناة 12 أن رؤساء المخابرات قالوا إن التطورات السياسية في سوريا قد تؤدي في النهاية إلى مشاكل لإسر ....