يمكن أن تكون حبوب الإفطار، مصدراً مفيداً للألياف والفيتامينات والمعادن، إلا أن بعضها يُعتبر أطعمة فائقة المعالجة (مصنعة من مشتقات غذائية وليست طبيعية).
كثيراً ما يُقال إن وجبة الإفطار هي أهم وجبة في اليوم. اتخذ هذا القرار الصحيح، وسوف تساعدك وجبتك الصباحية المغذية على أن تحصل على النشاط والتركيز في مواجهة أي تحديات تواجهك.
لكن يبدو أن اختيار ما تتناوله على الإفطار، أو ما تقدمه لأطفالك في الصباح، أمر مرهق في بعض الأحيان.
إذا قررت تناول حبوب الإفطار أسبوعياً، مثلما يفعل 53 في المئة من الأمريكيين، فسيكون هناك الكثير من الاختيارات. هناك الشوفان، والغرانولا، والمويسلي، ورقائق النخالة، ورقائق الذرة، والأرز المنفوش. صناديق ملوّنة لا حصر لها، كل منها يعدك بوجبة صحية ومغذية.
ومع ذلك، رغم من أن حبوب الإفطار أصبحت تقليداً صباحياً، إلا أن بعض العلماء يحذرون من أنها وجبات خفيفة فائقة المعالجة، وهي في الواقع ليست مفيدة لنا على الإطلاق.
إذن، ما هي الحقيقة، وما نوع الحبوب الذي يجب أن نتناوله؟
بدايةً، بعض الحقائق الأساسية: الحبوب هي نباتات عشبية تنتمي إلى فصيلة النجيليات، وتُزرع من أجل بذورها الصالحة للأكل. وتشمل محاصيل الحبوب القمح والأرز والشوفان والشعير والذرة.
تحتوي كل حبة من الحبوب على ثلاثة مكونات رئيسية صالحة للأكل، فهناك الطبقة الخارجية وتكون عبارة عن النُخالة (قشرة البذور أو الردة)، وهي غنية بالألياف وفيتامينات ب ومعادن الجسم. ثم هناك الإندوسبيرم أو سويداء البذرة (وهي البذرة الداخلية)، المليئة بالنشا والبروتينات لدعم نمو جنين النبات. وأخيراً، يوجد الجنين، وهو غني بالزيوت والفيتامينات والمعادن.
كان جون هارفي كيلوج، وهو طبيب أمريكي، من أوائل من طرحوا فكرة تحويل بذور الحبوب الطبيعية إلى حبوب إفطار. كان آنذاك مشرفا على مصحة باتل كريك، وهي مركز صحي هجين يجمع بين المستشفى والمنتجع الصحي. ولتحسين النظام الغذائي للمرضى، طور كيلوج مجموعة متنوعة من الأطعمة الجديدة منها الغرانولا ورقائق الذرة، وحصل على براءة اختراع.
ثم أصبحت هذه الحبوب منتشرة على نطاق واسع لدرجة أن هناك العشرات من هذه الأنواع في السوق.
ويُعدّ إنتاج حبوب الإفطار اليوم عملية صناعية، فبعد حصاد الحبوب الطبيعية، تخضع لخطوات معالجة مختلفة لتصبح حبوب إفطار قبل تعبئتها وإرسالها إلى أرفف المتاجر الكبرى.
وتُصنع بعض حبوب الإفطار من الحبوب الكاملة، بينما يتم طحن الحبوب في أنواع أخرى من المنتجات، مثل رقائق الذرة، لإزالة الطبقة الخارجية وفصلها عن النخالة.
كما تخضع بعض الحبوب لمزيد من المعالجة، إذ يتم طحنها أولاً لتتحول إلى دقيق، ثم يُخلط مع المنكّهات (مكسبات النكهة) والملح والمحليات ومكونات أخرى مثل الفيتامينات والمعادن، ثم تُطهى وتُشكل إلى رقائق أو حلقات أو أشكال أخرى، وأخيراً تُخبز الحبوب أو تُحمص لتصبح مقرمشة.
ولأن حبوب الإفطار مُدعمة بالمعادن والفيتامينات، أصبحت منذ فترة طويلة وسيلة فعالة لضمان حصول الناس على العناصر الغذائية التي يحتاجونها.
وينطبق هذا بشكل خاص على الأشخاص الذين يتبعون أنظمة غذائية محددة لا توفر لهم الفيتامينات التي يحتاجونها من الطعام. على سبيل المثال، الأنظمة الغذائية النباتية والنباتية الصرفة، بأنها منخفضة المحتوى من فيتامين ب 12 - (B 12) بينما قد يتجنب البعض تناول الحليب، لمعاناتهم من حساسية اللاكتوز، وبالتالي لا يحصلون على ما يكفي من الكالسيوم وفيتامين د.
كما أنه مع التقدم في السن، تقل كفاءة الجسم في امتصاص بعض العناصر الغذائية، مما قد يزيد من خطر سوء التغذية. كما أن النساء الحوامل والأطفال أكثر عرضة لخطر نقص العناصر الغذائية.
وتؤكد الأبحاث أن تناول حبوب الإفطار المدعمة غذائياً قد يكون لها بعض الفوائد.
على سبيل المثال، أظهرت دراسات أن العديد من السكان حول العالم يعانون من نقص في العناصر الغذائية الأساسية. كما وجدت دراسة أجريت في الولايات المتحدة أنه بدون تدعيم النظام الغذائي، لن تحصل نسبة كبيرة من الأطفال والمراهقين على ما يكفي من المغذيات الدقيقة، مما يُعرضهم لمشاكل صحية على المدى الطويل.
فضلاً عن أن العديد من أنواع حبوب الإفطار غنية بالألياف، وهي عنصر غذائي يُغذي البكتيريا "النافعة" في أمعائنا، والمعروف أن 90 في المئة من الناس لا يحصلون على ما يكفي من هذه الألياف.
تقول سارة بيري، أستاذة التغذية في كلية كينغز كوليدج لندن: "بشكل عام، يُمكن للحبوب المدعمة غذائياً أن تُساهم بشكل مفيد في توفير بعض الفيتامينات والمعادن، التي يعاني البعض في بريطانيا من نقصها".
فعلى سبيل المثال، تشير بيري إلى أن نحو 50 في المئة من الفتيات في المملكة المتحدة، ممن تتراوح أعمارهن بين 11 و18 عاماً، لا يحصلن على كميات كافية من الحديد. وفي الولايات المتحدة، يعاني نحو 14 في المئة من البالغين من نقص في استهلاك هذا العنصر الغذائي.
وتضيف أستاذة التغذية في كلية كينغز كوليدج: "من ناحية أخرى يجب الحديث بشكل متوازن عن حقيقة أن العديد من الحبوب غنية بالسكر، وقليلة الألياف، وذات مؤشر سكري مرتفع، مما يعني أنها لن تُشعرك بالشبع لفترة طويلة".
وتؤكد على أن هناك أيضا مصادر أخرى قد تكون أفضل للحصول على هذه الفيتامينات والمعادن، مثل الفواكه والمكسرات والخضراوات.
ورغم أن بعض حبوب الإفطار غنية بالألياف والفيتامينات والمعادن، إلا أن العديد منها غني أيضاً بالسكر المضاف والملح والدهون غير الصحية.
وبحسب مؤسسة القلب البريطانية، وهي مؤسسة خيرية تمول أبحاث القلب والأوعية الدموية ومقرها بريطانيا، فإن 30 غراماً من رقائق الذرة المُغطاة بالسكر تحتوى على حوالي 11 غراماً من السكر، وهذا يمثل 12 في المئة من الحد الأقصى للاستهلاك اليومي الموصي به من السكريات في بريطانيا.
بينما في الولايات المتحدة، لا يوجد حد أقصى موصى به لإجمالي استهلاك السكريات، ولكن الكمية المرجعية للسكريات المضافة هي 50 غراماً يومياً (وفقا لنظام غذائي يحتوي على 2000 سعرة حراري).
في الوقت نفسه، تحتوي 45 غراماً من الغرانولا مع الفواكه المجففة والمكسرات والبذور على 9.6 غرام من السكر (10.7 في المئة من إجمالي كمية الاستهلاك الموصي بها يومياً).
ومن المرجح أن يؤدي تناول الكثير من السكريات دفعة واحدة إلى ارتفاع كبير في نسبة السكر في الدم، ومع مرور الوقت قد يصبح الشخص أكثر عرضة للإصابة بمرض السكري وأمراض القلب وغيرها.
كما أن الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع وانخفاض في نسبة السكر في الدم يشعرون بالجوع بشكل أسرع، مما يدفعهم لتناول وجبات خفيفة قد تكون غير صحية.
وتوضح سارة بيري أن الأبحاث الخاصة تشير إلى أن تناول الشخص وجبة إفطار غنية بالسكر أو الكربوهيدرات المكررة، سيشعر بعد ساعتين إلى أربع ساعات "بانخفاض في النشاط والجوع وقلة التركيز".
وأوضحت أن الأبحاث أظهرت أيضاً أن الأشخاص الذين يعانون من هذا الانخفاض في النشاط بعد الإفطار، يميلون إلى تناول وجبتهم التالية بشكل مبكر بحوالي 30 دقيقة مقارنة بشخص تناول فطوره الطبيعي، "ما يؤدي إلى عدم فقدانهم الوزن، كما يميلون إلى استهلاك 100 سعرة حرارية إضافية في المتوسط في وجبتهم التالية".
وهناك أيضاً مخاوف من أن بعض حبوب الإفطار تُعتبر أطعمة فائقة المعالجة، أي أنها خضعت لعمليات معالجة صناعية كبيرة. وغالباً ما تحتوي على سكريات مضافة ومواد حافظة وألوان صناعية وإضافات أخرى.
تقول سارة: "بصفتي أم وعالمة، أتوخى الحذر بشأن السماح لأطفالي بتناول حبوب تحتوي على الكثير من الملونات".
وأكدت خبيرة التغذية البريطانية أن بريطانيا "طبقت لوائح صارمة لإثبات سلامة هذه الإضافات والملونات"، وتقول: "أعتقد أن هناك الكثير مما نجهله حول كيفية تأثيرها على صحتنا على المدى الطويل، بدأنا نفهم أنها قد تؤثر سلباً على عوامل مثل ميكروبيوم أمعائنا، لكننا لا نعرف ما يكفي عن تأثيرها حتى الآن".
ومع ذلك، لا يتفق الجميع على هذا الرأي.
إذ يجادل بعض الخبراء والجمعيات الخيرية الصحية بأن تصنيف جميع الأطعمة فائقة المعالجة (UPF) على أنها ضارة، هو استخفاف.
على سبيل المثال، وجدت دراسة أمريكية عام 2024، في كلية هارفارد تي إتش تشان للصحة العامة، ماساتشوستس، أن المشروبات السكرية واللحوم المُعالجة تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، لكن هذا لا ينطبق على الخبز فائق المعالجة، وحبوب الإفطار، والزبادي، والحلويات المصنوعة من منتجات الألبان.
وتُصنّف الدكتورة سارة بيري، أطعمة الغرانولا والمويسلي ضمن الخيارات الصحية، طالما أنهما لا يحتويان على الكثير من السكر المضاف. وتقول: "الأمر يتعلق بإعداد وجبة إفطار غنية بالدهون والبروتين والكربوهيدرات التي تُساعد على إطلاق الطاقة بشكل مستدام وتُبقيك تشعر بالشبع لفترة أطول".
وتضيف: "تحتوي الغرانولا والمويسلي على الكثير من المكسرات والبذور والتوت، لذا فهي غنية بالألياف، بالإضافة إلى البروتين والدهون من المكسرات. هذا سيُبقيك شبعاً لفترة أطول، وبالتالي يُوازن مستويات الطاقة لديك بشكل أفضل".
ومن خيارات الإفطار الشائعة الأخرى، الشوفان. إذ شملت إحدى الدراسات الكبيرة بيانات أكثر من 470 ألف شخص، وتابعت نتائجهم الصحية على مدى سنوات، ووجد الباحثون أن من يتناولون كمية أكبر من الشوفان تقل فرص إصابتهم بمرض السكري من النوع الثاني بنسبة 22 في المئة مقارنة بمن يتناولون كمية شوفان أقل.
كما أن من يتناولون 19 غراما من الشوفان على الأقل يوميا، يتراجع لديهم خطر الوفاة بنسبة 24 في المئة، مقارنةً بمن يتناولون كمية أقل.
ويحتوي الشوفان بشكل رئيسي على ألياف غذائية تُعرف باسم بيتا جلوكان، تحمل أهمية غذائية كبيرة. وقد أظهرت العديد من التجارب السريرية أن بيتا جلوكان يُخفض مستويات الكوليسترول في الدم، وخاصة البروتين الدهني منخفض الكثافة (LDL)، وهو الكوليسترول "الضار" المرتبط بأمراض القلب.
كما تُشير بعض الدراسات إلى أن بيتا جلوكان قد يُقلل من خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، ويُساعد على تحسين التحكم في الأنسولين.
ومع ذلك، فإن العديد من حبوب الإفطار المصنوعة من الشوفان تُصنع من دقيق الشوفان المطحون الناعم، الذي لا يتمتع بنفس الفوائد الصحية للشوفان الكامل.
بالمقارنة بحبوب الشوفان، فإن حبوب الإفطار المصنعة تكون سريعة الهضم، مما يُسرّع من دخول السكر إلى مجرى الدم. وينطبق الأمر نفسه على "الشوفان سريع التحضير".
في إحدى التجارب السريرية، تناول متطوعون حبوب الشوفان الكاملة في يوم، والشوفان سريع التحضير المطحون في يوم آخر. ووجد الباحثون أنه على الرغم من احتواء كلا النوعين على نفس الكمية من الألياف والبروتين والدهون والكربوهيدرات، إلا أن الشوفان المطحون أدى إلى ارتفاع كبير في مستويات السكر في الدم لدى المشاركين.
في الوقت نفسه، قد تتراجع فوائد حبوب الإفطار المصنوعة من الحبوب المكررة، حيث تُنزع منها طبقات النخالة الغنية بالعناصر الغذائية والألياف.
وأظهرت الدراسات أن تناول الحبوب الكاملة قد يساعد في انخفاض خطر الإصابة بالسرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية وداء السكري من النوع الثاني وأمراض مزمنة أخرى، لكن نفس الفوائد لا تحدث عند تناول الحبوب في أشكالها المكررة، بحسب الدراسات أيضا.
ويقول ريكاردو كاتشيالانتسا، إختصاصي التغذية السريرية في جامعة بافيا بإيطاليا: "حبوب الإفطار الكاملة صحية لغناها بالألياف".
ويوضح أن إحدى الوظائف المهمة لهذه المادة الغذائية هي إبطاء هضم الطعام، مما يقلل من زيادة نسبة الجلوكوز، ويحسّن التحكم في مستوى الجلوكوز. ويضيف: "مع ذلك، إذا حُرمنا من الألياف، وهو ما يحدث عند تكرير الحبوب وطحنها، فإن الجلوكوز يرتفع بسرعة أكبر".
إذن، هل حبوب الإفطار مفيدة أم ضارة؟ يعتمد الأمر على نوع الحبوب.
إذ أحصت دراسة في أستراليا أكثر من 140 ألف شخص تتراوح أعمارهم بين 45 عاماً فأكثر. ووجدت أن تناول حبوب المويسلي على الإفطار يقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية والسكري.
وفي بريطانيا، سألت دراسة أخرى واسعة النطاق أكثر من 186 ألف مشارك تتراوح أعمارهم بين 40 و69 عاماً عن عاداتهم الغذائية، بما في ذلك استهلاك حبوب الإفطار، ثم تابعت المشاركين لمدة 13 عاماً في المتوسط.
ووجدت الدراسة خلال فترة المتابعة أن الأشخاص الذين تناولوا طبقا واحدا على الأقل من المويسلي يوميا، كانوا أقل عرضة للوفاة بنسبة 15 في المئة، ومن تناولوا حبوب الإفطار المصنوعة من النخالة، كانوا أقل عرضة للوفاة بنسبة 12 في المئة، أما من تناولوا الشوفان يومياً فكانوا أقل عرضة للوفاة بنسبة 11 في المئة، مقارنةً بمن لم يتناولوا حبوب الإفطار.
من ناحية أخرى، كان الأشخاص الذين تناولوا حبوب الإفطار المحلاة أكثر عرضة للوفاة بالسرطان خلال فترة الدراسة.
ويقول الخبراء إن السر يكمن في التدقيق في محتوى العبوة.
وتوضح سارة بيري: "إذا كنت تختار حبوب إفطار تحتوي على أقل من خمسة غرامات من السكر، وأكثر من ثلاثة غرامات من الألياف، فأنت على الطريق الصحيح لاختيارك حبوب إفطار صحية أكثر".
ولزيادة تأثيرها الصحي، تقترح سارة وكاتشيالانزا تعديل حبوب الإفطار بحيث لا تقتصر على الكربوهيدرات فحسب، بل لتحتوي أيضاً على مزيج جيد من الدهون الصحية والبروتينات التي تعزز الشعور بالشبع لفترة أطول.
وتقول سارة: "أحب الغرانولا، لكنني أضيف إليها مكسرات إضافية، أُحضّر غرانولا صحية كالتي تُباع في المتاجر الكبرى من خلال ما أضعه فيها".
وتضيف: "أعتقد أن هذا أمر ينبغي على الناس التفكير فيه قليلاً، ما الذي يمكنهم فعله لإضفاء بعض التوازن على (حبوب الإفطار)؟".