آخر الأخبار

إسرائيل بين العزلة السياسية والاقتصادية.. خسائر فادحة في صفقات السلاح

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

القدس المحتلة– تشهد إسرائيل تحولا لافتا في مكانتها الدولية، مع تفاقم عزلتها السياسية التي بدأت تنعكس عمليا على المستوى الاقتصادي، فمع استمرار عدوانها على قطاع غزة وتزايد الاتهامات الموجهة لها بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية ، بدأت دول ومؤسسات دولية باتخاذ خطوات عملية تتجاوز حدود الانتقادات الدبلوماسية، لتطال أحد أكثر القطاعات حساسية وتأثيرا في إسرائيل، وهو قطاع الصناعات العسكرية.

فخلال أسابيع قليلة، أقدمت إسبانيا على إلغاء عقدين ضخمين مع شركات إسرائيلية، بلغت قيمتهما الإجمالية قرابة مليار يورو (1.2 مليار دولار). وكانت البداية مع صفقة صواريخ "سبايك" التي تصنعها شركة "رافائيل" الإسرائيلية، وبلغت قيمتها 237 مليون يورو (نحو 281 مليون دولار)، وتبعتها صفقة أكبر أُلغيت لاحقا، لشراء أنظمة مدفعية من شركة " إلبيت سيستمز " الإسرائيلية، وفق ما أفادت به صحيفة "هآرتس".

وجاء قرار الإلغاء عبر منظومة المشتريات التابعة لوزارة الدفاع الإسبانية، ويخص عقدا تم توقيعه في أكتوبر/تشرين الأول 2023، بقيمة 700 مليون يورو (حوالي 831 مليون دولار)، لشراء راجمات صواريخ من طراز "بولس PULS" من إنتاج شركة "إلبيت"، والتي تُعرف في إسبانيا باسم "سيلام SILAM".

وكانت الصفقة تنص على تعاون شركة "إلبيت" مع شركتي "إسكريبانو" و"إكسبال" الإسبانيتين لتصنيع الأنظمة داخل الأراضي الإسبانية، علما بأن شركة "إكسبال" كانت قد استحوذت عليها شركة "راينميتال" الألمانية خلال العام الماضي.

ووفقا للصحيفة الإسرائيلية، فإن هذه القرارات لم تأت في سياق خلافات تجارية اعتيادية، بل جاءت ردا مباشرا على الحرب المدمرة الجارية في غزة، لتشكل سابقة تُظهر إمكانية ترجمة المواقف السياسية إلى إجراءات اقتصادية عقابية ضد إسرائيل.

المقاطعة في معارض التسليح الدولية

ولم تقتصر الخسائر التي تكبّدها قطاع الصناعات الدفاعية الإسرائيلي على العقود الثنائية، بل امتدت إلى المعارض الدولية، إذ تلقى ضربة إضافية باستبعاد الشركات الإسرائيلية من معرض دبي للطيران، المقرر انعقاده في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بعد تحذير رسمي من دولة الإمارات بشأن نيّات الضم في الضفة الغربية واستمرار العدوان على غزة.

إعلان

ويبدو المشهد تكرارا لما حدث في معرض دبي عام 2023، حين ظهرت منصات الشركات الإسرائيلية خاوية مع اندلاع الحرب، إلا أن المقاطعة هذه المرة تحمل أبعادا أوسع، حيث تمثل ضربة مباشرة لحضور إسرائيل في واحد من أكبر معارض الطيران والتسليح في العالم.

وقد شاركت الشركات الإسرائيلية بشكل علني في المعارض والمؤتمرات التي استضافتها الإمارات منذ توقيع " اتفاقيات أبراهام " للتطبيع عام 2020.

وفي يونيو/حزيران 2025، أغلقت السلطات الفرنسية 4 أجنحة لشركات إسرائيلية خلال اليوم الأول من معرض باريس الجوي، وذلك بسبب رفض هذه الشركات الامتثال لقرار منع عرض الأسلحة الهجومية.

وقد أثار القرار الفرنسي غضب إسرائيل، التي انتقدته ورفضت الالتزام به، مما دفع منظّمي المعرض إلى إقامة حاجز أسود لعزل الأجنحة الإسرائيلية وحجبها عن الزوار.

مصدر الصورة طائرة دون طيار من إنتاج شركة إلبيت الإسرائيلية للاستخدام في نظام الاستطلاع (رويترز)

تداعيات على الصناعات العسكرية الإسرائيلية

تشكل الصناعات الدفاعية إحدى الركائز الاقتصادية والسياسية في إسرائيل، إذ تُعد مصدرا أساسيا للعائدات وأداة فعالة للنفوذ الدبلوماسي. لكن سلسلة الإلغاءات والمقاطعات الأخيرة تحمل تداعيات مزدوجة:


* اقتصاديا: تتمثل في خسارة مليارات الدولارات من العائدات والعقود طويلة الأمد.
* استراتيجيا: تتجلى في تقويض صورة "السلاح الإسرائيلي المجرب ميدانيا"، وهي الميزة التي طالما اعتمدت عليها تل أبيب في تسويق صادراتها الدفاعية.

وهذا الواقع يضع شركات كبيرة مثل "رافائيل" و"إلبيت"، وصناعات الطيران والفضاء الإسرائيلية أمام أزمة متفاقمة، في ظل استمرار الحرب وتنامي الضغوط الحقوقية والسياسية.

ومع تصاعد الحملة الحقوقية ضد العدوان على غزة، يُحتمل أن تدخل إسرائيل مرحلة "تآكل النفوذ"، حيث تفقد تدريجيا أدواتها الاقتصادية والعسكرية التي استخدمتها لعقود في مواجهة عزلتها السياسية.

مصدر الصورة رجال أمن أمام الجناح الإسرائيلي المغلق خلال النسخة الـ55 من معرض باريس الجوي الدولي قبل 3 أشهر (الفرنسية)

العزلة السياسية كمحرك للعزلة الاقتصادية

في هذا السياق، يرى عوديد يارون، مراسل صحيفة "هآرتس" المتخصص في شؤون التكنولوجيا والصناعات العسكرية، أن "العزلة الاقتصادية لإسرائيل ليست منفصلة عن سياقها السياسي، بل هي نتاج مباشر له". فكلما تعمقت العزلة السياسية بسبب استمرار الحرب واتهامات الإبادة، زادت احتمالات المقاطعة الاقتصادية وتقلصت فرص الشراكات الدولية.

ومع تصاعد الأصوات الحقوقية المطالبة بوقف التعاون مع إسرائيل، يرى يارون أن الصناعات العسكرية، التي تشكل قلب القوة الإسرائيلية، باتت مهددة بخسائر متنامية من شأنها أن تُضعف موقع إسرائيل الدولي على المدى القريب والمتوسط.

وأوضح أن التطورات الأخيرة تكشف أن إسرائيل تقف على مفترق طرق، حيث تتحول من قوة عسكرية تعتمد على تصدير السلاح كرافعة اقتصادية ودبلوماسية، إلى دولة مثقلة بتبعات العزلة الدولية. فالعقود الملغاة والمقاطعات الدولية لا تعني خسائر مالية فقط، بل تمس أيضا المكانة الإستراتيجية التي بنتها إسرائيل على مدى عقود، بوصفها أحد أبرز مزودي السلاح في العالم.

مصدر الصورة متظاهرون يطالبون بمنع إسرائيل من المشاركة في معرض باريس الدولي للطيران والفضاء في يونيو/حزيران الماضي (الفرنسية)

أوروبا تفاجئ إسرائيل

وتحت عنوان "أوروبا تفاجئ الجميع: هذا تهديد لأمننا القومي"، تناول أودي عتصيون، محرر الشؤون الاقتصادية في موقع "واللا"، تداعيات إلغاء العقود العسكرية مع إسبانيا، واستبعاد الشركات الإسرائيلية من المعارض الدولية، على مستقبل الصناعات الدفاعية في إسرائيل.

إعلان

وأشار إلى أن اندلاع الحرب على غزة أدى إلى تأخر شحنات الأسلحة القادمة من الولايات المتحدة ، وأن الصناعات الإسرائيلية تواجه صعوبات في تأمين المواد الخام والمكونات اللازمة للإنتاج.

وذكر أن الحكومة الإسرائيلية وعدت بضخ استثمارات ضخمة في شركات مثل "رافائيل" و"إلبيت" وصناعات الطيران، لضمان الاستقلال الصناعي، مع الاعتماد على نمو الصادرات للحفاظ على التقدم التكنولوجي والقدرة التنافسية عالميا.

لكن، بحسب عتصيون، فإن الواقع الحالي بات يشكل عائقا حقيقيا أمام الصناعات الدفاعية، رغم أن الأسلحة الإسرائيلية أثبتت فاعليتها في المعارك، حيث يتم تطويرها من قبل خبراء ومهندسين عسكريين لهم تجارب ميدانية مباشرة.

ويضيف "السياسيون حول العالم لا يهتمون بهذا الأمر فعليا، فهم مضطرون للموافقة على الصفقات ويتعرضون لضغوط من ناخبيهم لإظهار التعاطف مع غزة، أو يستغلون الأحداث لتحقيق مكاسب شعبوية. وفي الوقت ذاته، هناك في أوروبا شركات منافسة كثيرة، إلى جانب دول مثل فرنسا ، التي أصبحت خصما قويا وتستغل هذه الأجواء لمصلحتها".

واختتم عتصيون بالقول "في الظروف العادية، كان من المتوقع أن يتدخل رئيس الوزراء ووزير الدفاع في إسرائيل لإنقاذ الصفقات وحماية الوظائف المحلية. لكن غياب الاستجابة الرسمية يعكس أن أولويات الحكومة الحالية لا تضع هذه القضية ضمن سلم اهتماماتها، في حين أن الصور القادمة من غزة تلغي عمليا أي تأثير للسلاح الإسرائيلي على الأرض".

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار