آخر الأخبار

هل يمهّد قرار مجلس الأمن لغدٍ جديد لغزة أم يعيد إنتاج الوهم؟

شارك

علينا أن نناقش مسألة قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2803 بشأن غزة من دون شعارات جوفاء، ومن دون توزيع آمال كاذبة، ومن دون تجاهل الواقع القائم على الأرض، ومن دون إنكار مقاومة محاصرة داخل الصناديق.

نحن جميعا في حالة تأرجح ما بين التشاؤم والرجاء. الوضع الحقيقي هو ما تعيشه الآن الأمهات والآباء الذين يحاولون حماية أطفالهم من البرد في الخيام التي غمرتها المياه في غزة.

لا يمكنك أن تروي لهم قصة غير حقيقية، لن تكون مقنعة بالنسبة لهم. ما نتيجة حرب غزة؟ من انتصر، ومن خسر، ومن خرج رابحا في النهاية؟ إنها حرب مدهشة للغاية، حطمت جميع المفاهيم والأطر التي يمكن أن تصف الوضع، وقلبتها رأسا على عقب.

أعتقد أننا بحاجة إلى إعادة تعريف حالة البشرية، ووضع الأنظمة الحاكمة، والقيم الأخلاقية، وقواعد الإنسانية بعد هذه الحرب.

على سبيل المثال، يمكن الآن إصدار حكم يقول: "الذين وقفوا إلى جانب فلسطين في حرب غزة هم أناس أصحاب ضمير".

إذ يمكن القول إن غزة أصبحت حجر زاوية يعيد تشكيل مسار السياسة. أولئك الذين يتحدثون عن الانتصارات العظيمة التي تحققت، وأولئك الذين يقولون إنهم تعرضوا لهزائم فادحة، كلاهما على حق.

سيُقسم التاريخ من الآن فصاعدا إلى "ما قبل غزة"، و"ما بعد غزة". أليس هناك فرق كبير بين إسرائيل ما قبل حرب غزة، وإسرائيل ما بعدها؟ حتى الهوية الفلسطينية قد انتقلت إلى مكان مختلف تماما بعد حرب غزة.

لذلك أقول إن حرب غزة قلبت الكثير من المفاهيم والتعريفات والتصورات في العالم. علينا أن نقرأ المسألة في ضوء المفاهيم الجديدة المتغيرة.

أوقات صعبة على فلسطين، لكنها أيضا أوقات جيدة جمل افتتاحية رواية "قصة مدينتين" لتشارلز ديكنز شهيرة جدا.

وعندما قرأتها لأول مرة، تساءلت بدهشة: كيف يمكن أن يكون هذا؟ لكن العالم بعد حرب غزة أصبح بالفعل كما وصفه ديكنز: "كان أحسن الأزمان، وكان أسوأ الأزمان. كان عصر الحكمة، وكان عصر الحماقة. كان عهد الإيمان، وكان عهد الجحود. كان زمن النور، وكان زمن الظلمة. كان ربيع الأمل، وكان شتاء القنوط. كان أمامنا كل شيء، ولم يكن أمامنا شيء. كنا جميعا ماضين إلى الجنة مباشرة، وكنا جميعا ماضين إلى جهنم مباشرة".

إذا نظرت إلى الأعلام الفلسطينية المرفوعة في أنحاء العالم، والأعلام الإسرائيلية الملقاة على الأرض، فإن الخاسر في هذه الحرب هو إسرائيل.

لكن إذا نظرت إلى الـ70 ألف مدني الذين استُشهدوا في غزة، وإلى المدينة التي دُمرت عن بكرة أبيها، فإن المنتصر ليس حركة حماس.

إنها حرب كانت هزيمة قصيرة المدى لفلسطين، لكنها نصر بعيد المدى. وهي حرب كانت مكسبا قصير المدى لإسرائيل، لكنها هزيمة كبرى على المدى البعيد.

أفهم المفارقة والتناقض اللذين تخلقهما هاتان الجملتان. لكن كما قال ديكنز، أحيانا يمكن أن يعيش الإنسان "ربيع الأمل وشتاء القنوط" في اللحظة ذاتها.

بالنظر إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2803 بشأن غزة، لا يمكن لأي من الطرفين، لا إسرائيل ولا فلسطين، أن يصوغ جملة من نوع "نحن سعداء بهذا القرار".

ولا يستطيع أحد أن يعيش حياته في راحة وطمأنينة بناء على هذا القرار أيضا. لأن القرار مليء بالغموض، وقابل للتأويلات المختلفة، ويحوي بنى مرنة تتغير بحسب الظروف.

وفي بيئة قُتل فيها 70 ألف إنسان، فإن الولايات المتحدة، التي زودت إسرائيل بالسلاح وقدمت لها الحماية السياسية، أصبحت هي الضامن والمنفذ لهذا الاتفاق.

كأن الذئب نُصب حارسا على الخراف. لكن وفقا لهذا الاتفاق، فإن إسرائيل تخسر أيضا رفاهية احتلال غزة بالكامل، وطرد الفلسطينيين، وقتل الناس كما يحلو لها.

قال أحد المسؤولين الإسرائيليين بأسى: "كنا نستطيع قتل 150 ألف فلسطيني في اليوم، لكننا فوتنا الفرصة".

ولو أن إسرائيل قتلت 700 ألف فلسطيني بدلا من سبعين ألفا، فمن كان سيوقفها حقا؟

حرب غزة قلبت الكثير من المفاهيم والتعريفات والتصورات في العالم.
القدس المصدر: القدس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا