آخر الأخبار

قطاع الثروة الحيوانية متماسك في السودان رغم حالة الحرب

شارك

الخرطوم– لم يسلم قطاع الثروة الحيوانية من تداعيات الحرب المندلعة في السودان منذ 15 أبريل/نيسان، شأنه شأن بقية أركان الاقتصاد الوطني، فقد أثرت المعارك على أوضاع السكان والأنشطة التجارية الداخلية والخارجية، وامتدت ارتداداتها إلى بنية الصادرات السودانية.

ومع اتساع رقعة الحرب من العاصمة الخرطوم إلى ولايات سنار والنيل الأبيض ودارفور وأجزاء واسعة من كردفان، إضافة إلى ولايات الشمال والشرق مثل نهر النيل والقضارف وكسلا والبحر الأحمر ، وجد العاملون والمستثمرون في قطاع الثروة الحيوانية أنفسهم أمام تحديات غير مسبوقة، أبرزها انقطاع الطرق وإعاقة الحركة التجارية.

سوق الماشية بين الخراب والانتعاش

في منطقة "قندهار" غرب أم درمان، أحد أهم مراكز أسواق الماشية بولاية الخرطوم، تبدو الحركة وكأنها تستعيد أنفاسها ببطء، على وقع مشاهد مخلفات المعارك التي لا تزال تهيمن على الطرق المؤدية إلى سوق الصادرات عبر بارا في شمال كردفان.

يقول التاجر المحلي محمد أحمد أبو ناموس "للجزيرة نت" إن ظروف الحرب -وخاصة في أوقات سيطرة قوات الدعم السريع على الخرطوم- خلفت آثارًا كارثية أخرجت بعض التجار كليًا من السوق وألحقت بهم دمارًا يصعب تقديره، لكنه يشير في الوقت ذاته إلى أن الأوضاع بدأت تعود إلى التحسن ولو بقدر ضئيل.

ويضيف أن الثروة الحيوانية في السودان تتميز بتوزعها الجغرافي الجيد، موضحًا أن أسواق أم درمان شهدت خلال عيد الأضحى الماضي تدفقات كبيرة من الماشية إلى العاصمة، وهو ما عكس مرونة نسبية رغم أجواء الحرب.

ويعترف أبو ناموس بأنه لا يملك تفاصيل دقيقة حول استئناف عمليات التصدير، لكنه يؤكد أن السوق المحلية تتوسع لتلبية الطلب الداخلي، في صورة لا توحي بتأثر القطيع السوداني بشكل حاد بظروف الحرب.

مصدر الصورة قطاع الماشية يشكل نحو 34% من الناتج الزراعي في البلاد (وزارة الثروة الحيوانية في السودان)

استعادة تدريجية رغم الدمار

من جانبه، يوضح الدكتور حسن علي عباس، مدير مشروع المسح الوبائي بوزارة الثروة الحيوانية وخبير منظمة "إيقاد"، أن القطاع واجه صعوبات كبيرة مع اندلاع الحرب وغياب أنظمة الإحصاءات الدقيقة، لكنه تمكن بعد شهرين فقط من القتال من إعادة ترتيب عمليات الصادرات.

إعلان

ويقول للجزيرة نت: "تم تحويل أعمال الصادر إلى المحاجر البيطرية في كسلا والقضارف، وحقق السودان في عام 2023 تصدير أكثر من 4 ملايين رأس ماشية حية، بعائد اقترب من مليار يورو نحو 1.17 مليار دولار".

ويضيف أن السودان كان يمتلك قبل الحرب أكثر من 138 مليون رأس من مختلف أنواع الماشية موزعة على جميع الولايات، وأسهمت تلك الثروة في دعم الاقتصاد الوطني بأكثر من 2.5 مليار يورو سنويًا (نحو 2.92 مليار دولار)، إلا أن الحرب –بحسب قوله– ألحقت أضرارًا جسيمة بالبنية التحتية، حيث تعرضت المحاجر البيطرية والمسالخ ومصانع الأغذية الحيوانية للتدمير والنهب والسرقة على يد قوات الدعم السريع.

عودة سريعة ومؤشرات انتعاش

ورغم حجم الخسائر، يبدي مدير الإدارة العامة للمحاجر في وزارة الثروة الحيوانية تفاؤله بقدرة القطاع على استعادة عافيته، ويقول للجزيرة نت إن "عودة سريعة قد تمت بالفعل"، مشيرًا إلى جهود الوزارة في الحفاظ على صحة الحيوان، وتواصل تنفيذ مشروع المسح الوبائي لرصد الأمراض وإجراء الفحوصات المعملية ودعم برامج الصادر.

ويضيف أن استعادة الأمن في ولايات الخرطوم والجزيرة وسنار بعد تحريرها ساعدت على إعادة تشغيل عدد كبير من المسالخ، مؤكدًا أن الحكومة تخطط الآن للاستفادة من القيمة المضافة للثروة الحيوانية عبر الشراكات والاستثمارات، بالتوازي مع مواصلة عمليات التصدير وتنفيذ طلبات الدول المستوردة وفق البروتوكولات الفنية.

مصدر الصورة الخبراء يرون فرصًا كبيرة لصادرات اللحوم السودانية إلى الخليج ومصر (وزارة الثروة الحيوانية السودانية)

فرص واعدة.. لكن بشروط قاسية

أما الخبير الزراعي والاقتصادي الصادق عبد الله عياش، فيرى أن أمام السودان فرصًا كبيرة لتجاوز كبوة الحرب عبر قطاع الثروة الحيوانية، خاصة أن صادرات الماشية واللحوم السودانية تحظى بقبول واسع في دول الخليج ومصر ، مما يوفر عملات أجنبية ويعزز الاقتصاد الوطني.

ويؤكد عياش أن ذلك يتطلب جملة من الشروط، أبرزها الاستثمار في المراعي والزراعة الحديثة، حيث يمتلك السودان مساحات شاسعة من الأراضي والمراعي الطبيعية يمكن تحويلها إلى مزارع متطورة تعتمد تقنيات تربية حديثة لزيادة الإنتاجية.

ويشدد على ضرورة تحسين الخدمات البيطرية وتوسيع نطاق حملات التطعيم المجتمعية، مستشهدًا بحملة نفذها برنامج "النهج المستدام للأنظمة الغذائية والزراعية في السودان" بالتعاون مع الوكالة الدولية للإغاثة في ولاية القضارف واعتبرها نموذجًا ناجحًا في الوصول إلى المربين حتى في مناطق النزاع.

ويضيف أن عدد العاملين في القطاع يعادل نحو 40% من سكان السودان، ويسهم بما يقارب 34% من الناتج الزراعي، إلا أن حجم الاستثمار الحكومي في البنية التحتية -خاصة في الصحة الحيوانية- لا يتناسب مع أهمية القطاع الإستراتيجية.

بين التحديات والآمال

رغم مشاهد الخراب والدمار، تبدو ملامح التماسك حاضرة في قطاع الثروة الحيوانية السوداني، فالتجار يتلمسون طريق العودة إلى السوق، والحكومة تؤكد استعادة تدريجية للقدرة الإنتاجية، بينما يرى الخبراء أن الفرص المستقبلية ما تزال واعدة شريطة توافر الاستثمارات والبنية التحتية اللازمة.

إعلان

وفي بلد يعيش ملايين من سكانه على تربية الماشية وتصديرها، يظل هذا القطاع بالنسبة لهم أكثر من مجرد مصدر دخل، بل ركيزة للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وبارقة أمل في اقتصاد ينهكه صراع طويل لم تضع أوزاره بعد.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار