دمشق – أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع مرسوما بإلغاء جميع قرارات الحجز الاحتياطي الصادرة خلال الفترة الممتدة بين عامي 2012 و2024، والتي طالت ممتلكات آلاف المواطنين السوريين.
يتضمن المرسوم، الذي حمل رقم 16 لعام 2025، إلغاء قرارات الحجز الصادرة عن وزارة المالية استنادا إلى توجيهات الأجهزة الأمنية في عهد نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد ، والتي كانت مبنية على أحكام المرسوم التشريعي رقم 63 لعام 2012، الذي أتاح اتخاذ تدابير تحفّظية على أموال الأفراد لأسباب أمنية.
وحسب المادة الثانية من المرسوم، كُلّفت وزارة المالية، بالتنسيق مع وزارتي الداخلية والعدل، باتخاذ الإجراءات اللازمة لتسريع رفع الحجز وتنفيذ أحكام المرسوم على نحو فعّال.
في تعليق على المرسوم، وصف وزير المالية السوري محمد يسر برنية قرارات الحجز التي كانت تصدر فى عهد النظام السابق بأنها "جائرة" وغير مبنية على أسس قانونية أو قضائية، مؤكدا أنها استهدفت مواطنين بسبب مواقفهم السياسية المؤيدة للثورة السورية.
وقال الوزير إن المرسوم يعبّر عن "إرادة الدولة في تصحيح الأخطاء ورفع الظلم عن المتضررين"، مشيرًا إلى أن الإجراءات السابقة حُرِم بسببها نحو 91 ألف مواطن من ممتلكاتهم وأصولهم.
وأوضح برنية أن الوزارات المعنية بدأت فعليا بوضع آليات تنفيذية لضمان سرعة رفع الحجز واستعادة الحقوق، في خطوة تهدف إلى "إعادة الحياة الاقتصادية إلى طبيعتها وتعزيز الثقة بالمؤسسات الوطنية".
شرعنة قانونية
وقالت عضو نقابة المحامين في ريف دمشق الأساتذة هيام وهبة إن النظام السوري المخلوع كان يحجز على أملاك معارضيه عبر ما يسمى بـ"محكمة الإرهاب" التي تتلقى قوائم من مكتب الأمن الوطني التابع لرئاسة الجمهورية، وتقوم المحكمة بإصدار أحكام الحجز بحق الأسماء الواردة في تلك القوائم استنادا لأحكام قانون الإرهاب لعام 2012 لشرعنتها قانونيا، ثم تخاطب وزارة المالية للحجز على الممتلكات المحتجزة للمواطنين المعارضين.
وأضافت المحامية في حديث للجزيرة نت أن قرارات الحجز الاحتياطي كانت تستند أيضا إلى قانون "سلطات الضابطة العدلية"، (المرسوم التشريعي 63 للعام 2012)، والذي يخوّل وزارة المالية في حكومة النظام السوري تجميد أصول الأشخاص تحفظيا ودون أمر من المحكمة، بناء على طلب من سلطات الضابطة العدلية حتى انتهاء التحقيق في "الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي أو الخارجي"، والجرائم المنصوص عليها في قانون "مكافحة الإرهاب" التعسفي في سوريا لعام 2012.
وتنص هذه القوانين والمراسيم على أنه في حال تمت محاكمة وإدانة هؤلاء الأشخاص بتهم "الإرهاب"، فإنه يتم بعد ذلك مصادرة ممتلكاتهم تلقائيا وتحويلها إلى خزائن النظام السوري.
بينما أشار تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش ، العام الماضي، إلى أن "المرسوم رقم 63 ينتهك ضمانات الإجراءات القانونية الواجبة من خلال عدم توفير وسيلة للطعن أو الإخطار الرسمي للأفراد المدرجين في القائمة. كما أنه ينتهك حقوق الملكية المحمية بموجب المادة 15 من الدستور السوري وبموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان".
وأضافت المنظمة أن "قانون مكافحة الإرهاب في سوريا يعرّف الإرهاب بشكل فضفاض، بطريقة تسمح للنظام السوري بتصنيف أي فعل تقريبا كجريمة إرهابية، بما في ذلك المساعدات الإنسانية أو الاحتجاجات غير العنيفة، ويفتقر إلى معايير إجرائية واضحة".
وذكر تقرير المنظمة أنه كان يتم معاقبة الأشخاص لمجرد قرابتهم العائلية مع الشخص المتهم، وليس استنادا إلى مسؤوليتهم الجنائية الفردية، معتبرا أن تنفيذ وزارة المالية للمرسوم 63 يشكل عقابا جماعيا، وهو أمر محظور في جميع الظروف بموجب القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان.
كانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أصدرت، العام الماضي، تقريرا بعنوان "النظام السوري يستخدم الحجز الاحتياطي على الأموال كأداة عقاب جماعية" وثّقت من خلاله صدور 13 قرارا جماعيا بالحجز الاحتياطي من قبل وزارة المالية السورية ضد ما لا يقل عن 817 مدنيا، بينهم 273 سيدة و12 طفلا، في بلدة زاكية بريف دمشق، وذلك بين يناير/كانون الثاني ويونيو/حزيران 2024.
وأوضح التقرير، المؤلف من 14 صفحة، أن قرارات الحجز التي استهدفت الأموال المنقولة وغير المنقولة، استندت إلى المرسوم التشريعي رقم 63 لعام 2012، وإلى برقيات صادرة عن فرع 285 التابع للمخابرات العامة، من دون أي إجراءات قضائية، ونفذت بصلاحيات أمنية موسعة، بلغت حد شمول أموال زوجات المحجوز على ممتلكاتهم.
واعتبرت الشبكة في تقريرها أن هذه الممارسات تمثل سياسة عقابية ممنهجة ذات طابع أمني وانتقامي، خاصة ضد سكان مناطق خضعت لاتفاقيات "تسوية" مع النظام السابق كبلدة زاكية، مشيرة إلى أن الفئات الأكثر استهدافا شملت مختفين قسريا ومهجّرين داخليا وخارجيا وأشخاصا أجروا تسويات أمنية.