يشهد سوق الأسهم في الولايات المتحدة تحولا لافتا تقوده شريحة غير متوقعة وهم كبار السن.
فبينما اشتهرت الأجيال الشابة مثل جيل "زد" بالرهان على العملات المشفرة والأسهم الميمية والمضاربة السريعة، تؤكد مجلة "إيكونوميست" أن المستثمرين الذين تجاوزوا الـ70 عاما أصبحوا المحرك الأبرز وراء موجة الصعود الحالية في السوق.
ووفقا لتقرير المجلة البريطانية الصادر في 11 نوفمبر/تشرين الثاني، فإن الأميركيين فوق الـ70 باتوا يمتلكون 39% من إجمالي الأسهم وصناديق الاستثمار المشترك، أي ما يقارب ضعف النسبة المعتادة خلال الفترة بين 1989 و2009.
ويشير التقرير إلى أن هذا التغير لا يعود فقط إلى زيادة عدد كبار السن، الذين ارتفعت نسبتهم من 9% عام 2010 إلى 12% اليوم، بل إلى تحول جذري في مستوى تقبّل المخاطر لدى هذه الفئة، التي باتت أكثر استعدادا للمغامرة لتحقيق مكاسب إضافية، حتى في مراحل متقدمة من العمر.
وتقول المجلة إن هذا "التحول الهادئ" يعكس شعورا متزايدا بالاستقلال المالي، وينقل التقرير عن جاي غورلي (77 عاماً)، وهو طالب في جامعة جورج ميسون، قوله: "ما لم أعش أكثر من المتوقع بكثير، لدي ما يكفيني لبقية حياتي، لذا أستطيع تحمل بعض المخاطر بدون القلق من الحاجة إلى التسوّل". ويمتلك غورلي محفظة استثمارية تتضمن 8% فقط نقدا، والباقي موزع على صناديق مؤشرات وأسهم فردية، ويشير إلى أنه إن اضطر، فسيحوّل أمواله إلى قطاعات دفاعية بدلا من السندات .
ويرى التقرير أن تراجع عوائد السندات الأميركية منذ عام 2005 أسهم في هذا الميل إلى الأسهم، إذ انخفض متوسط العائد الحقيقي على سندات الخزانة لـ10 سنوات من 3.8 نقاط مئوية فوق التضخم إلى أقل من 0.5 نقطة فقط. وكما يوضح توماس فان سبانكرن من شركة "رايز إنفستمنتس" فإن كثيرا من كبار المستثمرين يفترضون أن الأداء القوي لسوق الأسهم سيستمر، ويتساءلون "لماذا يكتفون بعوائد ضعيفة من السندات؟".
وتشير "إيكونوميست" إلى أن الحافز ليس ماليا فقط، بل نفسيا أيضا، إذ بات الخوف من تفويت الفرصة يشمل كبار السن كما الشباب. وتنقل عن المستشارة المالية ميشيل غيسنر في هيوستن قولها إن "أغلب عملائي في السبعينات من أعمارهم يحتفظون بما لا يقل عن 60% من أموالهم في الأسهم".
وتروي خبيرة أخرى حادثة لعميلة توفيت في أواخر التسعينات من عمرها بثروة بلغت 20 مليون دولار، لكنها واصلت شراء أسهم "إنفيديا" وهي في دار للرعاية الصحية.
ويتحدى النمط الجديد النظريات الاستثمارية الكلاسيكية التي أوصت منذ خمسينيات القرن الماضي بأن تكون نسبة الأسهم في المحفظة مساوية لـ"100 ناقص العمر"، أي أن من يبلغ 75 عاما ينبغي أن يحتفظ بـ25% فقط من أصوله في الأسهم.
لكن دراسات حديثة -مثل بحث وايد فاو ومايكل كيتس (2014)- أظهرت أن زيادة مكونات الأسهم تدريجيا أثناء التقاعد قد تحقق أداء أفضل على مدى 30 عاما مقارنة بالإستراتيجية المعاكسة.
كما اقترحت دراسة حديثة صادرة عن جامعات "إيموري" و"أريزونا" و"ميزوري" أن أفضل توزيع هو ثلث المحفظة في الأسهم الأميركية وثلثان في أسواق عالمية أخرى، مؤكدة أن هذا النهج يقلل احتمال نفاد مدخرات التقاعد إلى 7% فقط، مقارنة بـ39% لمن يعتمدون على السندات قصيرة الأجل.
وتحذر "إيكونوميست" من أن هذا التوجه، رغم وجاهته الفردية، قد يخلق مخاطر كلية على السوق في حال حدوث ركود. فبينما يظهر كبار السن "صلابة في وجه التقلبات"؛ إذ لم يغيّر سوى 25% منهم مستوى المخاطر في محافظهم خلال أزمة الجائحة عام 2020- فإن طول فترة الركود قد يدفعهم للبيع الجماعي لتغطية نفقات المعيشة أو الرعاية الصحية.
وتختتم المجلة بالقول إن "مصير السوق الأميركي بات أكثر من أي وقت مضى مرتبطا بسلوك كبار المستثمرين"، وإن اختبارهم الحقيقي لن يتضح إلا عندما تواجه الأسواق العاصفة المقبلة.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة