أيمن جادة:: مناسبة تتعدى مجرد كونها مباراة كرة قدم أو حدثاً رياضيّاً عابراً بل وقفة شعبٍ يؤيد شعباً مظلوماً وينصره
بدر الدين الإدريسي: صحوة للضمير العالمي في مواجهة الإبادة وبداية عهد جديد في النضال من أجل قيام دولة فلسطين
حازم الكاديكي: الجماهير هتفت لغزة وفلسطين ومن أجل الأطفال وكرامة إنسانٍ يطالب فقط بأن يُرى ويُسمع ويُعترف بألمه
عادل بو هلال: لحظة كاشفة لما يمكن أن تصنعه الرياضة وإعلان يؤكد قدرة الشعوب على اتخاذ موقف حين يصمت كثيرون
محمد العباسي: رغم ويلات الحرب والدمار وجد أبناء المدرب إيهاب أبو جزر أنفسهم يلعبون لأول مرة في ملاعب القارة العجوز
عوني فريج: ما حدث في ملعب سان ماميس شهادة فخر لفلسطين وشعبها وتأكيد على تضامن العالم مع قضيته العادلة
رضوان علي الحسن: جمهور الباسك رسم مشهداً أكد للعالم أن فلسطين ليست قضية عربية فقط بل قضية كل حر في العالم
إياد جليل: في كل بقعة من ملاعب العالم تجد علم فلسطين يرفرف لأنها حاضرة في قلب كل إنسان يعرف معنى الإنسانية
تفاعل الإعلاميون الرياضيون العرب مع الاختراق الكبير الذي حققه فدائي كرة القدم الفلسطيني، الذي كان بطل المشهد الكرويّ النضالي، في مباراة ليست كالمباريات، تفوق منتخب الباسك الصلب فيها على منتخب فلسطين الفتي، الذي خسر المباراة فنياً، وفاز بحميمية غير مسبوقة وضعت شيئاً من نقاط الحقّ على حروف التاريخ، وشكلت إرهاصاً لعهد يضع المحتلين في الزاوية، وتتفتح في جنباته أزهار الربيع الفلسطيني الجميل، الذي تشكل كرة القدم واجهته الحضارية، بعد نجاحها في تحويل ملاعب العالم إلى منصة غضب في وجه الإبادة، ورسالة تضامن مع ضحايا حرب الإبادة الاسرائيلية في غزة، وغيرها من المناطق.
"ے" رصدت في هذا التقرير آراء عدد من الإعلاميين الرياضيين العرب، الذين عبّروا بصدقٍ عن تفاعلهم مع الحدث غير المسبوق.
صدقت إسبانيا في وقفتها الشجاعة المؤيدة لفلسطين
قال المحلل الرياضي القطري أيمن جادة: لقد صدقت إسبانيا في وقفتها الشجاعة المؤيدة لفلسطين وشعبها الأبي، وتجسد ذلك في استضافة منتخب فلسطين الوطني في ليلة تاريخية شهدها ملعب سان ماميس في إقليم الباسك، حيث عُزف النشيد الوطني للفدائي أمام أكثر من خمسين ألف متفرج هتفوا وصفقوا لفلسطين بصدقٍ وحماسٍ لم تشهده أرضٌ أوروبيةٌ من قبل، ولعل أول الغيث لم يكن مجرد قطرٍ، بل سحابة مليئة بالمطر، مباراة ستعقبها مباريات، ووقفةٌ ستليها وقفات، تأكيداً للوقفة الإسبانية والأوروبية بل العالمية من الشعوب مع الشعب الفلسطيني، تأييداً لحقه واعترافاً بما يستحقه من دعمٍ وتشجيع.
وأضاف جودة: وقفةٌ تُذكر فتُشكَر وتُقَدّر، ومناسبةٌ تتعدى أهميةَ مجرد مباراة في كرة القدم، أو مجرد حدثٍ رياضي عابر، بل هي وقفة شعبٍ يؤيد شعباً مظلوماً وينصره، وقفة تردد صداها ليس في جنبات ملعب سان ماميس فحسب، بل في أرجاء العالم، وسوف تليها وقفاتٌ ووقفات إن شاء الله، حتى يدرك الجميع أهمية الاعتراف بالحق الفلسطيني ودعمه في كل المحافل، إلى أن يعود الحقُ لأصحابه والأرض إلى أهلها بإذن الله.
مباراة للتاريخ.. وفتح رياضي وسياسي عظيم
بدوره، قال الصحفي الرياضي المغربي بدر الدين الإدريسي: هي أولاً مباراة للتاريخ، وكيف لا تكون مباراة للتاريخ، والفدائي يجري أمام منتخب الباسك الإسباني أول مباراة في تاريخه بالقارة الأوروبية.
وأضاف: هي ثانياً مباراة تحفل بالعديد من الرمزيات القوية. شخصياً أعتبرها فتحاً رياضياً وسياسياً عظيماً، لأنها تكسر طوقاً حديدياً فرضه مَن كانوا بالأمس رافضين قيام الدولة الفلسطينية ومباركين للاحتلال والعدوان.
وتابع الإدريسي: هي مباراة وصفها الإعلام الأوروبي، بشكلٍ خاص، بأنها دعوة للسلام الشامل والدائم والتماسك العالمي في مواجهة الإبادة، وهي كذلك. وهي مباراة أعتبرها شخصياً بمثابة صحوة للضمير العالمي، وبداية عهد جديد في النضال المشروع لفلسطين من أجل قيام دولة مستقلة.
واستطرد الإدريسي: هنيئاً لمن خطط وفكر في هذه المباراة تحديداً برمزيتها المكانية والزمانية، لأنها أدت ما عليها، وفتحت باسم كرة القدم جبهة لإحقاق الحق ونصرة القضية ورفع المظالم بلغة الدبلوماسية الرياضية.
لحظة إنسانية تفيض بالمعاني
أما الصحفي الرياضي اللليبي حازم الكاديكي، فقال: قرأتُ عبارة خسر المنتخب وفازت فلسطين، فوجدتُ فيها تلخيصًا بليغًا لحقيقةٍ أكبر من نتيجة مباراة، كانت في جوهره خلاصةَ الحقيقة، ومرآةً لما حدث في سان ماميس حقيقةٌ تؤكّد أن الهزيمة في النتيجة لا تعني شيئًا حين تنتصر القضية في الوجدان.
وأضاف: أنا إنسان عربي عاشق لفلسطين أراها قضيتي الأولى وهويتي الممتدّة من الروح إلى الذاكرة ومن القلب إلى المستقبل، ولذلك كان مشهد سان ماميس بالنسبة لي أكثر من حدث كروي، كان لحظة إنسانية تفيض بالمعاني لحظة وقف فيها شعبٌ كامل ليهتف باسم فلسطين، اسمٌ لم يعد حدوداً جغرافية بل راية أخلاقية تُرفَع أينما وُجد الضمير.
وتابع الكاديكي : أمّا مشهد الجماهير الباسكية وهي تتوشّح علم فلسطين وتردد نشيدها، فهو شهادةٌ جديدة على أن الحق مهما ثَقُل حمله يجد دائمًا من يرفعه معه.
وأشار الكاديكي إلى أنه "تاريخيّاً لم يحدث أن شجّع جمهورٌ بهذا الشكل فريقاً منافساً ظناً به أنه خصم، فإذا به أخٌ في وجدان الإنسانيّة، كانوا يهتفون من أجل غزة، من أجل الأطفال، من أجل كرامة إنسانٍ يطالب فقط بأن يُرى ويُسمع ويُعترف بألمه.
وقال الكاديكي: بينما خسر المنتخب المباراة، ربحت فلسطين أجمل ما يمكن أن تربحه، ربحت قلوباً صادقة وضمائر لا تُشترى وصوتًا عالميًا يقول إن القضية عربية وإنسانية قبل كل شيء، نعم خسر المنتخب بالنتيجة، لكن فلسطين فازت بالعالم، وفازت بصورة ستبقى طويلاً صورة تقول: إن الإنسان حين يقف مع المظلوم فإن كرامتنا جميعًا تربح.
واعتبر الكاديكي أن "هذا الحدث ليس عابراً، بل صفحة مشرقة تُكتب في زمنٍ يحتاج إلى الضوء".
حين تتكلم الملاعب.. فلسطين في قلب الباسك
من جانبه، قال عادل بو هلال، مقدم برامج رياضية تونسي: لم تكن المباراة الودية التي جمعت السبت بين منتخب فلسطين ومنتخب إقليم الباسك حدثًا رياضيًا عابرًا، بل كانت لحظة كاشفة لما يمكن أن تصنعه الرياضة حين تتحول إلى لغة ضمير عالمي. ففي ملعب باسكي احتشدت فيه الأعلام الفلسطينية، بدا المشهد أكبر من مواجهة كروية؛ كان إعلانًا إنسانيًا جريئًا يؤكد أنّ الشعوب ما زالت قادرة على اتخاذ موقف حين يصمت كثيرون.
وأضاف: ما جرى في تلك الليلة كشف عن حقيقة لم تعد خافية: أنّ القضية الفلسطينية ليست شأناً شرقَ أوسطيّ محصورًا في جغرافيته الضيقة، بل هي قضية إنسانية تمس وجدان شعوب كثيرة، من بينها شعب الباسك الذي يعرف جيدًا معنى البحث عن الحرية وصون الهوية. وهذا الوعي المشترك منح المباراة عمقًا تتجاوز أصداؤه ما حدث فوق العشب الأخضر.
وتابع بو هلال: لقد عبّر الجمهور الباسكي، بهتافاته واستقباله الدافئ، عن تضامن لا تُقيده الحسابات السياسية ولا تعرقله المسافات. أما المنتخب الفلسطيني، فدخل المباراة ممثلًا لشعب يمرّ بواحدة من أصعب مراحله، حاملاً رسالة واضحة: أنّ الفلسطينيين يصرّون على الحياة، وأن صوتهم سيجد طريقه دائمًا، حتى عبر ملاعب أوروبا.
واعتبر بو هلال أن "هذه المباراة لم تكن صرخة غضب ولا مظاهرة احتجاجية، بل كانت فعل سلام. دعوة مشتركة لوقف العنف، واحترام الكرامة الإنسانية، والتأكيد أن الرياضة ما زالت تحتفظ بقدرتها على جمع القلوب حين يتفرّق السياسيون".
وأشار إلى أن "ما حدث أمس يضع أمام الرياضة العالمية سؤالًا مهمًا: إذا كان ملعب واحد قادرًا على إرسال رسالة تضامن تهزّ الضمير، فماذا لو قررت المنظومات الرياضية الكبرى أن تنصت حقًا لنداء العدالة؟".
وأضاف بو هلال: لقد قال الباسك كلمة واضحة، وقال الفلسطينيون كلمة أكثر وضوحًا، والعالم… حان وقت أن يسمع.
أكثر من خمسين ألفاً حملوا أعلام فلسطين
وقال محمد العباسي، صحفي رياضي مصريّ: في الوقت الذي يمنع فيه رفع العلم الفلسطيني في ملاعب بعض الدول العربية، غطى أكثر من خمسين ألف متفرج مدرجات ملعب سان ماميس في مدينة بلباو الإسبانية، وحملوا الأعلام الفلسطينية لدعم الشعب الفلسطيني.
وأضاف: مباراة في كرة القدم بين منتخب الفدائي، الذي لا يجد له ملعباً في وطنه، ولاعبين من إقليم الباسك المعروف بتمسكه بهويته وجذوره، هي في الحقيقة أكبر بكثير من مواجهة كروية ودية، فالجماهير الباسكية لم تحضر لمشاهدة مباراة في كرة القدم، وإنما كانت تبعث برسالة تضامن مع الشعب الفلسطيني بالهتاف طوال اللقاء من أجل وقف المجازر والإبادة الجماعية، التي ترتكب بحقهم وسط صمت وخنوع عربي لم نعرف له مثيلاً.
وتابع العباسي: منتخب الفدائي بوجوده في مثل هذه المناسبات يجعل محاولات الاحتلال لطمس الهوية الفلسطينية من عاشر المستحيلات، فرغم كل ويلات الحرب والدمار وجد أبناء المدرب إيهاب أبو جزر أنفسهم يلعبون لأول مرة في ملاعب القارة العجوز، وسط رفع الأعلام والكوفيات الفلسطينية في اقليم بأكمله، وهذا في حد ذاته انتصار معنوي هائل يؤكد أن الشعوب الحرة هي وحدها القادرة على تغيير المعادلة، حتى ولو عبر مباريات كرة القدم.
النشيد الوطني الفلسطيني يشق عنان السماء
بدوره، قال عوني فريج، الأمين العام للاتحاد العربي للصحافة الرياضية: في إقليم الباسك وعلى ملعبها لم تكن المباراة لقاء كروياً، ولا انتظاراً لفوز، أو تحسباً لخسارة... كان النشيد الوطني الفلسطيني يشق عنان السماء مع تفاعل الجماهير ونداء (فدائي.. فدائي.. يا أرضي يا أرض الجدود.. فدائي فدائي .. يا شعبي يا شعب الخلود) يهز المكان، ويضفي عليه مشاعر جياشة، بما يعبر عن تضامن العالم مع القضية الفلسطينية وشجبها ممارسات الاحتلال الحاقد ضد الشعب الشقيق.
وأضاف فريج: كانت مباراة كروية، لكنها كانت مناسبة لإظهار تعاطف الجماهير مع معاناة الأهل ووقوفها مع عدالة القضية. وتابع: في كل يوم تثبت الرياضة أهميتها وعمقها ودورها في كشف الزيف الصهيوني وفضح ممارساته، وما حدث في ملعب سان ماميس لهو أكبر دليل وشهادة فخر لفلسطين وأهلها وشعبها البطل.
الصوت الفلسطيني.. شعاراً للإنسانية
وقال رضوان علي الحسن، صحفي سوري مقيم في روما: خسر المنتخب وفازت فلسطين.. حينما غابت "الهوية الباسكية" في سان ماميس لتحيا القضية.
وأضاف: لم يكن مشهداً عادياً ذلك الذي شهده ملعب "سان ماميس" الحديدي، القلعة التي طالما رددت بفخر أناشيد الباسك، واحتضنت أبطال أتلتيك بيلباو. المساء، احتجب صوت الباسك طواعية، ليعلو صوت آخر، نشيد "فدائي" يملأ جنبات الملعب، وكأنما خمسون ألف صوت تتناسى هويتها لتستعير هوية أخرى، ترفعها شعاراً لإنسانيتها.
وتابع الحسن: الخسارة بالأرقام على أرض الملعب ربما كانت محتملة في مباراة جمعت فريقاً يبحث عن وطنه، بفريق يمثل وطناً يبحث عن الاعتراف. لكن الأرقام وحدها لا تصنع التاريخ، ولا تكتب قصص البطولات الحقيقية. الفوز الحقيقي كان خارج شباك المرمى، كان في تلك اللحظة المهيبة التي اختفى فيها جماهير الباسك، ليس غيابا، بل حضورا مختلفا، حضورا يضع قضية إنسان فوق هوية، ويفضل نداء الدم على نداء الأرض.
واستطرد الحسن: لقد فهم جمهور الباسك، الذي عانى وطالب بحقه معنى أن تكون مقاوماً. فهموا لغة النشيد الوطني الفلسطيني قبل أن يفهموا كلماته. تفاعلوا مع لحنه لأنه يمثل صوت كل من ظلم، وصرخة كل من طالب بحقه المسلوب. في سان ماميس، لم تكن مباراة كرة قدم، كانت رسالة إنسانية كتبها جمهور الباسك بقلوبهم قبل ألسنتهم.
واعتبر أن "المنتخب الفلسطيني خسر المباراة، لكن فلسطين ربحت تعاطف العالم، وربحت قلوب شعب يعرف معنى النضال. ربحت تأكيداً على أن القضية لا تزال حية في ضمير الإنسانية. الفوز ليس دوماً ثلاث نقاط في جدول، الفوز قد يكون أن تسمع خمسين ألف إنسان يهتفون باسمك في عقر دارهم، مقدّمين هويتهم على مذبح إنسانيتهم".
وأضاف الحسن: في مساء السبت، كتب جمهور الباسك أجمل قصص التضامن، ورسموا بأيديهم وقلوبهم مشهداً لن يُنسى.. مشهداً قال للعالم: فلسطين ليست قضية عربية فقط، إنها قضية كل حر في هذا العالم.
فلسطين حاضرة في قلب كل إنسان شريف
من جانبه، قال إياد جليل، مؤرشف رياضي عراقي: في كل بقعة من ملاعب العالم التي يسكنها الأحرار تجد علم فلسطين يرفرف، ليس لأن المنتخب الفدائي يلعب بذلك المكان، وإنما لأن فلسطين حاضرة في قلب كل إنسان شريف يعرف معنى الإنسانية، وإن كانت سياسات بعض الدول عكس تيارات أبنائها وشعوبها.
وأضاف: لكن الضمير العالمي يدرك جيداً ان قبلة الأحرار وارض الثوار القدس المحتلة وغزة الصمود والإباء حاضرة بوجدان الشرفاء، وخير دليل ما حصل في مباراة فلسطين وإقليم الباسك في ملعب سان ماميس، وتفاعل الجماهير مع النشيد الوطني الفلسطيني لحظة عزفه، وحتى اللاعبون الإسبان رفعوا لافتة كتب عليها (أوقفوا الإبادة الجماعية).
وتابع جليل: صحيح أن المباراة انتهت بخسارة فلسطين بثلاثية، لكن الرابح الأكبر هو القضية الفلسطينية التي أيقظت العالم، فمتى يقض الضمير السياسي من أجل إعادة الحياة إلى فلسطين.. البلد الجميل.
المصدر:
القدس