تمتد أراضي النقاع غربي حي الشيخ جراح في القدس، ويستهدفها الاحتلال الإسرائيلي بمشاريع استيطانية تعزز سيطرته على محيط المدينة، مما يهدد استقرار عشرات الفلسطينيين الذين يقيم بعضهم في الحي منذ أكثر من 70 عاما.
الموقع يقع حي أراضي النقاع غربي الشيخ جراح إلى الشمال من البلدة القديمة، ويمتد على مساحة نحو 12 دونما (الدونم يعادل ألف متر مربع)، من بينها 8 دونمات استأجرها يهود لفترة محدودة وأطلقوا عليها اسم "كوبانية أم هارون".
يمتاز الحي بمناخ البحر الأبيض المتوسط المعتدل، إذ يبلغ متوسط درجة الحرارة السنوية فيه نحو 19 درجة مئوية. يطوق الاحتلال الحي ضمن ما يسميه "الحوض المقدس"، وهو مشروع استيطاني ضخم يربط بين المستوطنات الواقعة شمال القدس مثل رمات أشكول، والممتدة غربا على جبل المشارف، ويهدف إلى محاصرة الأحياء الفلسطينية في قلب المدينة المقدسة.
السكان يقطن أراضي النقاع نحو مئتي فلسطيني، من بينهم عائلة السعو وشريتح وأبو دولة والخطيب والبشيتي والكسواني وسالم ومحسن وغزاوي، إلى جانب عائلة شماسنة التي أجبرها الاحتلال على إخلاء منزلها.
ملكية أراضي النقاع تعود إلى الشقيقين محمد وإبراهيم ابني معو الصغير السعدي، إذ يملكان حجة وقف ذري مؤرخة بتاريخ 1229، تنص على تخصيص الأرض لأفراد العائلة بالتوريث، وتمنع التصرف بها خارج نطاق العائلة.
وفي عام 1889 أجّر متولي الوقف الأرض إلى اليهودي "يوسف بن رحاميم ميوحاس" مدة 90 عاما تنتهي عام 1979 وفق عقد إيجار موثق في المحكمة الشرعية بالقدس، وحاز بموجب ذلك على حق الانتفاع بالأرض طالما استمر بدفع الأجرة السنوية المقررة.
أجّر يوسف الأرض لعدد من اليهود الذين أسسوا لاحقا ما عرف باسم "كوبانية أم هارون" على مساحة 8 دونمات من أراضي النقاع. وتظهر إيصالات دائرة الأوقاف الإسلامية أن المستأجرين اليهود كانوا يسددون الأجرة السنوية بانتظام، حتى فروا من القدس في نكبة 1948.
وبعد تحرير الجيش الأردني القدس عام 1950، أنشأت السلطات الأردنية دائرة حارس أملاك العدو التي حصرت ممتلكات اليهود وما كان تحت تصرفهم، وأعادت تأجير بعضها، وكانت "كوبانية أم هارون" من بين تلك العقارات، واستأجرها عدد من الفلسطينيين وأقاموا فيها بعدما هجرهم الاحتلال من بيوتهم على إثر النكبة.
انتهت سيطرة الجيش الأردني على القدس حينما احتلتها إسرائيل في أعقاب نكسة 1967، مما أخضع أراضي النقاع لإشراف "حارس الأملاك العامة الإسرائيلي"، وهي دائرة حكومية أسسها الاحتلال لإدارة شؤون الممتلكات الفلسطينية بزعم أنها "أملاك غائبين".
وبعد انتهاء مدة تأجير المتولي ليوسف عام 1979، خاض مالكا الوقف يحيى عبد ربه السعدي وسليمان حجازي سلسلة طويلة من الجلسات أمام محاكم الاحتلال محاولين إثبات ملكيتهما للأرض، ومقدمين وثائق رسمية تعود للعهد العثماني والبريطاني والأردني، إلا أن المحكمة رفضت الوثائق كافة، بزعم أن ملكية الأرض تعود لمستوطنين يهود.
كما حاولت محاكم الاحتلال الإسرائيلي في إطار ما تسميه "تسوية وتنظيم أراضي القدس" تسجيل مجموعة من العقارات الفلسطينية بأسماء مستوطنين بزعم ملكيتهم لها، ومن بينها أراضي النقاع، إلا أن الهبّة الفلسطينية في الشيخ جراح عام 2021 وما تزامن معها من ضغوطات دولية وإقليمية دفعت المحكمة إلى تأجيل البت في القضية.
واعتمد المستوطنون على أساليب إضافية أخرى للاستيلاء على أراضي الحي، كان من أبرزها ترهيب الفلسطينيين بهدف إجبارهم على مغادرة بيوتهم، وأعانهم على ذلك مسؤولون في الحكومة الإسرائيلية، من بينهم وزير أمن الاحتلال القومي إيتمار بن غفير، عبر حملات مداهمة متكررة للمنازل، واعتقال الشبان والتنكيل بهم، فضلا عن إحراق مركباتهم.
مشاريع استيطانية يخطط الاحتلال الإسرائيلي لتنفيذ مشروع استيطاني كبير يشمل أراضي النقاع والمناطق المجاورة لها، مثل كرم المفتي وفندق "شيبرد" ومشاريع تابعة لوكالة الغوث واللاجئين (الأونروا) والحكومة الأردنية، وذلك بإشراف راعي الاستيطان في القدس آرييه كينغ وبالتعاون مع الجمعيات الاستيطانية.
يتضمن المشروع إقامة 316 وحدة استيطانية على مساحة تقدر بنحو 17 دونما، تشمل مدرسة وكنيسا يهوديا وروضة أطفال لخدمة المستوطنين، مما يهدد نحو 40 مبنى فيه قرابة 45 عائلة فلسطينية.
في عام 2016 أخلت سلطات الاحتلال عقار عائلة حسين الكسواني الواقع في أراضي النقاع الذي يضم 3 شقق سكنية ومعهدا تعليميا ومقهى، ثم طردت عائلة أيوب شماسنة من منزلها في الحي العام التالي، رغم إقامتها فيه منذ 1964.
وتخطط الجمعيات الاستيطانية لإقامة 3 منشآت في الجزء الجنوبي الغربي من الحي، يضم كل منها 12 وحدة استيطانية.
وفي سياق المساعي الإسرائيلية لتحقيق تلك المخططات، سلم آرييه كينغ رفقة سلطات الاحتلال عام 2011 أكثر من 10 أوامر إخلاء لمنازل في الحي، يقطنها أكثر من 180 فلسطينيا، موثقا الحدث بالصور رغم رفض الأهالي تسلم تلك الأوامر غير القانونية.
وفي عام 2021 أخطرت محكمة الاحتلال 7 عائلات فلسطينية تقيم بالحي بإخلاء منازلها، غير أنها أرجأت القرار عام 2022 إلى إشعار آخر نتيجة الضغوط الدولية التي تزامنت مع الهبة الشعبية الفلسطينية الرافضة للمخططات الاستيطانية في الشيخ جراح بشكل عام وأراضي النقاع بشكل خاص.
مخطط أوسع يستهدف الاحتلال الإسرائيلي أراضي النقاع ضمن خطته الأوسع لتفكيك حي الشيخ جراح الذي يعاني من 9 مشاريع استيطانية تسعى إلى تهويده.
وتنبع أهميته في نظر الاحتلال من موقعه الإستراتيجي المحيط بالبلدة القديمة في القدس، مما يجعله جزءا محوريا من مخطط يعرف باسم مشروع "حوض القدس"، الذي يهدف إلى إحكام السيطرة على القدس، وربط شقيها الشرقي والغربي في إطار رؤية تهويدية شاملة.
ويسعى الاحتلال أيضا لإلغاء الخط الأخضر الذي يمر بالأراضي الغربية من الشيخ جراح، في خطوة تهدف إلى تغيير الخريطة الجيوسياسية للمدينة، وإزالة أي دلائل على الطابع غير القانوني للاحتلال الإسرائيلي في القدس الشرقية بعد عام 1967، والتي يعتبرها القانون الدولي أراض محتلة تخضع للسيادة الأردنية.
المصدر:
القدس