آخر الأخبار

استهداف "الأونروا" .. امتداد لـ"صفقة القرن" ومحاولة لتصفية قضية اللاجئين

شارك

حكم شهوان: مجرد تفكير واشنطن بإعلان "الأونروا" مؤسسة إرهابية مخالف لقرار الجمعية العمومية كونها الجهة المؤسِّسة والداعمة لأعمالها منذ تأسيسها

د.فريد إسماعيل: الولايات المتحدة الأمريكية يبدو أنها مصرة على الانضمام إلى إسرائيل في محاولة القضاء على "الأونروا" من خلال اتهامها بالإرهاب

سامي مشعشع: المناقشات السريالية "اللاقانونية بامتياز" داخل إدارة ترمب سابقة خطيرة تقلب أسس النظام الدولي القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية

د. عبد ربه العنزي: استهداف "الأونروا" محاولة لنزع الشرعية عن قضية اللاجئين ومسّ مباشر بالقضية الفلسطينية وبخاصة حق العودة والاعتراف الدولي بالنكبة

جودت مناع: التوجّه الأمريكي يعكس رغبة واضحة في إعادة تعريف قضية اللاجئين خارج إطار الأمم المتحدة ودفع الدول المانحة للتردد بل والانسحاب من دعم "الأونروا"

د. شفيق التلولي: تطور خطير في سياسة واشنطن وتحوّل يبتعد عن أي مقاربة سياسية جادة لحل القضية الفلسطينية في وقت تتحدث فيه عن "فتح أفق سياسي"

تناقلت وسائل إعلام ووكالات دولية أنباء وتقارير عن إجراء مسؤولين في إدارة الرئيس الأمركي دونالد ترمب مناقشات في مرحلة متقدمة بشأن فرض عقوبات متعلقة بالإرهاب على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ما يثير مخاوف قانونية وإنسانية بالغة بشأن التوجه الأمريكي.

ويرى خبراء ومحللون في أحاديث منفصلة لـ"ے" أن مجرد تفكير واشنطن بإعلان "الأونروا" مؤسسة إرهابية أو داعمة للإرهاب يُعد مخالفاً لقرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة ، كونها الجهة المؤسِّسة والداعمة لأعمال الوكالة الأممية منذ تأسيسها، ومعاكساً لقرارات الأغلبية الساحقة من دول العالم، محذرين من أن المناقشات الجارية داخل إدارة ترمب تشكل سابقة خطيرة ومجنونة ليس فقط بسبب ما قد تخلّفه من تداعيات إنسانية كارثية على ملايين اللاجئين، بل أيضاً لما قد تمثله من سابقة "قانونية" ‪)وهي لا قانونية بامتياز‪( تقلب أسس النظام الدولي القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

محاولة من أمريكا لفرض شروطها ورؤيتها

يرى رئيس المكتب التنفيذي ورئيس طاقم العاملين لدى "الأونروا" سابقاً حكم شهوان أن مجرد التفكير من قبل الولايات المتحدة بإعلان "الأونروا" مؤسسة إرهابية أو داعمة للإرهاب، يُعد مخالفاً لقرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة ، كونها الجهة المؤسسة والداعمة لأعمال الوكالة الأممية منذ تأسيسها، ومعاكساً لقرارات الأغلبية الساحقة من دول العالم.

وقال: في قرارٍ كهذا، إن تم اتخاذه، يبدو أن رسالة الولايات المتحدة هي أن انفرادها باستخدام الفيتو في مجلس الأمن لم يعد كافياً، وتم توسيعه الآن لمخالفة قرارات الشرعية الدولية الصادرة عن الجمعية العمومية، إذ لا تتمتع فيها الولايات المتحدة الأمريكية بحق الفيتو، ما يستوجب على الجمعية العمومية استصدار رأي وموقف قانوني دولي لمواجهته.

وأوضح شهوان أن الولايات المتحدة كانت ومنذ تأسيس وكالة الغوث تتفاخر دائماً بأنها أكبر المانحين لها، وكانت عضواً في اللجنة الاستشارية لـ"الأونروا"، وترأستها بشكل دوري، كان آخرها بين تموز 2023 ولغاية حزيران 2024، وعملت على سد العجز المالي لـ"الأونروا" في عدة سنوات، لقناعتها المعلنة بأن "الأونروا" تشكل عامل استقرار رئيسياً في المنطقة.

وأضاف: أما اليوم، فمن الواضح أن الإدارة الحالية للولايات المتحدة لا تريد هذا الاستقرار، لتفرض شروطها وسلطتها على المنطقة وعلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة.

وأكد شهوان أنه "من الناحية العملية، فإن مثل هذا القرار سوف يؤثر سلباً وبشكل مباشر على قدرة "الأونروا" على تنفيذ مهامها الأممية بسبب التعقيدات التي قد تنتج، مثلاً: ماذا سيحصل للحوالات البنكية الدولية التي تمر بالعادة من مصارف أمريكية؟ وماذا سيحصل في مدخرات العاملين في "الأونروا" التي تُستثمر في شركات عاملة في الولايات المتحدة؟ محذراً من أن هناك مخاطر أيضاً من تجميد أرصدة تابعة لـ"الأونروا".

تخوف من أن تدخل دول أُخرى في الركب الأمريكي

وأشار شهوان إلى أن هناك تخوفاً كبيراً من أن تتبع دول أُخرى قرار الولايات المتحدة، كما حصل عند وقف تمويل الولايات المتحدة بين الأعوام 2018-2021 ومنذ عام 2024 حتى الآن، مشدداً على أن من شأن ذلك أن يخرق حيادية مؤسسات أممية أُخرى، والتي ستصبح "موالية" لمواقف الولايات المتحدة خوفاً على وجودها.

واستذكر قرار الكنيست الإسرائيلي الأخير الخاص بعمليات "الأونروا" الذي تم تعديله، وإزالة مصطلح إرهاب متصل بـ"الأونروا"، واكتفت بمنعها من العمل في إسرائيل، أو التعامل معها من قبل شركات ومؤسسات إسرائيلية.

وأوضح شهوان في ختام حديثه أن التقارير الخاصة بالتحقيقات المستقلة الدولية نفت أي دليل يثبت أي تورط للوكالة الأممية مع "حماس"، كما ادعت الحكومة الإسرائيلية التي لم تُبرز أدلة لتثبت تلك الاتهامات، بل على العكس، حيث أقر تقرير كولونا الدولي والمستقل بأن "الأونروا" تتعاطى بشكل أكثر حزماً بموضوع الحيادية، مقارنة بباقي مؤسسات الأمم المتحدة والمؤسسات غير الحكومية الدولية.

مخاوف قانونية وإنسانية بالغة

وأكد الكاتب والمحلل السياسي د.فريد إسماعيل، عضو اللجنة المركزية لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني– لبنان، أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب تُجري مناقشات بهدف فرض عقوبات متعلقة بالإرهاب على وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، أو حتى اعتبارها "منظمة إرهابية أجنبية"، ما يثير مخاوف قانونية وإنسانية بالغة.

وأشار إلى أنه "على الرغم من أنه منذ كانون الثاني/يناير 2024، تحقق 4 جهات مستقلة في حيادية "الأونروا"، من بينها مجلس الاستخبارات الوطنية الأمريكي. وتوصلت جميعها إلى نفس النتيجة، وهي أن "الأونروا" جهة إنسانية محايدة لا غنى عنها، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية مصرة على ما يبدو على الانضمام إلى إسرائيل بعملية محاولة القضاء على "الأونروا" من خلال اتهامها بالإرهاب، ما يعني أن أمريكا تريد القضاء على موضوع اللاجئين بحكم ان "الأونروا" هي الشاهد الدولي على نكبة الشعب الفلسطيني والضامنة لحق العودة.

وأكد إسماعيل أن الشعب الفلسطيني في لبنان ينظر بقلق شديد للموقف الأمريكي، إضافة إلى هدفه السياسي، من انعكاسات على الواقع المعيشي لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين في مختلف مناطق عمل "الأونروا" ومنها لبنان.

ولفت إلى أن "الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان منذ سنوات كان لها الأثر المباشر على الواقع المعيشي لأبناء شعبنا الفلسطيني في مخيمات وتجمعات اللجوء في هذا البلد، وزاد من اعتمادهم على الخدمات التي تقدمها "الأونروا" رغم التقليصات التي طالتها بسبب الأزمة المالية التي تعصف بـ(الأونروا)".

وحذر إسماعيل من أنه "إذا نفذت الولايات المتحدة الأمريكية تهديداتها، فهذا سيكون له انعكاساته على الدول المانحة التي تدعم "الأونروا" والتي لن تستطيع مواجهة القرار الأمريكي الذي ستضغط الولايات المتحدة الأمريكية لفرضه عليها، ما يهدد بانهيار منظومتي التعليم والصحة لدى "الأونروا" التي يعتمد عليها أبناء شعبنا اللاجئين بشكل شبه كامل".

وكشف أن هناك تخوّفاً من أن عشرات مدارس "الأونروا" المنتشرة على مدى الانتشار الفلسطيني في مخيمات وتجمعات اللجوء في لبنان ستكون مهددة بالإقفال، في الوقت الذي لا يملك فيه الفلسطيني إمكانية إلحاق أبنائه بالمدارس الخاصة، وهو الممنوع من العمل في لبنان ومن الحقوق المدنية والاجتماعية، وبالكاد يؤمّن قوت يومه، ما يعني حرمان اللاجىء من التعليم.

وتابع إسماعيل: إن الأخطر من ذلك هو انعكاس هكذا قرار على الواقع الصحي، حيث سيحد من قدرة "الأونروا" على الاستمرار في تقديم الخدمات الطبية من علاج ودواء في عياداتها، والتي تعتمد عليها كل قطاعات أبناء شعبنا الفلسطيني، لا سيما أن أصحاب الأمراض المزمنة وغيرها يعتمدون بشكل كامل على ما تقدمه لهم "الأونروا" من دواء.

وأكد أنه "بغياب التمويل لن تتمكن "الأونروا" من تغطية أي جزء من تكلفة الاستشفاء والعمليات الجراحية، وربما يضع هذا القطاع أمام الإقفال التام، ما يضع اللاجئين أمام كارثة صحية، إلى جانب الكارثة التربوية التي لن يكونوا قادرين على مواجهتها، يضاف إلى ذلك أن آلاف الموظفين سيوضعون أمام واقع فقدانهم وظائفهم، ما يعني تفاقم نسبة الفقر لدى اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، التي هي في الأصل مرتفعة جداً".

وختم إسماعيل حديثه لـ "ے" بالقول: "يرى ترمب وفريقه أن "الأونروا" تعزز من حالة اللجوء، وبنظرهم فإن إنهاء دعم "الأونروا" يمثل خطوة نحو فرض حل دائم للصراع من خلال دمج اللاجئين في البلدان المضيفة لهم، بدلًا من العودة إلى فلسطين، و يعتبرون بقاء "الأونروا" عقبة أمام عملية السلام، لأنها تمثل رمزًا لإدامة قضية اللاجئين الفلسطينيين. فالهدف الأمريكي لخطوةٍ كهذه، من وجهة نظر اللاجئين الفلسطينيين، هو فرض التوطين والقضاء على حق العودة الذي تمثل "الأونروا أحد حصونه".

سابقة خطيرة ومجنونة

من جانبه، قال سامي مشعشع، الناطق باسم وكالة الغوث سابقاً والخبير بشؤون المنظمات الدولية: إن المناقشات السريالية الجارية داخل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب حول احتمال فرض عقوبات مرتبطة بالإرهاب على "الأونروا" (عملياً إعلانها منظمة إرهابية أو راعية للإرهاب) تشكل سابقة خطيرة ومجنونة ليس فقط بسبب ما قد تخلّفه من تداعيات إنسانية كارثية على ملايين اللاجئين، بل أيضاً لما قد تمثله من سابقة "قانونية" [وهى لا قانونية بامتياز] تقلب أسس النظام الدولي القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

وأكد أن تصنيف وكالة أنشأتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949 كـمنظمة إرهابية يشكل خرقاً غير مسبوق، ويكشف تحوّلاً في العمل السياسي الأمريكي، من توظيف العقوبات كأداة لضبط السلوك والضغط والبلطجة الديبلوماسية إلى استخدامها كسلاح أيديولوجي يطول حتى البنى المؤسسية العالمية التي يفترض أن تبقى خارج حلبة الصراع السياسي.

صراع داخل إدارة ترمب

وأشار مشعشع إلى أن ما يتسرب الآن من داخل اروقة وزارة الخارجية الأمريكية يشير إلى صراع بين أفراد تم تعيينهم بقرارسياسي من ادارة ترمب وهم الذين يلهثون لوسم "الأونروا" بالإرهاب، وبين الدبلوماسيين المهنيين المخضرمين والخبراء القانونيين داخل وزارة الخارجية الذين يدركون حجم المخاطر والتبعات القانونية والسياسية والإنسانية لهكذا قرار سيضع الولايات المتحدة في مواجهة التزاماتها بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وقد يفتح الباب أمام طعون قانونية تمتد إلى محاكم أمريكية ودولية، بل وربما يعرّض مسؤولين أمريكيين أنفسهم للمساءلة.

وأكد أن "الضغط الإسرائيلي المتواصل لتفكيك الوكالة منذ سنوات، والذي تزايد حدّةً مع حملة اتهامات غير موثقة وغير مثبتة بأدلة دامغة تتعلق بمشاركة عدد محدود من الموظفين في هجوم 7 أكتوبر 2023، يقف وراء هذا التطور الخطير".

وقال: المربك فى الموضوع هو أن تحقيقات عدة أجرتها جهات مستقلة، بما في ذلك مجلس الاستخبارات الوطنية الأمريكي ذاته، ولجان تحقيق من داخل الامم المتحدة ولجان تحقيق مستقلة، والأهم استنتاجات محكمة العدل الدولية ذاتها، لم تجد ما يشير إلى تورط للوكالة، بل أكدت حياديتها وعدم إمكانية الاستغناء عنها.

ويرى مشعشع أن "العقاب الجماعي لمؤسسة دولية كاملة لا يمكن تبريره/تسويقه بتجاوزات فردية لعاملين بـ"الأونروا" (سواء ثبت بطلانها من عدمه)، وبالتالي فإنّ استخدام اتهامات سياسية باطلة كأدلة قانونية هو باطل قانونياً.

وأكد أن الإدارة الأمريكية الحالية تسعى لاستثمار ملف "الأونروا" في سياق صراع أوسع مع الأمم المتحدة، وفي إطار خطاب انتخابي يعلي من شأن السيادة الأمريكية على حساب الالتزامات متعددة الأطراف.

ومن زاوية استراتيجية أعمق، قال مشعشع: إن استهداف "الأونروا" يمثل جزءاً من إعادة تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية نفسها، بحيث تُختزل في ثنائية "صديق–عدو"، وتخضع المؤسسات الدولية لميزان الولاء السياسي، لا لشرعية القانون. وهذا الاتجاه، إذا ترسخ، قد يضعف قدرة المجتمع الدولي على التدخل الإنساني في أي سياق، ویشجع دولاً أخرى على استخدام المنهج نفسه ضد وكالات أممية لا تتسق مع توجهاتها السياسية.

وأكد مشعشع أن "الخطر الأكبر يكمن في التداعيات العملية لأي عقوبات محتملة، فـ"الأونروا" لا تمثل فقط جهازاً بيروقراطياً يوفر خدمات إغاثية، بل منظومة كاملة تحمل على عاتقها التعليم والصحة والإغاثة لأكثر من ستة ملايين لاجئ في غزة والضفة وسوريا ولبنان والأردن، محذراً من أي تجميد للأصول أو تقييد للتحويلات النقدية أو منع للتعامل معها أو مع مسؤوليها قد يؤدي إلى انهيار سريع في القدرة على تشغيل المدارس والمستشفيات ومرافق الإغاثة، خصوصاً في غزة، حيث يعتمد السكان بشكل كبير على خدماتها.

منعطف خطير في الصراع على قضية اللاجئين

وقال رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة د. عبد ربه العنزي: "يمثّل الحديث عن نقاشات متقدمة داخل إدارة ترمب لفرض عقوبات "إرهابية" على "الأونروا" منعطفًا خطيرًا في الصراع على قضية اللاجئين الفلسطينيين".

واكد ان الاستهداف هنا لا يتعلق بمؤسسة خدمية فحسب، بل هو مسّ مباشر بجوهر القضية الفلسطينية، وبخاصة حق العودة والاعتراف الدولي بالنكبة.

وشرح العنزي بأنه "على المستوى السياسي، يشكل التصنيف المقترح محاولة لنزع الشرعية عن قضية اللاجئين عبر ضرب الشاهد الدولي الوحيد المتبقي على جريمة التهجير عام 1948"، لافتاً إلى أنه امتداد واضح لسياسات "صفقة القرن" التي سعت سابقًا إلى تجفيف تمويل الوكالة، لكنه يأتي الآن بصورة أشد عبر وصمها بـ"الإرهاب".

وحذر العنزي من أن هذه الخطوة تُظهر استعداد واشنطن لاستخدام أدوات الإرهاب لابتزاز مؤسسات أممية كلما تعارض عملها مع المصالح الإسرائيلية، في سابقة قد تهدد مستقبل منظومة الأمم المتحدة نفسها.

وأضاف :كما تمثل الخطوة محاولة لتجريد المخيمات من أي حماية دولية، وترك اللاجئين لمصيرهم أمام الضغوط المحلية وسياسات الإخلاء والدمج القسري.

وأوضح العنزي أن إسرائيل ستستغل التصنيف لتعزيز سرديتها بأن (الأونروا) "جهة مشبوهة"، ما يساهم في إعادة صياغة الرواية الدولية حول اللاجئين من "شعب له حق مسلوب" إلى "مجموعة تتلقى مساعدات تحت شبهات أمنية".

وقال العنزي: قانونيًا، يفتح التصنيف الباب أمام تفريغ ملف اللاجئين من محتواه الدولي، ويمنح إسرائيل فرصة للادعاء بأن "غياب "الأونروا" يعني غياب اللاجئين".

وتابع: كما أنه يخلق سابقة يمكن تطبيقها مستقبلًا على مؤسسات أممية أخرى تعمل في ملفات حقوق الإنسان أو التحقيق في الانتهاكات. وقد يُعرّض آلاف موظفي الوكالة لمخاطر الملاحقة أو تقييد الحركة بذريعة "التعامل مع جهة مصنّفة".

أما إنسانيًا، فيحذر العنزي بهذا الخصوص من أن العواقب ستكون كارثية على أكثر من 5.9 مليون لاجئ يعتمدون على خدمات "الأونروا" في التعليم والصحة والإغاثة.

كما حذر العنزي من أن تعطّل المدارس والعيادات والمساعدات الغذائية سيؤدي إلى انهيار اجتماعي واقتصادي في غزة والضفة ولبنان وسوريا والأردن، مع احتمالات عالية لتصاعد التوترات داخل المخيمات، وارتفاع معدلات الفقر، والهجرة غير الشرعية، وربما انفجار أمني في المناطق الأكثر هشاشة.

الملف الإنساني أصبح جزءاً من حرب الإرادات السياسية

بدوره، قال جودت مناع، عضو سابق في مجلس الدفاع عن المخيمات الفلسطينية: "إذا حدث هذا القرار، فهو يعني باختصار: أن واشنطن انتقلت من سياسة (تقليص دور "الأونروا") إلى استهداف وجودها، وأن الملف الإنساني أصبح جزءًا من حرب الإرادات السياسية"، مؤكداً أن "الولايات المتحدة تمارس ضغطًا مركّبًا على الشعب الفلسطيني عبر ضرب مصدر حياته اليومي، لا فقط عبر السياسة والدبلوماسية في فلسطين والدول التي تستضيف اللاجئين".

ويرى مناع أنه "في خضمّ النقاشات المتقدمة داخل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب حول فرض عقوبات متعلقة بالإرهاب على "الأونروا"، يجد الفلسطينيون أنفسهم أمام أخطر محاولة لاستهداف جوهر قضيتهم منذ عقود. فـ"الأونروا" ليست مجرد وكالة خدمات، بل هي الشاهد الدولي الأخير على وجود قضية اللاجئين، والإقرار الأممي بأن شعبًا اقتُلع من أرضه وما زال ينتظر عدالته المؤجلة.

وتابع: هذا التوجّه الأمريكي يحمل دلالات تتجاوز البعد التقني أو الإداري. ويعكس رغبة واضحة في إعادة تعريف قضية اللاجئين خارج إطار الأمم المتحدة، ودفع الدول المانحة إلى التردد بل والانسحاب من دعم الوكالة، تمهيدًا لتفريغها من مضمونها وتهيئة الرأي العام الدولي للقبول بإنهاء دورها التاريخي.

من "تقليص التمويل" إلى محاولة التجريم

وأوضح مناع أنه تحوّل من سياسة "تقليص التمويل" التي اتُبعت في سنوات سابقة، إلى محاولة تجريم المؤسسة نفسها، وكسر الحصانة الدولية التي تحمي موظفيها، وخلق سابقة قانونية قد تمتد آثارها إلى كامل منظومة العمل الأممي.

ويرى مناع أن الأثر الإنساني، هو الأكثر خطورة، وأن العقوبات، إن فُرضت، ستُصيب ملايين اللاجئين في فلسطين والشتات بحرمان مباشر من التعليم والصحة والإغاثة، لافتاً إلى أنه في غزة وحدها، سيعني الأمر شللاً في توزيع الغذاء وإغلاق المدارس والعيادات. وفي لبنان والأردن، سيضاعف الأزمة الاقتصادية والاجتماعية ويُثقِل كاهل دولٍ لا تملك القدرة على استيعاب تبعات الانهيار الكامل للوكالة.

وأكد مناع أن المساس بـ"الأونروا" ليس خطوة إدارية، بل إعلان سياسي يهدف إلى ضرب حق العودة من جذوره، وتحويل اللاجئين إلى “مجرد أفراد” بلا قضية وبلا مرجعية قانونية لافتا، أن مسؤوليتنا -كفلسطينيين، قيادة ومجتمعًا مدنيًا وإعلامًا- أن نرفع الصوت، ونُذكّر العالم بأن قضية اللاجئين ليست رقماً في سجلات التمويل، بل قلب الصراع وجوهر العدالة المنشودة.

وأوضح أن مثل هذا القرار المفترض يكشف عن محاولة لإغلاق دائرة أشكال الدعم الأمريكي لإسرائيل بعد أن وصل الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل إلى ذروته، مضيفاً: إنه من شأن هذا القرار تقويض الخطة الأمريكية للسلام في فلسطين، وإن اتخاذه خارج إطار مجموعة القادة العرب والمسلمين الذين التقى بهم ترمب في واشنطن يشكل تجاوزاً يتعيّن أخذه على محمل الجد، ويضاف إلى تجاهل عمليات المستوطنين الإرهابية في الضفة الغربية.

واختتم مناع حديثه بالقول: "إن تسريب المعلومات عن هذا القرار المفترض في ظل استمرار معاناة ملايين الفلسطينيين من تداعيات حرب الإبادة الاسرائيلية واحتمال الإعلان عنه رسمياً يعكس نوايا عقابية على الشعب الفلسطيني بمجمله وليس على "الأونروا" فحسب".

دفع الفلسطينيين نحو كارثة إنسانية حقيقية

ويرى الكاتب والمحلل السياسي د. شفيق التلولي إن التصريحات الصادرة من داخل الإدارة الأمريكية بشأن إغلاق أو إنهاء أو تجريم وكالة "الأونروا" تمثل تطوراً خطيراً في السياسة الأمريكية، وتحولًا يبتعد عن أي مقاربة سياسية جادة لحل القضية الفلسطينية.

وأضاف أن هذه التصريحات تأتي في وقت تتحدث فيه إدارة ترمب عن "فتح أفق سياسي" بعد الحرب في غزة، لكنها عمليًا تنتقل من سياسة تقليص خدمات "الأونروا" خلال الولاية السابقة إلى طرح أخطر يتمثل في وسمها بالإرهاب.

وأوضح التلولي أن تجريم "الأونروا" ليست خطوة سياسية فحسب، بل تحمل أبعادًا إنسانية عميقة، لأن الوكالة مرتبطة مباشرة بقضية اللاجئين وحق العودة، وتقدم خدمات تعليمية وصحية ومعيشية لأكثر من ستة ملايين لاجئ فلسطيني، وتشغّل آلاف الموظفين. وبالتالي فإن استهدافها يعني دفع الفلسطينيين نحو كارثة إنسانية حقيقية، وتقويض البنية الصحية والتعليمية والإغاثية التي يعتمد عليها الشعب الفلسطيني.

وأشار إلى أن هذه الخطوة تتعارض مع التصويت الدولي الواسع –أكثر من 150 دولة– لصالح استمرار عمل "الأونروا"، ما يضع الولايات المتحدة في مواجهة مباشرة مع الأمم المتحدة ومع غالبية المجتمع الدولي، ويضر بسمعتها بسبب عدم احترامها القانون الدولي.

ويرى الكاتب التلولي أن ربط هذه التصريحات برفع العلم الإسرائيلي مؤخرًا فوق مقر "الأونروا" في القدس يُظهر حالة من التماهي الأمريكي مع السلوك الإسرائيلي الذي يسعى لتجريم الوكالة ومنع عملها داخل القدس، وهو ما يعد اعتداءً واضحًا على منظومة الأمم المتحدة، محذراً من أن تبنّي الإدارة الأمريكية هذه الطروحات سيعني اصطفاف واشنطن التام مع سياسات الاحتلال، بما فيها الاستيطان والضم وتصفية القضية الفلسطينية.

كما توقع أن تبرز تباينات داخل الإدارة الأمريكية نفسها، إذ من غير المرجح أن توافق مؤسسات القرار الأمريكي العميق على الانزلاق نحو سياسات تفرضها القوى اليمينية الإسرائيلية.

وأكد أن الولايات المتحدة تشهد بالفعل تغيرات في الرأي العام وفي خطاب المؤسسات، بما فيها الكونغرس، خاصة لدى فئة الشباب، سواء من الديمقراطيين أو الجمهوريين وحتى الشباب اليهود، وهو ما قد يشكّل ضغطًا على إدارة ترمب لعدم الانحياز المطلق لإسرائيل أو الانخراط في نزاعات الشرق الأوسط.

وختم التلولي بالقول: إن الولايات المتحدة اليوم أمام تحدٍّ حقيقي: إما أن تتحرك نحو مسار سياسي يؤدي إلى سلام عادل وحماية القانون الدولي، أو أن تعيد إنتاج الخطاب الإسرائيلي داخل السياسة الأمريكية، وهو ما سيكلفها خسائر كبيرة على المستوى الدولي في وقت تواجه فيه منافسة متصاعدة من قوى عالمية أُخرى.

القدس المصدر: القدس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا