آخر الأخبار

إغلاق المجال الجوي الفنزويلي: دوافع ترامب وتداعيات الهيمنة الأمريكية

شارك

أعلن الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، عن إغلاق المجال الجوي فوق فنزويلا، في رسالة تحذير نشرها عبر حسابه على وسائل التواصل الاجتماعي. أثار هذا الإعلان تكهنات واسعة حول الدوافع الكامنة وراء هذه الخطوة، خاصة مع وجود حشود عسكرية أمريكية في منطقة الكاريبي منذ أغسطس الماضي. وقد قامت الولايات المتحدة بنشر قوات بحرية وجوية، بما في ذلك غواصة تعمل بالطاقة النووية، وحاملات طائرات، وسفن هجومية برمائية، بالإضافة إلى إنزال حوالي 15 ألف جندي قبالة السواحل الفنزويلية. كما شهدت القواعد الأمريكية في المنطقة نشر طائرات F-35 وطائرات تجسس لتغطية المجال الجوي.

في سياق متصل، نفذت واشنطن ضربات جوية استهدفت أكثر من 20 سفينة فنزويلية في البحر الكاريبي والمحيط الهادئ في بداية سبتمبر الماضي، بحجة الاشتباه في تهريبها للمخدرات إلى الولايات المتحدة، دون تقديم أي أدلة قاطعة تدعم هذه الاتهامات. أسفرت هذه الضربات عن مقتل أكثر من 80 شخصًا. وقد صرحت الولايات المتحدة بأن الهدف من هذا الانتشار العسكري الواسع النطاق هو الحد من تهريب المخدرات والبشر إلى أراضيها.

في المقابل، تشير بعض التحليلات إلى أن الهدف الحقيقي من الانتشار العسكري هو الإطاحة بالرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو والسيطرة على البلاد. يعتمد هذا السيناريو على تحريض المعارضة الفنزويلية على النزول إلى الشارع والمطالبة بتغيير السياسة "المعادية" للولايات المتحدة، والتعاون معها في وقف عمليات تهريب المخدرات. ثم يتم إثارة الاضطرابات في فنزويلا بهدف إسقاط النظام السياسي بمساعدة واشنطن، دون الحاجة إلى حرب مباشرة. تستند هذه التحليلات إلى تصريحات أمريكية تعتبر أن فنزويلا تتخذ مواقف تزعج الولايات المتحدة، وتتحالف مع دول معادية لواشنطن، مما يستدعي ممارسة المزيد من الضغط لإسقاط النظام.

تحليل السياسات الأمريكية في عهد ترامب يكشف أن جزءًا كبيرًا من تحركات البيت الأبيض مرتبط بشخصية الرئيس نفسه، حيث تغلب قناعاته الشخصية على المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة. كما أن المقربين منه يجارونه في ذلك، وخاصة وزير خارجيته الذي يتبنى فكرًا متشددًا تجاه دول أمريكا اللاتينية، ويرى ضرورة ممارسة ضغوط كبيرة عليها. حتى لو تعاملنا مع الادعاءات الأمريكية بمنطقية، فإنها تظل غير مقنعة، فتهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة يأتي بالدرجة الأولى من المكسيك وكولومبيا، فلماذا التركيز على فنزويلا؟

يبدو أن هناك عوامل جيوسياسية تحرك التوجه الترامبي ضد فنزويلا. فالولايات المتحدة منخرطة في حرب باردة مع الصين، التي تربطها علاقات قوية بفنزويلا. كما أن هناك ما يشبه التحالف الصيني الروسي في التعامل مع دول أمريكا اللاتينية. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر العلاقة بين فنزويلا وإيران عاملاً آخر. ولكن العامل الأهم في هذا التحرك الأمريكي هو المعادن الثمينة، حيث يرى ترامب ضرورة الحصول على هذه المعادن أينما وجدت، للتخلص من المساومة الصينية في هذا الجانب.

أفعال عنجهية تبين بوضوح كيف أن القوة قد تسيّدت على القانون الدولي

هناك نقطة أخرى مهمة تفسر الضغوط الأمريكية على العديد من الدول، وهي أن ترامب اقتنع منذ ولايته الأولى بأن الضغط إلى أقصى الحدود سيؤدي إلى تغيير سياسات الدول بما يتلاءم مع مصالحه، مما يجنبه اتخاذ قرار المواجهة العسكرية. وحتى لو اضطر للدخول في مواجهة عسكرية، فإنه يحسب كيف ومتى تنتهي. أما بالنسبة لفنزويلا، فهو يدرك أن المواجهة العسكرية لن تكون سهلة، فالحرب ستكون حرب عصابات، ومادورو لديه أنصار داخل البلاد وفي محيطها، كما أن الجيش الفنزويلي يدعمه بشكل كبير.

من المؤكد أن التحرك الضاغط على فنزويلا سيؤدي إلى حالة اضطراب في أمريكا اللاتينية، حيث ستفكر كل دولة في أنها قد تكون الهدف التالي على أجندة ترامب. فالولايات المتحدة لا تخفي عداءها ضد هذه الدول، بل تعلنه صراحة. كما أن الولايات المتحدة والأحزاب اليسارية التي وصلت إلى السلطة في دول أمريكا اللاتينية في حالة تنافر سياسي كبير، خاصة أن الولايات المتحدة تساند بعض اليمينيين الذين وصلوا للسلطة. بالتالي، هناك مخاوف من أن تدخل الأحزاب اليسارية في مواجهة مع الولايات المتحدة. فمنذ التسعينيات وبعد نهاية الحرب الباردة، تحولت السياسة الأمريكية من التدخل العسكري المباشر إلى المعارضة السياسية وسياسة الضغوط القصوى، مما سمح للكثير من الأحزاب اليسارية في أمريكا اللاتينية بالوصول إلى السلطة.

هذه السياسة جعلت من الأحزاب اليسارية قوة فاعلة في الحياة السياسية، ورفعت صوتها في معارضة واشنطن، ولكن دون أن تدفع الثمن الذي كانت تدفعه في السبعينيات، عندما كانت الولايات المتحدة تتدخل في هذه الدول وتغير أنظمتها السياسية كما تشاء.

إن إعطاء رئيس أكبر دولة في العالم وأعظم قوة عسكرية الحق لنفسه بإغلاق المجال الجوي لدولة أخرى ومحاصرتها من كل الجوانب بالقوة العسكرية، ليس له أي أساس قانوني، بل هو تعبير عن تغلب القوة على القانون الدولي.

منظمة مكافحة المخدرات ذكرت في تقارير أمريكية أن فنزويلا خالية من زراعة المخدرات، مما يشير إلى أن السيطرة على الثروات هي الهدف الرئيسي للرئيس الأمريكي، خاصة أن النفط والمعادن الثمينة والذهب الموجودة في فنزويلا تحتل أهمية كبيرة. وإذا كان هناك من يؤيد ترامب من حاشيته، فإنه يواجه أيضًا معارضة أمريكية لهذه السياسة تجاه فنزويلا. فقد صرح زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأمريكي بأن تصرفات الرئيس المتهورة تدفع أمريكا نحو حرب خارجية مكلفة مرة أخرى، كما تعرض لانتقادات بسبب التدخل السياسي في هندوراس. لكن يبدو أن عقلية التاجر تسيطر عليه تمامًا.

القدس المصدر: القدس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا