آخر الأخبار

لقاء حواري لسلطة النقد... توصيات باعتماد فترة انتقالية تدريجية لتطبيق قانون خفض استخدام النقد

شارك

يحيى شنار: أهمية هذا اللقاء الحواري لأنه يأتي في إطار التحضيرات لإعداد تشريع اقتصادي يمهد لمواكبة التطورات المالية العالمية

محمد العامور: قانون خفض النقد ضرورة لضبط السيولة وتعزيز الاستقرار الاقتصادي.. وشراكة حقيقية بين الحكومة والقطاع الخاص

شرحبيل الزعيم: المعاملات الرقمية التي تديرها البنوك تحت إشراف سلطة النقد تتمتع بحماية عالية تصل إلى 99% والنظام مشفّر

مجدي الحسن: قانون "الكاش الرقمي" ليس قانوناً ضريبياً بحد ذاته لكنه يساهم في تعزيز العدالة الضريبية ورفع كفاءة الجباية

أوصى مشاركون بلقاء حواري نظمته سلطة النقد، أمس الإثنين، في فندق الكرمل بمدينة رام الله، باعتماد فترة انتقالية تدريجية لتطبيق قانون خفض استخدام النقد، بما يراعي خصوصية القطاعات المختلفة.

ونظمت سلطة النقد اللقاءً لمناقشة الإطار القانوني والآثار الاقتصادية لمشروع قانون خفض استخدام النقد، بمشاركة واسعة من ممثلي الوزارات والمؤسسات الرسمية، وممثلي القطاعات الاقتصادية والمالية والقانونية والسياسة، إلى جانب ممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني والخبراء المتخصصين.

وأوصى المشاركون في اللقاء في ورقة توصيات، تلاها عريف اللقاء أحمد أبو عليا، بمراجعة سقف المعاملات النقدية بما يتناسب مع طبيعة الأنشطة الاقتصادية، وكذلك تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للشمول المالي وتعزيز الوصول الى الخدمات المالية والمصرفية.

وأوصوا أيضاً بخفض الرسوم المرتبطة بالدفع الإلكتروني، وتوفير حلول دفع رقمية ميسّرة وذات تكاليف معقولة، وتعزيز حماية البيانات المالية وضمان حصر صلاحيات الاطلاع والمعالجة بما يحافظ على السرية المصرفية.

وأكد المشاركون ضرورة رفع جاهزية البنية التحية الرقمية، وإطلاق برنامج وطني للتوعية والتدريب يستهدف التجار والمواطنين والفئات غير المُمكنة رقمياً، وإدخال التعديلات المقترحة على مشروع القانون ورفعها الى مجلس الوزراء الموقر.

وأكد المشاركون أن نجاح التحول نحو اقتصاد رقمي يتطلب شراكة متواصلة بين سلطة النقد والقطاعين العام والخاص، ومراعاة احتياجات المواطنين، مع التشديد على أن القانون ينظم المعاملات الكبيرة ولا يستهدف التعاملات اليومية الاعتيادية.

القطاع المصرفي حافظ على استقراره وقدرته التشغيلية

وافتتح اللقاء الحواري محافظ سلطة النقد يحيى شنار، الذي أكد أهمية هذا اللقاء الحواري في إطار التحضيرات لإعداد تشريع اقتصادي يمهد لمواكبة التطورات المالية العالمية.

وأوضح شنار أن القطاع المصرفي الفلسطيني، ورغم ما واجهه من تحديات خلال السنوات الماضية، حافظ على استقراره وقدرته التشغيلية بفضل بنية تحتية مالية رقمية متطورة أسستها سلطة النقد ضمن رؤية استراتيجية شاملة تهدف إلى تعزيز الكفاءة والأمان ومواكبة التحول للاقتصاد الرقمي وتوفير الرفاهية للمواطنين.

وأشار محافظ سلطة النقد إلى أن مشروع قانون خفض استخدام النقد يشكّل خطوة تنظيمية مهمة لمعالجة تحديات التعامل بالنقد وتعزيز الشفافية وحماية المواطنين والتجار، دون التأثير على التعاملات النقدية الاعتيادية، كما أكد حرص سلطة النقد على إشراك مختلف القطاعات في صياغة المشروع وإلى نشرها مشروع القانون عبر منصة وزارة العدل ومنصة سلطة النقد الإلكترونية، بهدف السماح للجمهور إبداء ملاحظاتهم ومخاوفهم، إيماناً بأن نجاح أي تشريع اقتصادي يعتمد على الشراكة المجتمعية.

وشمل البرنامج الحواري ثلاث جلسات رئيسية تناولت عدد من المحاور المتعلقة بالقانون.

الجلسة الأولى: شرح بنود ومواد القانون..

وفي الجلسة الأولى، التي أدارها طاهر المصري من الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، جرى استعراض معمّق لبنود مشروع القانون وتحليل مدى انسجامه مع التشريعات النافذة والآثار القانونية المترتبة عليه، بمشاركة وكيل وزارة العدل المستشار أحمد ذبالح، ونقيب المحامين السيد فادي عباس، ومساعد عميد كلية الحقوق والإدارة العامة بجامعة بيرزيت الأستاذ محمود علاونة، الذين قدموا قراءات شاملة للجوانب القانونية والتشريعية ذات الصلة.

أحمد ذبالح: أهمية مشروع قانون خفض استخدام النقد تنبع من خطورة الأزمة المالية

وقدّم المستشار أحمد ذبالح، وكيل وزارة العدل، شرحاً معمقاً لأهمية مشروع قانون خفض استخدام النقد، مؤكداً أن أهميته تنبع من خطورة الأزمة المالية التي تعاني منها فلسطين، خصوصاً مشكلة تكدّس عملة الشيكل في المصارف وعند التجار والمواطنين في ظل غياب عملة وطنية متداولة.

وأوضح ذبالح أن العالم يعيش تحوّلاً رقمياً واسعاً في العمليات المصرفية والتجارية، ما يفرض على فلسطين تطوير تشريعاتها لمواكبة هذا التطور، مشيراً إلى أن الحكومات المتعاقبة عملت على تحديث القوانين ذات الصلة بالدفع الإلكتروني والمعاملات الرقمية.

وبيّن ذبالح أن مشروع القانون يهدف إلى خفض استخدام النقد، أسوة بدول كثيرة انتهجت هذا المسار، وذلك من أجل معالجة مشكلات جوهرية أبرزها تراكم الشيكل وإدارة المخاطر المالية وتعزيز الكفاءة في المدفوعات. واستعرض ثمانية أهداف رئيسية للقانون، بينها دعم التحول الرقمي، وتقليل العمليات المالية غير الرسمية، وحماية المستهلك، والحد من المخاطر الأمنية المرتبطة بحمل النقد، وتعزيز ثقافة الدفع الإلكتروني ودعم النمو الاقتصادي.

وأوضح ذبالح أن اللجوء إلى "قرار بقانون" وليس إلى نظام أو تعليمات تقنية ضرورة قانونية، لأن المشروع يتضمن عقوبات لا يمكن فرضها إلا بقانون، عملاً بمبدأ (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني).

فادي عباس: مشروع القانون ينسجم مع الإطار التشريعي والسياسات المالية المعمول بها

من جانبه، أكد نقيب المحامين الفلسطينيين فادي عباس أن غياب المجلس التشريعي ألقى بظلاله على الاحتياجات التشريعية في البلاد، وانعكس مباشرة على الواقعين القانوني والاقتصادي، ما استدعى اللجوء إلى المادة 43 من القانون الأساسي كآلية استثنائية تتيح للرئيس إصدار التشريعات عند وجود الضرورة.

وشدد عباس على أهمية أن يكون إصدار أي تشريع في هذا السياق مبنياً على مسار واضح المعالم، وبمشاركة واسعة من الجهات الاقتصادية والقانونية والمجتمعية، لضمان توضيح المبررات والحاجة الفعلية لإقرار القوانين الملحة.

وأوضح عباس أن مشروع قانون خفض استخدام النقد ينسجم مع الإطار التشريعي والسياسات المالية المعمول بها في فلسطين، بما يشمل قانون المصارف ونظام صرف النقد وقانون مكافحة غسيل الأموال ومعايير الامتثال الدولية،د، مشيراً إلى أن بعض الصلاحيات الممنوحة للجهات المعنية بحاجة لمزيد من النقاش.

واعتبر عباس أن من الإيجابيات الواضحة في المشروع أن المخالفات الناتجة عنه لا تمس الالتزامات التعاقدية، ما يحافظ على استقرار العلاقات المدنية والمالية، فيما دعا إلى إطلاق حملات توعية واسعة، إلى جانب تعزيز البنية التحتية اللازمة للتحول الرقمي في مختلف المناطق.

وشدد عباس على أن نجاح مشروع القانون يتطلب جهداً جماعياً وتوسيع دائرة النقاش مع الهيئات التمثيلية وشرائح المجتمع، خصوصاً التجار وقطاع الأعمال، مع اعتماد نهج التدرج في تطبيق الصكوك المالية وإبقاء مسودات التعليمات مفتوحة للنقاش بالتوازي مع مسودة القانون لضمان استقرار الإصدار وبناء توافق وطني واسع.

محمود علاونة: مشروع القانون أثار جدلاً واسعاً منذ نشره

بدوره، أكد مساعد عميد كلية الحقوق والإدارة العامة في جامعة بيرزيت، محمود علاونة، أن مشروع قانون خفض استخدام النقد أثار جدلاً واسعاً منذ نشره، نظراً لارتباطه المباشر بجوهر العمل المصرفي والاقتصادي، موضحاً أن الإشكالات لا تكمن في النصوص العامة بقدر ما تكمن في تفاصيلها الدقيقة.

وأشار علاونة إلى أن استخدام المادة 43 كمسار استثنائي للتشريع لا يُعد منسجماً تماماً مع مفهوم "الضرورة"، معتبراً أن الحالة الفلسطينية أقرب إلى "حالة استثناء" يجب تنظيمها بتشريعات أكثر نضجاً ودقة.

وبيّن علاونة أن المشروع منسجم مع القانون الأساسي، لكونه يأتي ضمن سلسلة تشريعات مرتبطة بالتحول المالي، بما فيها معالجة تكدس النقد والضغوط الاقتصادية الناجمة عن الاحتلال.

إلا أن السؤال الجوهري ـ وفق علاونة ـ لا يتعلق بالحاجة للقانون، بل بما يجب تضمينه من أدوات تفصيلية كي يكون قابلاً للتطبيق وذا أثر واقعي.

ودعا علاونة إلى إعداد تقييم أثر شامل قبل الإقرار، يتناول التأثير الاقتصادي والاجتماعي، خصوصاً على الفئات الأضعف والمشاريع الصغيرة التي تشكل النسبة الأكبر من الاقتصاد، إضافة إلى فحص الجاهزية التقنية والضريبية. كما شدد على أهمية تطبيق تدرّجي يبدأ بالقطاعات الأكثر جاهزية، لتفادي خلق فجوات أو معاملات غير رسمية، مؤكداً أن نجاح القانون مرتبط بوضوح التفاصيل وتهيئة المجتمع والمؤسسات قبل وضعه موضع التنفيذ.

الجلسة الثانية: أثر تطبيق القانون على القطاعين المالي والاقتصادي..

أما الجلسة الثانية، التي أدارها الخبير الاقتصادي مؤيد عفانة، فقد خُصصت لبحث الانعكاسات الاقتصادية والمالية لتطبيق القانون ومدى جاهزية البنية التحتية التقنية. وشارك في الجلسة نائب محافظ سلطة النقد محمد مناصرة، ورئيس مجلس إدارة جمعية البنوك ماهر المصري، ومها أبو شوشة ممثلة القطاع الخاص، والخبير المالي محمد سلامة.

وقدّم المتحدثون رؤى حول تأثير القانون على الدورة الاقتصادية وكفاءة المعاملات المالية ومستوى التوعية المجتمعية.

محمد مناصرة: مشروع القانون جاء نتيجة تراكم كتلة نقدية ضخمة

وأوضح نائب محافظ سلطة النقد، محمد مناصرة، أن مشروع قانون خفض استخدام النقد جاء نتيجة تراكم كتلة نقدية ضخمة تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى عبء ثقيل على الاقتصاد الفلسطيني، في ظل غياب عملة وطنية وعدم امتلاك أدوات قانونية أو نقدية لتنظيم حجم النقد المتداول.

وأشار مناصرة إلى أن العملات المستخدمة في السوق الفلسطيني جميعها أجنبية -الشيكل والدولار والدينار- وهو ما يجعل الحاجة للتشريع أكثر إلحاحاً، بخلاف الدول التي شرّعت قوانين خفض النقد رغم امتلاكها عملات وطنية.

وأكد مناصرة أن قيمة الأموال المجمّدة في الجهاز المصرفي الرسمي تتجاوز 8 مليارات دولار.

وأشار مناصرة إلى أن الحجم الحقيقي للسوق النقدي الفلسطيني أكبر بكثير من الظاهر في القطاع المصرفي، بفعل اقتصاد غير رسمي لا تتوفر عنه أي بيانات، لدرجة أن البنوك المركزية للدول التي تصدر العملات المتداولة في فلسطين نفسها لا تعرف حجم النقد الموجود داخل الأراضي الفلسطينية.

وبيّن مناصرة أن مشروع القانون حول خفض استخدام النقد لا يجرّم الدفع النقدي، بل يشجع على التحول التدريجي نحو الوسائل الإلكترونية في المعاملات التي تتجاوز 20 ألف شيكل، بهدف تعزيز الشفافية وتقليل سيطرة الاحتلال الذي يتحكم بعملية إدخال وإخراج النقد من السوق.

وأشار إلى أن التجربة في غزة أثبتت قدرة المجتمع الفلسطيني على التحول نحو الدفع الإلكتروني، خاصة مع توفير خدمات إلكترونية دون أي عمولات على الجمهور.

وأكد مناصرة أن التحول التدريجي سيتيح تحرير مليارات الدولارات المجمّدة وضخها في الاستثمار، والطاقة المتجددة، والزراعة، والصناعة، بما يعزز خلق فرص العمل ويُسرّع دورة الاقتصاد الوطني.

مها أبو شوشة: خطوة محورية لتعزيز الأمان المالي والاستقرار الاقتصادي

بدورها، أكدت مها أبو شوشة، ممثلة المجلس التنسيقي للقطاع الخاص الفلسطيني، أن مشروع قانون خفض استخدام النقد في فلسطين يعد خطوة محورية لتعزيز الأمان المالي والاستقرار الاقتصادي، مشيرة إلى أن هذه المبادرة تأتي بعد جهود طويلة منذ 2017 و2018 لمناقشة القانون على مستوى سلطة النقد.

واعتبرت أن جمع أصحاب العلاقة من القطاع الخاص منذ النسخة الصفرية للمشروع يمثل سابقة مهمة في إشراك الأطراف المعنية منذ بدايات التشريع.

وأوضحت أبو شوشة أن القانون لن يؤثر على الصفقات الصغيرة، حيث لا يمس عمليات الشراء التي تقل قيمتها عن 20 ألف شيكل، كما أنه لا يتدخل في احتفاظ الأفراد بالنقد لديهم، موضحة أن الهدف الأساسي هو تعزيز نظام مالي أكثر فعالية وشفافية في ظل تعدد العملات المتداولة، مثل الشيكل والدولار والدينار واليورو.

وأكدت أبو شوشة أن التحدي الأكبر يكمن في تراكم الشيكل في البنوك والشركات الكبرى والمتوسطة، وهو قرار سياسي من حكومة إسرائيل خارج سيطرة الفلسطينيين، مشددة على أن تطبيق القانون يجب أن يكون مدروساً ويأخذ بعين الاعتبار البنية التحتية الرقمية المتاحة والقدرة على الدفع الإلكتروني، لتجنب أي آثار سلبية محتملة على السوق.

ورداً على المخاوف بشأن احتمالية ظهور سوق سوداء نتيجة القانون، شددت أبو شوشة على أن السوق السوداء موجودة مسبقاً بسبب محدودية السيطرة على المعابر وتدفق النقد، وأن أي زيادة أو انخفاض ستعتمد على كيفية تطبيق القانون من قبل سلطة النقد ووزارة المالية.

وأشارت أبو شوشة إلى أن المنصات الرقمية المتاحة حالياً للتجار والمواطنين ستسهم في تعزيز التحول الإلكتروني وضمان نجاح القانون في تحقيق أهدافه دون الإضرار بالاقتصاد المحلي أو المستهلكين.

ماهر المصري: خطوة حيوية لتحفيز الاقتصاد الفلسطيني وتعزيز أمان النظام المالي

من جانبه، أكد ماهر المصري، رئيس مجلس إدارة جمعية البنوك في فلسطين، أن مشروع قانون خفض استخدام النقد يمثل خطوة حيوية لتحفيز الاقتصاد الفلسطيني وتعزيز أمان النظام المالي، مشيراً إلى أن الهدف الأساسي من القانون هو تسريع التداول النقدي والنمو الاقتصادي، وليس تقييد الأفراد أو تكديس الأموال.

وأوضح أن النقد كان وما يزال وسيلة تاريخية للتبادل التجاري، إلا أن التطورات الاقتصادية الحالية تتطلب سرعة في إنجاز المعاملات، مع زيادة حجم التداول النقدي لتعزيز الحركة الاقتصادية، ما يسهم في نمو الناتج المحلي.

وأشار المصري إلى خصوصية الوضع الفلسطيني، حيث يشكل تراكم الشيكل المتواجد في البنوك والشركات الكبرى والمتوسطة تحدياً بسبب القيود الإسرائيلية على التعاملات النقدية، لافتاً إلى أن القانون يسعى للتعامل مع هذا الفائض بطريقة منظمة وشفافة.

وأكد المصري أن وضوح مواد القانون وتفسيرها بدقة أمر أساسي لتجنب الإشكالات بين البنوك والشركات والمواطنين، مشيراً إلى أن غياب الوضوح يتسبب بمشاكل في التعاملات المتعلقة بالمحروقات والكهرباء والسلع المختلفة.

وشدد المصري على أن السوق السوداء موجودة مسبقاً نتيجة محدودية السيطرة على تدفق النقد، وأن القانون يهدف إلى الحد من هذه الإشكالات عبر تنظيم التعاملات النقدية والتحول التدريجي نحو الدفع الإلكتروني.

وأكد المصري أن التفاهم بين البنوك وقطاع الأعمال وسلطة النقد مسؤولية وطنية مشتركة، وأن القانون يمثل أداة لإدارة الفائض النقدي الحالي بفعالية، بما يتيح للقطاع المصرفي والاقتصادي التعامل مع التحديات المالية وتعزيز الاستقرار الاقتصادي حتى تحين حلول مستقبلية أكثر مرونة وشمولية.

محمد سلامة: تراكم النقد الورقي تسبّب في "جلطة اقتصادية"

من جانبه، أكد الخبير المالي والاقتصادي محمد سلامة أن تراكم النقد الورقي في فلسطين على مدى السنوات الخمس الماضية تسبب في "جلطة اقتصادية" أثرت على النظام المصرفي وقدرته على دعم التنمية الاقتصادية، مشيراً إلى أن حجم النقد غير المودع أو غير المستخدم في الاقتصاد يقدّر بنحو 10 مليارات دولار أمريكي، أغلبها بالشيكل، ويحتفظ به الأفراد والشركات خارج البنوك، مما يعيق تدفق السيولة وتوليد الودائع.

وأوضح أن مقارنة فلسطين بالدول الأخرى تكشف حجم المشكلة، فبينما تشكل نسبة النقد المتداول إلى الناتج المحلي أقل من 10% في الأردن وأقل من 8% في الولايات المتحدة، تصل هذه النسبة إلى نحو 90% في فلسطين، ما يعكس ضخامة السيولة غير المنتجة.

وأشار سلامة إلى أن تراكم الشيكل يعزز اعتماد الاقتصاد الفلسطيني على عملة أجنبية، ما يتيح للبنك المركزي الإسرائيلي الاستفادة من عائد الإصدار على حساب الاقتصاد الفلسطيني، بالإضافة إلى تأثيراته السلبية على خلق الوظائف ومستوى التضخم، وزيادة الجريمة والاحتيال المرتبط بارتفاع النقد المتداول بين الأفراد.

وأكد سلامة أن تطبيق قانون خفض النقد ليس رفاهية، بل ضرورة وطنية عاجلة لتعزيز شفافية المعاملات الاقتصادية، وتحفيز النمو، وحماية الاقتصاد من المخاطر الناتجة عن تكدس النقد الورقي.

وأوضح سلامة أن القانون يمكن أن يؤثر على بعض الفئات، لكن المطلوب تطوير آليات تطبيقه بشكل عملي ومنهجي لضمان المصلحة الوطنية للجميع، داعياً إلى إعادة النظر في ترسيخ الشيكل في الاقتصاد الفلسطيني وإيجاد حلول تحمي السيولة المحلية وتدعم الاستقرار المالي والتنمية الاقتصادية.

الجلسة الثالثة: التحول الرقمي كمسؤولية وطنية مشتركة: أدوار وحوافز وآليات التنفيذ

وفي الجلسة الثالثة، التي أدارها الإعلامي الاقتصادي طلعت علوي، تم تسليط الضوء على التحول الرقمي باعتباره مسؤولية وطنية مشتركة، وعلى دور القطاعات الرسمية والمالية في تطوير بنية رقمية متقدمة. وشارك في هذه الجلسة معالي وزير الاقتصاد الوطني محمد العامور، ومعالي وزير العدل المستشار شرحبيل الزعيم، ومعالي محافظ سلطة النقد السيد يحيى شنار، ووكيل وزارة المالية والتخطيط السيد مجدي الحسن، حيث استعرضوا جهود سلطة النقد وخططها الهادفة لتعزيز خدمات الدفع الإلكتروني والجاهزية الرقمية في فلسطين.

كما شهد اللقاء مداخلات الحضور من مختلف القطاعات، حيث تم مناقشة آرائهم وملاحظاتهم حول بنود مشروع القانون وتطبيقاته العملية، ما أسهم في إثراء النقاش وتوسيع نطاق المشاركة في صياغة التوصيات الختامية.

ضرورة وطنية لضبط السيولة وتعزيز الاستقرار الاقتصادي

وأكد وزير الاقتصاد الوطني محمد العامور أن قانون خفض النقد يمثل ضرورة وطنية لضبط السيولة وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، مشيراً إلى أن الحكومة تعمل بشراكة حقيقية مع القطاع الخاص، حيث يتم التنسيق الكامل مع مؤسسات القطاع وكافة الجهات الرسمية لضمان وضوح التطبيق ومصلحة المجتمع التجاري.

وأوضح أن القانون يهدف إلى تنظيم استخدام النقد ضمن إطار قانوني متوافق مع التطورات العالمية نحو الرقمنة، وحماية الاقتصاد الفلسطيني من الفوضى المالية الناتجة عن تراكم النقد في الأيدي الخاصة أو في الشركات.

وأشار العامور إلى خصوصية الوضع الفلسطيني نتيجة الاحتلال، حيث يمثل النقد المتداول ارتباطاً بالاقتصاد الإسرائيلي والغلاف الجمركي المرتبط به، ما يحتم وجود آليات واضحة لضبط السيولة، مؤكداً أن القانون لا يتعارض مع الأطر الدولية، إذ تتبناه أكثر من 70% من الدول في العالم، بل يأتي لتعزيز الشفافية والمصلحة الوطنية.

وأوضح العامور أن القانون يتضمن سقفاً للتعامل بالنقد يصل إلى 20 ألف شيكل، مع إمكانية تعديل هذا الحد من قبل وزير الاقتصاد ومحافظ سلطة النقد بالتنسيق مع وزارة المالية، لضمان تلبية احتياجات القطاعات المختلفة، مثل قطاع المحروقات، وتخفيف أي أضرار محتملة.

وشدد على أهمية المشاركة العملية للقطاع الخاص في صياغة التعليمات الفنية واللوائح التنفيذية للقانون، مؤكداً أن أي تعديلات تستند إلى خصوصية الاقتصاد الفلسطيني والمصلحة الوطنية.

واعتبر العامور أن القانون يشكل خطوة أساسية نحو تنظيم النقد، وتعزيز الشفافية المالية، ودعم النمو الاقتصادي في ظل الظروف الخاصة لفلسطين، مع الحفاظ على مصالح جميع الأطراف الاقتصادية.

بدوره، أكد محافظ سلطة النقد يحيى الشنار أن عدم تطبيق قانون تنظيم النقد سيؤدي إلى خسائر مالية جسيمة للبنوك والاقتصاد الفلسطيني، مشيراً إلى أن الوضع الحالي للنقد، الذي يقدر بحوالي 15 مليار شيكل متداول بين الأيدي الخاصة، يمثل عبئاً كبيراً على النظام المصرفي بسبب تكاليف التأمين والنقل والتخزين والحماية، فضلاً عن الفرص الضائعة لعدم تدوير هذه الأموال في الاقتصاد.

وأوضح الشنار أن أي تأجيل لتطبيق القانون لا يترافق مع بدائل عملية، مؤكداً أن القانون يواكب المعايير الدولية ويهدف إلى حماية الاقتصاد الوطني وتعزيز الشفافية المالية. وأوضح الشنار أن القانون لا يضر بالقطاع العام أو التجار الصغار، حيث أن غالبية الودائع البنكية لا تتجاوز سقف 20 ألف شيكل، وبالتالي فإن فئات محدودة الدخل هي المعنية بأي تأثير محتمل، ويمكن تعديل السقف بموجب نص القانون بما يراعي احتياجات القطاعات المختلفة.

وأكد الشنار أن القانون يضع إطاراً لضبط السيولة النقدية ضمن الاقتصاد الفلسطيني، ويمنع التهرب المالي والفوضى الناتجة عن تكدس النقد خارج النظام المصرفي، ويتيح ضبط التعاملات المالية بطريقة شفافة ومنظمة. وشدد الشنار على أن الهدف من التشريع ضمان استمرار النشاط الاقتصادي وحماية مصالح جميع الأطراف، مع العلم أن هناك قطاعات قد تتطلب تدخلات فنية لضبط تطبيق القانون بما يتوافق مع خصوصية الاقتصاد الفلسطيني، في ظل الظروف الخاصة التي يعيشها تحت الاحتلال.

حماية عالية تصل إلى 99%

من جانبه، أكد وزير العدل، شرحبيل الزعيم، أن المعاملات الرقمية التي تديرها البنوك تحت إشراف سلطة النقد تتمتع بحماية عالية تصل إلى 99%، مشيراً إلى أن النظام مشفر بشكل يمنع حتى البنوك وسلطة النقد من الاطلاع على تفاصيل هذه العمليات.

ومع ذلك، شدد الزعيم على ضرورة الحفاظ على الوعي الأمني، موضحاً أنه لا توجد حماية بنسبة 100%، وأن الالتزام بالإجراءات الوقائية الشخصية يبقى ضرورياً لتجنب أي اختراق أو استغلال محتمل.

تعزيز العدالة الضريبية ورفع كفاءة الجباية

بدوره، أكد وكيل وزارة المالية، مجدي الحسن، أن قانون "الكاش الرقمي" ليس قانوناً ضريبياً بحد ذاته، لكنه يساهم بشكل مباشر في تعزيز العدالة الضريبية ورفع كفاءة الجباية، مشيراً إلى أن الكثير من التجار والمؤسسات حالياً غير ملتزمين بالضرائب ويستغلون الثغرات القائمة. وأوضح الحسن أن القانون سيدعم التحول الرقمي في المعاملات المالية، خصوصاً عبر نظام نقاط البيع (Point of Sale) والفوترة الإلكترونية، ما سيضمن شفافية أكبر ويحد من التهرب وغسيل الأموال، ويجعل المنافسة في السوق أكثر عدلاً.

وأشار الحسن إلى أن القانون سيحسن الجبايات بشكل ملحوظ، إذ إن القطاعات المختلفة التي كانت تعتمد على النقد ستصبح ملزمة بالتحول الرقمي، ما يسهل متابعة الإيرادات ويزيد من كفاءتها.

وأكد الحسن أن البيانات الأولية تشير إلى ارتفاع الدفع الإلكتروني في الأشهر الأخيرة وتحسن الأداء الضريبي، رغم استمرار بعض التحديات التاريخية في التزام المقاولين والمستفيدين من النظام السابق.

وأوضح الحسن أن وزارة المالية تعمل حالياً على دمج جميع الإيرادات ضمن نظام موحد بالتعاون مع سلطة النقد وبقية الوزارات، لتعزيز الرقابة وتسهيل التحصيل، مؤكداً أن التحول الرقمي جزء من استراتيجية تطوير البنية المالية الوطنية بما يتماشى مع المعايير الدولية ومتطلبات الاقتصاد الحديث.

ولفت الحسن إلى أن التوسع في استخدام أنظمة الدفع الإلكتروني يسهم في تقليل الاعتماد على النقد، ويعد خطوة مهمة نحو تحديث الاقتصاد الفلسطيني وزيادة الشفافية المالية.

القدس المصدر: القدس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا