آخر الأخبار

عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!

شارك الخبر

"هل تعرف ماذا وقع للإخوان؟ أرادوا أن يأخذوا مهمة الله!!"

عبد الإله بنكيران

لو أعلنت الإذاعة الرسميّة في المغرب أن السيد عبد الإله بنكيران رئيس وزراء المغرب الأسبق سيخرج في الثالثة والنصف ليلًا، في مشاركة قصيرة، يسرد فيها حروف الهجاء العربية بصوته، لأنارت أكثر مباني المغرب قبل أذان الفجر ثقة منهم بأن السيد سيسرد الحروف بطريقة غير تقليديّة! هو رجل قد أجمع محبوه وناقدوه على متابعته وتسقّط أخباره، وقد عوّدهم هو على مفاجأتهم!

"لا أريد أن أجري حوارًا صحفيًّا، وليس لديّ تصريحات، لكن إن أراد أن يزورنا لحديث ودّي فمرحبا به". هكذا تكلم بنكيران، لمنسق لقائي معه.

لم أكن أبحث عن تصريحات جديدة. في الصحافة نمطان؛ نمط يطارد التصريحات والعواجل، وآخر ينتظرها عند خط النهاية، حتى يعرف سياقها والدوافع التي أنشأتها. أميل إلى النمط الثاني.

في حيّ الليمون على بعد كيلومتر واحد من مبنى البرلمان و2 كم من القصر الملكي في الرباط، توقفت السيارة، أشار لي صديقي منسّق اللقاء إلى بيتٍ على مفرق الطريق حيث يلتقي شارعان يغصّان بالأشجار، لم يكن البيت يتميز بشيء عن سائر البيوت في الحيّ، وليس من الصعب تحديده، خاصة حين ترى دركيًّا وضابطًا يرابطان عند باب الدار التي يمكن أن يُجدد صبغ جدرانها، بعد أن أصابت الرطوبة منها، وتدلت عليها شُجيرة ورد جميلة، بدت كغُرّة تتدلى على جبين سيدة حسناء تعاني من تساقط الشعر.

من وراء الدرك، لاح شابٌّ بسّام، اقتربَ مني وصافحني، وقال لي "السي بنكيران بانتظارك". كان ذلك نزار خيرون مدير مكتبه.

صعدنا الدرج الحلزونيّ إلى الطابق الثاني من البيت المسجّل باسم زوجته. رائحة البيت طيّبة، استقبلنا باب المجلس، فوجئت به يقف عن يساري على رأس الممر الذي يؤدي إلى غرف البيت، رجل في عَقد السبعين، يكسو البياض وجهه ورأسه الذي لاث عليه قطعة قماش سيتدثر بها لاحقًا عند جلوسنا. أقبلت عليه بحفاوة، وأنا أتذكّر نصيحة أحد وزرائه لي حين سألته عن مفاتيح شخصيته "السي بنكيران يحب التقدير" استلم يدي بودّ، مرحبا بي، وقادنا إلى غرفة الجلوس.

قرأت في مذكرات الممثل الأمريكي ماثيو بيري وصفًا لافتًا لزوج والدته، رئيس وزراء كندا الأسبق بيير ترودو والد رئيس الوزراء الحالي جاستن ترودو. "كان بيير يتمتع بنوع من الكاريزما، تمكّنه إذا دخل مجلسًا من تحويل كلِّ من فيه إلى قطع أثاث!". في بنكيران كاريزما مشابهة، لكني كنتُ قد عقدتُ العزم على مقاومتها.

أشار إليّ بالجلوس على طرف الأريكة الطويلة، وجلس فيما يليني على أريكة تكاتفها، ولم يعد يفصل بيننا سوى طاولة في الزاوية وضع عليها صورة له مع رفيق دربه عبد الله بها وزير الدولة الذي توفي في حادثة مؤسفة عام 2014.

"هذا أنتَ؟" أشار إليّ ملوحًا بهاتفه، بعد أن دق حروف اسمي في محرك البحث غوغل، وظهرت له قائمة أبحاثي في صفحة تراث في موقع الجزيرة نت.
"نعم" أجبته، وأنا أتزحزح عن مجلسي تاركًا مساحة لمدير مكتبه وهو يحوّل قطعة القماش إلى دثار للرجل المسن، ويساعده على أن يجلس جلسة مريحة، كانت حركة ودٍّ وتقدير لا مهمة عمل.
"إنته ماشي صحفي، إنتَه كاتب أو عالم!، ماذا تريد من الصحافة والمقابلات؟" قال لي بالدارجة المغربية.

"هذه مهنتي التي أحب"، وانتهزت الفرصة لصرف الحديث إلى الغرض الذي جئت من أجله ولم يتحدد لديه بعد، فواصلت "أنا لا أبحث عن سبق صحفي، ولا عن تصريح خاص، لديك أربعون سنة من العمل الحركي والتجربة السياسية، وجئت لأسمع منكَ الخلاصات التي تختمر في ذهنك بعد هذا المشوار الطويل".

"هذي فكرة مزيانة" قال وهو ينظر إلى مدير مكتبه وقد أعجبه الاقتراح، وارتاح إليه. "قبل بضع سنوات، قلت في نفسي، الآن وصلت إلى سن، يقول عنها المغاربة، ’ما بقى قد ما فات’ (=لم يبقَ من العمر مقدار ما مضى منه).

"أطال الله بقاءك" خرجت مني بعفويّة.

"لا، نسأل الله طول العمر في الطاعة في صحة جيدة، ولكن ليس كثيرًا" أجاب بيقين.

ألا تريد أن تصلَ إلى المئة؟ قلت مستفزًا.

"مالنا ولهذا!" رد بفزع كمن ملَّ الحياة.

"نحن هنا في المغرب ندعو بالبركة، حكى لي أحد الإخوة الفلسطينيين عن صحفي كويتي كان صديقا للحسن الثاني، واستدعاه الحسن الثاني لحضور عيد العرش. كان من رسوم الحسن أن يسلم على ضيوفه ويؤانسهم، فلما وصل إلى الصحفي، قال له هل جئت بنكتة من نكاتك هذه المرة؟
قال نعم يا طويل العمر!
فغضب الحسن، وقال: لا تقل هذا في المغرب، وقله في الخليج. نحن هنا لا نسأل طول العمر، ألم تسمع المخازنية (=خدم الملك) ماذا قالوا حين دخلت. ماذا قالوا؟ لم يفهم الصحفي الخليجي الدارجة التي يحيي بها المخازنية الملك، فقال الحسن: يقولون: الله يبارك في عمر سيدي! نحن هنا نطلب بركة العمر لا طوله".

"هذا عجيب!" قلتُ مستحسنًا للمعنى.

"ما سيأتي سيعجبك أكثر" قال لي بصيغة جازمة، منبهًا لي أن القصة لم تنتهِ بعد.

رفع هاتفه وقال "براد صغير ديال أتاي"

وضع الهاتف بجانبه، ونظر إليّ وأكمل القصة.
"قال الحسن للصحفي، إلى أي حد سيطول عمري، هل ترى عشر سنوات تكفي؟
فقال نعم يا سيدي، تكفي!".

"في يوليو عام 1999 توفي الحسن الثاني، وحين بلغ الصحفي خبر وفاته، نظر إلى التقويم فوجد أن عشر سنوات قد مرّت!
والصحفي ما زال حيًّا يرزق، ولعله إذا اطلع على هذه الطُّرفة سيذكرها!".

"أما أنا فقد بلغت السبعين بالهجري والميلادي، أظن في شعبان سأكمل 73 بالهجري. وهناك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه "أعمار أمتي بين الستين والسبعين وقليل من يجوز ذلك" فقد بدأ الإنسان يطل على القبر وعلى الآخرة بجدّ. قلتُ لنفسي ماذا سأترك لأولادي؟ ليس لديّ ثروة.

فقد عشتُ كفافًا طوال حياتي، كان أحد المساجين مع ولده فسأله عما يملك وعن ذمته المالية، فقال له: ما دون البغل وفوق الحمار! عشتُ حياة معقولة بالمعيار الماديّ، ثم إني فكرت أن أترك لهم ما تعلمته من هذه الحياة.

وأردتُ جمعهم لذلك فلم يجتمعوا! أحدهم منشغل بالرياضة، والآخر بدروس اللغة الإنجليزية، فقلتُ لنفسي أدعهم، وأسجلها لهم، حتى إذا أرادوا أن يتعرفوا على جدهم سيجدون المادة مسجلة. وهي سيرة حياتية وفكرية، أحكي فيها عن الآيات التي استوقفتني وعن الأحاديث التي تربينا عليها في الحركة الإسلامية، وذكرياتي في العمل الجماعي، وهي بضاعة أعلم أن ليس لها زبناء!".

لماذا لا تكتبها؟ سألته
"أجد صعوبة في الكتابة، كتابتي كبيضة الديك".

وماذا عن مستوى الصراحة في تسجيلاتك؟

"أنا من حيث المبدأ لا أقول كل شيء، لكن لا أقول إلا ما أعتقده، أما أن أكذب فمعاذ الله! أظن أن هذا عيب من عيوبي، فأنا لا أشعر بالراحة إلا إذا قلتُ كل ما يعتمل في دماغي!".

هل تعتقد أنك لو كنت مجاملا لتغير مسارك السياسي؟

"أنا مجامل!" قالها وقد قطّبَ حاجبيه. فضحكتُ أنا ومدير مكتبه.

"ربما فيّ من السذاجة ما يجعلني أبوح بأشياء يخفيها الآخرون. مثلا حين أكون في اجتماع ولا أفهم ما يقولون، فأقول لم أفهم، يضحكون مني! وحين يعاد الشرح، أكتشف أني لم أكن الوحيد الذي لم يفهم، لكني الوحيد الذي قلتها!".

تناول البراد الصغير وصبَّ الأتاي رافعًا البراد ليرغي الكأس.

في الثاني من أبريل/نيسان عام 1954 ولد عبد الإله بنكيران في حيّ العكاري في الرباط، وكان حيًّا وسطًا، ليس مغرقًا في الفقر، ولا على طراز أحياء الرباط الأنيقة. ونشأ في فاس -وفاس في المغرب هي أم القرى- في بيتٍ وسط ليس بالكوخ، ولا قصرًا منيفًا، بل بيتًا وسطًا مساحته 112م2، كان والده تاجرًا للألبسة، متصوفًا على الطريقة التيجانية، ولم يكن له أدنى اهتمام بالسياسة، عاش حياته في مخمّسٍ يطوف بداخله، أقطابه: البيت والمسجد ودكانه، والسوق، والزاوية التيجانية. "وكان والدي مقتنعًا بأن معي بركة ما" كذا أخبره.

أما أمه فقد كانت مهتمة بالسياسة وعضوًا في حزب الاستقلال، فعنها أخذ التوجّه، وحين كبر الابن وأسسَ حزبًا منافسًا، بقيت الأم استقلاليّةً. مرَّ الفتى بحزب الاستقلال الذي كان يرأسه الزعيم المغربي علال الفاسي، وبالاتحاد الوطني للقوات الشعبية الاشتراكي الذي انشقّ عن حزب الاستقلال، ولم يتوقف عندهما. تفتّح وعيه على الأحداث السياسية أول ما تفتح على وفاة محمد الخامس (ت 1961) فعاشها بمشاعره، وحين جاءت النكسة (1967) عاشها بوعيه.

هل كنتَ واعيًا وقتها تفهم السياسة؟ سألته.

"شويّة، إلى الآن لا أستطيع أن أقول إني أفهم السياسة جيدًا" قالها بجد مهزول.

لم يكن الفتى الذي قارب الأحزاب الاشتراكية في ميعة شبابه، منبتًّا من جذوره الإسلاميّة التي نشأ عليها، حين كان عمره 14 عامًا حضر مسرحيّة في الرباط لفرقة فلسطينيّة، فلما انتهى العرض وضجّت القاعة بالتصفيق والتبرعات، تسلل الفتى وجاء إلى الفرقة يقول لهم: خذوني للجهاد معكم في فلسطين!" فقالوا له اذهب إلى السفارة المصرية!

التعرف على العمل الإسلامي

في 1975 دخل الفتى مسجدًا فوجد جماعة من الشبيبة الإسلامية يتحدثون فيما بينهم، وجذبه حديثهم، فمال إليهم. قال لأحدهم: الحسن الثاني يقول: إن المغرب لا يصلحه إلا النظام الفردي أو الشيوعية! فقال الشاب: بل يصلحه الإسلام!

فعجبَ الفتى وقال لنفسه: سبحان الله في هذا الكون شاب يؤمن بأن المستقبل للإسلام؟!

وجنَّدوك؟
"استقطبوني، كانوا حذرين، يقولون هذا شاب مليان معلومات، وثمة مخاوف على الزعامة منذ البداية، بسبب نمط الشخصية"
سيحسمون أمرهم عن قريب، ويهدونه إنجيلهم. "أهدوني كتاب معالم في الطريق، ولم أنم حتى أتممته، وأصبحتُ وأنا على الطريق!".

"هنا نحتاج وقفة، في المغرب عندكم حالة مختلفة، ليس لديكم شخصية مرجعية، ليس لديكم الترابي مثل السودانيين، ولا البنا مثل المصريين، ولا الخميني مثل الإيرانيين . كيف اجتمع الشباب وتفاهموا بدون مرجعية؟" سألته مستشكلًا.

"لم نكن نحتاجها فوضعنا مختلف. وذلك لمعنى بسيط، وهو لأن الحركة الإسلامية في الشرق نشأت على أساس استعادة الخلافة، ونحن في المغرب لم نكن تابعين للخلافة المشرقية، كنا بلدا مستقلا خليفته فيه. وخلافتنا ترجع إلى 12 قرنا؛ من عهد مولاي إدريس رحمه الله والمغاربة مجتمعون على السلاطين أو الأمراء -سمهم ما شئت- الذين جاؤونا. فتلك الخصوصية لم تكن عندنا. وأما زعماؤنا الإسلاميون فعندنا علال الفاسي". هل تربيتم على كتاباته؟ "لا، مرجعيتنا الأولى هي الإخوان المسلمون. وهي الحركة التي تعرفت عليها في الستينات وانضممت إليها في السبعينات والتي أسسها عبد الكريم مطيع".

اشرب شايك! قال لي مقربًا مني الكأس.

أخذت رشفة، وثانية وثالثة، ما أجمل طعم الأتاي المغربي! خاصة إذا كنتَ قريب عهد بطعام.

"كانت عندنا تجربة في السجن.. في عامي 81 و82، غيرنا السجن واكتشفت أن هناك أخطاء في الحركة. ما الذي يريده الإسلاميون؟ دولة إسلامية، فهي موجودة وبنص الدستور، نمت في ذهني هذه المراجعات وصرت أفكر فيها وأشاركها إخواني. فاختلفوا معي واصطدموا بي. وذهبت بعيدًا.

"من شعارتنا: الإسلام هو الحل. الإسلام هو حل ماذا؟ الزبدة التي يشتريها المغاربة بدرهم وربع. إذا ارتفع سعرها، كيف سيعالج الإسلام هذه المشكلة؟ الإسلام هو الحق. وليس هو الحل. هو حق من عند الله. وقد يكون مشكلة وليس حلا. النبي دعا للإسلام فحوصر في الشِّعب ثلاث سنوات، هذه مشكلة أم حل؟ مشكلة. وقد وقفت أمام هذا الشعار وقفة صارمة ورفضت أن يوضع في وثائقنا، وتصارعنا. حتى اتفقنا على صيغة "الإسلام هو الهدى".

كي ....

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك الخبر

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا اسرائيل سوريا روسيا أمريكا

إقرأ أيضا