يعيش قطاع غزة واحدة من أشد أزماته الاقتصادية منذ سنوات، بفعل القيود المشددة المفروضة على حركة البضائع عبر المعابر، والتي حوّلت إدخال السلع الأساسية إلى ما يشبه "المزاد المالي المغلق".
إذ تُفرض رسوم وتنسيقات باهظة على الشاحنات التجارية تصل أحيانًا إلى أكثر من 100 ألف شيكل (31 ألف دولار) للشاحنة الواحدة، في بيئة احتكارية أضعفت المنافسة وخنقت النشاط التجاري في مختلف القطاعات.
تشير بيانات الغرفة التجارية إلى أن إجمالي المبالغ المدفوعة لتنسيق دخول البضائع بلغ نحو 805 ملايين دولار حتى مارس/آذار 2025، مما أدى إلى ارتفاعات حادة في الأسعار تراوحت بين 200 و500% مقارنة بالفترة التي سبقت الحرب.
ويحذر خبراء اقتصاديون من أن استمرار هذا الواقع دون رقابة أو شفافية في إدارة المعابر قد يقود إلى انهيار شامل للاقتصاد الغزّي.
ويؤكد هؤلاء الحاجة إلى تدخل دولي عاجل يضمن انسياب البضائع والمساعدات الإنسانية وفق آليات رقابية شفافة تعيد التوازن إلى اقتصاد أنهكته الحرب والقيود.
ويرى الخبير في الشأن الاقتصادي أحمد أبو قمر أن استمرار الوضع الحالي ينذر بمزيد من ارتفاع الأسعار وتفاقم معدلات التضخم، مما يؤدي إلى انكماش أعمق في الاقتصاد المحلي واستمرار ما وصفه بـ"هندسة وإدارة المجاعة".
ويؤكد أن تحقيق إصلاح اقتصادي حقيقي وخفض الأسعار يتطلب معالجة جذرية لمسببات الأزمة، تبدأ بإزالة القيود على حركة البضائع وضمان تدفقها إلى الأسواق دون ضرائب أو تنسيقات.
ويشكو مواطنون التقتهم الجزيرة نت من ندرة أصناف أساسية في الأسواق مثل الدجاج واللحوم الحمراء والأسماك المجمدة والبيض، وإن وُجدت فهي شحيحة وبأسعار مرتفعة تفوق قدرة معظم الأسر على الشراء.
ويبرر بعض التجار هذا الارتفاع بتكاليف النقل ورسوم التنسيقات المفروضة على إدخال البضائع، إضافة إلى قلة الكميات المسموح بدخولها وضعف المعروض في السوق.
لكن المواطنين يرون أن هذه المبررات لا تعفي التجار من استغلال الأوضاع الصعبة لتحقيق أرباح مبالغ فيها، مطالبين بتشديد الرقابة وضبط الأسعار وضمان العدالة في توزيع السلع الأساسية.
ويُعد الاحتلال الإسرائيلي العامل الأبرز في خنق الاقتصاد الغزّي، عبر إحكام سيطرته على المعابر التجارية واستخدامها كأداة ضغط سياسي واقتصادي.
ويؤكد محللون سياسيون أن غياب الضغط الدولي على إسرائيل لإلزامها بالاتفاقات أسهم في تفاقم الأزمة وكرّس واقعًا اقتصاديًا مختلًا يتطلب تدخلا عاجلا.
ولا تقتصر تداعيات الأزمة على الاقتصاد فحسب، بل تمتد إلى الجوانب النفسية والإنسانية والاجتماعية.
المصدر:
القدس