آخر الأخبار

مدير المسرح الفلسطيني بالقدس: الاحتلال يحاربنا بشتى الطرق

شارك





منذ تأسيس المسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي) بمدينة القدس المحتلة عام 1984، لم يسلم هذا الصرح الثقافي من الملاحقات الإسرائيلية التي لم تقتصر على العاملين فيه بل طالت أيضا جمهوره.

وكانت آخر الاعتداءات التي شهدها المسرح يوم الأحد الماضي عندما اقتحمت المخابرات الإسرائيلية مقرّه في خلال إحياء فعالية تراثية موسيقية في إحدى قاعاته، وأمهلت من فيه 5 دقائق لمغادرته، ثم أغلقته لمدة 12 ساعة بادعاء أن الفعالية التي يحتضنها المسرح ترعاها السلطة الفلسطينية ، وذلك محظور في القدس التي تخضع للسيادة الإسرائيلية قسرا.

الجزيرة نت حاورت مدير المسرح عامر خليل الذي حققت معه المخابرات لساعات بسبب استضافة الحكواتي للفعالية، وتطرق خلال حديثه للمضايقات التي يتعرض لها القطاع الثقافي في القدس من عقود، ورحلته مع هذا الصرح المقدسي الذي يصارع للبقاء في العاصمة المحتلة.

مصدر الصورة خليل: نحافظ على الرواية الفلسطينية والتراث بطريقة عملنا وأعمالنا المسرحية (الجزيرة)

بداية، كيف تُعرّف لنا المسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي) وما رسالته الأساسية؟

تأسس المسرح الحكواتي عام 1984 على يد فرقة الحكواتي التي كانت تضم الراحل فرانسوا أبو سالم و عامر خليل وراضي شحادة وإدوارد معلّم وإيمان عون وإبراهيم خلايلة.

كان الحكواتي يسمى قديما "سينما النزهة" التي أُحرقت عام 1979، ثم أهمل المكان حتى عام 1983، وأخذنا أنا وفرانسوا وعدد من الشبان على عاتقنا ترميمه وافتتحناه كمسرح في مايو/أيار 1984.

كانت فرقة الحكواتي واحدة من أهم الفرق المسرحية التي أسست الحركة المسرحية في فلسطين ، واشتهرت على مستوى العالم في ثمانينيات القرن الماضي، وكانت من أهم الفرق المسرحية التي جالت العالم بالمسرحيات الفلسطينية.

عندما أُنشئ الحكواتي كان محفزا للعديد من الفنانين والفرق المسرحية للانخراط بالمسرح، ومن هنا يمكننا القول إنه في عام 1984 نشأت حركة ثقافية مميزة وبرزت حينها فرقة الفنون الشعبية وفرقة صابرين وفرق مسرحية أخرى.

إعلان

حدثنا عن مسيرتك الشخصية كيف بدأت علاقتك بالمسرح ممثلا ولاحقا مديرا له؟

التقيت بفرقة الحكواتي عام 1980 في جمعية الشبان المسيحية بالقدس وكنت أعمل هناك حينها في قسم الصيانة والكهرباء، وكانت الفرقة ستعرض مسرحية "محجوب" في مكان عملي، وطلب مني الممثل والمخرج المسرحي فرانسوا أبو سالم حينها مساعدة الطاقم بترتيب مكان العرض، ولمس المخرج شغفي بالمسرح.

انضممت للعمل مع الفرقة في مجال الإضاءة والصوت والتقنيات، ثم -كجميع المسرحيين بفلسطين- بدأتُ أتعلم التمثيل المسرحي ذاتيا، لأنه لا يوجد لدينا مدرسة مسرح ولا كليات وجميعنا تعلم بعضنا من بعض.

أصبحت ممثلا يؤدي أدوارا رئيسية في المسرحيات، ولاحقا غادرت إلى فرنسا ومكثت فيها 4 أعوام لدراسة المسرح.

عدت إلى القدس عام 1994 وتزوجت وعملت في مجال المسرح بغزة أولا، ثم كنت من مؤسسي مسرح "نعم" في الخليل.

عدت إلى الحكواتي عام 2013 ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم أشغل منصب مدير المسرح، وأُمثل في بعض أعماله، وما زلنا قادرين على جعل المسرح صامدا رغم كل الظروف الصعبة.

ما أبرز المحطات التاريخية في حياة المسرح منذ تأسيسه؟

كانت ذروة الانتعاش للمسرح منذ تأسيسه عام 1984 وحتى اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1988، واستمر الركود منذ ذلك العام حتى منتصف التسعينيات مع انطلاق المهرجان الدولي لمسرح الدمى، الذي بات ينظم بشهر أكتوبر/تشرين الأول من كل عام.

وفي عام 2000 انطلقت إنتاجات عدة من المسرح، وعلى رأسها جدارية محمود درويش ، وفي ذلك العام احتفلت القدس بكونها عاصمة الثقافة وكان للحكواتي دور كبير.

ومنذ 2013 حتى اليوم أنتج الحكواتي أكثر من 30 عملا مسرحيا جاب بها العالم.

كيف تصف وضع المسرح اليوم في ظل الظروف السياسية والاجتماعية في القدس؟

ظروف المسرح هي من ظروف القطاع الثقافي في القدس وهي صعبة جدا، وليس هناك أصعب من أن يكون الإنسان مديرا لمؤسسة ثقافية فلسطينية في مدينة القدس بسبب التحديات والمعيقات التي كان آخرها يوم الأحد.

لم يتركونا وشأننا يوما، وطرق العقاب مختلفة، من بينها تعطيل العمل الإداري واستنزاف المسرح بالضرائب وعلى رأسها الأرنونا، واستهدافه بإغلاق حسابه البنكي وغيرها.

الوضع السياسي والثقافي والاجتماعي في القدس مرعب، ومن دون مبالغة نحن نعيش حربا أقسى من حرب غزة لكنها مبطنة والناس تموت كل يوم بألف طريقة من خلال عدة سياسات.

ما أبرز التحديات التي تواجهونها على الصعيدين الإداري والفني؟

على الصعيدين الإداري والمالي نقول إننا نعيش اليوم تحت السيطرة الإسرائيلية، وكل المعاملات الإدارية التي لها علاقة بإسرائيل فيها تعقيدات كثيرة لا تنتهي.

لدينا معضلات مالية ونحن نواجه اليوم صعوبة بالتمويل، فحسب اتفاقية أوسلو يُمنع على المؤسسات المقدسية أن تحصل على تمويل من السلطة الفلسطينية، وبالتالي نحن لا نحصل على تمويل منها ونرفض التمويل الإسرائيلي، وما زاد الطين بلة أن كل المؤسسات الأجنبية والعربية بات لتمويلها شروط سياسية تعيق عملنا.

على صعيد الصعوبات الفنية أقول إننا في القدس محاصرون، ونحن 20 فنانا مقدسيا ندور حول أنفسنا، لا يمكننا جلب فنانين مسرحيين من الضفة الغربية ولا من العالم العربي، ولا يمكننا جلب عروض مسرحية من خارج القدس.

إعلان

وهكذا أصبحنا أقلية ومتقوقعين فنيّا، ورغم الحصار من جميع الجهات ما زالت لدينا أعمال كبيرة وممتازة.

كيف تتعاملون مع التضييقات التي تمارسها سلطات الاحتلال وكان آخرها الأحد المنصرم؟

نحاول الحصول على المناصرة والضغط من خلال جهات رسمية غير فلسطينية، كأعضاء الكنيست العرب الذين يحاولون مساعدتنا دائما، بالإضافة للجهات الأوروبية.

هذا السؤال صعب بالفعل، والإجابة عليه أصعب، فكل مرّة نتصرف وفقا للحدث نفسه لأننا الحلقة الأضعف بالنهاية.

أحيانا نحتاج أن ننقذ أنفسنا وجمهورنا الحاضر في قاعات المسرح، ونضطر لإخلائه بسبب الابتزاز والتعنيف.

حدثنا أكثر عمّا حصل يوم الأحد، وكيف تعرضت للاستدعاء أيضا وعن مجريات التحقيق معك

استضفنا فعالية لملتقى الشباب التراثي المقدسي تحت شعار "أحلام تحت شجرة الزيتون"، وكانت عبارة عن عزف جماعي وغناء وعروض دبكة شعبية.

ورغم أن هذه الجمعية مرخصة ومسجلة رسميا، فإنه تم اقتحام القاعة بطريقة غير إنسانية من قبل المخابرات الإسرائيلية التي أرهب عناصرها الحضور من كافة الفئات العمرية، وأجبرونا على إخلاء القاعة فورا وعلى إغلاق المسرح، بعد تفتيشه والعبث في كل محتوياته، بادعاء أن للملتقى علاقة مع السلطة الفلسطينية ويحصل على تمويل منها.

سلموني استدعاء مكتوبا للمثول للتحقيق في اليوم التالي، ومكثت لدى المخابرات نحو 6 ساعات، وتمحور التحقيق بمجمله حول سؤال واحد هو لماذا نؤجر قاعات المسرح لمؤسسات دون معرفة مصادر تمويلها، وأجبت باختصار أنه لا يمكنني العمل كشرطي والتحقيق مع المؤسسات حول مصادر تمويلها.

نحن نعلم أن الهدف الأساسي هو تعطيل النشاطات ومضايقة المسرح والمؤسسات الفلسطينية بالقدس بشكل عام.

كيف تؤثر هذه الملاحقات على نشاط المسرح؟

تؤثر بشكل سلبي لأنها تُخيف الجمهور، وتبعد المقدسيين وخاصة الأطفال عن هذا الصرح الثقافي المهم، ولا أعلم إن كان الأطفال الذين تعرضوا لهذا الموقف المرعب سيعودون مرة أخرى إلى الحكواتي أم لا، لأن الحدث لم يكن سهلا عليهم ولا على ذويهم ولا حتى علينا من الناحية النفسية.

أُطلق على هذه المواقف الصعبة هزّات أرضية، ففي كل مرة نتعرض لها نحتاج وقتا طويلا بعدها لكسب ثقة الجمهور حتى يعود إلى المسرح.

ما دور المسرح الوطني في تعزيز الهوية الفلسطينية في القدس؟

دوره مهم جدا، فنحن نحافظ على الرواية الفلسطينية والتراث بطريقة عملنا وأعمالنا المسرحية، والحكواتي ركيزة من ركائز القدس، وعمره اليوم 41 عاما وهو من أهم القلاع الثقافية في المدينة.

نحرص على التواصل مع طلبة المدارس، ونزرع في عقولهم أهمية الثقافة في حياة الإنسان لأنها تصنع حسب رأيي إنسانية البشر، وبالتالي نحن نعمل على ترسيخها لدى المقدسي والفلسطيني.

مصدر الصورة المسرح الوطني الفلسطيني الحكواتي خلال استضافته عرضا للدبكة الشعبية الفلسطينية (الجزيرة)

من أين يحصل المسرح على تمويله وهل تواجهون صعوبات في الاستمرارية؟

من المؤسسات الأجنبية والعربية التي يمكننا التعامل مع شروطها التمويلية، ومن مدخول المسرح عبر تأجير القاعات وبيع التذاكر، ولا بد من القول إن التمويل شحيح جدا، وينقطع أحيانا 5 أشهر متواصلة وهذا يؤثر على عملنا وعطائنا.

ما رؤيتكم للمسرح خلال السنوات المقبلة؟

أنا أعمل على مشروع اسمه "الحكواتي 50 عاما"، ففي عام 2034 ستحل الذكرى الـ 50 لتأسيسه، وسأحاول خلال السنوات التسع القادمة أن يكون لدينا مدرسة مسرح، و"ريبورتوار" (مجموعة من المسرحيات التي تنتجها فرقة مسرحية معينة أو تعرضها في موسم واحد).

إعلان

ما الذي تحتاجونه لكي يستمر الحكواتي كمؤسسة ثقافية حيوية في القدس؟

نحتاج إلى جمهور وجيل جديد من الفنانين، وأن نجد دعما إستراتيجيا ثابتا بعد صياغة خطة إستراتيجية ثقافية جماعية في القدس، لأنه من الصعب أن يستمر التعامل مع الثقافة في المدينة بشكل ارتجالي.

أتأمل أن نصل إلى مرحلة تكون فيها المؤسسات الفلسطينية قادرة على العمل مع بعضها البعض، لوضع إستراتيجية للعمل الثقافي.

ما أهم درس تعلمته من خلال تجربتك في الحكواتي؟

الانتماء والتطوع والصبر والعمل الجماعي والوحدة لأن كل ذلك يجعلنا منتجين وأقوياء.

إذا طُلب منك وصف مسرح الحكواتي في جملة واحدة، ماذا تقول؟

بيتنا.

لو كان بإمكانك توجيه رسالة للعالم من قلب القدس عبر خشبة المسرح، ماذا تقول؟

أقول للعالم بشكل عام وللعرب بشكل خاص أفيقوا قبل فوات الأوان، فكل مرّة نقول إن ما نمر به هو الأصعب ثم نتفاجأ بأن ما يأتي لاحقا هو الأصعب، وأؤمن بالفعل أنه لا يوجد أصعب مما نمر به الآن وعلى العالم أن يلتفت لذلك.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار