بعد مرور 48 ساعة فقط على إعلان القناة 12 العبرية عن توجيهات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باعتقال 70 مستوطناً وإخلاء 14 بؤرة استيطانية في الضفة الغربية، نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت تفاصيل خطة استيطانية مناقضة تماماً، تتضمن تخصيص مئات الملايين من الدولارات للاستيطان والبؤر الاستيطانية.
ذكرت القناة الإسرائيلية يوم السبت أن نتنياهو أمر باعتقال 70 مستوطناً متهمين بالمسؤولية عن "أعمال عنف في الضفة" وبإخلاء 14 بؤرة استيطانية في الضفة الغربية تصنف "مصدراً للإرهاب اليهودي".
في المقابل، ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت يوم الاثنين أن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش خصص مبلغ 2.7 مليار شيكل (حوالي 843 مليون دولار) لتعزيز الاستيطان في الضفة خلال السنوات الخمس المقبلة، بما في ذلك 17 مستوطنة تم الاعتراف بها مؤخراً و36 مستوطنة وبؤرة استيطانية قيد التنظيم.
يرى الفلسطينيون في أوامر نتنياهو "ذرًا للرماد" في العيون، وإعلاناً فارغ المضمون، خاصة وأن الاعتقالات لا تطال مستوطنين قتلوا 36 فلسطينياً وأصابوا العشرات في العامين الأخيرين.
وفقًا لمدير دائرة القانون الدولي في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، حسن بريجية، فإن أوامر نتنياهو "بلا معنى" وتخالفها الوقائع على الأرض. وأضاف أن الحديث عن إزالة 14 بؤرة لا يخضع للإجراءات الرسمية، نابع من اعتبارات إسرائيلية محضة وليس لكونها اعتداء وجريمة، وسرعان ما جاءت الأخبار بالنقيض حيث ذكرت الصحافة العبرية أن الحكومة ستمول بناء وشرعنة عشرات المستوطنات والبؤر الاستيطانية.
أوضح بريجية أن إزالة 14 بؤرة، حتى لو حصل، لا يشكل إجراء ذا قيمة مع وجود أكبر من 250 بؤرة في الضفة الغربية، نحو نصفها أقيم في آخر عامين. ويجزم بأن الاعتقالات لا تطال مستوطنين قتلوا أو هاجموا أو اعتدوا على فلسطينيين، معتبراً أن ما يجري مجرد استدعاءات ثم يطلق سراح المجرمين. ويرى أن المطلوب تدخل دولي لحظر عشرات آلاف المؤسسات والمنظمات الإسرائيلية الداعمة للاستيطان.
من جهته، يلفت الباحث الحقوقي في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، عماد أبو هواش، إلى أن اثنين من المستوطنين في مسافر يطا جنوبي مدينة الخليل كانا ضمن قائمة العقوبات الأميركية في الإدارة السابقة، وأزالتهما الإدارة الحالية، موضحاً أنهما حران ويتحركان بلا قيود. ويضيف أن المستوطن ينون ليفي المتهم بقتل الناشط عودة الهذالين أواخر يوليو/تموز بخِربة أم الخير أخلي سبيله إلى الإقامة الجبرية، في حين يمارس المستوطن "يسخار مان" حياته الطبيعية في تلال جنوب الخليل، وهكذا باقي القتلة في سائر أنحاء الضفة.
يرى الخبير في الشأن الإسرائيلي، علاء الريماوي، أن إقرار 2.7 مليار دولار للبناء الاستيطاني في الضفة جاء رداً عملياً على ما نشر عن إخلاء بؤر استيطانية واعتقال مستوطنين، معتبراً أن "المبالغ المعلن عنها أمس مهولة وغير مسبوقة تاريخياً في أي حكومة". وأوضح أن المخطط الجديد يعيد بناء الضفة على قاعدة استيطانية متسعة، ويعني عملياً نهاية شمالي الضفة الغربية من حيث إمكانية التوسع الديمغرافي فلسطينياً.
وحول دواعي إعلان نتنياهو، قال الريماوي إنه جاء في ضوء انتقادات أميركية وأوروبية لتزايد عنف المستوطنين باعتبارها تؤثر على التحركات السياسية في المنطقة، خاصة في جولات التفاوض بشأن غزة ومن قبل الوسطاء في اتفاق وقف إطلاق النار. ويشير إلى أن المعلومات المتوفرة لديه تدل على أن الولايات المتحدة تحدثت إلى الإسرائيليين بخصوص ارتفاع عنف المستوطنين بشكل كبير.
وتابع أن تحرك نتنياهو "الشكلي" و"المراوغ" جاء بعد أن تحولت اعتداءات المستوطنين إلى مادة إعلامية دسمة في الإعلام الغربي، مبيناً أن الحديث عن الاعتقالات يتعلق بأعمال عنف قام بها مستوطنون ضد الجيش الذي يحاول أن يثبّت نفسه كحاكم ومتحكم بالضفة الغربية ولا يريد أن يسلّم السيادة للمستوطنين. وأوضح أن كافة أفعال المستوطنين قبل الحرب كانت تتم بتنسيق مع الجيش، لكن في العام الأخير من الحرب على غزة رأى مجلس المستوطنات أنه أعلى من الجيش في مسألة الوصاية على الضفة الغربية ومن هناك يحاول الجيش استعادة سلطته.
وفقاً لمعطيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان حتى نهاية 2024، بلغ عدد المستوطنين في الضفة حوالي 770 ألفاً، يتوزعون على 180 مستوطنة و256 بؤرة استيطانية. كما استولت سلطات الاحتلال على 55 ألف دونم وأقامت 25 منطقة عازلة حول المستوطنات في الضفة خلال عامي حرب الإبادة بين 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 و7 أكتوبر/تشرين الأول 2025.
خلال الفترة نفسها، درست الجهات التخطيطية 355 مخططاً هيكلياً استيطانياً وتمت شرعنة 11 بؤرة استيطانية، وإقامة 114 بؤرة جديدة، في حين أشعل المستوطنون 767 حريقاً وهجروا 33 تجمعاً بدوياً وتضررت نحو 49 ألف شجرة. وفي المقابل، نفذت سلطات الاحتلال 1014 عملية هدم وسلمت 1667 إخطاراً لهدم منشآت فلسطينية.
المصدر:
القدس