منذ وفاة رجل الدين التركي المقيم في أمريكا، فتح الله غولن، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يتناقش كثيرون حول من يمكن أن يكون الزعيم التالي لحركته الإسلامية التي كانت قوية ذات يوم.
كان غولن حليفا وثيقا للرئيس رجب طيب أردوغان، لكنهما اختلفا بشكل صارخ، وفي عام 2016 اتُهم بتدبير محاولة انقلاب قُتل خلالها أكثر من 250 شخصا. وقد نفى مزاعم تورطه في الانقلاب الفاشل.
منذ ذلك الحين، أُدرجت حركة غولن، المعروفة أيضا باسم "خدمة"، كمنظمة إرهابية في تركيا.
وفُصل أكثر من 150 ألف شخص من وظائفهم العامة، بمن في ذلك ضباط بالجيش والشرطة ومعلمون وأطباء، واعتقل أكثر من 500 ألف شخص وسُجن 30 ألفا.
وتم الاستيلاء على آلاف المؤسسات والمدارس والبنوك، وشركات الإعلام أو الشركات الخاصة المملوكة أو التي يديرها أشخاص يُزعم أنهم ينتمون إلى حركة غولن.
ومع ذلك، فإن الحركة لديها عدد كبير من الأتباع، الذين فر العديد منهم من تركيا خوفا من الملاحقة القضائية بعد محاولة الانقلاب.
لا تزال الحركة موجودة بشكل أو بآخر في عشرات الدول، من خلال وسائل الإعلام والمستشفيات والشركات الخاصة أو المؤسسات التعليمية.
يُعتقد أن حركة غولن أسست أكثر من 1000 مدرسة في جميع أنحاء العالم، والتي أصبحت شائعة بشكل خاص في إفريقيا وآسيا الوسطى.
يُعتقد أن هذه المدارس كان لها دور في تجنيد بعض الطلاب، كأعضاء جدد في المنظمة.
وبحسب قضية رفعت ضد غولن في الولايات المتحدة في عام 2015، فإن قيمة أعماله وأعمال أتباعه تقدر بنحو 20 إلى 50 مليار دولار على مستوى العالم.
ولا تعلق حركة غولن على نطاق شبكتها أو الأعمال التجارية التابعة لها.
مع وفاة فتح الله غولن في ولاية بنسلفانيا الأمريكية في 20 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث كان يعيش في منفى اختياري منذ عام 1999، انتهت حقبة لحركته، لكن السؤال الذي يفرض نفسه الآن يتعلق بمن يمكنه الآن أن يقود الحركة.
ويزعم أن "مجلسا تنفيذيا" تولى إدارتها قبل وفاة غولن مع تدهور صحته، وأن هذا المجلس سيبقى على رأس الشبكة.
وأكد مصدر مقرب من الحركة لخدمة بي بي سي نيوز التركية أن المجلس "يقوم بواجبه بنشاط".
كما ترددت شائعات عن صراع على الزعامة بعد وفاة غولن، حيث ورد ذكر العديد من الأسماء المؤثرة داخل الشبكة بمن في ذلك مصطفى أوزكان وجودت توركيولو، ويعتقد أنهما يقيمان حالياً في الولايات المتحدة، وعبد الله أيمز، الذي يعتقد أنه يعيش في ألمانيا.
وفي لائحة الاتهام المتعلقة بالمحاكمة المتعلقة بمحاولة الانقلاب، جرى الإشارة إلى مصطفى أوزكان باعتباره "الشخص الثاني الأكثر نفوذاً في المنظمة بعد غولن، الذي شارك في العمليات السرية وأشرف على تدفق الأموال في تركيا".
وفي نفس الوثيقة، ذكر اسم جودت توركيولو، المتزوج من ابنة شقيق غولن، باعتباره "سكرتيره الخاص والشخص الموثوق بالنسبة له".
ويقال إن عبد الله أيمز، الذي كان رئيس تحرير صحيفة يومية مؤيدة لغولن، عمل "كإمام للمنظمة في الولايات المتحدة في البداية ثم في أوروبا".
وُضعت الأسماء الثلاثة تحت الفئة الحمراء، من قائمة "الإرهابيين الأكثر طلباً" لوزارة الداخلية التركية.
وتنفي حركة غولن تورطها في أي أعمال إرهابية.
قال مصدر مقرب من حركة غولن، في حديثه إلى بي بي سي نيوز التركية، إن أيا من الأسماء المذكورة حاليا ليس لديه القدرة على التفوق على غولن.
وقال: "لن يكون هناك غولن جديد بعد غولن"، مضيفا: "لكن ليست هناك حاجة لزعيم على أي حال".
ونفى وجود صراع قيادي مستمر داخل "المجلس التنفيذي"، لكنه قال إن البعض قد يتساءل عن افتقاره إلى التنوع في المستقبل. وقال: "قد يسأل أحدهم لماذا لا يوجد أحد من باكستان أو من دولة أفريقية في المجلس؟"
ويقول جوكهان باجيك، الأكاديمي المتخصص في الدراسات الإسلامية، إنه سيكون من المستحيل تقريبا على أي شخص في حركة غولن أن يظهر كزعيم جديد لديه شيء جديد ليقوله.
بعد محاولة الانقلاب في عام 2016، غادر الآلاف من أتباع غولن تركيا، لكن مدى فعالية الحركة من المنفى كان موضع تساؤل.
ويرى بيرم بالجي، عالم السياسة في فرنسا، أن حركة غولن لم يعد بإمكانها أن يكون لها مستقبل في تركيا بعد الآن. وأضاف بالجي: "أنا لا أرى لها مستقبلا قويا جدا في الخارج أيضا".
وقال بالجي: "حتى لو ترك الرئيس أردوغان السلطة غدا، فلن تدعو أي حكومة جديدة أبدا أنصار غولن للعودة إلى البلاد. لقد فقدت الحركة كل مصداقيتها بين الناس في تركيا، وألحقت الضرر بصورتها".
وأضاف بالجي أنه عندما تولى الرئيس أردوغان السلطة لأول مرة، منذ أكثر من عقدين من الزمان، كان في حاجة إلى دعم حركة غولن، واعتقد أنها يمكن أن تكون مفيدة له في تأكيد نفوذه.
وتابع: "لكن أردوغان لم يعد بحاجة إليهم الآن".
وكما يقول الأكاديمي جوكهان باجيك، يكافح أنصار غولن لجذب الشباب. ويضيف: "أصبح أطفال الحركة علمانيين الآن".
في الستينيات من القرن الماضي، عندما كان فتح الله غولن يبرز في تركيا كداعية إسلامي، بدأ في إنشاء مساكن للطلاب، وهو ما ساعد أيضا في تجنيد أعضاء جدد.
وفي العقود التالية، أسست حركة غولن مدارس في عشرات البلدان في جميع أنحاء العالم.
وامتد نفوذها إلى ما وراء حدود تركيا، إلى آسيا الوسطى، وهي المنطقة التي تتحدث فيها عدة دول اللغات التركية، والبلقان، وأفريقيا والغرب من خلال هذه الشبكة من المدارس.
وأشار بيرم بالجي، الذي كتب أيضا كتابا بعنوان "المبشرون الإسلاميون في آسيا الوسطى: مدارس فتح الله غولن"، إلى أنه منذ محاولة الانقلاب في عام 2016، تم إغلاق العديد من هذه المدارس، ومعظمها بناءً على طلب تركيا، أو تديرها الآن مؤسسات أخرى.
وقال إن المدارس في أفريقيا أغلقت واحدة تلو الأخرى، والآن لم يعد هناك مدارس في السنغال ومالي وتشاد، لكنها بقيت في نيجيريا وجنوب أفريقيا.
وقال بالجي إن المدارس في تونس والمغرب في شمال أفريقيا أغلقت أيضا، وفي الشرق الأوسط كانت هناك مدرسة في شمال العراق، لكن الحركة كان لها تأثير طفيف عليها فقط.
ويقول بالجي: "لم تعد هناك مدارس تابعة لحركة غولن تقريبا في آسيا الوسطى".
ويضيف: "لا يوجد أي منها في أوزبكستان أو تركمانستان أو طاجيكستان. كان هناك بعضها في قرغيزستان، لكنها أغلقت. لا يوجد أي منها في أذربيجان. لا يوجد أي منها في أرمينيا".
ويتابع: "قد يكون هناك عدد قليل منها في كازاخستان. لكن بشكل عام، في البلدان التي لا تُغلق فيها المدارس، تقول لهم الحكومة: انظروا، نحن لا نريد ترحيلكم. لكن علاقاتنا مع تركيا مهمة جدا، لا تضروا بها... لذلك، يسيطرون على المدارس".
يقول بيرم بالجي إن هناك بعض المدارس في الولايات المتحدة، لا تزال تديرها أو تمولها جزئيا حركة غولن.
تركيا عازمة على شن الحرب ضد حركة غولن، على الرغم من وفاة زعيمها.
في 19 نوفمبر/تشرين الثاني، تم اعتقال أكثر من 450 شخصا في عملية للشرطة نفذت في 66 مدينة في جميع أنحاء تركيا. واتهموا بالارتباط بحركة غولن.
وقال وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا: "لا مجال للتراخي في حربنا ضد هذه المنظمة الإرهابية الغادرة، حتى بعد وفاة زعيمها".
وصف مصدر مقرب من حركة غولن الموقف الحالي للجماعة بأنه "تقييم الأضرار، وتضميد الجراح، والاستمرار في الوجود".
وقال إن أنشطة الحركة تتطور حول مساعدة الأعضاء الذين يسافرون إلى الخارج، للعثور على وظائف أو مواصلة تعليمهم، وتقديم المساعدات المالية للمحتاجين في تركيا.
وقال مصدر آخر إن ما يحمله المستقبل لحركة غولن سيعتمد إلى حد كبير على الأنشطة التي سينخرطون فيها، وما إذا كانوا سيتبعون أجندة خفية.
وتساءل المصدر: "هل ستواصل الحركة مسارها بالأنشطة الخيرية، أم ستختار الانغماس في الخدمات التي تهدف إلى أن تكون فعالة في الجهاز البيروقراطي؟"
وتابع: "إذا استمرت الحركة في الاحتفاظ بالجنود السابقين والبيروقراطيين رفيعي المستوى الذين فروا إلى الخارج بالقول: لا تكشفوا عن أنفسكم، ستتحسن الظروف في تركيا، ستعودون، ستواصلون العمل من حيث توقفتم... فقد يواجهون مشاكل مماثلة في البلدان التي يعيشون فيها حاليا".
وأضاف: "هذا هو الجانب الأكثر أهمية الذي سيحدد مستقبل حركة غولن".