خلصت دراسة أجراها باحثون في مؤشّر الانحياز الإعلامي إلى أن تغطية وسائل الإعلام الغربية لتطورات حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة ظلت متحيّزة، عبر تعزيز السردية الإسرائيلية وتجاهل أو التخفيف من حجم المآسي الإنسانية في القطاع.
وحلل الباحثون 54449 مقالا نُشرت بين 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وأغسطس/آب 2025 في 8 وسائل إعلام غربية كبرى، وهي بي بي سي البريطانية، ونيويورك تايمز الأميركية، ولوموند الفرنسية، ودير شبيغل الألمانية، وديلي تلغراف البريطانية، و"لا ليبر" البلجيكية، و"ذا غلوب آند ميل" الكندية، و"كورييري ديلا سيرا" الإيطالية.
وأظهرت الدراسة أن عناوين المقالات ركزّت بشكل كبير على الرواية الإسرائيلية، واستنتجت أن صحيفة نيويورك تايمز ذكرت إسرائيل 186 مرة مقابل كل مرة ذكرت فيها فلسطين، وأشارت إلى أن الصحيفة استخدمت كلمة "فلسطين" 10 مرات فقط منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ومن بين 91 عنوانا في "بي بي سي" تحتوي على كلمة فلسطين، تحدث 11 عنوانا فقط عن فلسطين بوصفها بلدا، سوى ذلك ذُكرت فلسطين 80 مرة في سياق مرتبط بحركة "فلسطين أكشن" البريطانية أو بالاحتجاجات المؤيدة لفلسطين، أو كتابات على الجدران مثل "حرروا فلسطين".
ووفقا للتحليل، ذكرت صحيفة "ذا غلوبال آند ميل" الكندية إسرائيل 33 مرة مقابل كل ذكر لفلسطين.
ووجدت الدراسة أن معظم وسائل الإعلام التي خضعت للبحث، تجنبت استخدام مصطلحات مثل "غير قانوني" أو "مخالف للقانون الدولي" عند تغطية أخبار المستوطنين الإسرائيليين أو المستوطنات.
وأشارت صحيفة "كورييري ديلا سيرا" الإيطالية إلى المستوطنين أو المستوطنات في تقاريرها 53 مرة دون ذكر السياق القانوني.
وظهرت كلمة "محتلة" في عناوين المؤسسات الإخبارية التي شملتها الدراسة، 29 مرة فقط مقارنة بـ 1180 إشارة إلى الأراضي نفسها دون أي إقرار بالاحتلال.
وبحسب الأناضول فإن التغطية الإعلامية الغربية لم تتورط بانحياز بسيط، بل قامت بتبييض منهجي للانتهاكات التي تُرتكب بموجب القانون الدولي.
وكانت الإشارات إلى "حق العودة" معدومة تقريبا أثناء تغطية أزمة اللاجئين الفلسطينيين، حيث وردت 38 إشارة فقط في وسائل الإعلام الثمانية.
وفي حين أن احتفلت وسائل الإعلام بـ"عودة اليهود إلى إسرائيل" باعتبارها مقدسة، كما اعتبرت عودة الأوكرانيين إلى بلادهم واجبا أخلاقيا، رأت أن عودة الفلسطينيين خطرا وزعزعة للاستقرار، أو حتى "معادية للسامية"، وفق ما جاء في الدراسة.
وأكد الباحثون أن المؤسسات الإعلامية تستشهد بشكل روتيني بعملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 من أجل تبرير الجرائم الإسرائيلية، بينما تجاهلت الحصار الإسرائيلي غير القانوني منذ العام 2007 وتأثيره على الحياة اليومية للفلسطينيين.
وبحسب للدراسة، أشارت "كورييري ديلا سيرا" إلى 7 أكتوبر 215 مرة مقابل كل إشارة واحدة إلى الحصار الإسرائيلي عام 2007.
واستنتج التحليل أيضا أن مصطلح "النكبة" (الذي يشير إلى التهجير الجماعي للفلسطينيين وتجريدهم من ممتلكاتهم عام 1948) استُخدم في وسائل الإعلام بتعاطف محدود، وأحيانا في سياق تنقيحي وتشكيكي أو إنكاري.
وكانت صحيفة تلغراف أقل وسائل الإعلام ذكرا لكلمة "النكبة" (21 مرة داخل النصوص فقط دون العناوين) وأكثرها تضمينا للسياق التشكيكي.
ووفق البحث جرى التعامل مع "حق إسرائيل في الوجود" في المؤسسات الإخبارية الغربية على أنه حصري، أما وجود الفلسطينيين فهو مشروط.
وكان مصطلح "الإرهاب" هو الإطار السائد والمتكرر لتصور وسائل الإعلام للفلسطينيين، في حين جرى التقليل من أهمية التجويع في غزة.
واستخدمت صحف لوموند ودير شبيغل وتلغراف مصطلحات متعلقة بالإرهاب أكثر من المصطلحات المتعلقة بالمجاعة بثلاث مرات، وكانت 69% من تغطية لوموند الفرنسية لغزة صُدّر عبر منظور مكافحة الإرهاب.
ويعلق الباحثون على النتائج بالقول "وصفُ شعب ما بالإرهابيين هو أحد أقوى أشكال نزع الصفة الإنسانية عنه، فهذا لا يقتصر على إدانة فعل ما، بل يمحو إنسانية أولئك المرتبطين به".
وعند تغطية الهجمات الإسرائيلية، غالبا ما صورتها وسائل الإعلام الغربية على أنها أعمال دفاع عن النفس، وكثيرا ما استخدمت مصطلحات مثل "ضربات دقيقة" أو "موجهة" أو "جراحية" على الرغم من استشهاد عشرات الآلاف من المدنيين.
وخلص التقرير إلى أن الانحياز والتشويه في تغطية المؤسسات الإخبارية الغربية، عبر تبنّي الرواية الإسرائيلية، والتقليل من حجم معاناة الفلسطينيين، وتطبيع الظلم الإسرائيلي باعتباره دفاعا عن النفس، لم يصدر من جانب غرفة أخبار واحدة، بل جسّد حالة مؤسسية للصحافة الغربية.
المصدر:
القدس