د. سعيد شاهين: جوهر القرار يتمحور حول تحقيق الهدف الاستراتيجي للحرب المتمثل في نزع سلاح المقاومة بعد إخفاق إسرائيل بذلك
محمد جودة: القرار يشكل مرحلة انتقالية دقيقة وحساسة في مستقبل غزة لكنه لا يرسم بوضوح ملامح الوجهة النهائية للقطاع
خليل شاهين: أخطر ما يواجه الفلسطينيين التعامل مع القطاع باعتباره "إقليماً متمرداً" يجري العمل على قمعه وإعادة تشكيل وعي سكانه
د. عقل صلاح: إسرائيل تتجه بدعم أمريكي لخلق حالة فوضى وفراغ مدروسة بغزة وتأجيل الإعمار كورقة ابتزاز سياسي
طلال عوكل: غزة "لا تغادر موقعها" وما ورد حول الدولة في القرار 2803 ليس أكثر من "مساومة" وهو ما جعله ضبابياً
ماجد هديب: القرار قد يشكّل فرصة لإقامة الدولة خصوصاً مع الاستعداد الواسع للإعمار والدفع نحو مسار سياسي جديد
تعيش الساحة الفلسطينية لحظة مفصلية مع صدور قرار مجلس الأمن الدولي 2803، الذي أعاد فتح ملف قطاع غزة على مستوى دولي واسع، ليس بوصفه ملفاً إنسانياً فحسب، بل كمدخل لإعادة تشكيل المشهد السياسي والإداري للقطاع، في ظل تهديدات ومخاطر تهدد القضية الفلسطينية.
ويؤكد كتاب ومحللون سياسيون ومختصون وأساتذة جامعات، في أحاديث منفصلة لـ"ے"، أن مضمون القرار يكشف توجهاتٍ تتجاوز وقف الحرب نحو هندسة ترتيبات سياسية وأمنية جديدة، قد تضع غزة تحت مسارات متعددة تبدأ من الوصاية الدولية وتمتد إلى إعادة هيكلة النظام السياسي الفلسطيني نفسه، بما يتماشى وفق رؤى أمريكية وغربية.
وبينما يرى كتاب ومحللون ومختصون وأساتذة جامعات أن القرار يمثل استمراراً للسياسات الأمريكية- الإسرائيلية الرامية إلى نزع سلاح المقاومة وتدويل إدارة القطاع، يعتبر آخرون أنه يفتح -رغم ضبابيته- نافذة يمكن البناء عليها في حال توفرت وحدة وطنية وإرادة فلسطينية فاعلة.
القرار يمنح خطة ترمب مزيداً من الشرعية
يرى أستاذ الإعلام السياسي في جامعة الخليل د.سعيد شاهين أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2803 يشكّل، بصيغته الحالية، امتداداً مباشراً لسياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة في المنطقة، معتبراً أنه يمنح خطة ترمب مزيداً من الشرعية، على غرار ما حدث في ملفات أفغانستان والعراق وليبيا، حيث استُخدم الغطاء الدولي لفرض وقائع سياسية وأمنية تخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية.
ويوضح شاهين أن جوهر القرار يتمحور حول تحقيق الهدف الاستراتيجي لحرب الإبادة على غزة، والمتمثل في نزع سلاح المقاومة، وهو الهدف الذي فشلت إسرائيل – رغم امتلاكها ما تصفه بـ"الآلة المميتة والذكية" – في تحقيقه عبر الميدان.
ويؤكد شاهين أن الإدارة الأمريكية أدركت أن صورة إسرائيل أصبحت "الأقذر عالمياً" نتيجة سلسلة الجرائم والانتهاكات في غزة، ما دفع واشنطن إلى إعادة صياغة أدوات المواجهة، ونقلها من الإطار العسكري إلى الساحة السياسية والدبلوماسية الخشنة، بهدف حماية إسرائيل من الانهيار الأخلاقي والسياسي، مع ضمان مشاركة دول عربية وإسلامية لتخفيف حدة الرفض الدولي لها.
ويشير شاهين إلى أن المشهد في غزة لم يشهد أي تغيير حقيقي منذ الإعلان عن وقف الحرب وتسليم الأسرى الإسرائيليين، إذ بقيت الأوضاع الإنسانية والسياسية على حالها، فيما بدا القرار منحازاً لتحميل الضحية المسؤولية بدلاً من محاسبة الاحتلال.
ويرى أن القرار يمنح الولايات المتحدة وإسرائيل هامشاً واسعاً للتحرك في القطاع بما يخدم مصالحهما، دون أي ضمانات لرفع الحصار أو حماية الكرامة الإنسانية للفلسطينيين.
ويؤكد أن صياغة القرار جاءت "لذر الرماد في العيون"، لغياب جداول زمنية واضحة، وعدم منح السلطة الفلسطينية أي دور فعلي، وغياب أي إشارة إلى الربط الجغرافي بين الضفة الغربية والقدس وغزة أو وقف اعتداءات المستوطنين.
ويعتبر شاهين أن القرار يعكس توجّه الحكومة الإسرائيلية المتطرفة نحو تصفية القضية الفلسطينية، محذراً من التعويل على إدارة ترمب أو حكومة الاحتلال في فتح أي مسار سياسي حقيقي في الأفق القريب يقود نحو دولة فلسطينية، في ظل تعقيدات المشهد الدولي وتراجع أدوار روسيا والصين وقوى أُخرى عن حماية القانون الدولي.
ثلاثة اتجاهات للمسارات الممكنة لمستقبل القطاع
يرى الكاتب والمحلل السياسي محمد جودة أن قرار مجلس الأمن الدولي 2803 يشكّل مرحلة انتقالية دقيقة وحساسة في مستقبل غزة، لكنه-برغم أهميته- لا يرسم بوضوح الوجهة النهائية للقطاع، موضحاً أن "النص يفتح باب المرحلة المقبلة، لكن سلوك الأطراف وكيفية التنفيذ هما العامل الحاسم في رسم مستقبل غزة السياسي والإنساني".
ويعتبر جودة أن المسارات الممكنة لمستقبل القطاع تنقسم إلى ثلاثة اتجاهات رئيسية، أولها مسار الاستقرار المؤقت، وهو الأكثر ترجيحاً خلال السنوات القريبة.
ويقوم هذا المسار وفق جودة، على وضع غزة تحت إدارة دولية أو مراقبة أمنية مع مشاركة فلسطينية محدودة في الجوانب الإدارية، مع التركيز على وقف التدهور الإنساني وترميم البنية التحتية.
وبحسب جودة، فإن هذا المسار سيؤدي إلى تحسّن ملموس في ظروف الحياة اليومية، لكنه لن يحسم سؤال السيادة، إذ تبقى السيطرة على الأرض موزّعة بين أطراف متعددة، ما يجعل المستقبل السياسي للقطاع معلقاً.
أما المسار الثاني، الذي يصفه جودة بأنه الخطر السياسي الحقيقي، فهو خيار الإدارة الدائمة، حيث تتحول الترتيبات المؤقتة إلى إدارة تقنية طويلة الأمد بلا سقف سياسي واضح، كما حدث في تجارب دول خضعت لإشراف دولي لسنوات. ويشير جودة إلى أن هذا السيناريو "يحوّل القضية من مشروع تحرر وحقوق وطنية إلى ملف خدمات وإدارة"، في حين تبقى فكرة الدولة مؤجلة إلى أجل غير معلوم، وهو ما لا تمانع بعض القوى الدولية في فرضه بحجة "تجميد النزاع".
أما المسار الثالث، فهو التحول السياسي نحو أفق دولة فلسطينية، لكنه الأقل احتمالاً.
ويرى أن هذا المسار مرهون بثلاثة شروط: وحدة فلسطينية أو توافق سياسي حول مستقبل غزة، وضغط دولي لتحويل الإدارة المؤقتة إلى مرحلة انتقالية حقيقية، وقبول إسرائيلي -ولو مضطراً- بمسار تسوية سياسية يربط الأمن بالحقوق.
ويؤكد جودة أن غزة خلال 3–5 سنوات قادمة ستتجه نحو استقرار إداري وإنساني بإشراف دولي أكثر من ذهابها نحو دولة مستقلة، فيما سيُحسم مستقبلها البعيد خلال 5–10 سنوات بناءً على المتغيرات الإقليمية وقدرة الفلسطينيين على توحيد رؤيتهم السياسية.
ويحذر من أن الغموض المحيط بمسار الدولة ليس عابراً، بل ناتج عن تفاعل عوامل معقدة: حق قانوني واضح للفلسطينيين، وإرادة دولية ضعيفة لفرض حل، ووقائع ميدانية تعيق أي تقدم سياسي.
ويشير جودة إلى أن المرحلة المقبلة "لن تُنهي حلم الدولة لكنها قد تجمّده"، معتبراً أن بناء مؤسسات فلسطينية قوية واستعادة مشروع سياسي موحد هو الطريق الوحيد لإعادة القضية إلى جدول الأعمال الدولي.
منعطف غير مسبوق منذ عام 1948
يرى الكاتب والمحلل السياسي خليل شاهين أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2803 بشأن قطاع غزة وضع الحالة الفلسطينية أمام "منعطف غير مسبوق" منذ عام 1948، معيداً رسم المشهد السياسي بطريقة تمسّ مستقبل غزة والنظام السياسي الفلسطيني برمّته بما في ذلك السلطة الوطنية الفلسطينية، وتفتح الباب أمام مرحلة من الوصاية الدولية المباشرة.
ويوضح شاهين أنّ القرار الجديد لم يغيّر مسار غزة وحدها، بل مسّ جوهر القضية الفلسطينية عبر إعادة تشكيل النظام السياسي وفق معايير أمريكية- إسرائيلية، وبمشاركة واضحة لدول أوروبية وازنة، لا سيما فرنسا.
ويرى شاهين أن القرار يضع الفلسطينيين خارج دائرة تحديد مستقبل قطاع غزة، سواء على مستوى الحكم والإدارة أو مستقبل المقاومة أو إعمار ما دمّرته الحرب، وهو جوهر القرار الذي يستند عملياً إلى خطة ترمب، "بحيث يصبح الأخير رئيساً لقطاع غزة".
ويبيّن أن القرار يفرض وصاية كاملة على قطاع غزة، عبر "مجلس السلام" الذي يقوده ترمب، على أن تتولى هيئة دولية إدارة القطاع برئاسة رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، إضافة إلى تشكيل لجنة فلسطينية من التكنوقراط ليست بقرار فلسطيني، بل بقرار من مجلس الوصاية والهيئة الدولية المشرفة عليه.
ويعتبر أن هذه البنية الإدارية الجديدة تمهّد لتحويل غزة إلى منطقة منزوعة السلاح، وإعادة الإعمار بطريقة تتجاهل الواقع الديموغرافي وممتلكات المواطنين الفلسطينيين، وتنشئ مشاريع تعيد إنتاج ما يشبه "ريفيرا غزة"، وتتيح بناء منشآت شاهقة في شرق القطاع على حساب الأملاك الخاصة.
ويشير شاهين إلى أنّ أخطر ما يواجه الفلسطينيين هو التعامل مع قطاع غزة باعتباره "إقليماً متمرداً" يجري العمل على قمعه وإعادة تشكيل وعي سكانه، وسط نشاط متزايد لميليشيات محلية متعاونة مع إسرائيل يجري إعدادها في رفح وخان يونس وشمال القطاع، لإدارة مناطق واسعة وفق التصورات الجديدة لإدارة الأمن.
ويرى أنّ الوصاية لا تتوقف عند غزة، بل تمتد لتشمل السلطة الفلسطينية ذاتها، وهي عملية بدأت قبل القرار من خلال ضغوط تقودها فرنسا تحت عنوان "الإصلاح". وبحسب شاهين، فإن هذه المعايير تضمّنت الشروط الأوروبية التقليدية، إضافة إلى معايير أخطر في خطة ترمب، مثل الاعتراف بإسرائيل كدولة قومية لليهود، وقبول القدس الموحدة عاصمة لها، ونقل كل سفارات العالم إليها، والتخلي عن الحقوق التاريخية مثل حق العودة.
القرار يشكّل "حكماً بإعدام حل الدولتين"
ويشير شاهين إلى أن القرار يشكّل "حكماً بإعدام حل الدولتين"، كما قال المندوب الروسي في مجلس الأمن، رغم الإشارات في القرار إلى مستقبل سياسي غير محدد المعالم للفلسطينيين، مرتبط بشروط إعادة الإعمار والحوكمة وبالتقدم الذي يحدده مجلس السلام بالاتفاق بين أمريكا وإسرائيل.
وفي قراءة للمخارج الفلسطينية الممكنة، يشدد شاهين على ضرورة صياغة استراتيجية وطنية شاملة لمواجهة المرحلة المقبلة، تقوم على إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني عبر حوار وطني يشمل كل الفصائل ومكونات المجتمع المدني والمرأة والشباب.
وبحسب شاهين، يعدّ تشكيل حكومة توافقية فلسطينية لإدارة الضفة الغربية وقطاع غزة خياراً أولياً لكسر هيمنة مجلس الوصاية، أو البدء بتشكيل لجنة تكنوقراط لإدارة غزة ترتبط بالسلطة الفلسطينية وليس بالآليات الدولية الجديدة.
ويدعو إلى الاتفاق على صيغة موحّدة لأشكال النضال، بما يسمح بتنظيم استخدام السلاح لا نزعه، وإيجاد آليات لمعالجة وضع الأجنحة العسكرية في غزة من خلال صيغ سبق نقاشها في جولات المصالحة، بما يشمل دمج جزء منها داخل المؤسسة الأمنية الفلسطينية.
ويؤكد شاهين أهمية التحرك عربياً ودولياً لمنع فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، والإسراع في عقد مؤتمر إعادة الإعمار وفق الخطة المصرية- العربية المعتمدة في القمم العربية، وطرحها كبديل لأي مخطط يسعى لتغيير الواقع الديموغرافي في القطاع.
ويرى أن المرحلة المقبلة لا تحتمل التأجيل، وأن وقف الحرب في غزة ومنع استئنافها، ووقف الضم والاستيطان واعتداءات الميليشيات الاستيطانية في الضفة، ضرورة قصوى.
ويشدد شاهين على أن كسر الوصاية الدولية على غزة والسلطة لا يمكن أن يتحقق إلا بتوافق وطني فلسطيني عاجل وبناء موقف موحد يفرض نفسه قبل أن تُفرض المعادلة الإسرائيلية-الأمريكية بشكل كامل.
المرحلة المقبلة بالغة الصعوبة والخطورة
يحذّر الكاتب والباحث السياسي د. عقل صلاح من أنّ المرحلة المقبلة لقطاع غزة ستكون "بالغة الصعوبة والخطورة"، معتبراً أن إسرائيل، وبدعم أمريكي مباشر، تتجه إلى خلق حالة فوضى وفراغ مدروس يتيحان استمرار الضغط على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وتأجيل إعادة الإعمار، بما يسمح باستخدام ملف الإعمار كورقة ابتزاز سياسي ضد الفلسطينيين والمقاومة.
ويؤكّد صلاح أن القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي منح الولايات المتحدة "حق الوصاية الفعلية" على قطاع غزة، وقد يمتد هذا النفوذ ليطول القضية الفلسطينية برمّتها، ما يعني استمرار الحصار بغطاء دولي بذريعة عدم تسليم المقاومة سلاحها أو هدم بنيتها التحتية.
ويرى صلاح أن أخطر ما ينطوي عليه القرار هو تحويل قضية غزة، بل والقضية الفلسطينية عموماً، من قضية وطنية سياسية إلى "قضية إنسانية" محصورة بالإغاثة والمساعدات والإيواء، في عملية شطب منهجية للدور السياسي الوطني.
ويشير صلاح إلى أن الترتيبات الميدانية التي يجري إعدادها بإشراف أمريكي قد تشمل إشراك مجموعات فلسطينية مسلّحة متعاونة مع إسرائيل، بما يحوّل بعضها إلى "مقاولين أمنيين" لإدارة فوضى قد تُستغل في تفكيك النسيج الداخلي للقطاع وإشعال اقتتالات داخلية.
ويؤكد أن الهدف المركزي للولايات المتحدة الأمريكية هو "تبييض صورة إسرائيل دولياً"، بعد أن أصبحت صورتها منبوذة نتيجة الحرب على غزة، وذلك عبر نقل الضغط الدولي من إسرائيل إلى الشعب الفلسطيني والمقاومة. ويعتبر صلاح أن واشنطن تسعى إلى إنهاء الحرب بالشكل الذي يسمح باستمرار عمليات الاغتيال والتغلغل والقصف، تحت غطاء الاتفاقات الجديدة، في ظل عدم التزام إسرائيل بأي تفاهمات وامتلاكها ضوءاً أخضر أمريكياً لمواصلة الخروقات.
ويشير صلاح إلى أن المشروع الأمريكي الذي أصبح قراراً من مجلس الأمن الدولي جاء "غامضاً ومفتوحاً في كل جوانبه"، بما في ذلك ملف حق تقرير المصير، إذ لم يحدّد سقفاً زمنياً لقيام الدولة الفلسطينية أو إنهاء الاحتلال، ويهدف إلى تعطيل الجهود الدولية التي طالبت بحل جذري للقضية الفلسطينية استناداً إلى الاعترافات الدولية السابقة بالدولة الفلسطينية. ويشبّه صلاح هذا المسار بمرحلة الانتداب البريطاني التي أعقبت وعد بلفور وصولاً إلى إقامة دولة الاحتلال، معتبراً أن القرار الحالي يسير على النهج ذاته، مستنداً إلى "موافقة دولية" تتيح استمرار الهيمنة الإسرائيلية على قطاع غزة.
ورغم ذلك، يشدد صلاح على أن صمود الشعب الفلسطيني في غزة أسطوري وغير مسبوق في التاريخ، وأن كل المخططات الرامية إلى تفكيك الحلم الوطني ستتحطم أمام إرادة الفلسطينيين.
ويؤكد صلاح أن أي مشروع دولي لا يتضمن إنهاء الاحتلال بشكل واضح ومُلزم "محكوم عليه بالفشل"، حتى وإن مرّ مؤقتاً في هذه المرحلة العصيبة.
غزة ستبقى حاضرة بمكانتها ودورها الوطني
يشدد الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل على أن غزة ستبقى حاضرة في مكانتها ودورها الوطني مهما اشتدت الظروف، مؤكداً أن تمسّك أهلها بأرضهم وتاريخهم يجعلها عصية على محاولات التغيير أو الإقصاء.
ويوضح عوكل أن غزة "لا تغادر موقعها"، وأن التاريخ أثبت عبر مراحل عديدة قدرتها على تجاوز كل أشكال التسلّط عليها، مشدداً على أن من يفرضون وصايتهم عليها اليوم "غير مخلّدين"، بينما تبقى غزة ثابتة بأهلها وبتضحياتهم.
ويرى أن الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترمب، ومن يساندها في المنطقة، لن تبقى طويلاً في المشهد، معتبراً أن الزمن كفيل بتغيير موازين القوة، وأن غزة ستعود "أقوى وأجمل" بعد زوال هذا الوضع الاستثنائي.
ويؤكد عوكل أن الفلسطينيين لم يراهنوا على أن الحرب الأخيرة أو معركة "طوفان الأقصى" ستقود تلقائياً إلى دولة مستقلة.
وبشأن قرار مجلس الأمن 2803، يعتبر عوكل أن ما ورد فيه حول الدولة ليس أكثر من "مساومة" بين المجموعة العربية والإسلامية من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى، ما جعله نصاً ضبابياً يفسّره كل طرف وفق مصالحه.
ويشير عوكل إلى أنه في ظل المعطيات الحالية لا يبدو أن هذا المسار سيقود إلى دولة فلسطينية، "إلا إذا انقلبت السياسة الأمريكية جذرياً".
ويشدد عوكل على أن الحلم الفلسطيني باسترداد الحقوق لا يمكن أن يتبدد، بل قد يتجاوز حدود الدولة في الضفة وغزة، موضحاً أن الصراع ما زال مفتوحاً بكل تعقيداته، وأن التاريخ قادر على إعادة تصويب مساره مهما طال الزمن.
تبني الرؤية الأمريكية بشكل كامل
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي ماجد هديب أن قرار مجلس الأمن 2803 بشأن غزة جاء متبنّياً بشكل كامل للرؤية الأمريكية، دون منح الإرادة الفلسطينية أو تطلعات الشعب الفلسطيني نحو تقرير المصير والاستقلال أي حضور حقيقي داخل نص القرار.
ورغم ذلك، يرى هديب أن موافقة الفلسطينيين على القرار تعود بالأساس إلى توقف حرب الإبادة التي امتدت لعامين، أكثر من ارتباطها بأي تصور سياسي للمستقبل.
ويشير إلى أن هذا القبول الشعبي نابع أيضاً من وجود إيجابيات بالقرار يمكن البناء عليها، إذا أحسن الفلسطينيون إدارة المرحلة. فبحسب هديب، قد يشكّل القرار فرصة تاريخية نحو إقامة الدولة الفلسطينية، خصوصاً مع وجود استعداد دولي واسع لإعادة إعمار غزة ودفع الفلسطينيين نحو مسار سياسي جديد، حيث تبدي العديد من دول الإقليم والعالم استعداداً واضحاً لدعم الفلسطينيين وصولاً إلى دولتهم.
سيناريوهات متعددة لمستقبل غزة
ويعرض هديب سيناريوهات متعددة لمستقبل غزة، أبرزها: السيناريو الأول وفيه ينجح الفلسطينيون في تحقيق تقدّم ملموس في الأمن الداخلي، وإعادة الإعمار، وبناء إدارة فلسطينية موحدة، بما يفتح الطريق تدريجياً نحو تقرير المصير وإقامة الدولة.
ويرى هديب أن القرار "يفتح نافذة أمل"، مستشهداً بتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عند تمرير القرار باعتباره "فرصة تاريخية".
وبحسب هديب، فإنه وفق هذا السيناريو، تتجه غزة نحو "غزة الجديدة المزدهرة" وصولاً إلى وحدة الأرض والسياسة والإدارة في إطار الدولة الفلسطينية المستقلة.
والسيناريو الثاني، وفيه يحذر هديب من أن واشنطن قد تستغل القرار لإطالة أمد الوصاية على غزة، بذريعة فشل الفلسطينيين في توحيد أنفسهم أو إخفاق السلطة في استيفاء اشتراطات الإصلاح، ويفتح ذلك الباب أمام إحكام قبضة الاحتلال وتمديد الإدارة الأمريكية للملف، بل وربما دفع السكان نحو الهجرة بذريعة "عدم صلاحية غزة للحياة".
ويشير هديب إلى سيناريو ثالث وفيه قد يتطور المشهد إلى انسحاب دولي أو حتى حرب دولية جديدة على غزة تحت شعار تنفيذ بنود القرار المتعلقة بنزع السلاح في ظل التصريحات لحركة حماس التي ترفض فيه قرار مجلس الأمن.
وبرغم تعدد السيناريوهات، يرجّح هديب أن المستقبل الأقرب هو السيناريو الأول، شريطة توافر وحدة البيت الفلسطيني، والدعم العربي، واستمرار الالتزام الدولي.
ويعتبر أن القرار، رغم الغموض الذي يحيط ببنود تقرير المصير والدولة، يمثل مرحلة انتقالية من الفوضى والانقسام والإبادة إلى مسار متدرّج نحو الدولة، يبدأ بالاستقرار ثم الإعمار فالإصلاح، قبل الوصول إلى مسار سياسي واضح.
ويشير هديب إلى أن نجاح المشروع مرتبط بثلاثة محاور رئيسية نص عليها القرار: إعادة تشكيل غزة أمنياً، وإنشاء قوة متعددة الأطراف، وتأسيس إدارة انتقالية، مؤكداً أن توفر العوامل الفلسطينية والعربية والدولية الكافية قد يجعل القرار محطة تؤدي في النهاية إلى الدولة الفلسطينية المستقلة.
المصدر:
القدس