آخر الأخبار

وفاة الشاب أنس عبد الفتاح متأثرا بإصابته برصاص الأمن الفلسطيني

شارك

وصل نبأ وفاة الشاب المصاب أنس عبد الفتاح (28 عاما) إلى عائلته مباغتا وثقيلا على أسرته، خاصة والده وأشقاءه الذين يتابعون حالته الصحية من مدينته نابلس شمال الضفة الغربية، بينما كانت والدته تقف إلى جانبه بأحد مستشفيات مدينة إسطنبول في تركيا.

وكان أنس يعيش اغترابه وعلاجه بعيدا عن عائلته منذ إصابته برصاص الأمن الفلسطيني قبل 3 سنوات حتى رحيله مساء الجمعة.

ولطالما تحدث الشاب الناشط عن معاناته و"إهمال علاجه" عبر صفحته بفيسبوك منذ إصابته برصاصتين خلال قمع الأجهزة الأمنية مسيرة غاضبة خرجت رفضا لمحاولات السلطة الفلسطينية اعتقال مقاومين من مجموعات "عرين الأسود" في سبتمبر/أيلول 2022 بمدينة نابلس.

وبتأثر بالغ وحزن كبير، تروي شقيقته هدى عبد الفتاح تفاصيل اللحظات الأخيرة، حيث انقلبت مكالمة الفيديو الروتينية بينها وبين والدتها إلى لحظة فارقة. وقالت "لم تمضِ 4 دقائق على انتهاء مكالمتنا المعتادة حتى أعادت أمي الاتصال، كانت تصرخ وتبكي: الحقيني! (تستنجد) حدث شيء لأخيك، إنه لا يستجيب".

وتضيف ساردة المشهد الأخير "نادى أنس أمي، ثم ذرفت عيناه دمعة وقال لها: أشعر بتعب شديد، ثم انقطع صوته فجأة"، ورغم محاولات الإسعاف، توفي نتيجة إصابته بجلطة قلبية حادة".

تحكي هدى أن الصدمة كانت أعظم بالنسبة لوالدتها التي واجهت وحيدة رحلة معاناة طويلة مع أنس منذ لحظة إصابته حتى وفاته، من دون أن تتمكن العائلة من الوصول إليهما بسبب تعقيدات السفر وقيود الاحتلال.

وتعبر شقيقته عن شعور الفقد بقولها "لا يمكن وصفه"، خاصة أن أنس كان مغتربا منذ 3 سنوات، وقد ترك فراغا واسعا في البيت والعائلة. وكان "صانع الفرح، ضحوكا، وصاحب نكتة، لا يفارقه التفاؤل".

وتواصل الشقيقة حديثها مستعيدة صورته كما عرفته "كان أنس أخا حنونا، محبا للحياة وممتلئا بالأمل رغم الألم". ورغم مدة علاجه الطويلة في الغربة، كان حاضرا في تفاصيل حياة العائلة اليومية عبر مكالمات الفيديو، لتعويض الغياب الجسدي والبعد الجغرافي.

وتضيف "كنا نترك الاتصال مفتوحا لساعات حتى لا يشعر بالوحدة"، مشيرة إلى علاقته الخاصة بها وبأطفالها، وخاصة ابنتها مريم التي كان يعتبرها ابنته، ويقضي الساعات في اللعب معها عبر الشاشة ليرسم الضحكة على وجهها.

وتلفت هدى إلى أن رحلة العلاج في الغربة كانت "قاسية ومهينة"، ورغم تمكّن العائلة من مرافقته في بعض محطات العلاج في إسطنبول والأردن، فإن ذلك لم يخفف شعوره بالوحدة. وتقول "عندما كان يدخل وحدة العناية المكثّفة وحده، وتصيبه الجلطات ونحن بعيدون عنه، كنا نشعر بالعجز".

وتضيف "الغربة زادت من آلام أنس وأثقلت عليه نفسيا، خاصة وهو يعاني من شلل نصفي وآلام مزمنة لا تُحتمل، إلا أنه ظل صابرا وراضيا".

كانت حياة أنس قبل إصابته "حافلة" كما تقول عائلته؛ فهو حافظ للقرآن الكريم ومداوم على الرباط في المسجد الأقصى، وكان قد تخرّج من كلية الهندسة بجامعة النجاح الوطنية بنابلس، قبل أشهر من إصابته التي أدخلته مرحلة علاج قاسية وصعبة تجاوزت 3 سنوات، وسرقت منه أجمل سنوات عمره.

وكان نشاط أنس المستمر والتزامه بالقضايا الوطنية سببا في إصابته برصاص الاحتلال سابقا واعتقاله مرات عدة في السجون الإسرائيلية، وكذلك عند الأجهزة الأمنية الفلسطينية.

ويقول عدي جعار صديق أنس ورفيقه في رحلة العلاج في تركيا "عرفت أنس منذ أيام الدراسة، حيث كان من أنشط الطلاب، ويحرص على خدمة زملائه وجميع الطلبة، ويشارك في كل الفعاليات الوطنية مهما كانت طبيعتها".

نادى أنس أمي، ثم ذرفت عيناه دمعة وقال لها: أشعر بتعب شديد، ثم انقطع صوته فجأة.

ويشير عدي إلى أن شخصية أنس الثورية لم تكن لتغيب عن الشارع في ليلة اعتقال أحد أبرز قادة المقاومة في الضفة الغربية، مصعب اشتية، من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، حيث خرج مع عشرات الشبان احتجاجا ورفضا لذلك، قبل أن يُصاب بشكل مباشر برصاصتين، في حين مرّت رصاصة ثالثة بمحاذاة رأسه.

ويقول عدي "يعتقد أنس أن الاستهداف كان متعمدا، مرجّحا أن القنّاص كان يقصده بشكل مباشر".

ورغم الآلام الجسدية القاسية التي لازمته بعد الإصابة والشلل النصفي الذي أقعده على كرسي متحرك، رفض العودة إلى الوطن "متمسكا بكرامته".

ويوضح صديقه "رفض أنس كل محاولات عودته للبلاد، ليس لأنه أحب الغربة، فقد كان فيها غريبا، لكنه قال لي إنه يأبى أن يعود ويراه من أطلق عليه النار وهو على كرسي متحرك عاجزا لا يستطيع فعل شيء".

ويتابع أن إصابة أنس لم تثنه عن القيام بدوره الوطني، إذ واصل نشاطه في دعم أهالي غزة خلال الحرب، عبر جمع التبرعات وبث روح الصمود، متحديا إعاقته وغربته، ومصرّا على استكمال مسيرته حتى أيامه الأخيرة.

ويكشف عدي أن الأيام الأخيرة "للشهيد أنس" كانت مفعمة بالأمل وحب الحياة، حيث كان يستعد لطيّ صفحة الوجع وبدء حياة جديدة بعد خطبته لفتاة جزائرية، وافقت "بملء إرادتها" على الارتباط به رغم إصابته البليغة وتعقيدات وضعه الصحي.

ويضيف "كان أنس يترقب موعد زفافه بلهفة، عازما على قهر المستحيل وممارسة حياته بشكل طبيعي، متجاوزا أوجاعا جسدية لا يتحملها بشر ليثبت حتى لحظاته الأخيرة أن إرادة الحياة لديه كانت أقوى من الألم".

وفي سياق رحلة علاجه الشاقة، أوضح عدي أن الأشهر القليلة الماضية كانت الأقسى على جسد أنس المنهك، إذ خضع لسلسلة مكثفة من العمليات الجراحية التي تسببت في دخوله بنوبات غيبوبة متكررة.

وتحدث عدي عن تفاصيل رؤيا أفضى بها أنس إليه عقب إفاقته من غيبوبة مؤخرا، إذ أخبره أنه "رأى نفسه يتجول في حقل أخضر شاسع تملؤه الأشجار، وكان يرافقه الشهيد يحيى السنوار وهو يقوم بإعداد الطعام له بيديه".

وقد استبشر أنس خيرا بهذه الرؤيا واعتبرها رسالة طمأنينة وسكينة، وكأنها كانت إشارة روحانية مبكرة لاقتراب موعد رحيله والتحاقه بركب الشهداء والصالحين، كما يقول صديقه عدي.

وطالما نشر أنس على صفحته بفيسبوك عبارات تؤكد وجعه وحرقته وشعوره بعدم الإنصاف، ومما كتب "غدا في محكمة الله نلتقي وهناك العدل يقام".

كما حمّل بمنشور آخر السلطة الفلسطينية المسؤولية الكاملة عن تدهور حالته الصحية، ورفضها تقديم العلاج له، وعن أي خطر يهدد حياته نتيجة "الإهمال المتعمد" وحرمانه من حقه في العلاج، حيث خضع لـ26 عملية جراحية.

وقال إن بعض "الأيادي البيضاء" حاولت مساعدته أثناء وجوده في الأردن لكنهم انسحبوا بعد تهديد مباشر من السلطة". وعلم أن العائلة تعمل على نقل جثمان ابنها إلى مسقط رأسه بمدينة نابلس حيث سيوارى الثرى فيها.

القدس المصدر: القدس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا