أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو توجيهات خلال اجتماع أمني بإزالة 14 موقعًا استيطانيًا عشوائيًا في الضفة الغربية المحتلة، بالإضافة إلى اقتراح لتعزيز ما يسمى بـ "القسم اليهودي" داخل جهاز الأمن العام (الشاباك).
وخلال الاجتماع الذي عقده نتنياهو، ذكر مسؤولون أمنيون أن هذه المواقع الاستيطانية غير القانونية أصبحت في الفترة الأخيرة نقاط انطلاق للمستوطنين لتنفيذ هجمات على القرى الفلسطينية المجاورة.
وأشار المسؤولون إلى أن خطورة هذه البؤر الاستيطانية لم تعد تقتصر على الفلسطينيين، بل امتدت لتشمل "المساس برموز الدولة والتحريض على مؤسساتها"، مع رصد اعتداءات مباشرة على جنود وضباط الشرطة الإسرائيلية، مما يدل على تصاعد التهديد الذي تمثله هذه الجماعات الاستيطانية للنظام والقانون داخل إسرائيل.
كما قدم المسؤولون الأمنيون تقارير تفيد بوجود نحو ألف مستوطن شاب في هذه البؤر الاستيطانية، من بينهم حوالي 300 مصنفين ضمن "دائرة العنف"، والذين يشاركون في اعتداءات ضد الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي.
وفي ضوء هذه المعطيات، تستعد المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لتنفيذ التعليمات الصادرة، مع التركيز على معالجة وضع حوالي 70 مستوطنًا قاموا بتنفيذ هجمات ضد الجيش وقوات الأمن الإسرائيلية، والذين وجدوا في هذه البؤر ملاذًا آمنًا ومنطقة انطلاق لعملياتهم واعتداءاتهم.
تأتي هذه الخطوة قبل زيارة مرتقبة لمبعوث أمريكي إلى إسرائيل والأردن، وقد تم تصويرها في وسائل الإعلام الإسرائيلية على أنها استجابة للضغوط الأمريكية، إلا أنها تركز بشكل أساسي على ضبط الأمن الداخلي ومعالجة اعتداءات المستوطنين على قوات الأمن والجيش الإسرائيلي.
وأكدت مصادر سياسية وأمنية إسرائيلية أن الهدف الحقيقي من تعليمات نتنياهو، كما صرح المراسل العسكري للقناة 12 الإسرائيلية نير دفوري، هو "التفاعل القانوني الداخلي لملاحقة المستوطنين الذين يهاجمون الجنود الإسرائيليين، وليس حماية الفلسطينيين".
وأفاد المراسل العسكري بأن مصدرًا مقربًا من نتنياهو نفى بشكل قاطع أن يكون الأخير مهتمًا بتطهير أو إخلاء البؤر الاستيطانية، مؤكدًا أن ما تم تداوله في وسائل الإعلام "غير صحيح وكاذب".
وبحسب المصدر، عقد نتنياهو اجتماعًا مع كبار المسؤولين الأمنيين وشخصيات اجتماعية لمناقشة كيفية التعامل مع مجموعة محدودة من المستوطنين الخارجين عن القانون، والذين -على حد قوله- "لا ينتمون إلى الاستيطان ولا يمثلونه"، مؤكدًا أن هذه الخطوة تهدف فقط إلى ضبط سلوك "هؤلاء الشبان"، وليس تفكيك البؤر أو المساس بالمشروع الاستيطاني.
ومما يعزز هذا الطرح الوثيقة التي نشرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت"، والتي تشير إلى أن نتنياهو يدعم انتشار البؤر الاستيطانية في المناطق المصنفة "ج" وفقًا لاتفاق أوسلو، وأن خطوة الإخلاء تأتي في إطار معالجة الاعتداءات الداخلية، حيث صدرت أوامر إبعاد بحق حوالي 30 مستوطنًا متهمين بالضلوع في "الإرهاب اليهودي".
وأوضح مراسل صحيفة "يديعوت أحرونوت" لشؤون الكنيست، أمير اتينغر، أن الوثيقة تؤكد دعم نتنياهو لإقامة وانتشار البؤر الاستيطانية العشوائية في الضفة الغربية، على الرغم من عدم قانونيتها حتى بموجب القانون الإسرائيلي.
واستنادًا إلى الوثيقة التي أعدها مجلس الأمن القومي، أضاف اتينغر أن نتنياهو اعتبر أن "المزارع الاستيطانية المصادق عليها والمراقبة هي الرد المطلوب للحفاظ على مناطق ج، ومواجهة النشاط الفلسطيني فيها".
وبينما تتحدث الوثيقة عن "أدوات تربوية" لإخراج هؤلاء الشباب من دائرة العنف، إلا أنها تقر -بحسب اتينغر- بأن "أعدادهم في ازدياد بسبب غياب جهة تعنى بهم، في إشارة واضحة إلى عدم وجود نية لدى إسرائيل لمحاسبة المستوطنين المتورطين في الإرهاب، بل استمرار توفير بيئة تشجعهم على مواصلة الاعتداءات".
وعلى الرغم من عدم قانونية البؤر الاستيطانية العشوائية من حيث المباني المقامة فيها، إلا أن الوثيقة ادعت أن "معظم المراعي التابعة لهذه المزارع قانونية"، وأن الإدارة المدنية سلمتها للمستوطنين.
ووفقًا لاتينغر، تعمل الحكومة الإسرائيلية على تسوية أوضاع هذه البؤر بصيغة "مزارع فردية" للسيطرة على مناطق "ج"، وتشير البيانات إلى وجود نحو 100 بؤرة استيطانية زراعية من هذا النوع، من بينها أكثر من 15 أُقيمت بعد الحرب على قطاع غزة، مع تشكيل "اتحاد المزارع" ولوبي لجلب ميزانيات حكومية.
ومنذ تشكيل حكومة نتنياهو الحالية، قاد كل من وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزيرة المستوطنات أوريت ستروك جهودًا لتوسيع دعم هذه المزارع الاستيطانية، ورُصدت لها عشرات الملايين من الشواكل خلال السنوات الثلاث الأخيرة عبر ميزانيات الائتلاف الحكومي.
وبحسب معطيات أقر بها جيش الاحتلال الإسرائيلي، فقد نفذت عصابات المستوطنين منذ مطلع عام 2025 وحتى اليوم 704 اعتداءات ذات خلفية قومية ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية، وهو رقم يفوق إجمالي الاعتداءات التي سجلت عام 2024 والتي بلغت 675 اعتداء.
وفي المقابل، أظهرت معطيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان (فلسطينية رسمية) أن شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي شهد تصاعدًا ملحوظًا في الاعتداءات بالضفة الغربية، حيث سجل نحو 2144 اعتداء نفذها جيش الاحتلال والمستوطنون في مختلف المحافظات.
ومن بين هذه الاعتداءات، ارتكب جنود الاحتلال 1523 اعتداء بشكل مباشر على الفلسطينيين وممتلكاتهم، في حين نفذ المستوطنون 621 اعتداء خلال الشهر ذاته، مما يعكس اتساع دائرة العنف الاستيطاني واستهداف قوات الاحتلال للفلسطينيين.
وتكشف البيانات الرسمية للشرطة الإسرائيلية عن فجوة حادة بين تصاعد اعتداءات المستوطنين ضد الفلسطينيين، وتراجع فتح ملفات التحقيق في هذه الاعتداءات.
فبينما تؤكد منظمات حقوقية ارتفاع العنف، تظهر الأرقام نهجًا متساهلًا في عهد وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، فقد تراجع عدد الملفات المفتوحة للتحقيق من 235 ملفًا عام 2022 إلى 150 عام 2023، ثم إلى نحو 60 فقط في 2024، بانخفاض يصل إلى 73% خلال عامين.
وتشمل قضايا التحقيق الاعتداء وتخريب الممتلكات وإطلاق النار والتهديد، وجميعها سجلت تراجعًا كبيرًا في فتح الملفات، أبرزها حالات إطلاق النار المحقق فيها والتي انخفضت من 13 العام الماضي إلى 4 حالات هذا العام.
وعلى الرغم من الانخفاض، يبقى معدل المقاضاة شبه معدوم، ففي 2023 لم تقدم لوائح اتهام إلا في 10% من القضايا، في حين أُغلقت معظم ملفات 2024 بدعوى نقص الأدلة أو "غياب المصلحة العامة"، مما يعمّق ظاهرة إفلات الإسرائيليين من العقاب.
المصدر:
القدس