د. منى أبو حمدية: أبو عمار ليس مجرد اسم يُذكر في الذكرى السنوية لاستشهاده بل حضور دائم في الوجدان الفلسطيني
علي أبو حبلة: كان يتمتع برؤية استراتيجية شاملة وشخصية وطنية جامعة استطاعت تمثيل القضية في أصعب اللحظات
جهاد أبو زنيد: رأى بالمرأة الأمل والحياة المتجددة وأنصفها في إعلان الاستقلال مؤكداً أنها شريكة أصيلة في النضال والبناء
علي المرعبي: شهادة للتاريخ لم ألتق يوماً أبا عمار خلال محنة حصار بيروت عام ١٩٨٢ إلا وهو بكل عنفوان وصمود ورجولة
إسماعيل مسلماني: كان رمزاً لوحدة الهوية الوطنية وصوتاً للمحرومين بالمخيمات وحلماً بالحرية ظلّ حيّاً في وجدان كل فلسطيني
في الحادي عشر من تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠٠٤ رحل الرئيس الرمز والقائد ياسر عرفات (أبو عمار)، فيما حلت الذكرى الحادية والعشرون لاستشهاده هذا العام في ظل حرب الإبادة والتطهير العرقي وتصاعد حرب المستوطنين التي تستهدف الوجود الفلسطيني، فآلة الموت والدمار الإسرائيلية لا تكاد تتوقف عن عمليات القتل الممنهج والاقتحامات والاعتقالات والتدمير والتنكيل، بشكل شبه يومي للمدن والمخيمات والقرى الفلسطينية، وفي هذه الظروف العصيبة تُستعاد ذكرياته بما أسّسه من أدوات مواجهة لا تزال تشكّل العمود الفقري للصمود الفلسطيني، فقد استفادت مختلف مراحل النضال الوطني منذ انطلاقة الثورة المعاصرة من حنكته وإرادته وصموده أمام كل التحديات، إذ حوّل الكثير من الانتكاسات إلى انتصاراتٍ سجلها التاريخ.
ويرى كتاب ومحللون سياسيون، في أحاديث منفصلة لـ"ے"، أن أبا عمار لم يكن قائد مرحلة عابرة، وليس مجرد اسم يُذكر في الذكرى السنوية لاستشهاده بل حضور دائم في الوجدان الفلسطيني، وكان يتمتع برؤية استراتيجية شاملة وشخصية وطنية جامعة استطاعت تمثيل القضية في أصعب اللحظات، ولا يغيب هنا أنه رأى في المرأة الأمل والحياة المتجددة، وهو الذي أنصفها في إعلان الاستقلال مؤكداً أنها شريكة أصيلة في النضال والبناء.
اسمه يظل متوهجاً كنجمةٍ لا تنطفئ
قالت الأكاديمية والباحثة د. منى أبو حمدية: في كل زاوية من فلسطين، من شاطئها حتى جبالها، من زيتونها الواقف في العاصفة، إلى حجارتها التي تحفظ الذاكرة، يظل اسم ياسر عرفات متوهجاً كنجمةٍ لا تنطفئ، تضيء سماء الوطن كلما اشتدّ الظلام. هو ليس اسماً عابراً في سجل التاريخ، بل حكاية وطنٍ تتنفس من بين حروفه، وصوتٌ ما زال يهمس في أذن الأرض: لا تسقطي، فثمة حلم ما زال قائماً
عرفات لم يكن قائداً وحسب، بل كان وجداناً جمع الفلسطينيين تحت رايةٍ واحدةٍ من الإيمان والعناد الجميل. رجلٌ أدرك أن الثورة ليست بندقيةً فقط، بل قلبٌ مؤمن بعدالة القضية، ويدٌ تمتد بالسلام دون أن تُسقط البندقية. في ملامحه كانت فلسطين تمشي على الأرض، وفي صوته كانت الأرض تنطق بالكرامة، وفي عينيه كانت القدس تسكن في صمتٍ مهيبٍ كصلاةٍ لا تنتهي.
وأضافت: في الذكرى الحادية والعشرين لاستشهاده، نستعيده لا بوصفه ماضياً انتهى، بل بوصفه حضوراً دائماً في الوجدان، ونستحضر صمته الذي صار كلاماً، وصموده الذي صار مدرسةً للأجيال.
وتابعت أبو حمدية: لم يكن ياسر عرفات قائداً عادياً، بل أسطورة وُلدت من رحم الخطر، وصنعت ذاتها من لهيب الثورة. كان قلباً نابضاً بالأمة، يحملها في صدره كما يحمل المجاهد بندقيته وإيمانه. واجه العواصف، وتحدّى الانكسارات، ووقف شامخاً أمام الانشقاقات والمؤامرات، مؤمناً أن الاختلاف لا يُطفئ الوطن بل يختبره. وفي لحظةٍ كان يمكن أن ينقسم فيها الصف، اختار الوحدة سلاحاً، والإصرار طريقاً، لأنّه أدرك أن فلسطين أكبر من الأنا، وأوسع من السياسة، وأقدس من الخلاف.
وأكدت أبو حمدية أنه "لم تكن رحلة الرمز عرفات سهلة، فقد صمد في أصعب اللحظات، من حصار بيروت 1982 إلى معارك السياسة في كامب ديفيد 2000، الحصار، والقصف، والتهميش، ومحاولات الاغتيال لم تثنه، بل حولها إلى قوة دافعة، أضاء بها طريق الأجيال القادمة. كان يعرف كيف يحوّل الألم إلى شعلة، واليأس إلى طاقة، والظلام إلى ضوءٍ يضيء دروب المقاومة.
وقالت: كل خطوة على التراب الفلسطيني كانت رسالة أمل، وكل كلمة من صمته كانت إعلاناً أن الحرية ممكنة مهما اشتدت القيود. لقد زرع الورد في كل حفنة تراب، واقتلع الأشواك التي تعيق التقدم والسمو، ليظل الوطن حيّاً في قلوبنا.
وأضافت أبو حمدية: حُوصِر في المكان، لكنّه لم يُحاصَر في المعنى. وحين ضاقت به الجدران، اتسعت له القلوب، فصار رمزاً يسكن الذاكرة ويمتد في الوعي الجمعي، كأنّ روحه تتجوّل في الأزقة، بين الأطفال والحقول، بين المخيمات والقدس العتيقة. هو الذي علّمنا أن الحصار لا يُطفئ الفكرة، وأنّ القائد الحقيقي يموت جسداً .. ليحيا وطناً.
أناقة الثورة وصدق الرسالة وبساطة الحضور
وذكرت أن "ياسر عرفات كان أنيقاً لا بالبزّة وحدها، بل بهيبة الفكرة التي ارتداها، وبساطة الحلم الذي حمله بين يديه. كان بسيطاً في حضوره، عميقاً في صمته، وصاخباً في أثره؛ كأن حضوره نقطة ضوءٍ في ليلٍ طويلٍ من الحصار".
وأضافت: "جمع في شخصه ما لا يجتمع: العنفوان والوداعة، الصلابة والمرونة، البندقية وغصن الزيتون.عرفات لم يكن مجرد قائدٍ سياسي، بل ذاكرة تمشي على قدمين، وراية خفّاقة لا تُطوى في مهبّ الرياح".
وتابعت أبو حمدية: لقد حمل رسالته للأجيال القادمة كما يحمل الشهيد وصيّته في القلب، ليبقى صوته هادئاً وحازماً في آن: "لا تنسوا القدس… فهناك تبدأ الحكاية، وهناك تنتهي البوصلة". وهكذا، ظلّ ياسر عرفات ليس مجرد رجلٍ من زمنٍ مضى، بل كان زمناً قائماً في كل رجلٍ وامرأةٍ من هذا الشعب الذي لا يموت.
الوصية الأخيرة.. لا تنقسموا على الوطن
وأوضحت أبو حمدية أن "ياسر عرفات الإنسان لم يمت، بل تحوّل إلى أسطورة تكتب التاريخ والكرامة. صوته ظل ضميراً جماعياً يذكّرنا بأن الوحدة وحدها هي الخلاص، وأن الانقسام خيانة لدم الشهداء. هذه الرسالة هي دعوة لكل الفصائل الفلسطينية، ولكل القلوب المخلصة، أن تعود إلى نهجه، إلى صدقه الأول، إلى النقاء الذي جعل من الرصاصة صلاة، ومن الزيتون معبراً إلى الفجر".
وقالت: ياسر عرفات ليس مجرد اسم يُذكر في الذكرى السنوية لاستشهاده، بل هو حضور دائم في الوجدان الفلسطيني، نوره يضيء طريق الأجيال، وصمته يُعلّمنا الصبر والثبات. هو من علمنا أن الوطن أكبر من كل ما يُمكن أن يعترض طريقه، وأن الحرية لا تُهدى، بل تُنتزع بصبر وعزم وإيمان.
حكايات وتأثير استراتيجي على القضية الفلسطينية
بدوره، قال المحامي علي أبو حبلة: صادف الحادي عشر من الشهر الجاري ذكرى استشهاد الرئيس ياسر عرفات "أبو عمار"، القائد التاريخي لمنظمة التحرير، ورمز النضال الفلسطيني على مدى أكثر من أربعة عقود. رحيله في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2004 ترك فراغاً قيادياً كبيراً، وأثر بعمق على المسارين السياسي والاستراتيجي للقضية الفلسطينية، محلياً وإقليمياً.
وأضاف: وفي هذا يؤكد المرحوم الدكتور صائب عريقات، الأمين العام السابق للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أن عرفات كان قائداً يتمتع برؤية استراتيجية شاملة: "عرفات لم يكن مجرد زعيم سياسي، بل رمز للوحدة الفلسطينية. كان يعرف كيف يجمع الفصائل المختلفة حول هدف واحد، حتى في أصعب اللحظات".
وتابع أبو حبلة: كما يشير أحد المقربين من قيادات حركة "فتح" إلى الجانب الإنساني العميق لشخصيته:
"كان أبو عمار يستمع لكل صوت، صغيراً كان أو كبيراً، ويعطي كل شخص إحساساً بأن رأيه مهم. كان يعرف كيف يوازن بين القوة واللين، بين المفاوضة والمقاومة، وهذا ما جعله قائداً محبوباً ومؤثراً".
وأضاف: على صعيد الدبلوماسية العربية يشير السفير الأردني الأسبق الدكتور يوسف العيسى إلى دور عرفات في صياغة العلاقة بين القضية الفلسطينية والدول العربية: "عرفات كان يدرك أن القضية الفلسطينية ليست فقط صراعاً مع الاحتلال، بل محور لاستقرار المنطقة. كان يحافظ على مصالح الشعب الفلسطيني، ويستخدم علاقاته لتأمين دعم سياسي ومادي مهما كانت الضغوط".
وتابع أبو حبلة: كما تقول الدبلوماسية المصرية السابقة السفيرة فاطمة شوقي: "عرفات كان يعرف متى يستخدم القوة السياسية، ومتى يعتمد على الوساطة الدبلوماسية. حتى في أصعب الأوقات، كان يحافظ على توازن العلاقات مع جميع الأطراف".
وأشار أبو حبلة إلى أنه بعد استشهاد عرفات، واجهت السلطة تحديات كبيرة في بناء قيادة وطنية متماسكة، قادرة على مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وموازنة الضغوط الداخلية والخارجية، وساهم هذا الفراغ في تصاعد الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة لاحقاً. وكانت له انعكاسات وتداعيات على المفاوضات الدولية.
وأكد أبو حبلة أن عرفات كان قوة تفاوضية مركزية، يمتلك القدرة على الضغط على إسرائيل واستمالة المجتمع الدولي. رحيله أدى إلى تراجع قدرة الفلسطينيين على تقديم رؤية موحدة في محادثات السلام، ما انعكس على نتائج مفاوضات أوسلو وما بعدها.
الاستراتيجية الفلسطينية ما بعد عرفات
وقال أبو حبلة: اعتمد عرفات على مزيج من المقاومة الشعبية والمفاوضات السياسية، وهو ما شكل نموذجاً فريداً للقيادة الفلسطينية. وبعد رحيله، ظهرت صعوبة في تحديد الأولويات الوطنية بين المقاومة والمفاوضة، ما أدى إلى تشتت الرؤية الاستراتيجية الفلسطينية وانعكس على التنسيق بين الفصائل والإدارة الدولية.
أما على المستوى الإقليمي، فأوضح أبو حبلة أن "عرفات لعب دوراً محورياً في الحفاظ على القضية الفلسطينية كقضية مركزية في السياسات العربية. وبعد رحيله، شهدت المنطقة صعوبة في الحفاظ على هذا التوازن، وتراجع التأثير الفلسطيني على صياغة السياسات الإقليمية، خصوصاً مع تصاعد النفوذ الإسرائيلي والأمريكي في القرارات الإقليمية".
وأضاف: في ذكراه نذكّر بأهمية القيادة الوطنية المتماسكة التي تجمع بين الحنكة السياسية، والصبر الاستراتيجي، والقرب من الشعب. أبو عمار يظل رمزاً للنضال الفلسطيني، ودروسه القيادية تشكل نموذجاً للأجيال القادمة حول إدارة الصراع الوطني بعقلانية وتوازن، مع الحفاظ على الهوية والحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني.
وختم أبو حبلة حذيثه بالقول: في كل عام، تتجدد الذكرى لتستحضر تجربة قيادة مليئة بالتحديات، لكنها أيضاً مليئة بالإنجازات والدروس الوطنية. أبو عمار كان أكثر من قائد سياسي، كان شخصية وطنية جامعة، استطاعت أن تمثل القضية الفلسطينية في أصعب اللحظات، ويبقى إرثه استراتيجياً لكل من يريد فهم طبيعة الصراع الفلسطيني ومستقبل القيادة الوطنية.
القائد الذي لن تنساه أجيال فلسطين
وقالت جهاد أبو زنيد، عضو المجلس الوطني: "عندما تكون يتيماً، تدرك حقاً قيمة الأب والقائد والزعيم ياسر عرفات. ذلك الرجل الذي لن تنساه أجيال فلسطين، القائد، الرئيس، الأب الحنون الذي كان يدخل كل بيت ويعرف احتياجاته، ويحتضن كل طموح، وإن لم يستطع تحقيقه كان يقول: "سأحاول"، وكان بالفعل يحاول".
وأضافت: هذا الرجل لم يتنازل عن شيء يخص شعبه، وقال ذات يوم: "لا أستطيع أن أقضي ليلة واحدة دون أن يكون شعبي بخير، فشعبي وحده من يقرر ماذا يريد في اليوم التالي".
وأكدت أبو زنيد أن القائد ياسر عرفات كان يقول دائماً: "لن أتنازل إلا عن شيء واحد... عن روحي، إما شهيداً، وإما شهيداً، وإما شهيداً". نعم، إنه القائد الخالد، ياسر عرفات، الظاهرة التي لن يجود التاريخ بمثلها.
وقالت: إن ياسر عرفات هو الأب، هو الأخ، هو الصديق والرفيق، هو المناضل والثائر، والعظيم الذي يعطي دون أن ينتظر شيئاً في المقابل.
وتابعت: إنه "الياسر"، أسطورة الوطن والنضال، أسطورة القرار والحزم، القائد النوعي الذي يتكامل في كل شيء، لا تفوته أدق التفاصيل، بذكائه وذاكرته الحاضرة وقدرته على تذكر كل صغيرة وكبيرة.
وأكدت أبو زنيد أن ياسر عرفات العظيم، أبو عمار، هو حلم كل فلسطيني، حلم كل طفل، وكل امرأة، وكل شيخ، وكل إنسان. فهو في القلوب، وفي التاريخ، وفي الذاكرة، وفي الحاضر والمستقبل. ياسر عرفات رسم لنا طريق القيادة نحو النجاة، نحو إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية. ياسر عرفات هو القدس، وهو الرؤية الواضحة، وهو الحلم بكل تفاصيله.
وأضافت: كان يعرف معنى الحياة والسياسة والاقتصاد والأمن والاجتماع، وكان يدرك أهمية التواصل الإنساني حتى قبل وجود وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة. كان يعرف ما معنى أن تنجب الأمهات اللواتي لم يستطعن الإنجاب، وما معنى أن تُزرَع الأرض لأجل مستقبل أطفالنا حتى لا يتشتت هذا الشعب.
وكان يقول دائماً: "مهما قتلوا من هذا الشعب، ومهما دمّروا، فهناك نساء عظيمات... نساء فلسطين".
وكان صاحب المقولة الشهيرة: "هنا نساء العالم، لكن نساء فلسطين متميزات، فهن لا يشكلن نصف المجتمع فقط، بل يشكلن كل المجتمع الفلسطيني".
وتابعت أبو زنيد: رأى في المرأة الفلسطينية الأمل والحياة المتجددة، ولم يأتِ في تاريخ الشعب الفلسطيني قائد أنصف المرأة كما أنصفها ياسر عرفات. أنصفها بقراره، حين أعلن استقلال دولة فلسطين، مؤكداً أن المرأة شريكة أصيلة في النضال والبناء، وأن لها الحق في المساواة في الحقوق والواجبات.
وختمت أبو زنيد حديثها بالقول: إن المرأة الفلسطينية تحدث عنها ياسر عرفات، وكتب من أجلها، وصرخ لأجلها، مؤمناً بأنها قلب فلسطين النابض وعنوان صمودها.
حكاية من حصار بيروت
من جانبه، قال أمين عام اتحاد الصحفيين والكتاب العرب في أوروبا علي المرعبي في ذكرى رحيله: رحم الله أبا عمار لكل ما قدمه من أجل القضية الفلسطينية.
وأضاف: أثناء حصارنا في بيروت عام 1982 كنت في مساء ذلك اليوم راجعاً باتجاه مكتب برج أبو حيدر، بعد أن تعرضت بسيارتي ومن معي لقصف مركز من بارجة إسرائيلية قرب فندق الكارلتون أثناء نزولنا من هناك نحو الروشة بعد زيارة إحدى القواعد المكلفة بالتصدي لأي محاولة إنزال بحري على شاطئ الرملة البيضاء. عندما اتاني أحد الإخوة المسؤولين، وانتحى بي جانباً، وهمس لي: هل يستطيع أبو عمار أن ينام عندك بالبيت الليلة؟ ... رحبت به طبعاً.
وتابع: لدى وصوله لاحقاً بسيارة متواضعة جداً، ومع مرافق واحد، صافحني متبسماً كعادته، وقال لي: "جرى إيه معاكم؟ كويس إنكم نجوتم من قصف البوارج لأنه يكون مركز و دقيق".. فرددت عليه ضاحكاً: "أخ أبو عمار الظاهر لسه في العمر بقية". دردشة قصيرة .. استسلم للنوم بعدها. زيارة "نوم" تكررت خلال الحصار أكثر من مرة.
وختم المرعبي: "شهادة للتاريخ لم ألتقه يوماً خلال محنة الحصار إلا وهو بكل عنفوان وصمود ورجولة..".
كرّس حياته من أجل القضية
وقال الكاتب والمحلل السياسي إسماعيل مسلماني: "نستحضر رحيل القائد الرمز ياسر عرفات، الذي شكّل بوصلة النضال الفلسطيني عقوداً طويلة. لم يكن عرفات مجرد زعيم سياسي، بل كان رمزاً لوحدة الهوية الفلسطينية وصوتاً للمحرومين في المخيمات، وحلماً بالحرية ظلّ حيّاً في وجدان كل فلسطيني".
وأشار إلى أنه منذ انطلاق الثورة الفلسطينية في ستينيات القرن الماضي، كرّس عرفات حياته من أجل القضية، متنقّلاً بين العواصم والجبهات، حاملاً البندقية وغصن الزيتون معاً. كان يؤمن أن السلام لا يتحقق إلا بكرامة، وأن المقاومة حق لا يسقط بالتقادم. رفض التنازل عن القدس، وتمسك بحق العودة حتى آخر لحظة من حياته.
بين الحصار والرحيل
وأكد مسلماني أن السنوات الأخيرة من عمره شهدت حصار المقاطعة في رام الله، حيث رفض الاستسلام رغم القصف والعزلة. كانت صورته خلف النوافذ المهدّمة رمزاً لصمود شعب بأكمله. رحل في الحادي عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 2004، لكن رحيله لم يُنهِ حضوره، فذكراه لا تزال حية في المخيمات والشوارع، وفي عيون الأجيال التي وُلدت بعده.
إرث وطني وإنساني لا يُمحى
وقال: بعد أكثر من عقدين على غيابه، ما زال اسم ياسر عرفات يُلهب المشاعر، ويثير الجدل بين من يراه رمزاً للتحرر الوطني، ومن يراه مؤسس الهوية الفلسطينية الحديثة، لكن الجميع يتفق على أنه ترك إرثاً لا يُمحى من الوطنية والإصرار على الكرامة.
وأضاف: وفي هذه الذكرى، نتوقف لنقول: إن رحيل ياسر عرفات لم يكن نهاية الحلم الفلسطيني، بل استمرار له في قلوب الأجيال الجديدة. فكما علّمنا "أبو عمار"، الوطن لا يُستعاد إلا بالإيمان بعدالة القضية، وبوحدة الصف والإصرار على الحرية.
وتابع مسلماني: رحل الجسد، لكن الفكرة باقية، والعلم الذي رفعه سيبقى رمزاً للأمل حتى يتحقق ما ناضل من أجله: قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
المصدر:
القدس