آخر الأخبار

الحرب الصليبية المنسية.. يوم أُبيد المسلمون في البلقان

شارك الخبر

في منتصف القرن الـ14 الميلادي شرع العثمانيون في فتح أقاليم البلقان بمناطق شرقي أوروبا، واستمرت هذه المحاولات طويلا حتى استطاعوا إنشاء عاصمتهم الثانية بعد بورصة، وهي أدرنة قبل أن تُفتح إسطنبول بعقود عدة.

وما لبثت أن انهارت الإمبراطورية البيزنطية وأصبحت إسطنبول عاصمة للعثمانيين في عام 1453 ميلادي، حينها بات الطريق مفتوحا أمام العثمانيين في السيطرة على كامل شبه الجزيرة البلقانية من اليونان وألبانيا "الأرناؤوط" وبلاد البلغار والصرب والبوشناق وغيرهم حتى استطاعت الدولة العثمانية الوصول إلى البحر الأدرياتيكي غربا لا يفصلها عن إيطاليا إلا هذا الفاصل المائي.

وحين دخلت الدولة العثمانية في طور من الضعف والتقهقر أصبح مصطلح "تركيا الأوروبية" متداولا في الأدبيات الأوروبية، ثم تطور مع الوقت وأصبح في القرنين الأخيرين قبل سقوط العثمانيين يسمى "المسألة الشرقية"، وهي تعني كيفية التعامل مع الوجود العثماني في "الشرق"، بما في ذلك شبه جزيرة البلقان.

وبهذا المعنى بقيت مناطق البلقان داخلة في الخرائط الأوروبية ضمن المصلح الجديد "الشرق الأوسط" أو "الشرق الأدنى".

مصدر الصورة
خريطة دول البلقان (الجزيرة)

نقطة التحول في البلقان

وكما يذكر محمد الأرناؤوط في كتابه "البلقان من الشرق إلى الاستشراق" كان نصف سكان البلقان من المسلمين يعتبرون أنفسهم إبان الحقبة العثمانية في دولتهم أو في "دار الإسلام"، لكنهم كانوا في عيون الآخرين لا يختلفون عن "الأتراك" أو "العثمانيين".

وكان النصف الآخر المسيحي -بحسب الأرناؤوط- لا يشعر أن الدولة العثمانية دولته بل كان ينتظر الفرصة المناسبة للتخلص منها بالاستناد إلى وعود الدول الكبرى المجاورة مثل روسيا القيصرية والنمسا الهابسبرغية التي كانت تسعى إلى التغلغل والتوسع في شبه جزيرة البلقان للوصول إلى بحر إيجة في الجنوب وإلى البحر الأدرياتيكي في الغرب.

ومن هنا بدأت تتشكل منذ مطلع القرن الـ19 أفكار ومشاريع تتمحور حول "بلقان متحررة من العثمانيين" وتقوم على تقارب أو تحالف الكيانات الجديدة البلقانية مثل صربيا والجبل الأسود وبلغاريا واليونان للتخلص من الحكم العثماني، وتقاسم التركة العثمانية فيما بينها.

وبعبارة أخرى "أصبح الانتماء إلى البلقان الجديدة والتفكير بأي تقارب أو اتحاد بلقاني بين هذه الكيانات يحمل في جوهره دافعا للتخلص من الحكم العثماني وحتى من الوجود العثماني بالمعنى البشري والحضاري على اعتبار أن المسلمين في البلقان هم جزء من التركة العثمانية، وهو ما جعل المسلمين المدنيين الضحية الأولى لكل حرب تحررية منذ الثورة اليونانية في 1821 وحتى الحرب البلقانية في 1912-1913″، كما يقول الأرناؤوط في كتابه السابق.

مصدر الصورة
ثورة تركيا الفتاة على السلطان عبد الحميد الثاني في يوليو/تموز 1908 (مواقع التواصل)

وكانت نقطة التحول الكبرى تتمثل في ثورة تركيا الفتاة على السلطان عبد الحميد الثاني في يوليو/تموز 1908، فحين عاد العمل بالدستور وانتقلت البلاد إلى النظام البرلماني تعددت الانحرافات عن المسيرة الصحيحة بقيام ثورة مضادة، فاشتعلت ثورات الأرمن والبلقان.

ففي 5 أكتوبر/تشرين الأول 1908 أعلنت ولاية بلغاريا العثمانية ذات الحكم الذاتي استقلالها عن الإمبراطورية العثمانية ونصَّبت الأمير فرديناند قيصرا، وفي 7 من نفس الشهر ألحقت اليونان جزيرة كريت بها، وفي اليوم نفسه خرقت الحكومة النمساوية-المجرية معاهدة برلين لعام 1878 بضمها البوسنة والهرسك اللتين كانتا تابعتين اسميا للدولة العثمانية.

وفي عام 1910 جاء دور الألبان في الثورة على السلطات العثمانية باسم الحرية والاستقلال، وفي عام 1911 دخلت هذه المعركة الحرة المشتعلة باطراد إيطاليا حين أعلنت عن حملة دعائية تركزت على سوء معاملة الطليان في طرابلس وسرت الليبيتين قبل أن تُعلن الحرب في 29 سبتمبر/أيلول من العام نفسه.

وما إن سيطر الطليان على المعسكرات الثمانية على السواحل الليبية حتى بدؤوا يتمددون في الداخل حيث قاومهم مقاتلو الطريقة السنوسية معلنين الجهاد، وإلى جانب القوات العثمانية أُرسلت من إسطنبول قوة جديدة بقيادة أنور باشا ومصطفى كمال أتاتورك.

مصدر الصورة
جنود بلغار أثناء إحدى المعارك بحرب البلقان الأولى ضد الدولة العثمانية عام 1912 (شترستوك)

الروح الصليبية واشتعال حروب البلقان

وفي تلك الأثناء كانت مونتينغرو (الجبل الأسود) وبلغاريا وصربيا واليونان تستعد لطرد الأتراك خارج أوروبا مرة واحدة، وقد افتتح الجبل الأسود الحملة بإعلانه الحرب في 8 أكتوبر/تشرين الأول 1912.

ويرى المؤرخ الأسترالي جيرمي سولت في كتابه "تفتيت الشرق الأوسط" أنه "مهما تقاتل مسيحيو البلقان فيما بينهم وتآمروا على بعضهم البعض فإن اقتلاع المسلمين كان العنصر المركزي الموحد لهم في التاريخ، وانحلال قدرة المسلمين عبر تقسيم وتجزئة الإمبراطورية العثمانية في القرن الـ19 الميلادي".

لا يتوقف وصف سولت عند هذا الحد، فقد اعتبر الهجوم المباغت والموحد لدول البلقان على الدولة العثمانية عام 1912 "بصورة واضحة حربا دينية- دينية، إذ وقف فيها كبار رجال الإكليروس المسيحي إلى جانب القادة العسكريين وملوك وملكات البلقان في الكاتدرائيات المملوءة بتماثيل صلب المسيح والجموع المزدحمة للمؤمنين، فيما كان الكهان يحضونهم على الالتحاق بالمعركة ضد المسلمين الأتراك باسم المسيحية المضطهدة".

في 30 سبتمبر/أيلول 1912 أعلن ملوك وحكومات بلغاريا واليونان وصربيا والجبل الأسود التعبئة العامة المشتركة وكانوا وقتها يملكون أحدث الأسلحة الأوروبية ومدعومين من الروس وغيرهم، وقُدّر عدد القوات بما يقارب المليون جندي، بالإضافة إلى انضمام العصابات العسكرية المسلحة التي كانت ترتكب مذابح في القرى التي كان يقطنها المسلمون، في المقابل كان عدد القوات العثمانية 580 ألف مقاتل، كثير منهم لم يكن يملك سلاحا يحارب به، وبالتالي كانوا يعودون مضطرين لا حيلة لهم.

وفي كتابه "الطرد والإبادة مصير المسلمين العثمانيين" يقول المؤرخ الأميركي جاستن مكارثي إن حسب الاتفاق المبدئي بين القوى البلقانية المسيحية الأربع (بلغاريا واليونان وصربيا والجبل الأسود) كان يقف معها الروس بكل قوتهم، وإنهم على الرغم من اختلافهم بشأن مناطق النفوذ والسيطرة التي ستؤول إليهم في النهاية كانوا متفقين على "طرد العثمانيين من أوروبا أولا ثم تقسيم الأراضي العثمانية".

مصدر الصورة
سجناء أتراك بقيادة حارس مسلح يدخلون صربيا خلال حرب البلقان الأولى (شترستوك)

وكانت حرب البلقان الأولى هذه بمثابة المطرقة الكبيرة التي سقطت على جسد الدولة العثمانية الضعيف عسكريا وماليا وعدديا في ميدان الحرب والمعارك، فمن الملاحظ أن هزيمة العثمانيين أمام الروس عام 1877-1878 كانت أبطأ من هزيمتهم في حرب البلقان الأولى بسبب عدو يفوقهم عددا بمقدار اثنين إلى واحد، بالإضافة إلى حربهم المستمرة مع إيطاليا في الساحة الليبية، وأيضا بسبب تصدي الأسطول اليوناني لاستخدامه الخطوط البحرية العثمانية.

لكل هذه الأسباب انهزم العثمانيون في أكتوبر/تشرين الأول بعد أيام من بدء الحرب على يد البلغار، فانسحبوا حتى منطقة جتالجة آخر خطوطهم الدفاعية قبل إسطنبول.

وفي الجبهة الغربية البلقانية انهزم العثمانيون في قومانوه على يد الصرب وتقدموا حتى البحر الأدرياتيكي، حيث سقطت منستر في أيديهم، وفي الجهة الأخرى تقدم اليونانيون من دون مقاومة تذكر من القوات العثمانية عبر جنوبي مقدونيا واستولوا على سالونيك، وهي واحدة من أهم المدن الإستراتيجية في البلقان، ولم تتبق إلا إشقدرة ويانية وأدرنة في يد العثمانيين، ولكنها في الوقت نفسه وقعت تحت الحصار المطبق.

وخلال شهرين فقط من القتال ضاعت بصورة عملية أوروبا العثمانية كاملة، وبحلول أبريل/نيسان 1913 كانت المدن الثلاث المحاصرة قد سقطت أيضا، يانية في يد اليونانيين، وإشقودة في يد الجبل الأسود، وأدرنة في يد البلغار، وهذه المدينة الأخ ....

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك الخبر

إقرأ أيضا