اعتاد المزارع الفلسطيني شحادة مخامرة، من خِربة مغاير العبيد، جنوبي الضفة الغربية، أن يستبق أمطار الشتاء بحراثة أرضه، وزراعتها بالمحاصيل الحقلية البعلية، وتحديدا القمح والشعير، معتمدا على مياه الأمطار.
يحقق مخامرة بفلاحة أرضه المقدرة بنحو 200 دونم (الدونم يساوي ألف متر مربع) أكثر من غاية: فمن جهة ينتج احتياجات أسرته من حبوب القمح لصناعة الخبز طوال العام، ومن جهة ثانية يستفيد من التِّبن (القَّش) وحبوب الشعير كعلف لأغنامه، فضلا عن استغلال الأراضي الزراعية بعد الحصاد لرعي الأغنام خلال شهور الصيف.
لكن نمط الحياة التي اعتادها المزارع الفلسطيني وعائلته انقلب تماما، كما هي حال آلاف المزارعين الفلسطينيين في الضفة الغربية، حتى بات غير قادر على زراعة أرضه وفلاحتها، وحتى مغادرة محيط خربته، بمسافر يطا، والسبب هجمات المستوطنين واعتداءاتهم المتكررة عليه وعلى مزروعاته وماشيته.
يعود بنا مخامرة إلى الموسم الماضي، حين حرث أرضه وزرعها بأكثر من 3 أطنان من الحبوب، وقبيل وقت الحصاد سبقه إليها المستوطنون بأغنامهم ورعوها بالكامل، فخسر تعبه وتكاليف الزراعة ومحصولا كان ينتظر أن يفي باحتياجاته أغلب شهور العام.
ويوضح أن زراعة الأرض تشكل مصدر رزق وعامل صمود له وكانت توفر له 70% من احتياجات أغنامه من القش والأعلاف، لكن الخناق يضيق عليه حتى بات لا يستطيع إخراج أغنامه من حظائرها، مما يترتب عليه تكلفة عالية لإطعامها تطلبت منه الاستغناء عن نحو نصفها نتيجة تراكم الديون، وأضحى يملك أقل من 200 رأس من الأغنام بعد أن كان لديه قرابة 400 رأس.
ما جرى مع مخامرة تكرر مع 15 مربيا آخر للمواشي في محيطه، موضحا أن كل واحد منهم كان يقتني قطيعا من الأغنام لا يقل عن 150 رأس، لكنهم جميعا اضطروا لبيعها والمغادرة بحثا عن الأمن ومصادر الرزق.
ما حدث مع مزارعي مسافر يطا يتكرر في عموم الضفة، حيث صودرت 360 ألف دونم حتى منتصف سنة 2025، وفق مدير منظمة "البيدر" للدفاع عن حقوق البدو حسن مليحات.
وأضاف مليحات أن الأغوار بوجه خاص -حيث يعتمد غالبية سكانها على الزراعة ورعي المواشي كمصدر دخل لهم- تتعرض لانتهاكات متعددة، تتمثل في مصادرة الأراضي الزراعية، وشق طرق استيطانية تمر من خلالها، وإقامة بؤر استيطانية رعوية عليها، ونتيجة لذلك لا يستطيع مزارعو الأغوار الوصول إلى آلاف الدونمات من أراضيهم الرعوية.
وتابع أن محاصيلهم في مساحة الأراضي القليلة التي استطاعوا زراعتها باتت هدفا لأبقار المستوطنين وأغنامهم.
وقال مليحات إن الانتهاكات بحق مواطني الأغوار أدت إلى تغيير أنماط زراعتهم، فتحولوا إلى الزراعة البعلية الأقل كلفة والتي تنتج مردودا أقل، ومن ثم أصبح مصدر رزق العائلات الوحيد تحت التهديد.
واستطرد أن هذه السياسة الاستعمارية الرعوية تهدف إلى تقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية الزراعية لتوسيع المناطق الاستيطانية، والقضاء على المصدر الأساسي لدخل المواطنين المتمثل في الزراعة والرعي، وتفكيك علاقة الفلسطينيين بالزراعة والأرض.
بدوره، يقول معتز بشارات -مسؤول ملف الجدار والاستيطان بمحافظة طوباس والأغوار الشمالية- إن الحرب على الزراعة البعلية (المعتمدة على مياه الأمطار) هي حرب السيطرة على الأراضي، حيث يتم تسييج معظمها قبل السطو عليها ومنع أصحابها من دخولها.
وتحدث بشارات أنه في منطقة الأغوار الشمالية فقط، طالت أكثر من 10 آلاف دونم من الأراضي الزراعية الإغلاقات ووضع اليد من قبل المستوطنين والبؤر الاستيطانية الرعوية.
ويضيف أن 14 بؤرة استيطانية رعوية تنتشر اليوم في منطقة الأغوار الشمالية، إحداها تسيطر على نحو 17 ألف دونم.
وفي محاولة لتحريك المياه الراكدة، وعدم الاستسلام لسياسة فرض الأمر الواقع، يقول بشارات إن المزارعين تحركوا هذا الأسبوع في مبادرة جماعية لحراثة أراضيهم ذات الملكية الخاصة وزراعتها، لكن خلال الليل عاد المستوطنون لحراثتها مجددا بهدف التخريب.
وأضاف بشارات أن المزارعين كرروا التجربة لحراثة مئات الدونمات، لكن سرعان ما تدخل المستوطنون وجيش الاحتلال وشرطته لمنعهم فاحتجزوا الجرارات الزراعية، وعندما أبرز السكان سندات ملكيتهم للأرض سمح لهم الجيش بمواصلة الحراثة، لكن المستوطنين هددوا -على مسمع الجيش- بعدم السماح بالزراعة.
عن انعكاسات هذه الحرب على السلة الغذائية للبشر والمواشي، يقول بشارات إن مصادرة مساحات شاسعة من الأراضي -تزيد على 180 ألف دونم من طوباس والأغوار الشمالية- عرّضت بالفعل سلة فلسطين الغذائية (سواء النباتية أو الحيوانية) للانهيار، حيث تسببت في إغلاق للمراعي بشكل شبه كامل "وهذا أثر على الثروة الحيوانية التي انخفض تعدادها إلى قرابة النصف، نتيجة تهجير أصحابها عن تجمعاتهم بسبب المضايقات والحصار الموجود والمفروض على المراعي وحتى التجمعات السكانية الفلسطينية.
وأشار بشارات إلى أن خسارة الزراعة البعلية كانت على مستويين:
خسارة حبوب القمح كونها عنصرا أساسيا في سلة الغذاء الفلسطينية من جهة.
خسارة القش وحبوب الشعير، حيث يعتمد مربو الثروة الحيوانية على الزراعة البعلية بداية الشتاء لتوفير أعلاف مواشيهم طوال العام.
ووفق معطيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن المساحة المزروعة بالمحاصيل الحقلية في فلسطين قدرت بحوالي 217.2 ألف دونم خلال العام الزراعي 2021/2020، منها 91.2% في الضفة الغربية، و8.8% في قطاع غزة.
وشكل محصول القمح أعلى مساحة مزروعة في فلسطين من إجمالي المساحة المزروعة بالمحاصيل الحقلية، حيث بلغت 101 ألف دونم، بنسبة 46.5%، تلاه محصول الشعير بمساحة 49.5 ألف دونم، وبنسبة بلغت 22.8%.
وفق البيانات ذاتها، فقد بلغ عدد الأبقار في حينه 67 ألفا و760، بينما بلغ عدد الضأن 771 ألفا و168، وعدد الماعز 239 ألفا و966.
ووفق معطيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية:
استولت سلطات الاحتلال منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 على 55 ألف دونم وأقامت 25 منطقة عازلة حول المستوطنات التهمت آلاف الدونمات الأخرى.
أطلقت إسرائيل 355 مخططا هيكليا لبناء ما مجموعه 37 ألفا و415 وحدة استيطانية على مساحة 38 ألفا و551 دونما، إضافة إلى شرعنة 11 بؤرة استيطانية.
أدت إجراءات الاحتلال والمستوطنين إلى تهجير 33 تجمعا بدويا فلسطينيا تتكون من 455 عائلة -تشمل 2853 فردا- من أماكن سكنهم إلى أماكن أخرى.
تم اقتلاع وتحطيم 48 ألفا و728 شجرة، منها 37 ألفا و237 شجرة زيتون.
إقامة 114 بؤرة استعمارية جديدة، ليصبح مجموع البؤر في الضفة 256، إضافة إلى 180 مستوطنة كبيرة يسكنها إجمالا نحو 700 ألف مستوطن.
المصدر:
القدس