الحدث الإسرائيلي
أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي حملة رقمية آخذة في الاتساع تدعو الجنود والمستوطنين والإسرائيليين عموماً إلى القيام بجولات سياحية داخل الضفة الغربية المحتلة، بما يشمل مناطق مصنفة (أ) و(ب) تخضع للسلطة الفلسطينية. وتعمل هذه الحملة تحت اسم “في سبيل يهودا”، وهو عنوان يُستخدم بمرونة في الخطاب العبري ليحمل في آن واحد معنى “من أجل يهودا” و”في مسار يهودا”، بما يعزز الانطباع بأن الجولات جزء من مشروع قومي وديني يهدف إلى “إحياء الارتباط” بهذه المناطق. ويجري تفعيل المشروع عبر مجموعات واتساب وتلغرام وحسابات في إنستغرام ويوتيوب، كما أصدر القائمون عليه كتاباً خاصاً في يوليو/تموز الماضي.
وتشير صحيفة “هآرتس” إلى أن المشروع لا يقتصر على الترويج لمواقع أثرية، بل بات أداة دعائية مباشرة يُعاد عبرها تقديم الضفة الغربية بوصفها فضاء يهودياً ممتداً، من مواقع يدّعي القائمون على الحملة أنها توراتية، إلى بؤر استيطانية عشوائية وينابيع صادرها المستوطنون من الفلسطينيين. ويشارك في إنتاج المحتوى ضباط وجنود ومرشدون سياحيون وعلماء آثار وشخصيات دينية وسياسية من المستوطنات، ما يمنح المواد المنشورة طابعاً عسكرياً–أيديولوجياً متكاملاً. وفي مقطع مصوّر، يظهر قائد “لواء يهودا” إلى جانب قائد “لواء السامرة”، بينما تؤكد ضابطة في وحدة الدعاية العسكرية أن الجولات “تعزز القدرة على أداء المهمة من خلال فهم طبيعة المكان”. ويختتم أحد الضباط الفيديو بالقول: “هذه هي المعالم المجيدة لشعب إسرائيل”.
ويعرض الموقع الرسمي للجيش سردية ترويجية إضافية، إذ يصف المشروع بأنه محاولة لربط الجنود والمواطنين والسياح بـ”جوهر المهمة” من خلال المرور بمحطات تاريخية تمتد من “أحداث التوراة” إلى “قصص ما قبل قيام الدولة” وصولاً إلى معارك إسرائيل الحديثة. غير أن ما يُنشر عبر القنوات المرتبطة بالمشروع يتضمن في كثير من الأحيان روايات دينية لا أساس أثرياً لها. ففي أحد التسجيلات، يوصي مرشد يرتدي الزي العسكري بزيارة بركة تقع داخل منطقة (أ) بزعم أنها بُنيت فوق بركة توراتية قديمة، من دون أي أدلة قاطعة. وتدعو تسجيلات أخرى إلى visitar بؤر استيطانية، أو مواقع تم الاستيلاء عليها من الفلسطينيين، أو إعادة تفسير آثار رومانية على أنها منشآت يهودية.
وتتجاوز الحملة البعد الأيديولوجي إلى مستوى اجتماعي غير مألوف؛ إذ تتضمن بعض المقاطع توصيات لمواقع “مناسبة للمواعيد الغرامية” ولعروض الزواج، يقدمها شاب بالزي العسكري يعرّف نفسه كعضو في “فريق في سبيل يهودا”، ويقترح مزرعة تعد في الواقع بؤرة استيطانية أُنشئت عام 2018 على أراضٍ فلسطينية خاصة. كما يظهر نائب قائد “لواء السامرة” في مقطع آخر وهو يقف داخل قرية نصف جبيل قرب نابلس، مدعياً أن “النبي إيليا ربما عمل هنا”، بينما يُعيد مرشد عسكري في تسجيل آخر تفسير مرافق استحمام قديمة في سبسطية باعتبارها “مغاطس يهودية”.
وتتضمن المادة المنشورة عبر المشروع أيضاً محتوى ذي طابع تعبوي، من بينها مقطع ينعى المستوطن زئيف (جابو) إيرليخ الذي قُتل في موقع أثري بلبنان، وآخر يدعو الجنود والمستوطنين إلى إضاءة شمعة “حانوكا” لذكراه في كنيس قديم ببلدة السموع داخل المنطقة (ب). وتقول ضابطة الاحتياط نيطاع كسفين إن بث هذه المقاطع داخل مجموعات الواتساب العسكرية بدأ منذ عام 2022، مضيفة أن المستوطن المسؤول عن المشروع يخدم في الاحتياط باللواء نفسه، وأن الجنود يتلقون أسبوعياً “برنامجاً تربوياً” يشجع على الخروج في جولات، وقد يجدون أنفسهم في فعالية أيديولوجية حتى من دون اختيارهم. وبرأيها، ثمة “عمى كامل” عن تأثير هذه الجولات على الفلسطينيين الذين تُقام الأنشطة في قراهم أو على مقربة من منازلهم.
وتنقل “هآرتس” عن منظمة “عيمق شافيه”، المختصة بمتابعة استخدام الآثار في الصراع، أن التداخل بين الزي العسكري والأيديولوجيا الاستيطانية ليس جديداً، إلا أن الشكل الحالي “أكثر علانية وفجاجة”، إذ يخضع الجنود الشباب لخطاب سياسي–ديني يقدّمه أشخاص يتمتعون بسلطة عليهم. وتضيف المنظمة: “على كل أم يهودية أن تدرك أن السيطرة باتت مكتملة، وأن الجيش تحول إلى أداة في خدمة قطاع سياسي واحد. لم يعد أبناؤها يذهبون فقط لحماية المستوطنين، بل ليتشرّبوا أيضاً هذه المواقف”.
وفي رده على ما نشرته الصحيفة، قال جيش الاحتلال إن الهدف من المقاطع هو “تقديم معلومات تاريخية لتعزيز المعرفة بتراث منطقة يهودا والسامرة”، مؤكداً أنه لا يشجع دخول مواقع محظورة دون تنسيق مسبق. لكنه لم يرد، كما تشير الصحيفة، على الأسئلة المتعلقة بالسماح لجهات سياسية ودينية بالمشاركة في إنتاج المواد، أو حول إدخال سرديات أيديولوجية إلى محتوى يُنشر تحت إشراف عسكري مباشر
المصدر:
الحدث