آخر الأخبار

كيف أصبحت صناعة الزجاج في العصر الإسلامي جسراً بين الفن والعلم؟

شارك
مصدر الصورة

تُعرف الفترة الممتدة من القرن السابع إلى القرن الثالث عشر بالعصر الذهبي للإسلام على مستوى العالم، حيث كان لواء الإسلام يخفق في كل ركن من أركانه.

ولم يكن حكام فترات تلك العصور الإسلامية حكاماً بارعين في إدارة البلاد فحسب، بل كانوا شغوفين بالفنون والعلوم والصناعة، وقد أولوا اهتماماً كبيراً وقدّموا دعماً سخياً لمجالات العلوم والفنون والصناعة والحرف.

عُرف العصر الإسلامي بتنوع الصناعات، بما في ذلك فن صناعة الزجاج. وقد عمل الملوك والخلفاء الفاطميون والعباسيون على رعاية هذا الفن ودعمه، بدءاً من صناعة عدسات تحسين الرؤية التي ابتكرها ابن الهيثم وصولاً إلى الأوعية الحرارية التي تحفظ درجة حرارة السوائل والمواد الكيميائية، إضافةً إلى المصابيح والشمعدانات المتقنة التي زيّنت المساجد والمدارس في كل مكان.

مصدر الصورة

وبلغ فن صناعة الزجاج أوج ازدهاره في مطلع القرن الثامن، وزُخرفت قصور الملوك والنبلاء بقطع فنية زجاجية بديعة، وتلألأت المدن بأنوار المصابيح، كما أسهم التطور في مجالي العلوم والكيمياء في إضفاء حياة جديدة ودفعة لهذا الفن.

وجذب هذا الفن عقول وجهود المسلمين وغير المسلمين على حد سواء على نحو أسهم في تطويره، وحرص الملوك على تقديم دعمهم للجميع دون تفرقة تُذكر.

لذا نشأت مراكز تصنيع جديدة، بالإضافة إلى المراكز التقليدية، وبدأ تصنيع المعدات الطبية، مما أسهم في تحقيق تقدم في مجال الطب، فجمعت هذه الأدوات بين الجمال والفائدة العملية معاً.

وبمرور الوقت، تطورت الصناعة وتحوّل الزجاج الشفاف إلى زجاج ملون، واستخدم الفنانون هذا الزجاج الملون في تزيين نوافذ وأبواب القصور ومآذن مساجد النبلاء والوزراء والحكام، ليُضفي لمسة جمالية آسرة، مع توفير حماية فعّالة من وهج الشمس الحارقة في الخارج.

مصدر الصورة

وتدريجياً أدخل الفنانون فكرة النقش على الزجاج الملون، ولم يقتصر الأمر على زخرفة المزهريات فحسب، بل امتد ليشمل نقش صور النبلاء والوزراء، فضلاً عن مشاهد اللهو والمرح في البلاط الملكي، ومن هنا بدأ استخدام الزجاج الملون أو المعتم، الذي لا يزال يُستخدم حتى يومنا هذا.

وتعلمت الدول الأوروبية فن استخدام الزجاج الملون من هذه المنطقة، ولا تزال الكنائس المزينة بالزجاج الملون ذي النقوش والزخارف البديعة شاهدة على هذا الإبداع حتى الآن.

كما أصبح الزجاج، بمرور الوقت، يُزخرف بالمينا والنقوش الذهبية والفضية، ويُرصّع بالأحجار الكريمة، على نحو أشبه بعروس فاتنة، تتزين بكل ما أمكن لها من أبهى الزينة، وواصل فنانو العالم الإسلامي في إبهار العالم بفنونهم.

مصدر الصورة

وتفوقت دول مثل فارس ومصر والشام على غيرها من البلدان في مجال ابتكار هذا الفن، وجاءت أعمال تشكيل ونقش الزجاج البلوري ثمرة إبداع فكري لفناني تلك الدول من المبدعين.

وكان حجر البلور يأتي من أفريقيا، بيد أن عمليات نحته وتشكيله ونقشه كانت تُجرى في مصر والشام.

وأبدع الفنان مزهريات بلورية وشمعدانات وكؤوس النبيذ والأباريق بروعة فائقة، أدهشت كل من رأها.

وفي عهد الخليفة العزيز بالله الفاطمي، في مصر، بدأت أعمال نحت أحجار البلور، وإلى جانب تزيين الأواني الزجاجية بنقوش الزهور والنباتات، ظهرت فنون النقش والزخرفة الأخرى بالخط العربي.

ولا يزال عرض الأعمال الفنية الإسلامية في أروقة المتاحف العالمية يُثير الدهشة والإعجاب حتى الآن، نظراً لأنه في ذلك العصر لم تكن هناك آلات، بل كان الفنانون يبدعون تلك الأعمال الفنية يدوياً بالكامل.

مصدر الصورة

وتضم العديد من المخطوطات التركية صوراً لزجاجات أدوية وأوعية طبية مصنوعة من الزجاج. وقد اعتُبر الوعاء الزجاجي المزيَّن بالمينا الملونة، والذي صُنع في البلدان الإسلامية، نموذجاً رائعاً للحرف اليدوية في القرن الرابع عشر، إذ بِيع بمبلغ يتراوح بين 2 إلى 3 مليون جنيه إسترليني.

ومع تطور العلوم، تمكن صانعو الزجاج من ابتكار التلسكوب والمجهر والنظارة الطبية، الأمر الذي أحدث ثورة في الأوساط العلمية، ونجح الحرفيون في البلدان الإسلامية في تغيير مسار تاريخ فن صناعة الزجاج، الذي لم يقتصر على الصناعات الزخرفية فحسب، بل أصبح أساساً لاختراعات علمية.

والغريب أنه في خضم كل ذلك التطور لم تعرف الصين، خلال الفترة الممتدة من القرن الرابع عشر إلى القرن التاسع عشر، فن صناعة الزجاج، بل كانت تستخدم الورق بدلاً من الزجاج في تزيين نوافذها، بل لم يسعَ عُمّالها إلى محاولة صناعة الزجاج.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار