في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
القدس المحتلة – بعد مرور عامين على اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، تكشف المؤشرات الاقتصادية عن الثمن الباهظ الذي دفعته إسرائيل من اقتصادها جراء حربها، لا سيما من معدل نموها الاقتصادي وسوق العمل والاستثمار، والمالية العامة، في حين أبدت بعض القطاعات الإستراتيجية قدرة على التكيف.
إذ شهد الاقتصاد الإسرائيلي خلال العام الجاري سلسلةَ صدمات اقتصادية حادة نتيجة تصعيد الحرب على غزة وتوسُّع تأثيراته الإقليمية، وتشير تقديرات رسمية وغير رسمية إلى أن الكلفة الإجمالية المباشرة وغير المباشرة للحرب بلغت مئات المليارات من الشواكل، وما انعكس في انكماش قطاعات أساسية، وتآكل الإيرادات الحكومية، وارتفاع الحاجة للصرف العسكري والطوارئ.
وأمام هذا الواقع، خفض بنك إسرائيل مجددا مطلع الشهر الجاري، توقعاته لنمو الاقتصاد لعام 2025 إلى 2.5% فقط، وهو ما يعادل تقريبا نصف التوقعات المتفائلة الصادرة في أبريل/نيسان 2024، التي كانت عند 5%.
في المقابل، يرى محللون أن النمو قد يكون أقل، ويتراوح بين 1% و2%، في ظل استمرار تبعات الحرب على مختلف القطاعات الاقتصادية، وفق صحيفة هآرتس الإسرائيلية.
وقدّر بنك إسرائيل الكلفة الإجمالية للحرب بنحو 330 مليار شيكل (100 مليار دولار)، ما يعني 111 ألف شيكل (33.6 ألف دولار) لكل أسرة إسرائيلية.
ويحذر بنك إسرائيل مما يسميه تأثير "العدوى" الاقتصادية، أي الآثار طويلة الأمد التي قد تمتد إلى سنوات، ويؤجّل أي قرارات بتخفيض الفائدة لتفادي تفاقم الضغوط المالية على الاقتصاد.
ويشير البنك إلى أن استمرار الحرب بعد عام 2026 سيؤدي إلى تفاقم الضرر الاقتصادي وإبطاء وتيرة الانتعاش، ما يجعل إدارة السياسات المالية والنقدية أكثر تحديا للحفاظ على استقرار الاقتصاد الإسرائيلي.
اختلفت التقديرات الرسمية بشكل كبير، فقد قدّر وزير المالية بتسلئيل سموتريتش تكلفة الحرب بنحو 300 مليار شيكل (89.4 مليار دولار)، بينما تحدث المحاسب العام ياهلي روتنبرغ عن 140 مليار شيكل (41.7 مليار دولار) حتى نهاية 2024، متوقعا أن تصل إلى 200 مليار شيكل (59.6 مليار دولار) مع نهاية 2025.
ووفق معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب ، تجاوزت الخسائر الاقتصادية المباشرة 60 مليار دولار، مع تقديرات إسرائيلية أخرى ترجح أن الرقم الحقيقي أكبر من ذلك بكثير، نتيجة امتداد تأثيرات الحرب إلى قطاعات رئيسية مثل العقارات، والتوظيف، والصناعة.
وأدت الحرب إلى زيادة ضخمة في النفقات الأمنية، التي تضاعفت منذ 2022 لتصل إلى 168 مليار شيكل (51.34 مليار دولار) في 2024، مع ارتفاع مذهل في تكاليف الاحتياط العسكري من أقل من ملياري شيكل (611.29 مليار دولار) عام 2022 إلى نحو 32 مليار شيكل (9.78 مليارات دولار) عام 2024.
تشير تقديرات بنك إسرائيل إلى أرقام إجمالية تقارب ما بين 250 و300 مليار شيكل (بين 76.41 مليار دولار و91.69 مليار دولار) حتى مراحل مبكرة من الحرب، تشمل النفقات العسكرية المباشرة، والأضرار في البنى التحتية، وفقدان النشاط الاقتصادي في قطاعات السياحة والتجارة والصناعة، ما يشكل ضغطا فوريا على الاحتياطيات والقدرة المالية لإسرائيل.
على صعيد الميزانية العامة، صادق الكنيست في نهاية سبتمبر/أيلول 2025، على تحويل 30 مليار شيكل (9.17 مليارات دولار) إضافية لوزارة الدفاع، بينما بلغت ميزانية 2025 نحو 786.7 مليار شيكل (240.45 مليار دولار)، منها 110 مليارات شيكل (32.8 مليار دولار) مخصصة لاحتياجات الجيش والعمليات العسكرية، مع رفع سقف العجز إلى 5.2% من الناتج المحلي الإجمالي.
وفي سوق العقارات، برزت مؤشرات واضحة على التباطؤ، بل وبداية أزمة حقيقية، فقد أشار معهد ألروف لأبحاث العقارات في جامعة تل أبيب إلى انخفاضٍ بنسبة 24% في عدد صفقات بيع المنازل خلال الربع الثاني من عام 2025 مقارنة بالربع الأول (من 26.5 ألف إلى 20 ألف صفقة).
أما بالمقارنة مع الفترة الموازية من 2024، فقد بلغ التراجع 35%، ويعد هذا القطاع من الركائز الأساسية للاقتصاد الإسرائيلي، ويسهم بنحو 6% من الناتج المحلي الإجمالي، ويوفر فرص عمل لعشرات الآلاف من الإسرائيليين، والعمال الأجانب، والفلسطينيين.
إلا أن الحرب أدت إلى نقصٍ يقارب 150 ألف عامل في هذا القطاع منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 بسبب منع دخول العمال الفلسطينيين، ما أدى إلى تباطؤ مشاريع البنية التحتية والعقارات وتراجع الاستثمارات المرتبطة بها.
وترك هذا التباطؤ في النشاط العقاري أثرا مباشرا على التضخم المالي وسعر الفائدة البنكية، وأدى إلى تآكل القدرة الشرائية للأجور وزيادة الأقساط الشهرية لقروض الإسكان، ما قلص من قدرة الأسر على شراء المساكن.
ووفق صحيفة غلوبس، يُتوقع أن تتباطأ وتيرة ارتفاع أسعار الشقق خلال عام 2026، ليس بسبب انخفاض الطلب، بل نتيجة ارتفاع التضخم ومعدلات الفائدة وتراجع السيولة في السوق.
وعلى صعيد الأجور وسوق العمل، أظهرت بيانات دائرة الإحصاء المركزية أن معدل الأجور في الاقتصاد الإسرائيلي بلغ 14 ألفا و201 شيكل (4340 دولار)، بزيادة طفيفة نسبتها 2.5% مقارنة بعام 2024، ما يعكس تباطؤا في وتيرة نمو الأجور مقابل ارتفاع الأسعار.
وكشفت مصلحة التشغيل عن حالة من الجمود في عدد العاملين منذ مطلع 2025، إذ لم يسجل الاقتصاد نموا يتناسب مع زيادة عدد السكان، وبلغت نسبة البطالة 3% من إجمالي القوى العاملة، في حين وصل عدد العاطلين عن العمل 186.1 ألف شخص حتى نهاية أغسطس/آب 2025.
وخلال الشهر نفسه، تم تسريح نحو 4.3 آلاف شخص، وبلغ عدد المتقدمين للحصول على إعانات الدخل 38 ألف شخص، كما شهدت دائرة التوظيف ارتفاعا بنسبة 25.4% في عدد طالبي إعانات البطالة مقارنة بأغسطس/آب 2024، وارتفاعا بنسبة 5% في طلبات إعانات الدخل، ويعزى ذلك جزئيا إلى تطبيق بأثر رجعي لفترات التسريح المؤقت خلال الحرب مع إيران .