آخر الأخبار

الذكاء الاصطناعي في غزة: آلة الإبادة الجماعية الإسرائيلية الرقمية

شارك

واشنطن – "القدس" دوت كوم- سعيد عريقات

لم تكن الحرب الإسرائيلية على غزة مجرد حملة عسكرية تقليدية، بل تحولت إلى تجربة مرعبة في دمج الخوارزميات بالقتل الجماعي. بعد السابع من تشرين الأول 2023، وجد الفلسطينيون أنفسهم أمام انفجار هائل من المعلومات والبيانات التي سرعان ما حوّلتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى أدوات قتل دقيقة في سرعتها ومروعة في نتائجها. بينما اعتاد العالم على الحديث عن الذكاء الاصطناعي في تشخيص الأمراض أو تحسين الإنتاج، أصبح الفلسطينيون ضحايا نظام يصنفهم ويراقبهم ويضعهم على قوائم الاستهداف بلا معرفة أو فرصة للنجاة، لتتحول غزة إلى مختبر حي لتجربة أحدث أدوات السيطرة الرقمية، حيث تُعامل الحياة البشرية كبيانات، والمنازل كأرقام، والأطفال كأضرار جانبية.

الخوارزميات والقتل الممنهج

تكشف الشهادات المنشورة وتحقيقات المنظمات الدولية أن جيش الاحتلال الإسرائيلي اعتمد منظومات رقمية قادرة على معالجة ملايين السجلات الشخصية خلال ساعات وإنتاج قوائم تضم آلاف الأشخاص المصنَّفين كأهداف محتملة. لم يكن هناك حاجة لأي ملف استخباراتي تقليدي أو مراقبة ميدانية دقيقة؛ يكفي رقم هاتف أو زيارة لمنزل أو مشاركة على الإنترنت أو مكالمة مع شخص آخر ليصبح الفرد هدفًا مشروعًا. هذا النمط من الأتمتة (التشغيل الآلي) القاتلة ألغى المسافة الأخلاقية بين التحليل والموت، وجعل الاعتماد على مخرجات النظام الرقمي مسلَّمًا به حتى لو كانت غير دقيقة، مما أدى إلى القضاء على عائلات بكاملها أحيانًا كثيرة. كانت القدرة الأكبر لهذه المنظومة في أن الخوارزميات لم تكتفِ بتحديد الأشخاص، بل حددت أيضًا مستوى "القيمة العسكرية" للمباني التي يسكنونها، مما سمح بقصف بيوت بأكملها لمجرد أن أحد سكانها صنف خوارزميًا على أنه مرتبط بحركة ما أو بمقاتل. ومن هنا، أتيح للآلة الرقمية تبرير قصف الأبراج وتسوية الأحياء بأكملها، في شكل من أشكال "الشرعية الرقمية" التي غابت فيها أي مراعاة للقانون الدولي الإنساني.

شركات التكنولوجيا ودور القطاع الخاص

لم يكن الجيش وحده المسؤول عن هذه الآلية؛ فقد لعبت شركات التكنولوجيا العالمية دورًا أساسيًا في توفير البنية السحابية والخوارزميات اللازمة لتحليل البيانات وتشغيلها، بما يسمح بمعالجة ملايين السجلات في وقت قصير. وقد اضطرت بعض الشركات لاحقًا إلى تعطيل خدماتها بعد انكشاف دورها في دعم عمليات المراقبة والاستهداف، لكن هذا لا يمحو الحقيقة القاسية: القطاع الخاص أصبح جزءًا من البنية التحتية للقتل الجماعي، وفتح ذلك الباب لمساءلة عالمية حول دور الشركات في تسهيل انتهاكات حقوق الإنسان. وتشير تقارير العفو الدولية ومنظمات حقوق الإنسان إلى أن ما جرى في غزة تجاوز حدود العمليات العسكرية التقليدية إلى نمط من القتل المنهجي الذي يستوفي عناصر الإبادة الجماعية، بما في ذلك التدمير الواسع، والقتل الجماعي، والتهجير القسري، والحصار، والتجويع. وتوضح هذه التقارير أن الذكاء الاصطناعي ساهم بشكل مباشر في توسيع نطاق عمليات القتل وسرعتها، حيث حول القرار البشري إلى سلسلة تتغذى عليها الآلة، فتتحقق النتيجة المروعة بلا توقف وبكفاءة متزايدة.

حرب بلا مساءلة ومستقبل مظلم

أخطر ما كشفت عنه هذه التجربة هو أنها تمثل نموذجًا لحروب المستقبل، حيث تصبح الخوارزميات قلب العمليات العسكرية، ويختفي التدخل الإنساني إلا للتصديق على ما تقرره الآلة. فالقدرة على تحويل البشر إلى بيانات والمنازل إلى أرقام تسمح بتنفيذ قتل جماعي بلا مساءلة حقيقية، بينما يتراجع القانون الدولي أمام السرعة الرقمية وغياب التدقيق الإنساني. إن ما كشفته حرب غزة ليس مجرد استهتار بالقانون والإنسان، بل ولادة شكل جديد من القتل الجماعي يعتمد على الذكاء الاصطناعي كأداة مركزية تضخم أثر النية البشرية وتجعل الانتهاكات واسعة النطاق أكثر فعالية. والتحقيقات الدولية المستمرة تؤكد الحاجة إلى فتح سجلات الأنظمة الخوارزمية، وفحص كيفية اتخاذ القرار داخل الأجهزة العسكرية، ومحاسبة المسؤولين عن هذه البنية القاتلة. فغياب هذه المحاسبة يترك الباب مفتوحًا لحروب مستقبلية يتحول فيها البشر إلى بيانات، والآلة إلى قاضٍ ومصدر للقرار النهائي في حياة وموت الملايين.

الشركات الأميركية المتورطة مع الجيش الإسرائيلي بالإبادة الجماعية في غزة:

مايكروسوفت (Microsoft) : دعمت وحدات مثل Unit 8200 التابعة للاستخبارات الإسرائيلية استخدمت منصة Azure السحابية من مايكروسوفت لتخزين كميات ضخمة من مكالمات الفلسطينيين، بما في ذلك اتصالات من غزة والضفة الغربية.

جوجل (Google): جوجل تشارك في ما يُعرف بـ مشروع Nimbus (Project Nimbus) مع أمازون، وهو عقد بحجم كبير لتوفير خدمات سحابة (cloud) وحوسبة ‒ بما في ذلك قدرات الذكاء الاصطناعي ‒ للحكومة الإسرائيلية. طبقًا لتحقيقات وصفتها Wired، جيش الاحتلال الإسرائيلي من المستخدمين الأساسيين للخدمات التي توفرها جوجل من خلال هذا المشروع، ما يعكس علاقة وثيقة بين البنية التحتية السحابية لجوجل والنظام العسكري الإسرائيلي.

أمازون (Amazon): تشارك أيضًا في مشروع نيمبوس Nimbus مع جوجل، وتوفر سعة سحابة AWS (Amazon Web Services) كجزء من هذا العقد.

بالانتير (Palantir Technologies): ذكرت منظمة العفو في تقرير أن بالانتير تقدّم خدمات تقنية متقدمة (بما في ذلك أدوات تتعلق بالذكاء الاصطناعي) للجيش والاستخبارات الإسرائيلية. وفي كانون الثاني 2024، أُعلن عن شراكة إستراتيجية بين بالانتير ووزارة الدفاع الإسرائيلي لتقديم "تكنولوجيا متعلقة بالحرب".

القدس المصدر: القدس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا