آخر الأخبار

الإخوان المسلمون: عودة الجدل العالمي في ظل تحولات إقليمية ودولية

شارك

في خضم التغيرات التي تشهدها المنطقة، وبروز الإسلام السياسي كقضية دولية، يعود اسم "الإخوان المسلمين" إلى دائرة النقاش العالمي، ليس كحركة اجتماعية وسياسية فحسب، بل كعنوان لصراع جديد يتجاوز الحدود المحلية والإقليمية.

في هذا السياق، يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إعادة إحياء ملف قديم يتعلق بمحاولة تصنيف بعض فروع الإخوان كمنظمات إرهابية، في خطوة تتجاوز المعايير الأمريكية، وتتحول إلى أداة سياسية لإعادة تعريف "الخصم" في المنطقة.

إن الجدل حول الإسلام السياسي لا يهدأ، بل يعود بقوة أكبر في كل مرة، ويتخذ أبعادًا أوسع، ويتجاوز الإطار الوطني والإقليمي ليصبح قضية دولية تثير اهتمام الفاعلين الدوليين.

يتجدد هذا الجدل هذه المرة تحت عنوان التوجه الأمريكي لوضع جماعة الإخوان المسلمين في مصر ولبنان والأردن على قائمة المنظمات الإرهابية، وهو توجه يستدعي التوقف عنده لفهم الدوافع التي أعادت الجدل بشأن الإخوان.

إن إيعاز ترامب لوزير خارجيته ببحث إمكانية تصنيف جماعة الإخوان المسلمين في مصر ولبنان والأردن كمنظمة إرهابية، يعيد قضية قديمة أثيرت في الإدارات الأمريكية المتعاقبة، لكنها لم تصل إلى خواتيمها بسبب صعوبات قانونية وسياسية وأمنية.

حاول ترامب خلال ولايته الأولى المضي في هذا التصنيف، لكن تم التراجع بسبب عوائق قانونية وعدم استجابة مشروع القرار للمعايير القانونية المعتمدة في الولايات المتحدة.

من الواضح أن أطرافًا عديدة ساهمت في التأثير على ترامب للتوجه نحو تصنيف بعض جماعات الإخوان كمنظمة إرهابية، وعلى رأس هذه الأطراف إسرائيل واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية.

فقد حرض نتنياهو وحكومته واشنطن والدول الغربية على اتخاذ إجراءات ضد الإخوان، واعتبارهم يقفون وراء حملة العداء للسامية والتحريض على إسرائيل، وأنهم وراء تحريك الرأي العام العالمي ضد إسرائيل.

اعتبر نتنياهو أن الرأي العام الغربي والإعلام الغربي سقط في حبال الإخوان المسلمين وما يروجونه من دعاية ضد بلاده، ونزل اللوبي الصهيوني بثقله بعد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، من أجل استعادة صورة إسرائيل.

تشير تقارير إلى أن إسرائيل ضخت مئات الملايين في العواصم الغربية في إطار حملة علاقات عامة، بعد أن أدركت أن صورتها تضررت بشكل كبير، وأن الرأي العام الغربي تغير بشكل سلبي ضدها.

يعتقد مراقبون أن شخصيات من اليمين المتطرف الداعمين لإسرائيل لعبوا دورًا بارزًا في إقدام ترامب على هذه الخطوة، لا سيما رولا لومار المعروفة بحملاتها ضد الإسلام والمسلمين.

لذلك يمكن القول إن من يقف وراء تجريم الإخوان وإدراجهم على لائحة الإرهاب هي إسرائيل واللوبي الصهيوني المتغلغل بقوة في مفاصل الإدارة الأمريكية.

يبدو موقف ترامب الأخير بشأن الإخوان انزياحًا عن مقاربة أكثر تعقيدًا تبنتها الولايات المتحدة لعقود، وتقوم على عدم التعاطي مع التيارات الإخوانية، دون أن يعني ذلك مواجهتها أو الاشتباك معها.

إن إدارة ترامب بشعبويتها، واحتفائها بالأنظمة التسلطية في المنطقة، جعل التوجه لتجريم الإخوان، سبيلا للاستجابة للرغبة الإسرائيلية.

تؤكد مراكز صناعة القرار الأمريكية أن سياسة التواصل مع هذا التيار بشكل شبه رسمي، تبقي هذا التيار في الصورة، خاصة وأن التجربة أثبتت أنه مؤهل لأن يكون في الحكم بشكل أو بآخر، وبالتالي لا يمكن القطيعة الكاملة معه.

في وقت تسود فيه قناعة بأن مواجهة الأفكار والتوجهات ذات الأبعاد الثقافية والسياسية والاجتماعية، لا يمكن أن يكون بالقوة والعنف، تبدو فكرة تجريم الإخوان توجها انفعاليا، يقفز على هذه القناعة.

فجماعة مثل جماعة الإخوان، ليست ظاهرة عنفية طارئة، وإنما هي تيار فكري وسياسي واجتماعي، له جذور تاريخية عميقة، وانتشار واسع في المنطقة العربية، وقد صمد هذا التيار وازداد اتساعه في كل مرة يتعرض فيها لحملة من العنف والقمع.

أظهر هذا التيار قوة شعبية لافتة بعد ثورات الربيع العربي، ونجح في حسم لصالحه كل الاستحقاقات الانتخابية التي دخلها في المنطقة، وسادت قناعة بأن السبيل الأسلم في التعاطي مع هذا التيار هو التعامل معه، تواصلا واحتواء و"تأهيلا" وإشراكا.

إن التقاط أنظمة تسلطية لفكرة التجريم الأمريكي لهذا التيار، سيوفر لها غطاء لتصفية خصومها السياسيين ومعارضيها، وممارسة القمع والتضييق على الحريات وانتهاك حقوق الإنسان بحجة محاربة "الإرهاب".

اللافت أن هذا التيار الإخواني، ينبذ العنف والإرهاب، ويعتبر نفسه تيارا إصلاحيا، ويركز على التربية والإصلاح، وهذا التوجه تعكسه رؤية المؤسس حسن البنا.

لا يبدو توجه ترامب اليوم لتصنيف الجماعة ضمن قائمة الإرهاب، مستندا إلى معايير موضوعية، أو يعتمد على حقائق موثقة تثبت تورط الجماعة في الدعوة للإرهاب أو ممارسته، فالحركة دأبت على إدانة كل أشكال العنف، ورفض الأعمال الإرهابية.

تظهر تجارب تيار الإسلام السياسي العام، أنه رغم ما تعرض له من عنف وإقصاء، إلا أن ردة فعله بشكل عام كانت دوما سياسية، وتجنب الاستدراج للعنف، وظل يتمسك بالسلمية ونهج اللاعنف.

إن ظهور تيارات عنيفة خلال العقود الماضية في المنطقة، يفسر في جزء منه باحتجاج تلك التيارات على تيار الإخوان الرافض للعنف، وظلمان ينعطفان على موقف أمريكي وغربي يتراوح بين رفض التعامل معه والاصطفاف ضده.

لا شك أن تيار الإسلام السياسي عموما والإخوان خصوصا، داخل مسارهم ومسيرتهم ككل القوى السياسية والاجتماعية التي عرفتها المنطقة، العديد من الأخطاء والخيبات، لا تعود كلها إلى غيرهم بل إلى أخطائهم الذاتية، وسوء تدبيرهم وتخطيطهم وتسييرهم.

ولذلك لا يجب أن يركن هذا التيار لفكرة المظلومية، فيفوّت على نفسه فرصة تثوير جهازه المفاهيمي، ورؤيته الإصلاحية، كضرورة وجودية لا غنى عنها للاستئناف.

خلاصة: تجدد الجدل بشأن تجريم بعض المنظمات الإخوانية أو إدراجهم ضمن قائمة الإرهاب، لا يمكن إخراجه من سياقاته الإقليمي والدولي، فقد نزلت إسرائيل بثقلها، تحريضا ضد الإخوان الذين ترى فيهم التيار الذي يقود اليوم المعركة ضدها، وهو تحريض تقاطع مع توجهات بعض السياسات العربية وموقفها المناهض للإخوان.

أما على المستوى الدولي فإن إدارة ترامب بشعبويتها، واحتفائها بالأنظمة التسلطية في المنطقة، والتراجع الكامل عن فكرة دعم الديمقراطية أو حماية الحريات وحقوق الإنسان في دول المنطقة، جعل التوجه لتجريم الإخوان، سبيلا للاستجابة للرغبة الإسرائيلية واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة والغرب، وتعزيزا لعلاقة المصالح ذات البعد التجاري المحض، لإدارة ترامب مع أنظمة المنطقة.

القدس المصدر: القدس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا