تمكن فريق دولي من علماء الفلك بقيادة جامعة نورث وسترن من التقاط أوضح وأكثر المناظر تفصيلا على الإطلاق لنجم "عملاق أحمر فائق"، كان يحتضر قبل انفجاره.
وقد تم الكشف عن النجم العملاق الذي كان مختبئا تحت طبقات من الغبار، من خلال التقاط الضوء المنبعث منه عبر طيف الأشعة تحت الحمراء في تلسكوب جيمس ويب الفضائي التابع لوكالة ناسا.
وبحسب البيان الصادر من جامعة نورث وسترن، فإن هذا الاكتشاف يعتبر الأول والمؤكد من قِبل تلسكوب جيمس ويب لنجم سلف مستعر أعظم (سوبرنوفا)، وقد يساعد في حل لغز دام عقودا حول سبب تشكل النجوم الحمراء العملاقة الفائقة.
بالإضافة إلى ذلك، يُظهر هذا الاكتشاف أن العديد من النجوم الضخمة تنفجر بالفعل، لكنها تظل محجوبة عن الأنظار، بسبب الغبار المحاط بها.
يقول تشارلي كيلباتريك، أستاذ مساعد في جامعة نورث وسترن، وقائد الدراسة في تصريحات خاصة للجزيرة نت "النجم العملاق الأحمر الفائق هو المرحلة النهائية لمعظم النجوم التي تزيد كتلتها عن ثمانية أضعاف كتلة شمسنا"
ويضيف "وقد سُمي بهذا الاسم لأنه يبدو أبرد بكثير من الشمس، ولكنه أيضا شديد السطوع، ما بين 10 آلاف و100 ألف ضعف كمية الضوء التي تُصدرها الشمس، وعندما ينفجر، ترتد معظم طبقاته الخارجية إلى الخارج بسرعات عالية جدا".
ويؤكد كيلباتريك في تصريحاته للجزيرة نت أن هذه النجوم بعيدة جدا وخافتة. كما أنها تميل إلى أن تكون أكثر سطوعا في الأشعة تحت الحمراء منها في الأطوال الموجية الضوئية.
ويقول "في العقود السابقة، لم تكن لدينا تلسكوبات حساسة بما يكفي، ودقة عالية لاكتشاف هذه النجوم عند الأطوال الموجية التي تكون فيها في أوج سطوعها، ولكن في الوقت الحالي يوفر تلسكوب جيمس ويب الفضائي الإمكانيات لرؤيتها لا سيما مطياف الأشعة تحت الحمراء فيه".
بعد أن تنفجر النجوم الحمراء العملاقة الفائقة على شكل مستعرات عظمى، تعرف بالسوبر نوفا من النوع الثاني، تترك وراءها إما نجما نيوترونيا أو ثقبا أسود.
بحسب البيان الرسمي لجامعة نورث وسترن، فان هذا لاكتشاف قد يفسر أخيرا سبب ندرة رؤية علماء الفلك للنجوم الحمراء العملاقة الفائقة تنفجر، على الرغم من أن النماذج تشير إلى أنها مسؤولة عن معظم المستعرات العظمى المنهارة.
تشير نتائج الدراسة الجديدة إلى أن هذه النجوم الضخمة تنفجر بالفعل، لكنها غالبا ما تكون مخفية عن الأنظار بسبب سحب الغبار الكثيفة، ولكن وبفضل الرؤية القوية بالأشعة تحت الحمراء لتلسكوب جيمس ويب، يستطيع العلماء الآن الرؤية عبر الغبار المعتم، مما يسد الفجوة الطويلة بين النظرية والرصد.
ويقول كيلباتريك "لعقود عديدة، كنا نحاول تحديد شكل انفجارات النجوم العملاقة الحمراء بدقة، حيث أصبح لدينا أخيرا بيانات ورصدات بالأشعة تحت الحمراء عالية الجودة تمكّننا من تحديد نوع العملاق الأحمر الذي انفجر بدقة، وكيف بدت بيئته المحيطة"
ويضيف "كنا ننتظر حدوث ذلك: انفجار مستعر أعظم في مجرة رصدها تلسكوب جيمس ويب بالفعل. جمعنا بيانات هابل وتلسكوب جيمس ويب لتوصيف هذا النجم بشكل كامل لأول مرة".
ويوضح "لقد تم في السابق رصد العديد من هذه النجوم في صور أرشيفية قبل انفجارها، والتي كانت ترصد بشكل رئيسي بواسطة تلسكوب هابل الفضائي عند الأطوال الموجية البصرية، حيث تميل إلى أن تكون أضعف بكثير"
في 29 يونيو 2025، اكتشف فريق جامعة نورث وسترن أول مستعر أعظم، أطلق عليه اسم "إس إن 2025 بي إتش تي"، حيث اكتُشفت صورة النجم قبل الانفجار، والملتقطة بالأشعة تحت الحمراء المتوسطة، عبر المسح الآلي الشامل للسماء، في الأشعة تحت الحمراء المتوسطة، وهي تظهر أنها مُغطاة بمادة مُعتمة، غير مرئية للتلسكوبات السابقة.
ولكن نتائج الدراسة الأخيرة المنشورة في دورية إستروفيسيكال فيزيكس في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2025، كشفت أن العديد من النجوم الضخمة تنفجر دون أن تُرى، حيث تُخفي شرانقها الغبارية.
وللبحث عن هذا النجم المخفي باستخدام تلسكوب جيمس ويب الفضائي التابع لناسا، حدّد الفريق مصدر المستعر الأعظم، والذي يعرف باسم سلفه أي "نجم أحمر عملاق" قبل أن يتحول إلى مستعر أعظم.
وقد تم استخدام ضوء الأشعة تحت الحمراء المتوسطة المزود بها التلسكوب لأول مرة. وعند دمج البيانات مع الرصدات الأرشيفية من تلسكوب هابل الفضائي، كشفت أن الانفجار نشأ من نجم أحمر عملاق فائق، مغلّف بطبقة غير متوقعة من الغبار.
بمقارنة صور هابل وصور تلسكوب جيمس ويب الفضائي للمجرة "إن جي سي1637" الملتقطة قبل الانفجار وبعده، حدد كيلباتريك وزملاؤه النجم السلف بدقة، وقد برز على الفور ببريقه وحمرته الشديدة.
على الرغم من أنه كان يرسل ضوءا يفوق ضوء الشمس بحوالي 100 ألف مرة، فإن الغبار المحيط به كان يُخفي جزءا كبيرا من توهجه، بسبب طبقة الغبار الكثيفة المحيطة به، لدرجة أنها جعلت النجم يبدو أضعف بأكثر من 100 مرة في الضوء المرئي مما كان سيبدو عليه في الظروف العادية، ولأن الغبار حجب أطوالا موجية أقصر وأكثر زرقة، فقد تحول مظهر النجم بشكل كبير نحو اللون الأحمر.
وبحسب الدراسة، فقد يساعد طوفان الغبار في تفسير سبب صعوبة العثور على أسلاف الأنجم الحمراء العملاقة، حيث إن معظم النجوم الضخمة التي تنفجر كمستعرات عظمى هي ألمع الأجرام وأكثرها سطوعا في السماء، لذلك من الناحية النظرية، من المفترض أن يكون من السهل رصدها قبل انفجارها، ولكن لم يكن هذا هو الحال.
إذ يفترض علماء الفلك أن النجوم الأكبر حجما والأكثر شيخوخة، هي التي قد تكون أيضا الأكثر غبارا، وقد تُخفِت هذه الأغطية الكثيفة من الغبار ضوء النجوم لدرجة تجعله غير قابل للرصد تماما، وهو ما أكدته أرصاد تلسكوب جيمس ويب الجديد.
قال كيلباتريك "لطالما جادلتُ لصالح هذا التفسير، لم أتوقع رؤية مثال متطرف كهذا النجم، والمكتشف حديثا، وبالتالي فان هذا يُفسر سبب غياب هذه النجوم العملاقة الضخمة لأنها تميل إلى أن تكون أكثر غبارا".
بالإضافة إلى وجود الغبار نفسه، كان تركيب الغبار مفاجئا أيضا. ففي حين تميل النجوم العملاقة الحمراء إلى إنتاج غبار سيليكاتي غني بالأكسجين، بدا غبار هذا النجم غنيا بالكربون، وبالتالي فان هذا يُشير إلى أن الحمل الحراري القوي في السنوات الأخيرة من عمر النجم ربما يكون قد سحب الكربون من أعماقه، مما أدى إلى إثراء سطحه وتغيير نوع الغبار الذي ينتجه.
ويقول كيلباتريك "تتداخل أطوال موجات الأشعة تحت الحمراء في ملاحظاتنا مع سمة مهمة لغبار السيليكات، وهي سمة مميزة لبعض أطياف الأحمر العملاق. وهذا يدل على أن الرياح كانت غنية جدا بالكربون وأقل غنى بالأكسجين، وهو أمر مفاجئ بعض الشيء بالنسبة لعملاق أحمر بهذه الكتلة".
تُمثل هذه الدراسة الجديدة المرة الأولى التي يستخدم فيها علماء الفلك تلسكوب جيمس ويب الفضائي لتحديد نجم سلف مستعر أعظم مباشرة، مما يفتح الباب أمام المزيد من الاكتشافات، فمن خلال التقاط الضوء عبر طيف الأشعة تحت الحمراء القريبة والمتوسطة، يمكن لتلسكوب جيمس ويب الفضائي الكشف عن النجوم الخفية وتوفير تفاصيل مفقودة عن كيفية عيش وموت أضخم النجوم.
ويبحث الفريق الآن عن عمالقة حمراء مماثلة قد تنفجر كمستعرات أعظم في المستقبل، وقد تُسهم عمليات الرصد التي يجريها تلسكوب نانسي جريس رومان الفضائي التابع لناسا في هذا البحث، إذ سيتمتع رومان بدقة وحساسية عالية وتغطية للأطوال الموجية تحت الحمراء اللازمة لرؤية هذه النجوم، وربما مشاهدة تغيراتها أثناء انبعاث كميات كبيرة من الغبار منها قرب نهاية حياتها.
وفي تصريحاته للجزيرة نت قال تشارلي كيلباتريك "يواصل تلسكوب جيمس ويب الفضائي رصد المجرات القريبة التي تستضيف مئات الآلاف من هذه النجوم العملاقة الحمراء الفائقة، ومع رصد المزيد من المجرات، سيزداد معدل رصد هذه النجوم العملاقة الحمراء الفائقة الساطعة بالأشعة تحت الحمراء".
من جانب أخر قال كيلباتريك، في التصريحات التي تضمنها البيان الرسمي الصادر من جامعة نورث وسترن "مع إطلاق تلسكوب جيمس ويب الفضائي وإطلاق رومان المرتقب، يعد هذا وقتا مثيرا لدراسة النجوم الضخمة وأسلاف المستعرات الأعظم، حيث ستتجاوز جودة البيانات والنتائج الجديدة التي سنتوصل إليها أي شيء رُصد خلال الـ30 عاما الماضية".