آخر الأخبار

"فكيف ليلُ فتى الفتيان في حلبِ؟".. مختارات القصيد من أشعار الشهباء

شارك الخبر

في هذه الزاوية الثقافية "نصوص في الذاكرة" تفتح الجزيرة نت مساحة لتذوق النصوص العربية والمترجمة، لتتحدث الكلمات بألسنتها بلا وسطاء، إيمانا منها بأولوية النص (الشفهي والكتابي) لبناء القيم والأفكار وتشكيل الوعي والوجدان والذوق والسلوك، حتى في عصر هيمنة الصورة.

تختار هذه النافذة مجموعة منتقاة من نصوص الأدب والفكر والتاريخ، التراثية والمعاصرة، في مجالات ثقافية متنوعة، وتكتفي بمقدمة قصيرة تفتح الباب بعدها للنصوص ذاتها لتشرق معانيها بلا حجاب، وقد أضاف المحرر إليها -أحيانا- هوامش شارحة موجزة.

هذه المجموعة -غير المرتبة زمنيا- تضم مختارات شعرية عن حلب في العصور المختلفة حتى القرن العشرين.

وحلب هي مدينة الشعر، وكأنها لفرط شاعريتها تنطق زائريها شعرا وان لم يكونوا شعراء، حتى لكأنها تسكب الشعر شرابا حلوا في أزقتها وأسواقها، وتغرس القوافي في حجارة قلعتها العتيقة، وكأن رياحها حُبلى ببذور النثر والقصيد؛ فتنبت من حواريها شعراء كالنجوم تنساب كلماتهم أبدية على إيقاع نبض تلك المدينة الساهرة.

احتضنت الشهباء وقلعتها العصماء فحول الشعر وأئمة البيان، ومنهم فارس السيف والقلم أبو فراس الحمداني، ونادرة زمانه مالئ الدنيا وشاغل الناس المتنبي الكوفي، ومن منبج شرقي حلب أطل البحتري على الدنيا وفيها توفي، وفي أسواقها العامرة نظم ابن الوردي حكمه الذائعة، فإلى مختارات من الشعر المكتوب عن حلب، سواء كتبه حلبيون أو كتبه شعراء مسّتهم نفحة من حب حلب، وقد اقتبست بعض تلك الأشعار من موسوعة "حلب الشهباء في عيون الشعراء" التي صدرت حديثا عن دار بريل الهولندية.

قال أبو السداد الجزري (في العصر الحمداني):

أيا حلبُ الغرّاء والمنزلُ الرَّحْبُ ويا بلدًا قلبي بتَذكـاره صَبُّ

لئنْ بانَ جسمي عن معالمِ ربعِها فما بان عن أطلال ساحتها القلْبُ

علامَ أسلّي النفس عنك وفيك لي علائق منها هدَّ مهجتيَ الحُبُّ

هواؤكِ لولا صحةٌ في هُبوبـه وماؤكِ لولا أنه باردٌ عذْبُ

وقال نور الدين الحسيني (في العصر العثماني):

إلى حلبَ الشهباءِ مني بشارةٌ تُعطِّرها حتى تَفوحَ الجَوانِبُ

لقد حدَّثتْ عنها أولو العلم مثلما جرى وانقضَتْ تلك السنونَ الجوادِبُ

لقد جادَها صوبُ الْحَيا بعد مَحْلِها وشرَّفَها من أحْكَمَتْه التَّجَارِبُ

كريمٌ إذا ما أمِّل الغيثُ أمْطَرَتْ أياديه جُودًا منه تصْفو المشارِبُ

بها الفضلُ منشور، بها الجود وافرٌ بها فتحُ مَن سُدَّتْ عليه المذاهب

قال جرمانوس الشمالي (في العصر العثماني/القرن 19):

فإن تسأل: الشهباء معنى يُراد؟ وما الرموز المعنوية؟

نجيب بنظم تاریخ كدُرٍّ: هي الشهبا من الشهبِ المضيَّة

قال بطرس كرامة (في العصر العثماني/القرن 19):

شهباءُ وافَتْ من الشهباء تَرتَع في بُرْد الجَمال فكان القلـب مرعاهـا

سُقيتِ يا حلبُ الشهباءَ غيثَ نَدًى وجاد ربعَكِ مِ الأنوار أنداهـا

جليلةُ القدر ذاتُ الفخر مُعجِبَةٌ جَلا العيونَ من الأقذاء مَرآها

يا سعدَ مَن نظرت ْعيناه روضتَها ونزَّهَ الطـَّرفَ فـي فَيَّـاحِ مَعناها

بانَتْ مآثرُها اللاتي سَمَتْ وبَدَت فكلُّنا قاصـرٌ عـن نَـيــل عَلياهـا

فاقَتْ على العُرْب لما أعْرَبتْ ورَوَوْا عنها البلاغات لما استنطقوا فاهـا

تفاخر البارعون الناظمون بها والكل يَعجِز عن إدراك معناها

قال أبو الهدى الصيادي (مطلع القرن 20):

رعى الله أطلالًا بشهبائنا الغرَّا وحَيَّـا ديارا دون أنوارها الزَّهرا

ويا حبذا الأرجاء من حلبٍ ويا سقـى اللـه ذيَّـاك الحمى النَّهلَةَ الـوَفرْا

دیارٌ بها سُكّان قلبي ومهجتي وأرجاءُ قـوم ذكرهم في الجَـوى سَرَّا

بلادٌ حَماها الله من عين حاسد وأمطرَها من غَيم إحْسانه بِرَّا

بلاد بها التقوى بها العلم والتقى بها الفضل والإحسان والمشرَب الأَمْرا

بلادٌ هي الدنيا، ولا بِدعَ إن تكنْ وكمْ من لبيبٍ حولَها حوَّل الفِكرا

بلاد بها طيب المعاش لساكن وطيب الهوى والماءِ والعيشة السَّرَّا

بلاد بها اللذَّاتُ في الدين والرِّضا بكل يسير والرضا يصحب الشكرا

قال أبو الهدى الصيادي (مطلع القرن 20):

علِّل القلب بذكر العرب وقضاياهم بصحْرا حلبِ

عَمدُ المجد الطوالُ الْقُبب ربطتْ للفخر أقوى الطُّنُب

يتجَلّى في سماء الحسب حاملا للعز درع السبب

وتردَّوا بثياب الأدب فأُعِزّوا بحصول الأرب

قال البحتري (في العصر العباسي الأول):

عَصبيَّتي للشام تُضرم لوعتي وتزيد في كَلفي وفي أشجاني

إن تكتئبْ حلبٌ فقد غلبت على حلب الغمام وصوبه التهتــانِ

غيث تحمّل عنهم متوجها من غربِهم لمشارق البلدان

قال ابن النحاس الحلبي (في العصر المملوكي):

بلاد بها قضّيتُ لهوي وصبوتي وصاحبتُ فيها العيش جذلان ناعما

وأول أرض مس جلدي ترابها ونحّـى بهـا عنـي الشباب تمائما

قال علي الدباغ الميقاتي (في العصر العثماني):

حلب الشَّهبا وهادُ النَّظَر ومهادٌ قد تعالَتْ عن نظيرْ

ليس مَن بالمال أو بالعلم دانْ كالذي ضم إلى دنياه دينْ

ورقى من ذروة الفخر مكانْ هو والفضل بـه خـيــر مكين

ذاك عبد الله معمور الجنان وغُذِي بالمجد مذْ كان جَنينْ

قال رزق الله حسون (في العصر العثماني/ القرن 19):

لا خاملًا لا دنيا منشئي حلب فسل وهاك بفضلي يشهد القلم

قال البحتري (في العصر العباسي الأول):

أيامُ لهوي في جانبَي حلب لم يبق منها إلا تذكُّرُها

كم ليلةٍ فيك بت أسهَرها ولوعةٍ في هواك أُضمِرها

قال أبو العباس الصفري (في العصر الحمداني):

مَن مبلغٌ حلبَ السلامَ مُضاعفًا من مُغرَمٍ في ذاك أعظمُ حاجِهِ

أضحى مقيمًا في دمشقَ يرى بها عذبَ الشراب من الأسى كأُجاجِه

قال المتنبي (في العصر الحمداني):

لا أقَمنَا على مكان وإِن طابَ ولا يُمكن المكانَ الرّحيلُ

كلَّما رحّبتْ بنا الرّوضُ قُلنا: حلبٌ قصدُنا وَأَنتِ السّبيلُ

فيكِ مرْعَى جيادِنا وَالمطايا وإليْها وَجيفُنَا وَالذميلُ

قال عيسى بن سعدان الحلبي (في العصر الزنكي/الأيوبي):

یا دار «علوة» ما جيدي بمنعطف إلى سواك ولا قلبي بمنجذب

ما مرَّ برقُكِ مجتازًا على بصري إلا وذكّرني الداريـن مـن حلـبِ

ما كان أطيب أيامي بقربهم حتى رمتني عوادي الدهر عن كَثب

قال جمال الدين يحيى بن مطروح (في العصر الأيوبي):

علـى حـلـبَ الـغــراءِ مـنـي تحيةٌ لها أرَجٌ كالمسك والعنبر الورد

وما هي إلا جنة الخلد بهجةً ولا عجبٌ شوقي إلى جنة الخلد

فما زاد قربُ الدار إلا تشوقا على أن قرب الدار خير من البعدِ

قال الناصر يوسف الثاني (في العصر الأيوبي):

ناشدتُك الله يا هطالة السُّحُب إلا حملتِ تحياتي إلى حلب

لا عذر للشوق أن يمشى على قدرٍ ماذا عسى يبلغ المشتاق في الكتب

أحبابَنا لو درى قلبي بأنكمُ تدرون ما أنا فيه لذَّ لي تعبي

قال مصطفى البابي الحلبي (في العصر العثماني):

ليت درى القاطنون في حلبٍ حالي وما حال مَن لهم فاقدْ

يرقب وفدَ الشام ذا قلق عسى يراهم بناظر الوافدْ

فارقتُ مثوايَ فِي رضا زمنٍ على ذوي الفضل لم يزل واجِدْ

قال ابن سناء الملك (في العصر الأيوبي):

ومذْ رأت صَدّه عن رَبعها حلبٌ ووصلَه لبلادٍ حُلْوة الحَلَب

بكَ العواصمُ طَابَت بعدما خَبُثَتْ بِمَالِكِيها ولولا أَنْتَ لم تَطِبِ

قال حسين الجزري (في العصر العثماني):

كم للعواصم في قلبي مَدى أربٍ وقلَّما يظفر الإنسان بالأرب

حلبت أشْطُر أجفاني لفُرقتها وما درَتْ حلبٌ ما دَرَّ من حلَب

قال الصنوبري (في العصر الحمداني):

يوم كأن الشمس فيه خريدة حسناء من خَلَلِ السُّجوف تَطلَّع

وكأن عيد الورد فيه عندنا بل ليس يجمع عندنـا مـا يجمع

عادت به حلب إلى عاداتها وحلا به المُصْطافُ والمتربَّع

رَحُبَتْ عليَّ وكنتُ قد ألفيتُني منها وما فيه لرحلي موضع

الورد من أطرافها متضوّع والشِّيح من أعطافها يتضوَّع

وفي قصيدة مترجمة إلى اللغة العربية (من القرن الثامن عشر):

إعلان

يقول الشاعر الألماني كريستوف مارتن فيلاند:

دعني أخبرك على أية حال أنتَ ابن أخي، ذاك التائق أبدا إلى التجوال.

إن اسمك هو «حسن».. و«مدينة حلب» هي موطنك

لقد نجوت – بالكاد- بحياتك، عندما تحطّمت سفينتك ها هنا.

وفي قصيدة مترجمة إلى اللغة العربية (من القرن التاسع عشر):

يقول الشاعر الفرنسي "ألفونس دي لامارتين:

من أنتِ؟ أتطلبين إلي بخور الشعر؟ أنتِ فتاة الشرق

زهرة من حدائق حلب التي اختارها بلبل لكي يغني حتى الثمالة!

فهل تُجلب الرائحةُ من البلسم الذي ينشرها؟

أو على أغصان شجرة البرتقال تعلّق ثمارها؟

وهل سنستعير نيرانًا من الفجر الشرقي؟

أو نجوماً ذهبية من السماء الزاهية في الليالي؟

لا، فقد نضب الشعر هنا!

الشاعر الأمير أبو فراس الحمداني تسكن قصائده مخيلة القارئ العربي منذ قرون، وأبو فراس منبجي المولد حلبي النشأة والشباب، وفي ديوانه من الشوق إلى حلب ما لا يتسع المجال لذكره كله.

يقول أبو فراس الحمداني في حنينه إلى حلب:

سقى ثرى حلبٍ ما دمت ساكنَها يا بدر غَيثان منهلٌّ ومنبجِس

أسير عنها وقلبي في المقام بها كأن مهري لثقل السير محتبَس

كأنما الأرضُ والبلدان موحشةٌ وربعها دونهن العامر الأنِس

مثلُ الحصاة التي يُرمى بها أبدا إلى السماء، فترقى ثم تنعكس

وكان الشاعر أبو بكر المصيصي أحد شعراء الثغور المنكوبة الذين كتبوا المراثي فيما حلّ بها سنة 348هـ، حين دمر الروم بقيادة «نقفور فوكاس» محيط حلب من مدن وقرى ورساتيق، فقال في ذلك:

لا تبكينّ خليط الدار إذ بانا ولا المعارج مـن دعـد وأظعانــا

وابكِ الثغور التي أضحت معالمها دوارسَا أقفــرت ربعـا وقيعانــا

أبلغ خليفتنا عنا رسالتَنا لُقّيت يـا صـاحِ إن بلَّغت رضوانــا

خليفَة الله لو عاينتَنا لجرَتْ منك الدمـوع لنـا سَكبـا وتَهتانـا

جرّ العدو علينــا في عساكره كأنها قطـعٌ فـي الليـل تغشانـا

يسبي ويقتُل ما يلقاه من أحد كأنما ألبِس الإسلامُ خذلانا

قال المُتنبِّي:

يا برقُ أسفرْ عن قُويقَ فطُرَّتيْ حلبٍ فأعلى القصر من بطياس

عن منبتِ الورد المعصفَر صِبغه في كلّ ضاحية ومَجنى الآس

أرضٌ إذا استوحشتُكمْ بتذكرٍ حشدتْ عليّ فأكثرت إيناسي

قال البُحتري:

اُمرُر عَلى حَلَبٍ ذاتِ البَساتينِ وَالمَنظَرِ السَّهلِ وَالعَيشِ الأَفانينِ

وَقُل لِدُحمانَ إِن واجَهتَ جَمَّتَهُ تَقُل لِمُضطَرِبِ الأَخلاقِ مَأفونِ

أَمسَكتَ نَيلَكَ إِمساكَ القُمُدِّ وَلَو أَعطَيتَ لَم تُعطِ غَيرَ القُلِّ وَالدّونِ

قال أبو العلاء المَعرّي:

حلب لِلوارِد جنَّة عدن وهي للغادرين نار سَعير

والعظيم العظيم يكبر في عينه منها قدر الصَّغير الصَّغير

قال البحتري:

سلِ الحلبِيَّ عن حلبٍ عن تِركانِهِ حَلَبا

أَرى التَّطفيلَ كَلَّفَهُ نُزولَ الكَرخِ مُغتَرِبا

أَلَستَ مُخَبِّري عَن حزم رَأيِكَ أَيَّةً ذَهَبا

نَسيتَ المَروَزِيَّ وَيَو مَنا مَعَهُ الَّذي اِقتُضِبا

وَقَد ذَبَحَ الدَّجاجَ لَنا فَأَمسى ديكُهُ عَزَبا

هَلُمُّ نُكافِهِ عَمّا اِبـ ـتَغى ....

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك الخبر

أخبار ذات صلة



إقرأ أيضا