على ضفاف بحيرة طبريا، وقف صيادون منهكون بعد ليلة بلا صيد، يغسلون شباكهم الفارغة. اقترب يسوع منهم، وطلب أن يعودوا إلى المياه. ترددوا، ثم أطاعوا. ولدهشتهم، امتلأت الشباك بالأسماك. في هذا المكان نفسه، بحسب الأناجيل، مشى يسوع على الماء وسط العاصفة
حضرت البحيرة ذات المكانة التاريخية والدينية في الكتب المقدسة والروايات وفي النبوءات أيضاً.
عادت طبريا اليوم إلى الجدل بعد تسجيل انخفاض جديد في منسوب مياهها، ما أعاد إلى السطح نقاشاً قديماً متجدداً حول علامات الساعة واقتراب يوم القيامة.
وليس هذا الجدل حديث العهد؛ فعلى مدى سنوات، تكرّرت التحذيرات من خطر جفاف البحيرة بعد رصد مستويات غير مسبوقة لانخفاض المياه. وقد عزا العلماء هذا الانحسار إلى مجموعة من العوامل المتداخلة، أبرزها التغير المناخي، وارتفاع درجات الحرارة، إلى جانب النشاط البشري، وخصوصاً عمليات الضخ المتكررة من البحيرة.
لكنّ أهمية بحيرة طبريا تتجاوز الأبعاد البيئية والعلمية، إذ تُعدّ من أبرز مصادر المياه العذبة في المنطقة، وتحتل مكانة روحية خاصة لدى أتباع الديانات اليهودية والمسيحية والإسلام. ويذهب بعض المؤمنين، لا سيما من المسلمين، إلى الربط بين جفاف البحيرة واقتراب نهاية العالم.
تقع البحيرة غربي الجولان المحتل وشرقي سهل الجليل، ضمن الأراضي الإسرائيلية وتعرف أيضاً باسم "بحر الجليل".
تستخدم مياه البحيرة في الري والزراعة، كما تُصار لمياه صالحة للشرب للفلسطينيين والإسرائيليين والأردنيين.
تمتد البحيرة على مساحة تقارب 166 كيلومتراً مربعاً، ويبلغ عمقها نحو 213 متراً تحت مستوى سطح البحر.
أسّس الإمبراطور الروماني تيبريوس قيصر مدينة طبريا عام 20 ميلادية، وسمّيت باسمه (تبيرياس).
وبحسب المراجع التاريخية عن معركة حطين، استغل صلاح الدين قرب بحيرة طبريا وقطع المياه عن الصليبيين، فأنهكهم العطش ما مهّد له النصر.
شهدت المدينة "فتوحات إسلامية"، و"معارك الصليبيين"، وخضعت لاحقاً لحكم نابليون، والحكم المصري، والحكم العثماني.
وبعد نهاية الحرب العالمية الأولى في 1920، قسمت فرنسا وبريطانيا البحيرة وأراضيها ضمن اتفاقية تقسيم النفوذ في المنطقة.
وفي 10 يوليو/تموز 2025، ذكرت مجلة "فورين بوليسي" أن سوريا كانت تطالب بالوصول إلى بحيرة طبريا، مشيرة إلى إعلان حافظ الأسد لبيل كلينتون في 2000: "أريد أن أسبح في بحيرة طبريا"، وأن هذا الطلب كان عاملاً في انهيار مفاوضات السلام.
سجّل أدنى منسوب للبحيرة في عام 2001، حين وصل إلى 214.87 متراً تحت سطح البحر، متجاوزاً "الخط الأسود" عند 214.4 متر .
وتعافى المستوى تدريجياً، لكن منسوب المياه تراجع بحوالي 4 أمتار بين 1999 و2009.
وخلال 2017، أوردت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أن البحيرة وصلت إلى أدنى مستوى منذ قرن.
وأكدت دراسة من جامعة بن غوريون (2018) أن عوامل مثل ارتفاع الحرارة وقلة الأمطار والتبخر، إلى جانب ضخ المياه، هي السبب الرئيسي وراء انخفاض المنسوب.
وأنشأت إسرائيل محطة لتحلية المياه قرب البحيرة، وكانت تنقل منها المياه حتى إلى الأردن عبر نهر الأردن.
والجهة الرسمية المعنية بمراقبة منسوب البحيرة هي مصلحة المياه الإسرائيلية.
ويُقدَّر منسوب البحيرة حالياً بحوالي 211.3 متر تحت سطح البحر، أي أدنى بمقدار 3.44 متر من المستوى الكامل للبحيرة، لكنه أعلى من مستوى عام 2001 بحوالي 3.5 متر.
وفي فبراير/شباط 2025، أفادت صحيفة "جيروزاليم بوست" بأن منسوب المياه انخفض خلال الشتاء لأول مرة منذ قرن.
وعلى الرغم من تراجع المنسوب، لا يزال مستوى البحيرة بعيداً عن "الخط الأسود"، مما يعني أن خطر الجفاف الفعلي ما زال بعيداً، رغم احتمال تزايد الخطر في حال استمرار الانخفاض.
ذكرت بحيرة طبريا في الكتاب المقدس (العهد القديم) بأسماء مثل "كينيرت" و"بحر الجليل"، وتعدّ من المواقع ذات الرمزية الدينية الكبيرة في اليهودية، إذ تُصنّف مدينة طبريا كواحدة من المدن المقدسة الأربع في الموروث اليهودي.
يحتفل اليهود سنوياً بعيد "السوكوت" (عيد العُرُش) في محيط البحيرة، ويتوافدون إليها للصلاة وإحياء الطقوس. ويشير الباحث عماد رحمة في بودكاست "يستحق الانتباه" على بي بي سي عربي إلى أنّ طبريا شهدت إعادة تدوين التلمود الفلسطيني أو الأورشليمي، ما يعزّز مكانتها الدينية والتاريخية.
أما في المسيحية، فتعرف البحيرة باسم "بحيرة الجليل"، وقد ارتبطت بعدد من المعجزات المنسوبة للسيد المسيح، منها المشي على الماء، ومعجزة صيد الأسماك، المشار إليهما في الأناجيل، ما يشير إلى الدور المركزي الذي لعبته في حياة المسيح وتلاميذه.
وفي الإسلام، ترتبط البحيرة بأحاديث نبوية وردت في صحيح مسلم، تُذكر فيها كإحدى العلامات التي تسبق يوم القيامة. وتقول الرواية إنّ المسيح الدجال سيمرّ بالبحيرة بعد أن تجفّ، وإنّ قوم يأجوج ومأجوج سيشربون من مائها، ما يُعدّ دليلاً على اقتراب الساعة وفق المعتقد الإسلامي.
__________
15 أغسطس 2025: أشارت هذه المادة سابقاً إلى بحيرة طبريا كجزء من الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967، والصحيح أنها تقع داخل الحدود الإسرائيلية. تم تعديل هذه المادة وإعادة نشرها لتصحيح المعلومة.