ذكر تقرير لمجلة إيكونوميست أن منطقة اللاذقية، التي تعتبر معقلاً للطائفة العلوية في سوريا، تشهد هدوءاً ظاهرياً يخفي وراءه توترات عميقة. ففي شهر آذار الماضي، وقعت ما وصفها التقرير بـ "المجازر" على يد القوات الموالية للحكومة، حيث قُتل أكثر من 1500 شخص عقب محاولة تمرد قام بها مسلحون علويون. وقد أدت هذه الأحداث الدامية إلى تفاقم التوترات الطائفية التي كان الكثيرون يفضلون تجاهلها.
أشار التقرير إلى أن العلويين، الذين ينتمي إليهم آل الأسد وشغلوا معظم المناصب العليا في الدولة، هم الأكثر تضرراً من سياسات التقشف الحكومية الجديدة وتخفيض الدعم. وأضاف أن المباني في اللاذقية تتداعى، ويعاني مئات الآلاف من الموظفين الحكوميين السابقين وأفراد الجيش من البطالة. ونقل التقرير عن رجل أعمال علوي في دمشق قوله: "إنهم يشعرون وكأنهم لم يعودوا ينتمون إلى ما يحدث".
وبحسب المجلة، فقد فر ما لا يقل عن 25 ألف علوي إلى لبنان، من بينهم آلاف الضباط والجنود السابقين، بينما وصل آخرون إلى إندونيسيا. أما الذين بقوا في سوريا، فغالباً ما يرفضون مغادرة قراهم بعد حلول الظلام، ويلجأ بعضهم إلى التلال وينامون في الكهوف والمزارع النائية.
أوضح التقرير أن انهيار نظام بشار الأسد أدى إلى انقسام بين العلويين، لكن قد تظهر قيادات جديدة في المستقبل. ففي أواخر تشرين الثاني الماضي، قام رجل دين طائفي متشدد يدعى غزال غزال بحشد الآلاف في احتجاجات نُظمت في أعقاب حادثة قتل طائفية. ودعا غزال إلى إنشاء منطقة علوية تتمتع بالحكم الذاتي، وهي فكرة قوبلت بالرفض في دمشق، حيث يُنظر إلى الحديث عن الفيدرالية على أنه مقدمة للتقسيم. بينما يطالب آخرون بحماية دولية، ويتوق البعض إلى الاندماج مرة أخرى، حيث قال معلم سابق في العاصمة: "نريد فقط أن نكون جزءاً من البلاد مرة أخرى".
إلا أن هناك مؤشرات تدل على أن آخرين يفضلون أساليب مختلفة. فالبعض لم يتصالحوا مع الحاكم الجديد في دمشق، وتتزايد أصوات المعارضة. وفي الأشهر الأخيرة، انتشرت دعوات لحمل السلاح بين آلاف الضباط السابقين. ووفقاً لرسائل صوتية من ضباط سابقين في النظام، اطلعت عليها مجلة الإيكونوميست، فإنهم يعتزمون تقسيم قواتهم إلى خلايا نائمة ووحدات هجومية.
وبحسب هؤلاء الضباط، فإن الصوت يعود إلى محمد جابر، قائد ميليشيا سيئ السمعة في عهد الأسد. ويقول الضباط السابقون إن جابر وشقيقه أحمد جزء من شبكة تسعى إلى إثارة التمرد ضد الرئيس السوري الحالي، أحمد الشرع. ويزعم العديد ممن فروا من سوريا أن جابر تواصل معهم وعرض عليهم رواتب. وهناك فصيل آخر مرتبط بسهيل الحسن وكمال الحسن، وهما جنرالان سابقان انتقلا إلى موسكو مع الأسد.
ومع ذلك، يبدو أن القليلين هم من استجابوا لتلك الدعوات. فقد حذر ضابط سابق مختبئ في بيروت من أن هذه الدعوات "تقود مجتمعنا نحو مذبحة أخرى"، وأضاف أنه يحاول ثني أصدقائه عن الانضمام. ولكن يبدو أن هذه الجماعات تفعل أكثر من مجرد الكلام، حيث تقوم مجموعة من المنظمات غير الحكومية الغامضة، التي يُزعم ارتباطها بعائلتي جابر وحسن، بتوزيع منح صغيرة على اللاجئين السوريين المحتاجين في عكار، شمال لبنان.
وختم التقرير بالإشارة إلى أن هذه المنظمات حاولت في وقت سابق من هذا العام إنشاء معسكرين تدريبيين في لبنان لإعداد آلاف المسلحين للعودة سراً إلى سوريا، لكن جهودها باءت بالفشل بسبب افتقارها إلى الغطاء السياسي اللازم للعمل بهذه الوقاحة على الأراضي اللبنانية. ومع ذلك، سيظل العلويون السوريون مصدر قلق للشرع.
المصدر:
القدس