في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
لا تقتصر الاقتصادات الآسيوية على تحويل علاقاتها التجارية لمواجهة الرسوم الجمركية الأميركية فحسب، بل تنقل تمويلها بشكل متزايد إلى أسواق أخرى، مما يؤكد تهديد سياسات الرئيس دونالد ترامب بتآكل الهيمنة الأميركية على جمع رأس المال.
وزاد المقترضون من منطقة آسيا والمحيط الهادي إصداراتهم المقومة باليورو إلى مستوى قياسي بلغ 23% من إجمالي إصدارات العملتين هذا العام، بزيادة 6% عن عام 2024، وفقا لبيانات جمعتها بلومبيرغ.
وارتفعت مبيعات سندات اليورو من قبل الشركات والحكومات بنسبة 75% في عام 2025 لتصل إلى 86.4 مليار يورو (100.7 مليار دولار).
أظهرت البيانات أن العديد من الصفقات الآسيوية صُنفت على أنها الأكثر اكتتابًا في سوق الديون المشتركة العامة في أوروبا خلال أسبوع إطلاقها، ولا تزال الصفقات المقومة بالدولار تُشكل غالبية صفقات التمويل، وقد ارتفع الاقتراض بالدولار بنسبة 29% من قِبل المُصدرين الآسيويين هذا العام، لكن حصة السوق تراجعت، وقد تتآكل الميزة الأميركية للتمويل تدريجيًا، وفق بلومبيرغ.
يقول الرئيس المشارك لأسواق رأس مال الدين لمنطقة آسيا والمحيط الهادي في بنك "إتش إس بي سي" دانيال كيم: "أحد العوامل الرئيسية هو الحاجة إلى تنويع الاستثمارات بعيدا عن التركيز على الدولار.. ينبع الارتفاع الكبير في إصدار السندات المقومة باليورو هذا العام من تضافر دوافع إستراتيجية تتجاوز مجرد إعادة التمويل الروتينية".
وأدت تحركات الرئيس الأميركي ترامب التجارية هذا العام، وضغطه على الاحتياطي الفدرالي الأميركي لخفض أسعار الفائدة رغم مخاوف التضخم ، إلى زعزعة ثقة المستثمرين في هيمنة الدولار، مما دفعهم إلى التوجه نحو أصول اليورو، وحذا المقترضون الآسيويون حذوهم، وارتفعت إصدارات سندات اليورو لتلبية الطلب على التنويع، بينما انخفض الدولار بنسبة 11% مقابل اليورو.
ويقول رئيس أسواق رأس مال الدين الصينية الخارجية في "دويتشه بنك إيه جي" بن وانغ: "إزالة الدولرة أو تنويع محافظ الاستثمار لزيادة استخدامها في العملات غير الدولارية هو موضوع شهدناه هذا العام"، مضيفا أن اليورو شكّل جزءًا أصغر من حجم تداول سندات دويتشه بنك في منطقة آسيا والمحيط الهادي في بداية العام، لكنه مثّل "أكثر من 10%، بل وحتى 20%" بعد دخول النصف الثاني.
يُعزى هذا النمو أيضًا إلى انخفاض تكاليف التمويل، إذ تمكّن بعض المقترضين الآسيويين من جمع الأموال باليورو بتكلفة أقل من الدولار أو عملاتهم المحلية، وأظهرت بيانات جمعتها بلومبيرغ أن علاوة سعر الفائدة التي يدفعها المستثمرون لمبادلة اليورو بالدولار وصلت إلى أدنى مستوى لها في 5 سنوات تقريبًا، عند 3.1 نقطة أساس.
ولطالما توقع المتشائمون نهاية دور الدولار كعملة احتياطية، لكن هذا التوقع كان خاطئا تمامًا. فعلى مدى سنوات، شهدت إصدارات الدولار ارتفاعًا حادًا، وليس من الواضح ما إذا كان هذا التراجع الأخير مجرد عارض عابر أم اتجاه طويل الأجل، وفق بلومبيرغ.
وبحلول يونيو/ حزيران، شكّل الدولار 63% من السندات الصادرة عن مقترضين بعملات أخرى غير عملاتهم المحلية، بزيادة قدرها 20 نقطة مئوية منذ نهاية عام 2007، وفقًا لبيانات بنك التسويات الدولية، وانخفضت حصة اليورو إلى 25% من 32% خلال تلك الفترة.
لكن كبير الاقتصاديين في شركة فوجيتسو المحدودة في اليابان مارتن شولتز صرّح بأن تزايد جاذبية اليورو لدى المشاركين في السوق الآسيوية للتمويل والاستثمار في الديون يعكس "تطبيعا" في أعقاب الطفرة في مبيعات الدولار، وأضاف: "لدينا عالم أكثر تعددية في الأقطاب".
ومن أبرز الصفقات في أوروبا هذا العام، إصدار سندات صينية بقيمة 4 مليارات يورو، الذي اجتذب عروضًا تجاوزت 100 مليار يورو، وطرح شركة الاتصالات اليابانية العملاقة "إن تي تي" (NTT Inc) بقيمة 5.5 مليارات يورو، وهو أكبر إصدار يورو للشركات من آسيا في عام 2025.
يقول كبير مسؤولي الاستثمار في الاستثمارات الأساسية لدى شركة أكسا لإدارة الاستثمارات البريطانية، كريس إيغو: "يوفر هذا سوقًا أوسع للاستثمار، مع تدفقات نقدية من مناطق مختلفة وأنواع مختلفة من الشركات. إنه تطور إيجابي إلى حد ما".
ومن المتوقع أن تستمر جاذبية القارة كوجهة تمويلية حتى العام المقبل، إذ يتوقع رئيس قسم تحليل الائتمان لمنطقة آسيا والمحيط الهادي في دويتشه بنك، أوين غاليمور أن ترتفع إصدارات اليورو من جانب المقترضين الآسيويين إلى 125 مليار دولار في عام 2026، بزيادة تفوق 20%.
ويقول رئيس قسم الائتمان الآسيوي في أبردين للاستثمارات، هنري لوه: "نرى أن الجهات المصدرة عموما تتطلع إلى توسيع نطاق أعمالها، ليس فقط داخل آسيا بل وخارجها، مع استمرار أوروبا في كونها سوقا رئيسية".
وتابع: "نتوقع أن نشهد اهتمامًا متزايدًا بإصدارات اليورو لتمويل هذا النمو".
يشار إلى أن روسيا أكملت بنجاح الإصدار الأول ل سندات القروض الفدرالية المقومة باليوان الصيني، بقيمة إجمالية بلغت 20 مليار يوان (نحو 2.8 مليار دولار).
وأكدت وزارة المالية استعدادها لطرح السندات المقومة باليوان سنويا إذا استمر الاهتمام بها في السوق، ويتيح هذا -وفق خبراء استطلعت الجزيرة آراءهم- للمصدرين الروس، الذين راكموا فائضا كبيرا من العملة الصينية نتيجة التبادل التجاري، خيارا استثماريا جديدا، كما يعود إلى جملة من الأسباب تتعلق بالتغيرات الجيوسياسية والعقوبات الغربية، والتوجه الروسي نحو التخلي عن الدولار في التعاملات الخارجية.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة