د. عقل صلاح: الجبهة المركزية والأهم لإسرائيل في العام الجديد تبقى الضفة حيث تشهد سباقاً زمنياً محموماً نحو الضم الصامت وفرض وقائع ميدانية جديدة
أكرم عطا الله: 2026 يحمل مزيداً من التصعيد كون هذه المرحلة قد تكون الأخيرة لنتنياهو في الحكم ما يدفعه لمحاولة حسم ملفات استراتيجية كبرى قبل مغادرته
د. رهام عودة: قد نشهد وصول قوات دولية للقطاع بالتوازي مع تشكيل لجنة تكنوقراط مع عدم تخلي "حماس" عن سلاحها وتأخير عملية الإعمار
د. أمجد بشكار: المنطقة ستشهد مرحلة إعادة رسم وتموضع جيوسياسي جديد قد تتجلى في تعزيز نزعات التقسيم كما جرى في "صوماليلاند"
عريب الرنتاوي: لبنان سيشهد جولة تصعيد جديدة ربما دون الوصول إلى حرب شاملة وذلك من خلال تكثيف عمليات الاستهداف المستمرة منذ أواخر 2024
تتجه منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص في العام الجديد 2026 نحو مرحلة شديدة التعقيد، في ظل تقديرات سياسية ترجّح ارتفاع منسوب التوتر واستمرار الأزمات دون حلول حاسمة.
وبحسب كتاب ومحللين سياسيين وأساتذة جامعات في أحاديث منفصلة مع "ے"، فإن المشهد العام يوحي بعام مثقل بالتصعيد، تحكمه حسابات داخلية إسرائيلية مرتبطة بالاستقرار السياسي والانتخابات، ما ينعكس توجهاً نحو استخدام أدوات القوة العسكرية والسياسية لإدارة الصراعات القائمة بدل إنهائها.
إقليمياً، تشير تقديرات الكتاب والمحللين وأساتذة الجامعات إلى بقاء ساحات لبنان وسوريا وإيران عرضة لجولات تصعيد محسوبة، فيما يتواصل التنافس الدولي بين القوى الكبرى في إطار نظام عالمي مضطرب، ويبقى المشهد مفتوحاً على احتمالات خطرة قد تعيد رسم توازنات منطقة الشرق الأوسط وتعمّق حالة عدم الاستقرار.
مشهد شديد الاضطراب والتصعيد
يرى الكاتب والباحث السياسي وأستاذ النظم السياسية المقارنة د. عقل صلاح أن المشهد السياسي المتوقع لعام 2026 سيكون مشهداً شديد الاضطراب والتصعيد، تقوده بالدرجة الأولى إسرائيل، وتحديداً حسابات رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، المرتبطة ببقائه السياسي والانتخابات الإسرائيلية المقبلة.
ووفق صلاح، فإن نتنياهو يواجه ضغوطاً مركّبة، تشمل أزماته القضائية، ومسألة طلب العفو، وإقرار الموازنة، إضافة إلى طبيعة الحكومة اليمينية المتطرفة التي يقودها، ما يدفعه نحو خيار وحيد تقريباً يتمثل في التصعيد العسكري على أكثر من جبهة.
ويشير صلاح إلى أن الجبهة اللبنانية ستكون إحدى ساحات التصعيد الرئيسية، في إطار سعي إسرائيل لإضعاف حزب الله أو تدمير قدراته العسكرية، بهدف فرض معادلة جديدة على لبنان تقود في نهاية المطاف إلى دفعه نحو علاقات مع إسرائيل.
أما الجبهة الثانية، فهي إيران، حيث يتوقع صلاح أن تواصل إسرائيل، بدعم أو غطاء أمريكي، العمل لمنع طهران من تطوير قدراتها الصاروخية والنووية.
ويؤكد صلاح أن التجربة الأخيرة للحرب التي استمرت 12 يوماً أظهرت الأثر الكبير للقوة الصاروخية الإيرانية في الضغط على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وهو ما لم تتحمله إسرائيل طويلاً.
ويوضح صلاح أن توجيه ضربة قاسية لإيران من شأنه أن يرفع رصيد نتنياهو داخلياً، ويقدمه كـ"بطل" في سياق المعركة الانتخابية.
ويعتبر صلاح أن الجبهة المركزية والأهم لإسرائيل في العام الجديد تبقى الضفة الغربية، حيث تشهد سباقاً زمنياً محموماً نحو الضم الصامت، من خلال التوسع الاستيطاني، والقتل، والاعتقالات، وتدمير البنية التحتية للمخيمات والمدن الفلسطينية، وفرض وقائع ميدانية جديدة.
ويؤكد صلاح أن هذه السياسة تحظى بإجماع داخل الطيف السياسي الإسرائيلي، من اليمين المتطرف إلى بقايا أحزاب اليسار، باعتبارها أولوية استراتيجية.
وفيما يتعلق بقطاع غزة، يتوقع صلاح استمرار السيطرة الإسرائيلية عبر التمركز العسكري في مناطق محددة، وتنفيذ ضربات واغتيالات عند الحاجة، مع ممارسة ضغط متواصل على أهالي غزة والمقاومة، مقابل تهدئة محسوبة تُستخدم لإرضاء الإدارة الأمريكية، ولا سيما الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، بما يخدم مصالح نتنياهو السياسية.
وعلى الصعيد الدولي، يرى صلاح أن عام 2026 سيشهد تصاعد التنافس الأمريكي–الصيني، خصوصاً في المجال التكنولوجي، مع فرض تسوية للحرب الروسية–الأوكرانية، بالتوازي مع فتح حروب وصراعات جديدة مرتبطة بالسيطرة على الثروات العالمية، في إطار سياسة الصفقات التي ينتهجها ترمب، مقرونة بنزعة تصعيدية تخدم الحسابات الأمنية الإسرائيلية.
ويتوقع ضغوطاً أمريكية متزايدة باتجاه التطبيع العربي، لتشكيل تحالف إقليمي في مواجهة إيران.
وفي السياق الإقليمي الأوسع، يتوقع صلاح استمرار الضربات الإسرائيلية في سوريا لمنع إعادة بناء قوة موحدة، وتصعيداً ضد الحوثيين في اليمن، وصولاً إلى عمليات اغتيال في اليمن والعراق.
ويرى صلاح أن عام 2026 سيكون عاماً مفتوحاً على التصعيد والتوتر، مع تركيز خاص على الضفة الغربية، حيث من المرجح أن يؤدي تصاعد القمع، وتغوّل المستوطنين، وتفاقم الفقر والبطالة والحصار، إلى انفجار الأوضاع ودفعها نحو انتفاضة فلسطينية ثالثة، في ظل انسداد الأفق السياسي واستمرار سياسة فرض الأمر الواقع.
لا تحسّن على الصعيد الفلسطيني
يرى الكاتب والمحلل السياسي أكرم عطا الله أن العام الجديد 2026 لن يحمل تحسناً على الصعيد الفلسطيني أو الإقليمي، بل يتجه نحو مزيد من التصعيد، في ظل قراءة سياسية تفيد بأن هذه المرحلة قد تكون الأخيرة لبنيامين نتنياهو في سدة الحكم، ما يدفعه إلى محاولة حسم ملفات استراتيجية كبرى قبل مغادرته المشهد السياسي.
ويشير إلى أن نتنياهو، المستند إلى حكومة يمين متطرفة، يسعى لاستثمار ما تبقى من وقته السياسي في فرض وقائع حاسمة على مستوى المنطقة ككل، بما يشمل إيران ولبنان، إضافة إلى القضية الفلسطينية التي يراها مركز الصراع الأساسي.
ووفق هذا التقدير، فإن عطا الله يرى أن السياسات الإسرائيلية المقبلة لن تكون تكتيكية أو مرحلية، بل تتجه نحو محاولة بسط السيطرة الإسرائيلية وتعزيز النفوذ الإقليمي عبر القوة العسكرية والسياسية.
وعلى الصعيد الفلسطيني، يؤكد عطا الله أن الحديث عن تهدئة نهائية أو استقرار مستدام يبدو بعيداً عن الواقع، فإسرائيل ماضية في الاستمرار بالتمركز العسكري في قطاع غزة، حتى وإن شهدت المرحلة فترات خفض للقتال.
ويُرجع احتمالية تجدد التصعيد العسكري إلى "العقدة الإسرائيلية" المتمثلة في مطالبة حركة حماس بتسليم سلاحها، وهو شرط يدرك الإسرائيليون صعوبة تحقيقه عبر آليات دولية.
ويلفت عطا الله إلى أن فكرة نشر قوة دولية لتجريد حماس من سلاحها لم تلقَ تجاوباً حقيقياً، مستشهداً بمؤشرات تراجع بعض الدول، من بينها باكستان، عن الانخراط في مثل هذا السيناريو.
وفي ظل غياب حل دولي عملي، يرى عطا الله أن إسرائيل ستلجأ مجدداً إلى خيار القوة، معتبراً أن الجيش الإسرائيلي سيحاول تنفيذ ما عجزت عنه الضغوط السياسية، ما يجعل القطاع والمنطقة عموماً أمام مرحلة جديدة من التصعيد وعدم الاستقرار، في سياق حرب مفتوحة مرشحة لمزيد من التعقيد خلال العام 2026.
حالة عدم استقرار في الشرق الأوسط
تتوقع الكاتبة والمحللة السياسية د. رهام عودة أن يشهد عام 2026 استمراراً لحالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، في ظل تصاعد التهديدات الإسرائيلية على أكثر من جبهة، مقابل غياب مؤشرات حقيقية على تهدئة شاملة أو حلول سياسية جذرية، مرجّحة أن يتخذ التصعيد طابعاً متدرجاً ومتقطعاً بدلاً من العودة إلى حروب واسعة النطاق.
وعلى صعيد إيران، ترى عودة أن التهديدات الإسرائيلية ستبقى حاضرة بقوة خلال العام الجديد، مع احتمال تنفيذ إسرائيل ضربات جوية تستهدف مواقع عسكرية إيرانية، إلى جانب عمليات اغتيال قد تطال قادة عسكريين أو علماء إيرانيين، في سياق سياسة سبق أن اعتمدتها إسرائيل في السنوات الماضية لاحتواء ما تعتبره خطراً استراتيجياً متنامياً.
أما في لبنان، فتتوقع عودة استمرار القصف الجوي الإسرائيلي ضد أهداف تابعة لحزب الله، مصحوباً بعمليات اغتيال تطاول قيادات ميدانية أو أمنية في الحزب.
وفي موازاة ذلك، ترجّح عودة استمرار الدور الأمريكي كوسيط بين إسرائيل والحكومة اللبنانية، في محاولة للضغط باتجاه نزع سلاح حزب الله، مع احتمال كبير بأن تعلن إسرائيل عن فرض منطقة عازلة على طول الحدود مع جنوب لبنان، بذريعة الاعتبارات الأمنية.
وفي الساحة السورية، تشير عودة إلى إمكانية استمرار الوجود العسكري الإسرائيلي قرب الحدود السورية، مع احتمال إعلان منطقة عازلة أمنية خلال عام 2026، وربما تطور ذلك إلى تفاهم أو اتفاق أمني سوري–إسرائيلي محدود يتعلق بضبط الحدود، في ظل انشغال الأطراف الإقليمية والدولية بملفات أمنية أخرى.
أما فلسطينياً، فتتوقع عودة أن تكثف إسرائيل عمليات اغتيال قيادات حركة حماس في الداخل والخارج، مع ترجيح عدم انسحاب الجيش الإسرائيلي من ما تُعرف بـ"المنطقة الصفراء" في قطاع غزة، بحجة عدم نزع سلاح الحركة.
وترجّح عودة في العام الجديد وصول قوات دولية، من بينها إيطاليا وإندونيسيا، إلى قطاع غزة، بالتوازي مع تشكيل لجنة تكنوقراط لإدارة شؤون القطاع بالتنسيق مع حركة حماس، دون أن يعني ذلك تخلي الحركة عن سلاحها، ما ينذر باستمرار التصعيد الإسرائيلي بما يؤخر عملية إعادة الإعمار ويزيد من احتمالات الهجرة.
توقع عملية عسكرية إسرائيلية واسعة بالضفة
وفي الضفة الغربية، تتوقع عودة عملية عسكرية إسرائيلية واسعة قد تؤدي إلى نزوح سكان من بعض المدن والقرى، مع تصاعد سياسة الاعتقالات، وفرض الحصار والإغلاقات، وتزايد اعتداءات المستوطنين بحق الفلسطينيين.
وعالمياً، ترجّح عودة اقتراب الحرب الروسية–الأوكرانية من مراحلها الأخيرة بجهود أمريكية، إلى جانب تراجع العملية العسكرية الأمريكية ضد فنزويلا، مقابل تركيز أمريكي وأوروبي متزايد على محاربة تنظيم "داعش" في سوريا وبعض الدول الأفريقية عبر ضربات جوية.
عام التصعيد في ظل بقاء الملفات الكبرى مفتوحة
يرى الكاتب والمحلل السياسي سليمان بشارات أن ملامح العام 2026 تتشكل في ظل بقاء الملفات الكبرى في المنطقة مفتوحة دون حلول، وعلى رأسها تداعيات الحرب على قطاع غزة، والتصعيد الميداني الإسرائيلي المتواصل في الضفة الغربية، لا سيما ما يتعلق بتعزيز الاستيطان ومنح المستوطنين مساحة أوسع للاعتداء على الفلسطينيين، في وقت يشهد فيه المشهد السياسي الفلسطيني حالة من الانسداد، يرافقها واقع اقتصادي صعب ومتدهور.
ويلفت إلى التمدد الجيوسياسي الإسرائيلي، مستشهداً باعتراف إسرائيل بأرض الصومال، بما يمنحها موطئ قدم جديداً في الإقليم.
وبحسب بشارات، فإن العام الجديد يبدو أقرب إلى "حالة تسخين" وتصعيد أكثر منه إلى تهدئة من المنظور الإسرائيلي، رغم محاولات الولايات المتحدة، في ظل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، الدفع باتجاه سياسات الاحتواء واستخدام الأدوات السياسية والاقتصادية قبل الانخراط في تصعيد عسكري مباشر.
غير أن بشارات يحذر من أن تأثير اللوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة قد ينعكس على توجهات الإدارة الأمريكية، ما يقلل من فرص الهدوء في المنطقة، على الأقل خلال النصف الأول من العام.
ويؤكد بشارات أنه لا يمكن الحديث عن مرحلة هدوء حقيقي أو مستقر خلال العام الجديد، بل عن حالة ديناميكية متحركة تشبه "مخاضاً سياسياً"، تسعى خلالها القوى المختلفة إلى تأمين نفوذها السياسي والاقتصادي والميداني.
ويرى أن المشهد ما زال غير ناضج وغير مكتمل، الأمر الذي يجعل استخدام الأدوات العسكرية وأدوات التصعيد خياراً قائماً لتعزيز مواقف الأطراف المختلفة.
ويعتبر بشارات أن العام الجديد يأتي ضمن سياق أوسع من الهيمنة والتمدد الجيوسياسي للدول، بما في ذلك إسرائيل والولايات المتحدة، إلى جانب قوى إقليمية ودولية مثل إيران وتركيا والسعودية والصين وروسيا، التي تسعى جميعها إلى تثبيت أدوار فاعلة لها في الشرق الأوسط.
ويوضح أن توقف الحرب بصورتها الواسعة خلال العامين الماضيين لا يعني انتهاءها، بل استمرارها بأدوات واستراتيجيات مختلفة لا تقل خطورة، وإن كان حجم القتل والتدمير أقل.
ويشير إلى أن إسرائيل تعتمد نهج القوة العسكرية المتدرجة، وهو ما يلمس في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي تعاملها مع لبنان وسوريا، إضافة إلى التهديدات المتكررة تجاه إيران.
ويلفت بشارات إلى أن العام 2026 سيكون أكثر صعوبة وربما أكثر خطورة على مستقبل القضية الفلسطينية، مرجحاً أن تتحول القضية إلى محور لتصفية الحسابات وعقد الصفقات السياسية والاقتصادية الإقليمية والدولية، في ظل حالة عدم استقرار وتصعيد مرشحة للاستمرار.
استمرار حالة الانقسام الحاد في النظام الدولي
يتوقّع أستاذ العلوم السياسية د. أمجد بشكار أن يشهد العام الجديد استمرار حالة الانقسام الحاد في النظام الدولي، في ظل عالم أقل التزامًا بالقيم الأخلاقية والقانونية في السياسة، وأكثر انخراطًا في البراغماتية والمصالح الضيقة، معتبرًا أن هذه السمات ستشكّل الإطار العام للمشهد الدولي والإقليمي، بما في ذلك فلسطين.
ويوضح أن الصراع بين القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة والصين، إلى جانب روسيا، سيبقى السمة الغالبة في المرحلة المقبلة، ما سينعكس تراجعًا ملحوظًا في دور المؤسسات الدولية والمحاكم الدولية، وتآكلًا في مكانة القانون الدولي كمرجعية أخلاقية وقانونية لحل النزاعات.
ويشير بشكار إلى أن الأمم المتحدة ستواجه تضاؤلًا أكبر في قدرتها على التدخل الفاعل في مناطق الصراع، مقابل تصاعد استخدام الأدوات الاقتصادية كسلاح سياسي، من خلال العقوبات والتحكم بالطاقة والغذاء وسلاسل الإمداد.
وعلى مستوى المنطقة، يرجّح بشكار أن تشهد مرحلة إعادة رسم وتموضع جيوسياسي جديد، قد تتجلى في تعزيز نزعات التقسيم وخلق كيانات أو "دويلات" على أسس إثنية أو طائفية، كما هو مطروح في بعض النماذج القائمة كما جرى في "صوماليلاند"، لافتًا إلى أن دولة الاحتلال الإسرائيلي ستسعى إلى استثمار هذه التحولات عبر دعم الأقليات في أكثر من ساحة إقليمية، بما يخدم مصالحها الاستراتيجية.
وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، يؤكد بشكار أن المشهد يتجه نحو حالة "لا سلم ولا حرب" في قطاع غزة، حيث يُتوقع استمرار الوضع القائم لأشهر طويلة، مع ضربات إسرائيلية متقطعة وتصعيد محسوب، تتخلله فترات تهدئة قصيرة، دون أي معالجة حقيقية للأسباب الجذرية للصراع، مشيراً إلى أن الضغط الإنساني والاقتصادي على غزة سيبقى متصاعدًا، في إطار سياسة إدارة الصراع لا حله.
أما في الضفة الغربية، فيتوقع بشكار تصاعد الاستيطان وتشديد الخناق على الاقتصاد الفلسطيني، إلى جانب محاولات فرض ترتيبات أمنية جديدة دون أفق سياسي، بهدف إضعاف الكيان السياسي الممثل للفلسطينيين.
وعلى الصعيد الإقليمي، يشير بشكار إلى احتمالية توسع محدود للصراع في ساحات مثل لبنان والبحر الأحمر والعراق وسوريا، دون الانزلاق إلى حرب إقليمية شاملة، حيث ستُستخدم هذه الساحات كورقة ضغط لا كمسار حسم.
ويرى أن المنطقة تتجه نحو تصعيد مُدار، تتخلله فترات هدوء إعلامي مؤقتة، يعقبها توتر وانفجارات مفاجئة، في ظل واقع يسير على حافة الهاوية دون الوصول إلى انفجار شامل.
مساحة واسعة من الغموض وعدم اليقين
يعتقد مدير مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي أن العام الجديد يفتح أبوابه على مساحة واسعة من الغموض وعدم اليقين، فلسطينياً وإقليمياً ودولياً، في ظل تشابك الملفات وبقاء الأزمات مفتوحة على مختلف الاحتمالات.
ويرجّح أن يتجه الملف الفلسطيني نحو الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2025، مدفوعاً برغبة أمريكية واضحة للدفع بهذا الاتجاه، مع انتظار ما ستؤول إليه نتائج اللقاء الأخير بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترمب.
ويحذر الرنتاوي من أن هذا الانتقال، إن تم، لن يكون سلساً أو سريعاً، ولن يلبي بالضرورة تطلعات الفلسطينيين، حتى في حدودها الدنيا. ورغم ذلك، يرى الرنتاوي أن صفحة الحرب الواسعة التي شهدها قطاع غزة خلال العامين الماضيين، قد طويت إلى حد كبير، ليبدأ صراع من نوع آخر وبأدوات مختلفة، هدفه حسم ملفات شديدة التعقيد، في مقدمتها مستقبل الحكم في غزة، والجهة التي ستتولى إدارتها، وما إذا كان الفلسطينيون سيتمكنون من إدارة شؤونهم بأنفسهم.
ويشير الرنتاوي إلى أن أسئلة عددة لا تزال معلّقة دون إجابات واضحة، تتعلق بما يسمى "مجلس السلام"، والهيئة التنفيذية الوسيطة، وطبيعة تشكيلها وصلاحياتها، إضافة إلى ملف قوات الاستقرار الدولية، وتركيبتها المحتملة، والتفويض الذي ستعمل بموجبه، وحدود انتشارها، وما إذا كانت مهمتها نزع سلاح المقاومة وفرض السلام كما تطرح بعض الرؤى الأمريكية، أم حفظ السلام كما تطالب غالبية الدول العربية والإسلامية.
ويلفت إلى تعقيدات ملف المعابر والمساعدات والتعافي المبكر وإعادة الإعمار، في ظل الأوضاع الإنسانية الكارثية التي يعيشها قطاع غزة.
وفي المقابل، يؤكد الرنتاوي أن طي صفحة الحرب في غزة لا ينسحب على باقي ساحات الاشتباك في المنطقة، موضحاً أن مستوى التوافق الأمريكي– الإسرائيلي أعلى بكثير عندما يتعلق الأمر بإيران وحزب الله، مقارنة بحالة التباين الواضحة بين الطرفين في ملف غزة.
ويرجّح أن يشهد لبنان جولة تصعيد جديدة، ربما دون الوصول إلى حرب شاملة، من خلال تكثيف عمليات الاستهداف المستمرة منذ أواخر عام 2024، كما يرى أن إيران تبقى بدورها عرضة لسيناريوهات تصعيد ما لم تنجح الجهود الدبلوماسية في كبحها.
وعن الساحة السورية، يصف الرنتاوي المشهد بأنه ما زال مضطرباً وغير مستقر، مع استمرار التوترات المرتبطة بالمكونات والأقليات، وغياب حلول سياسية شاملة، في ظل أولوية الخيار الأمني وبناء السلطة على حساب بناء الدولة. ويحذر الرنتاوي من محاولات إسرائيل استثمار ملف الأقليات، والترويج لتحالفات إقليمية وأمنية، سواء داخل سوريا أو في شرق المتوسط، في سياق مشاريع تطويق إقليمي أوسع.
دولياً، يتوقع الرنتاوي تصاعد التوتر في أمريكا اللاتينية، ولا سيما في فنزويلا، مرجحاً احتمال لجوء الولايات المتحدة إلى ضغوط عسكرية أو عمليات مباشرة لتغيير النظام.
في المقابل، يرى الرنتاوي أن الجبهة الأوكرانية تتجه نحو التهدئة، مع نضوج شروط التسوية في ظل تنسيق أمريكي– روسي وتراجع القدرة الأوروبية على الاستمرار في دعم كييف.
ويشير الرنتاوي إلى أن العالم يتجه في عام 2026 نحو مرحلة انتقالية بين نظام دولي أحادي القطب يتآكل، ونظام متعدد الأقطاب لم يكتمل بعد، في ظل استمرار الدور الأمريكي المهيمن، وتعدد بؤر التصعيد، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط.
المصدر:
القدس