في لحظة تاريخية فارقة، تتغير موازين القوى من الاعتماد على النفط إلى الاعتماد على الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، مما يعيد تشكيل الاقتصاد العالمي بشكل كبير ويؤثر على مختلف جوانب الحياة.
في عام 2023، تجاوز الأثر الاقتصادي العالمي للذكاء الاصطناعي 4 تريليونات دولار، ومن المتوقع أن يصل إلى 15 تريليون دولار بحلول عام 2030. ورغم تهديد الذكاء الاصطناعي لـ 300 مليون وظيفة مكتبية، إلا أنه ساهم في خلق 97 مليون وظيفة رقمية جديدة. تستثمر الولايات المتحدة مئات المليارات من الدولارات في الذكاء الاصطناعي، بينما تستثمر الصين مليارات الدولارات سنويًا، وتتجه دول الخليج أيضًا نحو استثمارات كبيرة في هذا القطاع.
تتقدم دول مثل الولايات المتحدة والصين والمملكة المتحدة في مؤشرات الجاهزية الرقمية، بينما تحتل الإمارات والسعودية وقطر مراتب متقدمة أيضًا. لقد أحدث الذكاء الاصطناعي تغييرات كبيرة في البنية الاقتصادية في منطقة الخليج، حيث يتم استخدامه في مختلف القطاعات مثل المرور والنقل والخدمات الحكومية.
يشهد العالم تحولًا من الاعتماد على القرارات البشرية إلى القرارات الخوارزمية في قطاعات مثل التصنيع والرعاية الصحية والخدمات المصرفية واللوجستيات والأمن والدفاع، مما يؤدي إلى تحقيق كفاءة إضافية في سلاسل الإمداد العالمية.
تتعامل دول الخليج مع الذكاء الاصطناعي كبنية تحتية للأمن القومي والقوة الجيو-اقتصادية، وتسعى السعودية إلى أن تكون دولة منتجة للتقنية من خلال تطوير نماذج لغوية عربية ضخمة وتخريج متخصصين في هذا المجال.
إن احتضان الذكاء الاصطناعي يمثل مسؤولية معرفية وأخلاقية، وإذا استمرت دول الخليج في هذا المسار، فقد تصبح لاعبًا محوريًا في صناعة القرار التكنولوجي العالمي. وتعد "رؤية السعودية 2030" والاستراتيجية الإماراتية القائمة على "الذكاء الاصطناعي أولاً" ركيزتين أساسيتين لتحقيق هذا الدور.
هل ستصبح الدول العربية شريكة في بناء الحضارة الرقمية، أم ستكتفي بدور المتفرج؟ وهل سيُمسك بزمام المستقبل من يملك النفط، أم من يملك الخوارزميات والبيانات؟ إن الذكاء الاصطناعي يمنح العرب فرصة للمشاركة في صنع العالم، بشرط أن تكون المنطقة منتجة لهذه التقنية لا مستهلكة لها.
المصدر:
القدس