في السابع من ديسمبر 2025، وخلال زيارته لـ"إسرائيل"، عقد المستشار الألماني فريدرش ميرتس مؤتمراً صحفياً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المتهم بارتكاب جرائم حرب في غزة، وأكد ميرتس على أن "إسرائيل" حليف استراتيجي موثوق لألمانيا، مضيفاً أنه جاء كصديق في فترة مليئة بالتحديات، وأن ألمانيا تقف بجانب "إسرائيل" بقوة، خاصة بعد هجوم حماس في أكتوبر 2023.
تصريحات ميرتس لم تختلف عن تلك التي أدلى بها سلفه أولاف شولتز خلال زيارته لتل أبيب في أكتوبر 2023، حيث أكد أن أمن "إسرائيل" يمثل "مصلحة وطنية عليا" لألمانيا. هذه الرسالة الحاسمة تعكس استمرار الدعم الألماني.
ما صرح به ميرتس وشولتز ليس جديداً، بل هو تكرار لما قالته المستشارة السابقة أنجيلا ميركل أمام الكنيست في عام 2008، حين أكدت أن بقاء "إسرائيل" "مصلحة وطنية عليا" لألمانيا. ومع ذلك، تغير الكثير منذ انتهاء فترة حكم ميركل في ديسمبر 2021.
يعتبر "التكفير عن محرقة الهولوكوست النازية" عاملاً مهماً في تشكيل العلاقة الخاصة بين ألمانيا والكيان الصهيوني، خاصة في الشق الغربي من ألمانيا منذ عام 1949. وقد تعززت هذه المكانة بعد توحيد ألمانيا الشرقية والغربية في عام 1990.
في السنوات الأخيرة، بدأت تظهر مقاربة ألمانية جديدة في التعامل مع الكيان الصهيوني، تركز على البعد الأمني العسكري وعلاقات المصالح المتبادلة. وقد تعززت هذه العلاقة مع التغيرات الدولية، خاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022، وتزايد المخاوف من استمرار الدعم العسكري الأمريكي لحلف شمال الأطلسي، خاصة مع صعود تيار "أمريكا أولاً".
ألمانيا الجديدة مستعدة لتنحية الاعتبارات الإنسانية وإعطاء الأولوية للأمن القومي الألماني. وقد تجلى هذا التحول في تخلي برلين عن العقيدة الألمانية التي سادت بعد الحرب العالمية الثانية، حيث أعادت النظر في "الخطوط الحمراء" المتعلقة بالقوة العسكرية وشراء الأسلحة، والانتقال نحو "جيش قادر ومستعد".
انعكس هذا التحول في العقيدة الأمنية الألمانية من خلال إنشاء صندوق خاص بقيمة 100 مليار يورو لإعادة تسليح الجيش، وإعلانها إنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، وهو معيار يطلبه حلف شمال الأطلسي. كما وافق البرلمان الألماني على قانون لتحديث نظام الخدمة العسكرية وتعزيز عدد القوات من خلال التطوع.
في ظل هذا التحول الاستراتيجي، اتجهت الأنظار نحو الكيان الإسرائيلي كمصدر للأسلحة النوعية، وقد تم توقيع صفقة بين "إسرائيل" وألمانيا في سبتمبر 2023 لبيع نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي بعيد المدى "حيتس 3" بقيمة 3.6 مليار دولار، لتكون أكبر صفقة أمنية في تاريخ الكيان الإسرائيلي، وقد بدأ تشغيله في ألمانيا في ديسمبر 2025.
أشار نتنياهو إلى هذه الصفقة خلال المؤتمر الصحفي مع ميرتس، مؤكداً أن العلاقات الألمانية الإسرائيلية شهدت "تحولاً تاريخياً" في التعاون العسكري، وأن "إسرائيل" تدافع عن ألمانيا بعد 80 عاماً من المحرقة.
ألمانيا تعد ثاني أكبر مورد للأسلحة إلى الكيان الإسرائيلي بعد الولايات المتحدة، حيث وفرت 30% من واردات "إسرائيل" الرئيسية من الأسلحة بين عامي 2019 و2023، خاصة المعدات البحرية. وبعد فترة من حظر تصدير الأسلحة لتل أبيب بسبب الحرب على غزة، رفعت ألمانيا القيود في نوفمبر 2025.
يتضح من ذلك تطور العلاقة الاستراتيجية بين برلين وتل أبيب، مع تراجع اهتمام الجانب الألماني بتأثير ذلك على علاقاته بالدول العربية.
تعكس السياسة الخارجية الألمانية دعمًا قويًا لـ"إسرائيل" في المحافل الدولية وتبني الرواية الصهيونية، بالإضافة إلى تجريم أي انتقاد للإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة تحت مسمى "معاداة السامية".
المصدر:
القدس