في خطوة تعكس المساعي الحثيثة لمعالجة أزمة المياه التاريخية التي تمر بها البلاد، أعلن العراق التوصل إلى اتفاق مع الجانب التركي بشأن مسودة "اتفاق إطاري" شامل لإدارة الموارد المائية المشتركة.
ومن المقرر توقيع الاتفاق النهائي في بغداد، تمهيدا لاستقطاب كبريات الشركات التركية لتنفيذ مشاريع إروائية ضخمة وبناء سدود مخصصة لحصاد المياه.
جاء هذا التطور بالتزامن مع مطالبة رسمية عاجلة من وزارة الموارد المائية العراقية بزيادة الإطلاقات المائية في نهري دجلة والفرات بمقدار مليار متر مكعب، أي بواقع 500 متر مكعب في الثانية لكل نهر، وذلك خلال الشهرين المقبلين.
وكانت وزارة الموارد المائية قد أكدت في وقت سابق أن هذا العام هو الأكثر جفافا منذ عام 1933، موضحة أن إيرادات نهري دجلة والفرات تراجعت إلى 27% فقط مقارنة بالعام الماضي، وأن مخزون المياه في السدود والخزانات انخفض إلى 8% من طاقته التخزينية، بنسبة تراجع بلغت 57%.
وأكد وزير الموارد المائية، المهندس عون ذياب عبد الله، أن بلاده بحاجة ماسة إلى هذه الزيادة لتحسين الإيرادات المائية خلال الـ50 يوما المقبلة، مشيرا إلى أن الوفد العراقي قدّم شرحا مفصلا للجانب التركي حول واقع المياه في البلاد، واصفا هذا العام بأنه "الأصعب مائيا في تاريخ العراق، والأقسى منذ عام 1933".
وشدد الخبير الاقتصادي عبد الرحمن الشيخلي، في حديث للجزيرة نت، على أن ملف المياه يُعد "ملفا مصيريا لا يمكن التعامل معه بتراخ"، مؤكدا أن نجاح العراق في هذا الملف يتوقف على استغلاله الفعّال لأوراقه الاقتصادية الضاغطة.
وأوضح الشيخلي أن هذه المفاوضات "لم تبدأ من الصفر"، بل جاءت نتيجة مسار تراكمي من الإجراءات واللقاءات، تُوّج بلقاء جمع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، حيث تم الاتفاق على "سياقات تمهيدية" تستند إلى ورقة عمل سابقة، معتبرا أن هذا التأسيس المسبق يبعث على التفاؤل بإمكانية التوصل إلى اتفاق ملزم.
وأشار الشيخلي إلى أن العراق يمتلك "ورقة تفاوضية قوية" تتمثل في الميزان التجاري المختل بشدة بين البلدين، إذ يبلغ حجم الاستيراد السنوي من تركيا نحو 16 مليار دولار، مقابل صادرات عراقية لا تتجاوز المليار دولار، واصفا هذه الفجوة بـ"الثقل الاقتصادي الكبير" الذي يجب توظيفه لتحقيق المصالح المائية للعراق.
وحذّر الشيخلي من أن توقف الخطة الزراعية لهذا العام يمثل "كارثة كبرى" تسببت بخسائر جسيمة للفلاحين، فضلا عن التغيرات الديمغرافية السلبية الناتجة عن هجرة المزارعين وعائلاتهم إلى المدن بحثا عن العمل.
وأضاف أن تنظيم الحصص المائية وعودة الأمور إلى نصابها سيسهمان في إنهاء هذه الأزمات، مؤكدا أن انتعاش القطاع الزراعي سيحقق منافع اقتصادية ومالية واسعة، أبرزها تقليص فاتورة الاستيراد وتحول العراق تدريجيا نحو التصدير، وهذا سيساعد في الحد من البطالة وتحسين مستويات المعيشة.
ولا تقتصر آثار موجة الجفاف على القطاع الزراعي فحسب، الذي تقلصت مساحاته المزروعة بنحو 50% خلال السنوات الأخيرة وفق تقديرات وزارة الزراعة، بل امتدت أيضا إلى مياه الشرب، حيث لم تعد محطات الضخ قادرة على تزويد العديد من المناطق بالمياه بسبب جفاف الأنهار أو انخفاض مناسيبها.
وتشير التقديرات إلى أن الإيرادات المائية للعراق انخفضت من نحو 70 مليار متر مكعب إلى 40 مليارا فقط، في حين تتوقع الدراسات أن يتراجع نصيب الفرد من المياه إلى 479 مترا مكعبا بحلول عام 2030، مقارنة بالمعيار الذي حددته منظمة الصحة العالمية بـ1700 متر مكعب سنويا للفرد.
من جانبه، قلل الخبير في الشأن المائي والزراعي تحسين الموسوي من أهمية الحوارات الجارية، معتبرا إياها "محادثات تفتقر إلى الجدية والفعالية" في ضوء التجارب السابقة.
وقال الموسوي للجزيرة نت إن ضعف الموقف التفاوضي للعراق وعدم استغلاله لأوراق الضغط المتاحة أديا إلى تدهور الوضع المائي، مشيرا إلى أن الزيارة الأخيرة للوفد العراقي "لا ترتقي إلى مستوى المفاوضات" لافتقارها إلى الجوانب الفنية والتقنية اللازمة، مثل لجان تقصي الحقائق أو اللجوء إلى وساطة وتحكيم دولي.
ووصف الموسوي مسودة الاتفاق الإطاري الحالية بأنها "غير ملزمة ولا تحدد حصص العراق المائية بوضوح"، معتبرا أن العراق "الحلقة الأضعف" لأنه بلد مصب، ومحذرا من أن استمرار السياسات المائية المتلكئة قد أوصل البلاد إلى "مرحلة كارثية" تهدد الأمن الغذائي والاجتماعي، خاصة بعد فقدان الخطة الزراعية الصيفية وتوقف الخطة الشتوية، الأمر الذي قد يثير احتجاجات شعبية ويشكّل تهديدا للعملية السياسية برمتها.