تفيد معطيات رسمية فلسطينية بتزايد ملحوظ لاعتداءات المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، في حين لا تبدي الولايات المتحدة، ورغم وسمها بعض تلك الجرائم بـ"الإرهاب"، سلوكا ضاغطا على إسرائيل لوقفها.
واستنادا إلى تقارير هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، فإن اعتداءات المستوطنين في الضفة تزايدت بنحو الضعف خلال أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني من العام الجاري مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي.
بلغة الأرقام، نفذ المستوطنون 2934 اعتداء خلال 2024، في حين نفذوا منذ مطلع العام وحتى منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الجاري 4538 اعتداء ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم بما في ذلك عمليات القتل وإحراق الممتلكات.
ومقابل 360 اعتداء نفذت خلال أكتوبر/تشرين الأول 2024، نفذ المستوطنون 766 اعتداء خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
كما تشير المعطيات إلى تسجيل 247 اعتداء خلال النصف الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، مقارنة مع 156 اعتداء خلال نفس الفترة من العام الماضي.
أمام هذه المعطيات، يتزايد قلق الفلسطينيين ومخاوفهم مما يرونه فتحا لأبواب الجحيم على الضفة الغربية، وبخاصة بعد اتفاق وقف إطلاق النار منذ العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، الذي تواصل إسرائيل خرقه منذ سريانه.
ومن هنا توجهت الرئاسة الفلسطينية -في بيان للناطق باسمها نبيل أبو ردينة- إلى الإدارة الأميركية محذرة من "خطورة الاعتداءات الإرهابية والوحشية التي ينفذها المستوطنون" في الضفة، بما في ذلك "حرق البيوت والممتلكات الفلسطينية".
واعتبرت تلك الاعتداءات "تحديا صارخا لجهود المجتمع الدولي، خاصة لجهود الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومساعيه الرامية إلى تثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة، والبدء بفتح مسارات سياسية تحقق الأمن والاستقرار للجميع".
ودعا أبو ردينة -وفق ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية السبت- الإدارة الأميركية إلى "التدخل الفوري والحازم لوقف هذا العبث والاستهتار الإسرائيلي بحقوق الشعب الفلسطيني، والتوقف عن توفير الدعم والحماية للمستوطنين، لشن هجمات إرهابية على الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته".
وفق الدكتور سعيد شاهين، رئيس قسم الإعلام وعضو هيئة التدريس بجامعة الخليل، فإن الولايات المتحدة الأميركية منحازة بشكل كامل لإسرائيل كحليف إستراتيجي استثنائي لها بالمنطقة يحقق كافة مصالحها.
ويشير بشكل خاص إلى إدارة ترامب الحالية، معتبرا أن كل ما يشاع عن السلام والتوصل لإنهاء الحرب "عارٍ عن الصحة، بل إن أميركا تدعم التوترات لتبقى صاحبة اليد الأولى وصاحبة قرار السلم والحرب بالعالم".
ورغم الدور الأميركي في اتفاق غزة، يقول شاهين إن "السياسة الخارجية لأميركا لم تتغير تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي"، بل يبعد إلى أكثر من ذلك مبينا أن "الإدارة الأميركية الحالية تتبنى المواقف الدينية ذاتها التي تحملها وتتبناها الحكومة الإسرائيلية الحالية، خصوصا ما يتعلق باستكمال مشروع الاستيطان في فلسطين، ليس فقط الضفة الغربية، بل حتى قطاع غزة".
ووصف شاهين تصريحات السفير الأميركي لدى إسرائيل مايك هاكابي والتي وسم فيها موجة العنف التي يشنها المستوطنون في الضفة بـ"الإرهاب" بأنها "مجرد كلام للاستهلاك الإعلامي".
والأربعاء الماضي وصف السفير الأميركي -في حديث لقناة "إليزابيث فارغاس" الإخبارية الأميركية نقله موقع تايمز أوف إسرائيل الإخباري الإسرائيلي- موجة العنف التي يشنها المستوطنون في الضفة الغربية بأنها "إرهاب"، ولكنه أصر على أنه "يقتصر على قلة من البلطجية (…) كثير منهم لا يعيشون حتى في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) يأتون إلى هناك لإحداث الفوضى".
ويقول شاهين إنه عنف منظم ومدعوم رسميا من حكومة الاحتلال، وليسوا قلة ويقيمون بمستوطنات غير قانونية بالضفة، متسائلا: لو كانت تصريحات السفير الأميركي صادقة فلماذا لا تضغط بلاده على إسرائيل لوقفه؟ ولماذا لا يصنف الإرهابيون على قوائم سوداء أميركية؟
وأضاف أن هاكابي ذاته أقدم على شراء بيت في مستوطنة إفرات الإسرائيلية، وأطلق تصريحات أكثر تشددا من الوزيرين المتطرفين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وزعم أن أرض إسرائيل الحقيقية هي الضفة الغربية، وأنه لا وجود لشيء اسمه الضفة الغربية، وأطلق عليها المسمى العبري "يهودا والسامرة".
من هنا، يرى أستاذ الإعلام أن الولايات المتحدة تتبنى السياسات الإسرائيلية، معتبرا أن تصريحات هاكابي الداعمة للاستيطان بمثابة ضوء أخضر لاستمرار الاستيطان واعتداءات المستوطنين.
من جهته، يقول الكاتب السياسي معمّر العويوي إن المستوطنين أداة من أدوات الاحتلال في الصراع وتنظر إليهم إسرائيل كخط دفاع أول في الضفة الغربية، ولذلك نشهد مزيدا من البناء الاستيطاني واشتباكات شبه يومية مع المستوطنين.
وأضاف أن الاستيطان تحوّل من احتلال الجبال والمواقع الإستراتيجية إلى سرقة كل شيء حتى مظاهر الحياة وتقاليد الفلسطينيين.
وقال إن الولايات المتحدة ترى في وجود إسرائيل درعا أماميا وعصا بيدها لإخضاع العرب، ومن هنا لا تذهب بعيدا في الضغط عليها لوقف جرائم الاستيطان والمستوطنين رغم الخطة الإسرائيلية لإدخال الضفة بمزيد من القوة في دائرة العنف الذي يمكن السيطرة عليه، لا سيما وأنها تخشى بشكل كبير تحرك الجماهير.
وتساءل العويوي عن أسباب غياب المقاومة الشعبية التي يتبناها المستوى الرسمي الفلسطيني كبرنامج نضالي في مواجهة الاستيطان والاحتلال، ومنها لجان الحراسة والحماية معتبرا أنه "تم تجميدها في المناطق القريبة من الاشتباك".
وشدد على ضرورة البحث في كيفية تحول المقاومة الشعبية من بيانات ودعوات ونداءات إلى سلوك ميداني على الأرض.
وعن غياب المقاومة الحقيقية الجماهيرية للمحتل أو المستوطن، يقول إن السبب هو النهج السياسي القائم على "سحب الذراع" مع أن الاحتلال يمارس أبشع جرائمه حتى بدون ذرائع.
من جهته، يعود منسق القوى والفصائل السياسية بمدينة رام الله، عصام بكر إلى ما قبل اندلاع حرب الإبادة بغزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، موضحا أن جرائم المستوطنين مستمرة قبل ذلك التاريخ وتصاعدت بعده.
وقال إن تشكل المليشيات المنظمة للمستوطنين بدأ قبل الحرب من قبل حكومة يمينية متطرفة، أسست الجمعيات والمؤسسات الدينية والاستيطانية التي تغذي ما يجري في الضفة من أحقاد عنصرية وأيديولوجية، كشف وجهها الحقيقي الارتفاع الحاد في جرائم المستوطنين التي أصبحت علنية بعد حرب غزة لتشكل تهديدا حقيقيا على وجود الفلسطينيين.
وبعد وقف حرب الإبادة، يقول بكر إن الضفة باتت ساحة أخرى لعمل أكثر اتساعا "لم تعد الاعتداءات تقتصر على مليشيات، بل نشهد تشكل دولة للمستوطنين بالضفة مجهزة بكامل العتاد -ومنه عتاد أميركي- فضلا عن دعم مالي وغطاء سياسي وتقاسم علني للأدوار في اعتداءات غير مسبوقة".
وبرأيه، فإن الولايات المتحدة توفر الغطاء لاعتداءات المستوطنين، وتحولت إلى شريك كامل لدولة الاحتلال بمدها بمختلف أنواع الأسلحة والعتاد العسكري، ولذلك لا تريد الضغط على إسرائيل، ولو أرادت الضغط على المستوى السياسي وحكومة الاحتلال لتغير الحال.
المصدر:
القدس